أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > مجتمع > المنتديات الروحية > اللاهوت المسيحي المعاصر

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 09/06/2005   #1
شب و شيخ الشباب رومانوس
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ رومانوس
رومانوس is offline
 
نورنا ب:
Jan 2005
مشاركات:
35

افتراضي الإنفجار الديني في القرن الحادي والعشرين


الإنفجار الديني في القرن الحادي والعشرين
قرأت منذ شهر تقريباً, لكاتب وأستاذ فرنسي, ما معناه:
" في القرن الماضي, عندما كنت أكلِّم طلابي عن الدين, كانوا يتثاءبون من الملل, وعن الجنس فكانوا يهتمون اهتماماً بالغاً. "وفي أيامنا هذه, اكتشفت أنني عندما أكلمهم عن الجنس, يتثاءبون من الملل, أما عن الدين فيهتمون اهتماماً بالغاً!"
• الإنفجار الديني
قد لا يكون هذا التحوّل في اهتمام الشبيبة عاماًّ, شاملاً جميع الشابات والشبان, إنما هو اتجاه التطوّر الذي أصبح ظاهراً أكثر فأكثر "لصالح الدين", لا في صفوف الشبيبة فقط بل عند جميع أبناء البشر.
وقد تنبّأ الكاتب الفرنسي "مالرو"(Malraux) قائلاً: هذا القرن سيكون متديناً أو لا يكون (ce siècle- le 21ème, sera religieux, ou il ne le sera pas)
ولكن أيّ دين؟ وأي ظاهرات دينية؟ تبدو الظاهرات الدينية الحالية متنوعة جداًّ. فالمسيحية تتفرع في جماعات تسمي ذاتها "كنائس", وتسميها الكنائس التاريخية "بدعاً" و "هرطقات", زاد عددها على الأربعمئة! والإسلام أصبح "إسلامات", كما كتب "طلال سلمان" في مقالته بتاريخ 5/10/2001 "من ينقذ الإسلام من المسلمين وإسلاماتهم الكثيرة"؟! والهيآت والمنظمات الدينية الناشئة في القرن العشرين أصبحت فعلاً لا تُعدّ ولا تحص, لأنها تولد وتتفرع وتموت بسرعة تُعجز علماء الإجتماع والإحصاء عن رصدها. والأفراد الذين يعلنون عن تقديمهم "الجديد" واكتشافهم "المنقذ", "والمحرر" على صعيد الديانات, أصبحوا بالآلاف, يجذبون الملايين إلى "جديدهم".
وتنشأ في أيامنا عدداً من "حلقات لعبادة الشيطان" التي تجذب انتباه الفضوليين... والصحفيين, تنشأ رهبانيات جديدة في الأديار المسيحية وفي المجتمعات العادية, يعيشون حياتهم كباقي العلمانيين في الظاهر, وكالمتنسكين والمتصوفين في الداخل, كما تنشأ الطرائق الصوفية في الإسلام. ويمكن القول: كما أنه حدث انفجار نووي, وانفجار سكاني, وانفجار معلوماتي, يحدث الآن "انفجار ديني".
في القرن الماضي أعلن الفيلسوف الألماني "نيتشه" أن "الله قد مات", فإذا بالله حيّ, في عصرنا, أكثر من أي عصر مضى, ولكن تعددت أسماؤه وتنوعت صفاته.
ونشأ تياران رئيسان في كل ديانة:
- تيار الإنفتاح على الديانات الأخرى, والقبول بالإختلاف والتعددية في التعابير الدينية, كقيمة من صلب الإيمان,
- وتيار الرفض والتكفير لكل ديانة متميزة, بل لكل مذهب ضمن ديانة, سُمِّي تعصّباً, وتطرّفاً, وأصولية, تيار الإنغلاق على تعابير جامدة, لا يعاد النظر فيها.
كما انتشر على هامش الديانات والفلسفات تيار ثالث واسع يمكن تسميته "اللاأدرية", لا ينكر وجود الله ولا يؤكد وجوده. وكثر الكلام عن تجاوز الإهتمام بالعقائد والعبادات, للإهتمام بالروحيات والأخلاقيات والقيم والإلتزام بالإنسان وقضايا الإنسان, أي ما يسمى "المعاملات", في الإسلام, و"الأعمال" في المسيحية. وأخذ الإعلام يُفرد زاوية للشؤون الدينية... بل صفحة كاملة أسبوعية, "كالنهار" منذ بعض الوقت. وطلب مني أن أشارك بمقالة في هذه الصفحة, آمل من خلالها أن أتمكن من تقديم بعض المحاولات الإيمانية, التي قد تفتح حواراً على صعيد الروحيات والقيم والإلتزام الإنساني.
