السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
نتابع
نبوءة بعصر الفضاء
طالما راود الإنسان حلم الصعود إلى الفضاء الخارجي، وطالما فكَّر في وسيلة تجعله يخرج من نطاق جاذبية الأرض ليكتشف أسرار السماء وما فيها.
ولكن هذا الحلم لم يبدأ بالتحقق إلا في نهاية القرن العشرين عندما بدأت رحلة البحث العلمي، وبدأ آلاف العلماء في مشارق الأرض ومغاربها بكتابة أبحاثهم وإجراء تجاربهم حول آلية الخروج من الأرض، وما هي الخطوات التي يجب سلوكها لتحقيق ذلك.
ولو سألنا العلماء المختصين بإطلاق المراكب الفضائية وتصميمها عن أهم شيء يصادفهم حتى تكون الرحلة ناجحة فسيجيبون بأمرين:
أولاهما أن خروج المركبة الفضائية من نطاق جاذبية الأرض يجب أن يتم من أبواب أو منافذ محددة للغلاف الجوي.
والأمر الثاني هو أن حركة المركبة في الفضاء يجب أن تكون حركة منحنية تعرجيه وليست مستقيمة.
ولكن لماذا هذين الاعتبارين؟ إن الغلاف الجوي مُحَاط بحقول جاذبية ومغنطيسية وإذا لم يتم إطلاق المركبة من نقطة محددة فسوف تنحرف عن مسارها بفعل هذه الحقول وتفشل الرحلة.لذلك يقوم العلماء بدراسة النقاط المحددة للغلاف الجوي والتي يمكن أن تنطلق منها المركبة الفضائية.
ولكن ما هو شكل الطريق الذي تسلكه هذه المركبة؟ بالطبع هو طريق متعرج والسبب في ذلك لتحاشي حقول الجاذبية التي تمارسها الشمس والقمر وبقية كواكب المجموعة. فحركة المركبة الفضائية في الفضاء حساسة جداً لدرجة أن العلماء قد يضطرون لتغيير مسار المركبة وإطالة طريقها ملايين الكيلومترات تحاشياً لحقل جاذبية ما، أو للاستفادة من حقل آخر في تحريك المركبة.
ثم إن منافذ الغلاف الجوي ليست دائماً مفتوحة، بل تتغير مع حركة دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، وكأنها بوابات تُفتح وتُغلق.
ومن الأشياء العجيبة التي حدثنا عنها القرآن في آية واحدة هذين الأمرين:
ـ أبواب الغلاف الجوي (أبواب السماء).
ـ الحركة التعرجية في الفضاء.
يقول عز وجل مخاطباً أولئك المشككين بصدق القرآن وصدق من أُنزل عليه القرآن: (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلّوا فيه يعرجون) [الحجر: 14]. وهنا نلاحظ أن الآية تحدثت عن فتح باب من أبواب السماء، وتحدثت عن حركة من يصعد من هذا الباب وهي حركة تعرجية (يعرجون).
وهنا يجب أن نقف عند هاتين المعجزتين في آية واحدة: لو كان هذا القرآن من عند محمد عليه الصلاة والسلام، كيف استطاع معرفة أن للسماء أبواباً تُفتح وتغلق، وأن الحركة في السماء هي حركة متعرجة؟ إذن الذي علم محمداً هو الله تعالى.
ولكن هؤلاء الكفار الجاحدين برسالة الله وآياته، ماذا سيقولون لو أن هذا الأمر تحقق بخروجهم إلى السماء؟ إن الشيء الذي أخبرنا به رواد الفضاء الذين صعدوا إلى القمر أن أول ما يصادفهم عند تجاوزهم الغلاف الجوي هو الظلام الشديد الذي يظن معه المرء أن بصره قد توقف!
