أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > مجتمع > المنتديات الروحية > اللاهوت المسيحي المعاصر

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 08/09/2006   #1
شب و شيخ الشباب الإمبراطور
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ الإمبراطور
الإمبراطور is offline
 
نورنا ب:
Aug 2006
المطرح:
فوق العرش
مشاركات:
190

افتراضي الخطيئة


أخواني قرأت هذا المقال فعجبني و أردت أن أشارككم أياه ، و هو للأب توما بيطار

الخطيئة
ليس معنى "الخطيئة" واضحاً لدى أكثر الناس. كثيرون يعتبرون أنّهم يكونون خطأة إذا ما ارتكبوا إحدى الكبائر، قتلاً أو سرقة أو زنى الخ... آخرون يظنّون أنّ الخطيئة هي مخالفة وصايا الله دون أن تكون الوصايا محدّدة في أذهانهم. بعض الناس لا إحساس له بالخطيئة يُذكر، والبعض يعرفها انتقائياً، يقول عن نفسه إنّه ليس بخاطئ، وعندما تسأله لماذا يعتبر نفسه كذلك يجيبك: "أنا لست بزانٍ!" جاءتني، منذ مدّة، امرأة مسنّة وهي تبكي وتقول عن نفسها إنّها خطئت جداً في حياتها. فسألتها: "ماذا تعنين بذلك؟" فقالت: "لم أكن أذهب إلى الكنيسة كثيراً لأنّي أمضيت عمري مريضة!" الحقيقة الحقيقة أنّ في الأذهان الكثير من الإبهام من جهة معنى الخطيئة، ولكلٍ اجتهاداته الخاصة في شأنها حتى لتكاد دلالات اللفظة تختلف باختلاف الأشخاص وكأنّ لا شيء يجمعها.
توضيحاً للصورة أقول إنّ علينا، أولاً، أن نميّز بين الخطيئة والخطايا، الخطايا كتجاوزات، في الفكر أو في القول أو في الفعل، تنال من الوصيّة الإلهيّة أو المقبولَ في العلاقة مع الله، والخطيئةُ كوضعية داخلية أو كحالة كيانية تشمل كل الناس، الشيخ والشاب والرضيع. لا شكّ، مثلاً، أنّ ما ورد في المزمور الخمسين "بالخطيئة ولدتني أمّي" إنما يتكلّم على هذه الحالة العامة للناس دون التجاوزات الفردية على تنوّعها. كذلك الأمر بالنسبة للقول الرسولي أنّ "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو 3: 23) والقول المزموري "ليس بار ولا واحد" (المز 13). البار هو مَن يرضي الله. وحده الربّ يسوع أرضى الله لذا شهد له الآب: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررتُ!" وحده الربّ يسوع كان بلا خطيئة. فقياساً بالربّ يسوع أو، بكلام آخر، إذا كان الربّ يسوع في خلفية كل منّا فماذا تكون الخطيئة؟
في نظامنا الشمسي تدور الكواكب في فلك الشمس. هكذا كان في مطلع حكاية الناس. كانوا يدورون في فلك الله. قوّة الانتماء إلى فلك الله، نعمة الله، كانت تضبط حركتهم في علاقتهم بالله وعلاقتهم بعضهم بالبعض الآخر. منه، من الله، كانوا يستمددون النور والحياة. في كل ما يعملون كانت قوّة الله حاضرة فاعلة فيهم. انتظام الأمور وثباتها كان مؤمَّناً لأنّ الكل كان مشدوداً إلى المحور، إلى المركز، إلى الله. ووقعت الواقعة التي عبّر عنها سفر التكوين بـ "السقوط"، سقوط آدم وحوّاء. ثمّة خلل في العلاقة، علاقة الناس بالله، حصل، قيل عنه "العصيان"، وهذا كان ممكناً لكون الإنسان حرّاً، أي قابلاً للثبات في فلك الله وقابلاً للخروج منه إرادياً. بخروج الإنسان من فلك الله انحرم من قوّة الله، من حياة الله.