ورأيت أن أبدأ كعادتي بتمييز بعض المفردات التي تتردد في مجال الكلام عن الديانة والله والإنسان, تماشياً مع فكرة من "أفكار"(Pensées) "بسكال" (Pascal) الكاتب المؤمن الفرنسي (التي تحتاج بلادنا إلى اعتمادها كمبدأ أساس يخفف من المعارك الجانبية والسجالات التي تعب منها المواطنون المؤمنون وغير المؤمنين واللاأدريون). والفكرة هي:
"البربرية تخلط, والمدنية تميّز" (La barbarie confond et la civilisation distingue) والمفردات المستعملة, في إطار الأديان, هي – بدون حصر- التالية:
- الإيمان بالله, والأنبياء, والرسل, والكتب "المقدسة", أو "المنزلة", أو "الموحى بها", وهو يعني العلاقة الشخصية الحميمة مع الله,
- العقائد, التي تعبّر عن الإيمان في تفاصيله, وتُجمع في "علم اللاهوت", أو "علم الكلام".
- الروحيات, التي تُعنى بنمو الروح في الإنسان, من خلال الجسد والنفس, في طاقات روحية, كالإيمان والرجاء والمحبة,
- الأخلاق, التي تنظم حياة الإنسان, إنطلاقاً من الإيمان والعقائد, ليعمل الخير ويمتنع عن الشر, بحسب ما يوجه إليه الضمير.
- القِيَم, وهي مبادئ حياتية تتكون لدى كل إنسان من كل ما سبق ذكره, فتصبح مقاييس ومعايير لسلوكه,
- المعاملات, وهي الأعمال التي يقوم بها المؤمن تجاه نفسه, وتجاه الآخرين, والتي يختصرونها في المسيحية بالمحبة, وفي الإسلام بالعدل, وتتضمن تطبيق جميع الوصايا التي وصلت إليه عبر الكتب المقدسة والتعاليم النابعة منها,
- العبادات أو الشعائر, وهي الأعمال التي يقوم بها المؤمن تجاه الله, من صلاة ودعاء وصوم, وحج, مع التأكيد أن جميع أعمال الإنسان يمكنها أن تصبح عبادات, إذا توافرت لها نية العلاقة مع الله,
- العرفان, أو الطرائق الصوفية, التي تنطلق من الإيمان والأعمال والعبادات, لتتجاوزها في علاقة أكثر حميمة مع الله, تصل إلى الإتحاد به إتحاداً تتفاوت تجلياته والتعابير عنه,
- التقاليد والأعراف والعادات, المنبثقة عن العقائد والعبادات, وعن الحضارات والثقافات المحيطة بالإنسان, منها ما ترجع إلى "عهد التأسيس",إلى النبي أو الرسول, أو "كلمة الله" وابنه, كما يعتقد المسيحيون, ومنها ما استجدّت عبر التاريخ, وابتعدت عن عهد التأسيس, وأصبحت تتماهى مع جوهر الدين, بل تحلّ محلّه كأنها هي الأصح والأحق بالتعبير عن جوهر الدين.
- الشرائع والقوانين والآداب الدينية, وهي وضع الأخلاقيات والعبادات والمعاملات في قالب "شرعي", "قانوني", يعترف به المجتمع الديني و/أو المدني, وقد يكون البعض منها وارداً في "الكتب المقدسة", وهي تجمع في مصنّفات "الفقه" عند المسلمين, و"الحق القانوني" عند المسيحيين,
- المسؤولون الرسميون في كل دين, ويسمّون أو يسمّون أنفسهم "سلطات", "ورئاسات", بالرغم مما جاء في "الكتب المقدسة" من تحذير ضد هذه التسميات والممارسات التي تتضمنها,
- المؤسسات الدينية, التي ينشئها "المسؤولون" في كل دين, كإطار لمسؤوليتهم, "وسلطتهم", وهي تتنوع بتنوع العناصر الدينية المختلفة: العقائدي-الأخلاقي- الشعائري, الفقهي-لا سيما المحاكم-, "وفوق" هذه جميعها المؤسسات الإدارية, كالبطريركيات والمطرانيات, ودور الفتوى, "والمجالس العليا"... ورئاسة "المجتمع الديني", عندما يكون ذلك ممكناً,