حتى إن الأطباء المشرفين على سلامة هؤلاء الروَّاد وجدوا بأن الإنسان عندما يتحرر من الجاذبية الأرضية يتعطل العصب البصري لديه بشكل مؤقت فلا يعود يرى شيئاً وكأن بصره قد أغلق. هذا يحدث بسبب انعدام الجاذبية والذي يؤدي إلى خلل في الدورة الدموية والتفاعلات الحيوية في جسم الإنسان.
وسبحان الله العليم الحكيم! يأتي البيان القرآني في الآية التالية ليخبرنا بتصوير فائق الدقة عن هذا الحدث المفاجئ لمن خرج من نطاق جاذبية الأرض، يقول تعالى: (لقالوا إنما سكّرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) [الحجر:15].
وتأمل معي هذا النص الكريم الذي تضمن ثلاث معجزات علمية نعيد كتابتها:
ولو فتحنا عليهم باباً من السماء: حديث عن منافذ للغلاف الجوي.
فظلّوا فيه يعرجون: حديث عن الحركة المتعرجة.
لقالوا إنما سكّرت أبصارنا: حديث عن الظلام خارج الغلاف الجوي.
بالإضافة إلى أن هذا النص القرآني هو نبوءة بعصر الفضاء الذي نعيشه اليوم. فقد حدَّد الآلية الهندسية لخروج الإنسان خارج نطاق جاذبية الأرض، وذلك قبل أن يكتشفها مهندسو الفضاء بألف وأربع مئة سنة! أليست هذه معجزة تستدعي النظر والتدبر؟
القرآن يتحدث عن الثقوب السوداء
نسمع اليوم بما يسمى (الثقوب السوداء)، والتي بدأت كفرضية ثم أصبحت فيما بعد حقيقة واقعة أثبتتها التجارب حتى إن أحد الباحثين استطاع رؤية ثقب أسود بشكل غير مباشر وذلك في السنوات القليلة الماضية.
النجوم هي كائنات مثلها مثل أي مخلوق آخر، لها بداية ثم تتطور ثم تموت، والثقب الأسود يمثل المرحلة الأخيرة.
فعندما يكبر حجم النجم لدرجة هائلة تزداد الجاذبية فيه لدرجة أنه ينضغط على نفسه بقوة عظيمة، وتزداد جاذبيته كثيراً، حتى إنه لا يسمح للضوء بمغادرته!
فإذا انجذب هذا الضوء لداخل النجم ولم يصل إلينا منه شيء، أصبح هذا النجم مختفياً لا يُرى. لذلك سماه العلماء بالثقب الأسود.
هذا الثقب مثله كمثل أي جزء من أجزاء الكون، إنه يسير ويجري بسرعة كبيرة في هذا الكون. وبسبب حقل الجاذبية العظيم لهذا الثقب فإنه يجذب إليه كل ما يصادفه في طريقه ويبتلع أي شيء يقترب منه حتى الأشعة الضوئية!
لقد صدرت آلاف الأبحاث العلمية حول هذه المخلوقات الثقيلة والسابحة في الفضاء. ولو طلبنا من العلماء اليوم أن يعرِّفوا لنا الثقوب السوداء تعريفاً علمياً مطابقاً لأحدث ما وصلوا إليه، فإن هذا التعريف سينحصر في ثلاث نقاط:
1ـ الثقوب السوداء هي نجوم شديدة الاختفاء لا يمكن رؤيتها أبداً، وهي كثيرة العدد.
2ـ إنها تسير بسرعات كبيرة لتدور حول مركز المجرة مثلها مثل بقية النجوم.
3ـ وهي تجذب وتبتلع كل ما تجده في طريقها.
والآن نأتي لكتاب الله عز وجل لنرى هذه الحقيقة جلية واضحة. يُقسم البارئ سبحانه وتعالى بمخلوقاته العظيمة بأن هذا القرآن حقٌّ، يقول تبارك وتعالى مقسماً: (فلا أُقسم بالخُنّس * الجوارِ الكُنّس) [التكوير:15-16]، وتأمل معي كلمات هذا البيان الإلهي وتدرِّجها ومدى مطابقتها لمعطيات العلم الحديث:
1-(الخُنّس): هي الأشياء التي لا تُرى أبداً. وهذه الكلمة من فعل (خَنَسَ) أي اختفى ولذلك سُمِّي الشيطان بـ (الخنَّاس) أي الذي لا يُرى.
