أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > مجتمع > المنتديات الروحية > اللاهوت المسيحي المعاصر

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 02/04/2005   #1
شب و شيخ الشباب شكو زولو
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ شكو زولو
شكو زولو is offline
 
نورنا ب:
Sep 2004
المطرح:
لبنان
مشاركات:
1,071

إرسال خطاب MSN إلى شكو زولو إرسال خطاب Yahoo إلى شكو زولو
افتراضي العذراء حكمة الله


"افرحي يا إناء لحكمة الله"




لقد سعت كلّ الحضارات وكلّ الشعوب قديماً إلى امتلاك الحكمة. وكانت حكمة الناس تعبّر عن رقيّهم وتمدّنهم. والمصريون كانوا - وقبل زمن الكتاب - يتباهون بالحكمة. ولكن للحكمة عند الناس تفسيرات ومعانٍ مختلفة. فالحكمة لدى البعض تعني "الحنكة". فالحكمة هنا هي ما يمكّن الإنسان من تدبير أمور حياته ومشاريعه؛ وتساعده على تحقيق ما يحدّده هو وما يراه "سعادة"! ولتحقيق هذه السعادة يحتاج لما يكفي من الحكمة- حنكة.

الفلاسفة قبل المسيح تباهوا وتباروا أيضاً في الحكمة، ولكن مالت الحكمة عندهم إلى الحجج النظريّة، وإلى القدرة على الإقناع بالفلسفة الكلاميّة؛ فصارت الحكمة هي "الحجّة". والحكيم هو من يقدر، بفنّ الكلام والمنطق وإدارة الحوار، أن يفرض رأيه وأن يبرهن صحة معتقداته ويغلب في "المناظرات".

الكتاب المقدّس لا يفهم الحكمة كـ "حنكة" أو "حجّة". لأنّه يؤمن أنّ الحكمة ليست بدعة بشريّة بل هي هديّة إلهيّة. الحنكة والحجة هما أولاد العقل الإنسانـيّ المتحرّك بدوافع المجد والمصلحة.

أَلم تكن خطيئة آدم في الفردوس هي الخطأ في الوصول إلى الحكمة وتحديدها؟ أَلم يخطئ آدم "ليعرف"؟ لقد أغواه الشيطان بموضوع الحكمة، فقال له: عندما تأكل من هذه الشجرة تصير كالله حكيماً و"تعرف" الخير والشرّ. هنا تمّ السقوط. حين ظنّ الإنسان أنّه سيبني حكمته بعيداً عن الله ودونه. هذه هي حقيقة السقوط البشريّ أنّ الإنسان يسقط في استخدام الحكمة، من الحكمة الإلهيّة إلى الحنكة أو الحجّة البشريّة. هذا هو السقوط البشريّ في عمقه. الكتاب المقدّس يعرّف السقوط بتحديد الإنسان لذاته حكيماً بذاته دون الله وأن يتبنّى ما عنده بدل الهبة الإلهيّة، "والويل للحكماء بأعين أنفسهم".

وعبر التاريخ الطويل للإنسان، كما نقرأه في العهد القديم، تبيّن أنّ الإنسان عرف ضعفه وجهله وضعف حكمته، فلجأ البشر إلى الالتزام بحكمة الكتاب وتابوا. اعتبروا أنّ الحكمة هي الشريعة التي أعطاها الله بموسى للناس. فقال الكتاب: "رأس الحكمة مخافة الله". فمن يحفظ الوصايا ويتمّم الشريعة هو الحكيم.



لكنّ المسألة تعدّتْ هذه الحدود. فتفنّن الناس واختلفوا وتشعّبوا في تفسير الوصايا. فكتبوا في تفسير الوصايا العشر آلاف الوصايا. والربّ يسوع يوجّه كلمات قاسية وقويّة لفريسيِّي عصره قائلاً: لقد جلستم على كرسيّ موسى، ونقضتم وصيّة الله لتبنوا (في تفسيرها) وصاياكم، وحمّلتم الناس أثقالاً لا تحرّكونها أنتم. وهكذا عادت الخطيئة البشريّة إلى سيادتها. وأخذ الناس بالوصايا الإلهيّة حكمة، لكنّهم في تفسيرها صيّروها حكمتهم، وليس الحكمة الإلهيّة الأصيلة. لذلك عندما جاء الربّ يسوع، حكمة الله الحقيقيّة، إلى الدنيا اصطدم مع مفسّري الحكمة الإلهيّة. حين ظهرت الحكمة فضحت الصور المشوّهة عنها. لقد أخذ الإنسان الحكمة الإلهيّة وأعاد صياغتها فخرج منها بحكمته. وصارت مرّات عديدة "الوصايا" - الدينيّة لا تتطابق مع "الوصايا"- الإلهيّة. ولدرجة من الدرجات فإن الشرائع، وهي تفسيرات للوصايا الإلهيّة، جاءت لا تمثّل تماماً الوصيّة الإلهيّة.