- المؤسسات التربوية والإجتماعية والطبية... الدينية, أو الطائفية, كما تُسمّى في لبنان, ومنها ما هو طائفي على صعيد الإدارة والقرار وعلى صعيد المستفيدين أيضاً, ومنها ما هو مفتوح للجميع على صعيد المستفيدين.
- اللغة والثقافة والحضارة الدينية, التي تجسّدت في تعابيرها كل ديانة, عند انطلاقتها, أو في أوج نموها, فتتماهى هذه الديانة مع هذه التعابير, حتى يصعب بل يستحيل أحياناً فصل هذه عن تلك,
- العلوم الرديفة للأديان, لا سيما علوم:
• التفسير والتأويل,
• نقد النص بالعلم, والألسنية
• التاريخ والجغرافيا, وعلم الآثار,
• الأنتروبولوجيا والعلم الإجتماعي,
• التاريخ المقارن للديانات...
- المتدينون الذين يمارسون جميع العناصر السابق ذكرها, بأجمعها أو ببعض منها, المسمون باسم كل ديانة: اليهود والمسيحيون والمسلمون...
-
- • الإيمان والدين
بعد هذا العرض الموجز للعناصر التي تتكون منها الديانات المختلفة, يمكن إجراء بعض التمييزات الضرورية لكل من يتكلم أو يكتب في أي شأن من الشؤون الدينية.
وأول تمييز كبير هو بين الدين والإيمان:
- فالإيمان هو العلاقة الحميمة بين الإنسان والمطلق, الذي يسمّى "الله" في المسيحية والإسلام, و"يهوه" في اليهودية, وغير ذلك في الديانات الأخرى,
• هذه العلاقة لا تحتاج إلى أي تعبير خارجي, فهي باطنية, داخل أعمق ما في الإنسان,
• وتأكيد يقيني على وجود كائن متسامٍ عن جميع ما سواه, يستحيل التعبير عنه:"ليس كمثله شيء" ( الشورى 11)
• وتأكيد على علاقة متبادلة كيانية بينه وبين المؤمن به,
"في ذلك اليوم (في الأبدية) ستعلمون أني أنا في أبي, وأنتم فيَّ, وأنا فيكم" (يوحنا 20:14)
" ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" (ق 16)
• وتأكيد على الأهمية المطلقة لهذه العلاقة المتبادلة.
- بينما الدين هو مجموعة التعابير الخارجة عن هذا الإيمان,تتضمن جميع العناصر الأخرى التي فُصِّلت بإيجاز في ما سبق: من العقائد والأخلاق والعبادات والشرائع, حتى المؤسسات والمسؤولين الرسميين...
لذلك يمكن للإنسان:
- أن يكون "متديناً", منتسباً لأحد الأديان, بدون أن يكون "مؤمناً". وقد أبرز القرآن الكريم هذا التمييز في الآية الشهيرة:
"قالت الأعراب: آمناً, قل: لم تؤمنوا, ولكن قولوا: أسلمنا, ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم." (الحجرات 14)
كما كان المسيح قد نبّه إلى ذلك في مواضع مختلفة:
"أيها المراؤون, حسناً تنبأ "أشعيا" عليكم, إذ قال:
هذا الشعب يكرمني بشفتيه, وأما قلوبهم فبعيدة عني جدّاً.
فهم باطلاً يعبدونني, إذ إنهم يعلِّمون تعاليم هي وصايا الناس" (متى 8:15و9)
"ليس كل من يقول لي: يا رب, يا رب! يدخل ملكوت السماوات بل الذي يعمل إرادة أبي الذي في السماوات" (متى 21:7)
- أو أن يكون مؤمناً إيماناً حقيقياًّ, حياتياًّ في عمق قلبه, بدون أن يمارس جميع عناصر الدين المذكورة سابقاً,
• فقد يختار البعض منها, التي تساعده على حياة الإيمان,
• وقد يترك البعض الآخر, الذي لا يرى فيه أي تجسيد لإيمانه,
• بل قد يُجري نقداً لعناصر الدين التي وصلت إليه, بالإستناد إلى إيمانه العميق بما هو جوهر هذا الإيمان,
• ويحاول تغيير تعابير الديانة التي ينتمي إليها, لإعادتها إلى أصالتها, أو لإحيائها بعد أن أصبحت جامدة "روتينية", أو كما يترجم عن الفرنسية "لغة خشبية" أو "لساناً خشبياً" (langue de bois).
وبدون شك, لا يستقيم الإيمان القلبي, الباطني بلا تجسيد خارجي له, مهما كان ضئيلاً, لأن الإنسان ليس روحاً فقط, بل هو روح ونفس وجسد.