2 -(الجوارِ): أي التي تجري وتسير بسرعة منتظمة، وهذه من كلمة (يجري) بحركة محددة.
3-(الكُنّس): من فعل (كَنَسَ) أي جَذَبَ إليه أي شيء قريب منه وضمَّه إليه بشدة، وهذا ما يحدث فعلاً في الثقب الأسود.
ليس هذا فحسب، بل إن للقرآن تفوقاً واضحاً على العلم، فالعلم يسمي هذه النجوم بالثقوب السوداء، وهذه تسمية غير دقيقة علمياً. فكلمة (ثقب) تعني الفراغ، وعلى العكس تماماً هذه النجوم ذات أوزان ثقيلة جداً.
أما كلمة (أسود) فهي أيضاً غير صحيحة علميّاً، فهذه النجوم لا لون لها لأنها لا تُصدر أي أشعة مرئية. وكما نعلم فإن اللون الأسود يمكن رؤيته.
لذلك فإن كلمة (الخُنَّسْ) هي الكلمة المعبِّرة تعبيراً دقيقاً عن حقيقة هذه المخلوقات. وكلمة (الكُنَّس) التي عبَّر بها القرآن قبل أربعة عشر قرناً عن حقيقة هذه النجوم، نجدها في آخر المقالات العلمية عن هذه الثقوب السوداء، حتى إن أحد العلماء يقول عنها: (إنها تكنُسُ صفحة السماء)! ثم انظر معي إلى كلمة (الخُنَّس) كيف جاءت على صيغة الجمع والتكثير، وهذا ما ثبت فعلاً، ففي نهاية القرن العشرين تبيَّن بأن الثقوب السوداء تملأ الكون!
وسبحان الخالق العظيم! أليس هذا تطابقاً تاماً مع العلم الحديث؟ في ثلاث كلمات نجد حقيقة علمية استغرق اكتشافها سنوات طويلة، وجاء البيان الإلهي قبل أربعة عشر قرناً ليتحدث عنها، أليس هذا إعجازاً واضحاً؟
رؤية ثقب أسود
هذا سؤال حيَّر الباحثين طوال السنوات القليلة الماضية، كيف يمكن رؤية ثقب أسود وهو لا يصدر أي أشعة ضوئية؟
لقد برزت فكرة عند أحد الباحثين في علوم الفلك وهي أن الثقب الأسود له حجم معين، وهو يسير في أرجاء الفضاء الكوني، ولا بُدَّ أنه سيمرُّ أمام نجم ما فيحجب عنا ضوءه. تماماً عندما يمر القمر أمام الشمس فيحجب ضوءها عنا وهذا ما يسمَّى بكسوف الشمس.
ولكن التجربة ليست بهذه البساطة، فالأبعاد الكونية واسعة جداً جداً، وهذه الثقوب السوداء قليلة الحجم مقارنة بحجم الكون، فما هو العمل في هذه الحالة؟
إن المثابرة والاستمرار ويقين هذا الباحث بأن الثقب الأسود لابد أن يمرَّ أمام نجم ما هو الذي أنجح تجربته. فأثناء مراقبته الطويلة لمجموعة من النجوم وإذ بأحد هذه النجوم يختفي ضوؤه فجأة ثم يظهر بعد ذلك. وعندما عرض هذه الصورة على علماء الفلك أجمعوا على أن ضوء هذا النجم قد اختفى بسبب مرور ثقب أسود مما أدّى إلى حجب الأشعة الضوئية الصادرة من ذلك النجم وذلك لفترة من الزمن ثم عودة النجم للظهور من جديد.