في الأساس كان الإنسان يدور حول الله كما حول نفسه في آن. لكن دورانه حول نفسه كان محكوماً ومضبوطاً بدورانه حول الله. أما الآن فقد صار يدور حول نفسه من دون الله. دوران الإنسان حول نفسه من دون الله هو، بالضبط، الخطأ والخطيئة. هذه الحالة كل الناس دخلوا فيها بلا استثناء. صاروا، بصورة تلقائية، يدورون حول أنفسهم من دون الله. وإذ انحرموا من نعمة الله، من حياة الله، دخلوا في الظلمة وذاقوا الموت. لذا قيل "كأنّما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو 5).
ماذا يعني عملياً أن يدور الإنسان في فلك نفسه من دون الله؟
حين تدور حول نفسك من دون الله يكون محورك أناك. لا تعود تفكّر إلاّ بنفسك ولا تتكلّم إلاّ عن نفسك ولا تعمل إلاّ لنفسك. طبعاً تفكّر بغيرك أيضاً، تتكلّم عن غيرك أيضاً وتعمل للآخرين أيضاً، لكنّك، في كل ذلك، في العمق، لا تطلب إلاّ ما لنفسك. فكرك يتمحور في نفسك. الموضوع يكون أنت، ما تحصّله، ما ينفعك. همّك نفسك. الآخرون، كيانياً، يستحيلون أدوات. تكون لنفسك الألف والياء. كل شيء، ينطلق، في حسّك الداخلي، مما ترغب، مما تريد، مما تشتهي، وكل شيء يصبّ فيك، في ما هو لك، في أناك. علاقتك بالآخرين تكون علاقةً بنفسك من خلال الآخرين. لا تبالي بالآخرين إلاّ بمقدار ما يعينوك على أمور نفسك. قد تكون لك مصلحة مشتركة مع الآخرين وقد تكون في ذلك مستقيماً، صادقاً، رجل أخلاق، ولكنْ ساعة توقن أنّه لم تعد لك في شريكك ما ينفعك تتخلّى عن شركتك معه، تُسقطه. الموضوع هو أنت أولاً وثانياً وأخيراً. أنت الثابت وهو المتغيّر. هذه الحال قد يعتبرها الأكثرون طبيعية خُلق الإنسان عليها. ما نسمّيه، كتابياً، "العالم" الذي يقول فيه الكتاب العزيز "محبّة العالم عداوة الله"، هذا العالم هو، بالضبط، هذه السلسلة من العلاقات الإنّية (من الأنا) بين الناس. طبعاً يجعلون لهذه السلسلة قواعد وأصولاً وضوابط اجتماعية وسياسية واقتصادية لئلا يَفنوا، من باب حفظ البقاء. يعطونها طابع المؤسّسة وتتّخذ شكل الإنّيات الجماعية فتتشكّل منها الدول والقوميات والأعراق والأحزاب والجمعيات وما إلى ذلك، لكنّ الخلية الأساسية فيها هي "الأنا"، دوران الإنسان، فرداً، حول نفسه. كل إنسان في العمق جزيرة. كل إنسان غريب. تلاقي الناس، اجتماع الناس، هو في أساسه عَرَضي، أما الحقيقة الكيانية فهي أنّ كلّ إنسان وحيد. الإنسان، في قرارة نفسه، كل إنسان، مقيم في الخوف، في القلق، في الضياع. يحاول دائماً أن يلهو عن مأساته، أن يغضّ الطرف عمّا في أعماق نفسه، بابتداع الأنشطة، بتحقيق الإنجازات. الإنسان، في كل ذلك، في حال من الهروب من نفسه. ولكن إلى أين المفرّ؟ متى خلد إلى نفسه ولو للحظات ألفى نفسه في فراغ كبير عبّر عنه الإنجيل بالقول: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه". يبحث عن الجواب بالهروب ولا جواب بالهروب. كيانياً كل إنسان تَعِبٌ، ثقيلُ الأحمال، فإلى مَن يذهب؟ "تعالوا إليّ يا جميع المتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم".