• الدين والمذهب
بسبب عناصر الدين العديدة, وبسبب اختلاف المنتمين إليه, لا يظل الدين وحدة متماسكة. فإذا شبهنا الأديان المختلفة ببساتين زهور كل بستان فيه بعض أصناف الزهور دون غيرها, يمكن أن يختار كل واحد من بستانه باقة مختلفة عن باقات غيره, ينسقها بطريقة خاصة به, فتأتي الباقات متنوعة, مع أنها مشكلة من الزهور ذاتها, هكذا يختار كل معتنق لأحد الأديان "باقة" من عناصر الدين, تُسمَّى مذهباً.
فالمذهب بالعموم, وفق المعجم, "طريقة ونهج". فلكل مذهبه في الحياة, والمذهب الفلسفي "مجموعة من النظريات والآراء ارتبطت بعضها ببعض, ارتباطاً يجعلها منسّقة, كالمذهب الوجودي".
ولكل دين مذاهبه.
فالدين المسيحي له مذاهب متنوعة جداًّ, تجمع عادة في مذاهب ثلاثة على صعيد العقيدةٍ: الكاثوليكي, والأرثوذكسي, والبروتستنتي أو الإنجيلي. والبروتستنتي يتفرع إلى مئات المذاهب, تسمي ذاتها "كنائس", كالأنكليكانية, والأسقفية, والمشيخية, والمعمدانية وغيرها.
أما على صعيد العبادات, فلا عد لها. فالمذهب الكاثوليكي فيه "طقوس سبعة": اللاتيني, والماروني, والبيزنطي, والأرمني, والسرياني, والكلداني, والقبطي.
والدين الإسلامي له أيضاً مذاهب متنوعة, أهمها على صعيد العقيدة: السني, والشيعي, والإسماعيلي, والعلوي, والدرزي.
وعلى صعيد الفقه هناك لدى السنة أربعة مذاهب: الحنفي, والمالكي, والشافعي, والحنبلي, ولدى الشيعة المذهب الجعفري.