لذلك في ملء الزمان، جاءت الحكمة الإلهيّة ذاتها، ليس في كتاب يحتاج لتفسير إنّما كشخص يتصرّف بيننا، وذلك ليفصل بين الحكمة الإلهيّة والأحكام البشريّة. فقال "تعلّموا مني" وبولس قال "اقتدوا بي". فصارت الحكمة واضحة في شخص يسوع من خلال الإنجيل، ونراها في القدّيسين الذين أظهر الله حكمتهم الإنجيليّة.



ويسوع كان حكيماً كمعلّم. إذ لم يكن بعد ابن اثني عشر عاماً حين دخل الهيكل وظهر بين المعلّمين مميّزاً، وتساءل المعلمون من أين له هذه الحكمة. إلاّ أنّ حكمة الربّ يسوع ظهرت في أجلى بيانها حين تمّم في ذاته ما علَّمه هو. أَلم يشدّد الربّ أنّه عظيم هو من يعلّم ولكنَّ الأعظم هو من يعمل ما يعلّم به. لهذا تمّم يسوع الوصيّة الأولى التي فيها تتلخّص الشريعة والأنبياء. أي الوصيّة التي تتلخص فيها حكمة الله، ألا وهي المحبّة. وليس حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه. لذلك كان لا بدّ للحكمة الإلهيّة أن تظهر عن طريق البذل الذي تتوّج على الصليب وبعدها في القيامة.

هذه هي حكمتنا في الحياة. الحكمة ليست الحنكة ولا الحجّة. الحكمة هي الاقتداء بيسوع، أي الاشتراك معه في آلامه، في موته وقيامته. من هذا التعريف المسيحيّ للحكمة، انطلق المرنّم في مديح العذراء:

افرحي يا إناءً لحكمة الله، بما أن المسيح هو حكمة الله فالعذراء هي الإناء لها. وبما أن حكمة الله ليست كلمات وليست مجرّد فلسفات، وإنّما محبّة، ومحبّة الله كانت ومازالت عنايةً عمليّة بالإنسان، لذلك يتابع المرنّم قائلاً: افرحي يا خزانة عنايته.



والفلاسفة الذين تكلموا عن الحكمة، ظهروا في منتهى الأيّام، عند تجسّد المسيح، عديمي الفلسفة والحكمة. وهذا ما أظهرته العذراء بولادتها الربّ يسوع. فكما يقول بولس الرسول: إن الله حكّم الجهلاء ليخزي حكمة الأقوياء. بعد ولادة الربّ من البتول صار الصيّادون (الضعفاء) حكماء العالم، بينما بطلت فلسفة الذين يظنّون أنّهم حكماء الدنيا. يقارن القدّيس يوحنا الذهبي الفمّ بين أفلاطون وبين بطرس، أي بين عالِم دهره وبين صيادٍ بسيط. ويبرهن القدّيس أنّ الأوّل كان جاهلاً بينما بطرس صار أحكم الحكماء لأنّه كان للسيّد تلميذاً.

فنتابع الترنيمة: افرحي يا من أوضحت معلمي الكلام لا كلام لهم. افرحي لأنّ الأشدّاء في الحوارات والجدالات صاروا حمقى. افرحي لأنّه بكِ ذبل مخترعو الخرافات والحجج الفكريّة الواهية. افرحي لأنّك مزّقت تشبّكات الأثينائيين. وهم أكثر بني دنياهم حبّاً بالجدالات والحجج والفلسفة. فبالعذراء تمزّقت كلّ هذه التعقيدات الفلسفيّة حين ظهرت بساطة الحكمة الحقيقيّة. افرحي يا من ملأت شباك الصيّادين حكمةً وحقيقة وكلمات حياة. افرحي يا من اجتذبت البشر من عمق الجهل القديم، افرحي يا من تنيرين بالمعرفة كثيرين.



إذن الحكمة لنا، نحن المسيحيّين، ليست الحنكة ولا بالأحرى الحجة ولكن "المسيح". العذراء كانت إناء الحكمة، الذي حوى كامل الحكمة الإلهيّة أقنوميّاً في داخله. لقد كانت العذراء تمتلك حكمة المسيح في قلبها، لأنّه كما يقول الكتاب إنّها "كانت تحفظ كلّ تلك الأمور - التي تعاينها في حياة يسوع- في قلبها".

ونحن كذلك نقتدي بالعذراء، نقرأ حكمة المسيح من إنجيله ونحفظ كلّ ذلك في قلبنا ونصير هياكل له، وإناء حكمته ونسلك بحسبها لا كتدبير في دهر المصالح، ولا كضمان فكري في دنيا التنظير، بل كمسلكيّة حياة، وكاقتداء بحياة الربّ يسوع، كحياة مثل حياته. فنصير بني النور والنهار ونملك المعرفة الحقيقيّة ونعرف الخير من الشرّ ليس بحسب الخدعة الشيطانية وأكذوبة الدهر، ولكن بحسب الحبّ والوعد الإلهيّ الأزليّ.

أمين

بولس ميتروبوليت حلب
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 16:25 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.04274 seconds with 13 queries