الجواب هو المسيح! "هلمّ نصعد إلى جبل الربّ" (مي 4: 2). الجواب بالعودة إلى فلك الله. المسيح هو الطريق. "تعلّموا منّي!" "أقوم وأعود إلى أبي وأقول له أخطأت إلى السماء وأمامك ولست مستحقاً أن أُدعى لك ابناً اجعلني كأحد أجرائك".
العودة إلى فلك الله بأمرين يكون: بالإيمان بيسوع وبالتوبة إلى الآب السماوي. بالإيمان بيسوع أنّه المخلّص. اسمه، في كل حال، هو مَن يخلّص شعبه. "ليس اسم آخر، تحت السماء، قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص" (أع 4). "إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا". "الحياة لي هي المسيح والموت ربح". لذا هتف الرسول المصطفى بعدما اكتشف يسوع: "لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلاّ يسوع المسيح وإيّاه مصلوباً" (1 كو 2:2). والعودة إلى فلك الله، استطراداً، هو بالتوبة إلى الآب السماوي. نعود فندور في فلكه من جديد. طبعاً لا دخول لنا إلى فلكه إلاّ إذا استوعَبَنا، بقوّة منه. ولكنْ نحن أيضاً لنا مساهمتنا. بدوننا لا يستطيع شيئاً. يريد خلاصنا ولكنْ لا خلاص لنا من دوننا. نتعاون مع الله، نشدّ أنفسنا إليه. نقرّر. نحزم أمرنا. نسير في ضياء أحكامه، بقوّة وصاياه. ننبذ فلكنا الخاص. ننبذ دوراننا حول أنفسنا. نكفر بأنفسنا. نطلب ما له هو. "وجهك يا ربّ أنا ألتمس". الخروج من فلك الذات صليب، أن يتخلّى الإنسان عن مركزية نفسه موت. والصليب دم، عنف مع الذات. الخطيئة لا تُداوى إلاّ بالصليب. للصليب وجه جهادي كل يوم. "أقوم وأذهب إلى أبي". ولكنْ له أيضاً وجه قيامي. الصليب فرح أيضاً. لماذا؟ لأنّه علامة الحبّ وأداة الحبّ. بالخطيئة كنت عاشقاً لنفسي، وبخروجي من نفسي باتجاه الله، أي بالصليب، أدخل في محبّة الله، أعرف المحبّة، أعرف إخوتي كما لم أعرفْهم من قبل. يصيرون عندي غاية لا وسيلة. أحبّهم لذاتهم لأنّي أحبّ الله لذاته. المحبّة لا تطلب ما لنفسها. وإذ أفعل ذلك، إذ أخرج من ذاتي، أجد ذاتي الحقيقية كما لم أكن. هذا لأنّ كياني مفطور على المحبّة. هكذا أُبدعت. لا يرتاح كياني ولا أجد نفسي، بعد ضياع الخطيئة، إلاّ بالحبّ. كنت قبلاً قلقاً لأنّي كنت غريباً عن نفسي. بالحبّ أُهلك صورتي عن نفسي أنّي محور ذاتي لأَلقى صورة الله فيّ أنّه هو محوري وحياتي.
بالخطيئة الخروج من الفرح (الفردوس) وبالإيمان الفاعل بالمحبّة عودة إليه. ليس الفردوس مكاناً بل كياناً. الله هو الفردوس، أن نقيم فيه، أن يكون فينا ونحن فيه. إذ ذاك تتأجج ناره فينا ولا نحترق. يصير ما لنا فيه وما له فينا. هذا ما فعله يسوع يوم اتّخذنا، يوم اتّخذ بشرتنا وجلسنا فيه من عن يمين الله الآب. "فكما بخطيئة واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة هكذا ببرّ واحد صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة" (رو 5: 1

هَذهِ هيَ وَصِيَّتِي لَكُمْ : أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَنَا أَحْبَبْتُكُمْ.
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 12:42 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.05279 seconds with 13 queries