• الدين والبدعة المذاهب تتنوع, ولكنها لا تخرج عن الإطار الديني الواحد, فتبقى, مثلاً, المذاهب المسيحية الثلاثة "كنيسة واحدة, جامعة, مقدسة, رسولية", لأنها تؤمن بمجموعة من العقائد الأساسية المشتركة. وهي مجتمعة في المشرق ضمن "مجلس كنائس الشرق الأوسط".
ولكنها جميعها تعتبر "شهود يهوه" لا مذهباً مسيحياً بل "بدعة", لعدم الإيمان بألوهية المسيح ابن الله الوحيد, الذي له وللآب والروح جوهر واحد وطبيعة واحدة, فهم يعتقدون أن "كلمة الله" هو أول خلائق الله وأسماها, لكن ليس إلهاً.
"فالبدعة في الدين نزعة جديدة شاذة خارجة على المعتقد الأصلي." (المنجد).
والفرق بين البدعة والمذهب هو أن المذهب لا يخرج من الدين الواحد المشترك بين المذاهب الأخرى, بينما البدعة تفصل معتنيقيها عن الدين الأصلي الذي تمايزت عنه.
• "التيارات الإنقسامية" و"الحركة المسكونية"
وقد أصبح في القرن الأخير تياران ضمن الدين الواحد:
- تيار إنقسامي, يجعل الدين الواحد يتجزأ إلى مذاهب, والمذهب إلى فرق, والفرقة إلى طرائق عبادية, كل جهة ترفض الجهات الأخرى, بل تكفّرها في بعض الأحيان.
- وتيار "تجميعي", إن يُسمح بهذا التعبير, يجعل الأديان المختلفة, والمذاهب المتنوعة تتقارب, وتعتبر قيماً إنسانية, بل دينية يحسن بالجميع, تقاربها وتفاعلها.
وقد سُمّي هذا التيار في المسيحية "الحركة المسكونية", التي تسعى إلى تحقيق "وحدة الكنيسة", أو أقله إلى "اتحاد الكنائس" إتحاداً فدرالياً, يبقي لكل كنيسة عناصرها تتميز عن غيرها, إنما تتفاعل وتتعاون مع غيرها من الكنائس في تحقيق أهداف مشتركة.
وفي الإسلام هناك محاولات تقارب, وتفاعل, وتعاون في أطر مختلفة, منها عالمية مثل: "منظمة المؤتمر الإسلامي", "ورابطة العالم الإسلامي" ومنها محلية, مثل "هيئة العلماء".
وبين المسيحيين والمسلمين هناك أيضاُ محاولات تقارب, تحت إسم "الحوار الإسلامي المسيحي", على صعيد عالمي, وإقليمي, ومحلي, يظهر حالياًّ أنه يراوح مكانه... ولكن مجرد وجوده, والمحاولات العديدة لتجسيده في المؤتمرات والندوات... هو مؤشر أن خطّ التاريخ أصبح داعماً للتيار "التجميعي". ولا بد من الرجوع إلى هذا الموضوع في مقالات لاحقة.
• الدين والطوائف
جميع التمييزات السابقة يمكن إيرادها بشأن الأديان والمذاهب في العالم بأسره. ولكن هناك تمييز إضافي لا يرد إلا في بعض البلدان, ومنها لبنان: هو التمييز بين الدين والطائفة, والأديان والطوائف. لماذا؟
لأن "الطائفة" – التي تعني بالعموم "الجماعة", و"الفرقة" من الناس فيقال "طائفة المرابين", بل مجموعة من كائنات أخرى, فيقال "طائفة من الطيور", "وطائفة من الأخبار"- تعني على الصعيد الديني "جماعة من المتدينين بمذهب واحد له صفة مجتمعية مستقلة عن غيرها من الجماعات, لها صفة وطنية وسياسية", ذات "علم وخبر" رسمي تعترف به الدوائر الحكومية, وباقي فئات المجتمع.
فالطوائف يمكن اعتبارها:
- جماعات متمايزة عن غيرها على الصعيد الإيماني والديني فقط, منفتحة أو منغلقة على غيرها,
- أو مجتمعات صغيرة ضمن المجتمع الوطني الشامل, لها تنظيمها الخاص, من رئيس أعلى, ومجلس أعلى, وهيآت ومؤسسات تربوية واجتماعية وصحية, يلجأ إليها, ولا سيما إلى الرئيس والمجلس الأعلى, كل من له حاجة لا يقدر أن يحصل عليها من الدولة المسؤولة عن تلبيتها ومن هذه المجتمعات الصغيرة من لها إمكانات كبيرة قادرة على تلبيتها, ومنها لا إمكانات لها.
- أو بديلاً عن الأحزاب, وكأنها حقاً أحزاب بلا "علم وخبر" سياسي, تقدم الخدمات للمنتسبين إليها دون غيرهم,
- أو دويلات, في بعض مراحل التأزم والحرب الداخلية, وانحلال الدولة, مع حلم البعض بإنشاء "وطن قومي طائفي".

في "الولايات المتحدة" أكثر من أربعمائة "جماعة", لا تؤلف "مجتمعات صغيرة" ضمن المجتمع الأميركي, ولا "أحزاباً طائفيةً", ولا "دويلات مذهبية أو قومية", لأنه ليس لها رخصة تحرك بهذه الصفات. فالجميع مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات, ينتمون إلى حزبين كبيرين- الديمقراطيين والجمهوريين- وأحزاب صغيرة, منها حزب اللبناني الأصل "رالف نادر", ينتسب إليها الأعضاء على أساس برنامج عمل ومشاريع تهمّ كل البلاد, بلا تفرقة, ولا "حصرية".
فالنظام الأميركي لا طائفي, ولا يسمح للطوائف أن يكون لها تأثير على تقسيم المجتمع الأميركي طائفياً.
كل ما يمكنه أن يحدث في "الولايات المتحدة" هو تشكيل قوى ضاغطة, تسمى "لوبيات" (Lobbies), لا تتعارض مع مبادئ النظام الأميركي اللاطائفي. فتتصارع وتتصادم اللوبيات بدون أن تتأزم البلاد بسبب الأديان وتجسداتها الطائفية.
• الطوائف والطائفية
الطوائف إذا, جماعات دينية لها موقع شرعي معترف به من قبل المجتمع المدني والسلطة المدنية, ويمكنها:
- أن تكون إيجابية, إذا كانت منفتحة بعضها على البعض الآخر, فتتفاعل و"تتغانى", أي تغتني كل منها بما هو لدى الطوائف الأخرى,
- أو أن تكون سلبية, إذا كانت منطوية على ذاتها, متعصبة للعناصر الدينية والثقافية والحضارية التي تمايزها عدائية لغيرها.
بينما الطائفية لا تكون إلاّ سلبية, وتعتير في لبنان أحد الأمراض المجتمعية الكبرى, فهي:
- خلط الدين بالسياسة,
- واستغلال السياسة للدين, وللمتدينين,
- أو استغلال الدين للسياسة وللسياسيين.
كثيراً ما يظن الذين لا "يميزون" أن المحاربين للطائفية يريدون إلغاء الطوائف.بينما هم يحترمون الطوائف, ويحاربون المرض الذي ينتابها!
• دين ودنيا ودولة
وهنا يطرح موضوع علاقة الدين والعالم, فيجري الخلط بين مفاهيم لا بد من التمييز بينها
- كثيراً ما نسمع أن الإسلام "دين ودنيا", وأن المسيحية دين وروحانية لا تهتم بالدنيا. وهذا الكلام غير دقيق, يحتاج إلى تمييز جديد: فالإسلام والمسيحية واليهودية وجميع الأديان الأخرى هي دين ودنيا, أي هي :
• ممارسة للإيمان في عناصر الدين المختلفة,
• وتطبيق الإيمان في شؤون الإنسان الدنيوية.
- بينما المرغوب التعبير عنه هو أن الإسلام "دين ودولة", أما المسيحية فلا تتوخى إقامة دولة, لأن المسيح حذر تلاميذه قائلاً:
• "أنتم تعلمون أن الرؤساء عند الأمم (الوثنية) يتسلطون عليهم, والعظماء يسودونهم. وأما أنتم فلا يكن شيء من هذا, بل من أراد أن يكون فيكم كبيراً, يكون لكم خادماً, ومن أراد أن يكون الأول, يكون لكم عبداً, على مثال ابن البشر (المسيح):
فإنه "لم يأت ليُخدم, بل ليَخدم, ويبذل نفسه فدية عن الجماعة" (متى 25:20-27)
كما أن المسيح قال لبيلاطس الذي كان يحاكمه, قبل أن يحكم عليه بالصلب:
" إن مملكتي ليست من هذا العالم. فلو كانت مملكتي من هذا العالم, لكان رجالي يقاتلون عني, فلا أُسلَم إلى اليهود, ولكن لا: إن مملكتي ليست من هنا" (يوحنا36:1
ولكن الكلام غير الدقيق أيضاً هو أن الإسلام" دين ودولة, فالكثيرون من الكتَّاب برهنوا من القرآن والسنة:
- أن الرسول العربي لم يكن ملكاً, وقد أعلن له القرآن قائلاً:
"فذكِّر, إنما انت مذكِّر, لست عليهم بمسيطر". (الغاشية 21)
"يا أيها النبي, إناّ أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه, وسراجاً منيراً" (الأحزاب 44و45)
وهناك حديث عن الرسول العربي رواه البخاري يقول:
"عن أبي هريرة أن رسول الله قال:
إنكم ستحرصون على الإمارة, وستكون ندامة يوم القيامة".
وأذكر حديثاً آخر بمعناه لا بلفظه أن أحد أمراء العشائر العربية دخل بيت النبي, ورأى الحصير الذي ينام عليه,فقال له: إن "كسرى" ينام على الحرير, وأنت على الحصير, فقال له الرسول:
"إنها النبوة, ليست المُلك"!
وإذا كان الأمويون والعباسيون وغيرهم أقاموا المملكة الإسلامية, فذلك ليس من متطلبات القرآن.
فالإسلام هو إذاً "دين ودنيا", لا "دين ودولة", أقله برأي الكثيرين من العلماء والأئمة وأن "اختلاف الأئمة رحمة", كما يقول الحديث.
• إستنتاجات
من هذه التمييزات المختلفة, بين الإيمان والدين, والدين والمذهب, والدين والبدعة, والدين والطوائف, والطوائف والطائفية, يمكن استخلاص ما يلي:
- أن الكثيرين, من الذين يتكلمون أو يكتبون عن الدين, يخلطون بين التعابير والمفاهيم التي تتضمنها, لذلك يصلون إلى تأكيدات, أقل ما يمكن القول فيها, إنها ليست دقيقة, ولاعلمية, وإنها تشكل خطر الوقوع في الإلتباس, وفي الخلط, وفي المناقشات- المسماّة بيزنطيّة, وهي لا تنحصر بالبيزنطية!- التي لا تصل إلى نتيجة إيجابية بل إلى الصراعات, والخلافات, والإنقسامات,
- أن المطلوب في أيامنا, التي أصبحت أكثر علمية من ذي قبل, هو:
• في الكتابة أو الحوار, البدء بتحديد المفردات التي سيدور البحث حولها, ولو كان ذلك مملاًّ, وضد فن الإعلام المشوِّق!
• وإجراء المناقشة والحوار بدونتعصّب وعصبية أو رفض للآخرين المختلفين في التعابير, والإغتناء من تلك "الإختلافات" بدلا من الوصول إلى "خلافات".
- أن عصر العولمة الثقافية الشاملة, والمعلوماتية السريعة, أصبح يتيح, أكثر من أي وقت مضى, اكتشاف أبعاد كل تعبير وكل مفهوم, وكأن هناك قاموس مفردات جاهزاً لخدمة أي كاتب حريص على علمية أبحاثه, فأمسى الإرتجال مستهجناً "وممنوعاً"... إلا في الشعر والفنون, حيث الإبداع والجديد, وتطوير التعابير والمفاهيم هو المطلوب!
- أن التعابير والمفاهيم الدينية, كما رأينا, غنية جداً, ومتداخلة, وعرضة للإلتباس والخلط, وأن في "البربرية التي تخلط" هنا, خطر الوصول إلى انقسام المجتمع, وإلى الحروب الدينية, الكلامية أو الدموية... فمن الضروري, إتقاءً لهذه النتائج المأساوية, البدء بتحديد المفردات,
- أن الشؤون الدينية بعدما كانت في القرن العشرين قليلة الجاذبية للعقول "العصرية, المتنورة", وريثة "عصر الأنوار" في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, التي أصبحت في القرن الحادي والعشرين عطشى لكل ما يمت بصلة إلى الروح والروحيات,
- أن حرية المعتقد والتعبير, التي تزايدت في القرن الماضي, جعلت الإنتقاد الديني, والشك المنهجي (ديكارت) أو "العقيدي", على يد "فلاسفة الشك" (ماركس- نيتشيه- فرويد), يجتاح جميع العلوم الدينية وغير الدينية, فتنتشر البلبلة الفكرية, ويصعب على من لا يعرف أن "يميز", تجاوز "البربرية" الفكرية والضياع, وخطر الوصول إلى الإحباط, أو أقله إلى اللامبالاة الدينية.
وآمل أن يسهم الذين يتطرقون إلى الشؤون الدينية في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بعد أن تعددت في لبنان وكل العالم العربي, أن يسهموا في تجاوز البربرية والخلط والغموض من جهة, والإثارة الإعلامية من جهة أخرى, خدمة لكل إنسان وكل الإنسان.

المطران غرغوار حداد

رومانوس
  رد مع اقتباس
قديم 12/06/2005   #2
شب و شيخ الشباب Kakabouda
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ Kakabouda
Kakabouda is offline
 
نورنا ب:
Nov 2004
المطرح:
U.S.M united states of al Mahatta
مشاركات:
9,217

إرسال خطاب MSN إلى Kakabouda إرسال خطاب Yahoo إلى Kakabouda
افتراضي


كلام جميل ..
مشكور على النقل ..
تقبل تحياتي

قالولي ليش رافع راسك و عينك قوية .. التلهم العفو كلنا ناس بس أنا من الأراضي السورية ...
  رد مع اقتباس
قديم 20/06/2005   #3
شب و شيخ الشباب مدق
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ مدق
مدق is offline
 
نورنا ب:
Apr 2005
المطرح:
حد الشام
مشاركات:
335

افتراضي


موضوع رائع وبعتقد اننا بحاجة لدراسات أوسع خصوصاً عند النقاط المطروحة بهالموضوع

وممكن يطرح الانسان أكتر من سؤال بهالخصوص:

- هل كانت الشيوعية و الماركسية هي السبب وراء الابتعاد عن الإيمان ؟ أو أن السبب يعود لأسباب أخرى ؟
- هل أثبتت المعتقدات السابقة فشلها في المجتمع وهو ما أوجب العودة إلى الايمان بالله في مختلف الديانات ؟
- هل يوجد نظرة تحليلية مسبقة لمستقبل العالم في العقود القادمة ؟
وكثير من الأسئلة التي نريد طرحها ولكن ما من أحد في مدارس الأحد والأخويات ( كوادر الارشاد ) قد أجابنا على هذه الأسئلة !

يا رب سامحهم فهم لا يعلمون ما يفعلون

jesus i trust in u
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 12:00 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.08955 seconds with 11 queries