هذه التجربة أثبتت وجود هذه الأجسام في الفضاء وأثبتت حركتها، كما أثبتت ومن نظرية الاحتمالات أن عدد هذه الثقوب السوداء يقدر بالملايين بل بآلاف الملايين!
أليست هذه التجربة هي برهان على أن القرآن حق، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى؟وبالنتيجة يمكن القول بأن الله تعالى يُقسم بمخلوقاته العظيمة أن القرآن حق وأن الرسول على حقّ. فقد رأينا كيف أقسم الله تعالى بالخُنَّس وهي الثقوب السوداء (فلا أُقسم بالخنّس *الجوارِ الكنّس) [التكوير:15-16]، ولكن السؤال: ما هو الهدف من هذا القَسَم؟ (إنه لقول رسول كريم)! الهدف من هذا القَسَم هو إثبات أن القرآن كتاب الله، وأنه ذكرٌ للعالمين كافة، وفي هذا النص الكريم دليل على أهمية الإعجاز العلمي في إثبات أن القرآن كتاب الله تعالى، وعلى المؤمن أن يسعى في تدبر هذه البراهين العلمية لينال رضا الله عز وجل.
والنجم إذا هوى
تأمل معي هذا القَسَم اللطيف من المولى جل جلاله (والنجم إذا هوى): من كان يعلم زمن نزول القرآن بأن للنجوم ولادة وحياة ثم تهوي لتموت؟ لقد ظل البشر يظنون أن النجوم ثابتة حتى أثبت العلماء بأن جميع النجوم في الكون لها حياة وتطور وحركة مستمرة.
وتأمل معي كلمة (هوى) التي تعبر بدقة عن حقيقة نهاية النجوم. فالنجم عندما يشيخ ويكبُر ينفجر ويولِّد طاقة هائلة وتتفتت أجزاؤه وتهوي على بعضها لتنكمش من جديد مشكّلة الثقب الأسود.
إذن العلماء يسمون هذه النهاية بموت النجوم، وهذه التسمية خاطئة علمياً وذلك لأن كلمة (موت) تعني انتهاء الحياة والحركة. بينما هذه النجوم على العكس تماماً، عندما تموت فإنها تنفجر وتتولد فيها حركة عظيمة، وأفضل كلمة تعبر عن حقيقة هذه النهاية هي(هوى): أي سقط بسرعة كبيرة وتفرقت أجزاؤه!
وقد تم التقاط صورة حديثة لانفجار نجم بواسطة الأقمار الاصطناعية، ونرى في هذه الصورة منظراً رائعاً يشبه الوردة الحمراء! والعجيب جداً أن العلماء عندما رأوا هذه الصورة أطلقوا عليها: (وردة حمراء مدهنة)! وهذه التسمية أطلقها كتاب الله قبل العلماء بأربعة عشر قرناً! يقول عز من قائل: (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) [الرحمن:37]. وسبحان الله العليم! من الذي أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم عن مصطلح علمي لم يتم إطلاقه إلا في نهاية القرن العشرين؟
إن الله عز وجل يستخدم الإعجاز العلمي كوسيلة للبرهان على يوم القيامة. فعندما نرى صورة النجم المنفجر والتي تشبه الوردة الحمراء، وهي نهاية هذا النجم. وعندما يأتي القرآن ليشبّه نهاية العالم بهذه الوردة المدهنة، فلا بد أن ندرك أن يوم القيامة سيأتي. وأن نهاية السماء ستكون كنهاية هذا النجم.
آيات أخرى تشير إلى نهاية الشمس وأنها ستتكوَّر ويذهب ضوؤها، وأن النجوم ستنكدر وتتعكر ويذهب ضوؤها أيضاً، وهذا ما تؤكده الأبحاث الكونية في أن الشمس لها نهاية والنجوم لها نهاية أيضاً.
هنالك حقيقة أخرى: فالقمر الذي نظنه ثابتاً في مداره هو ليس كذلك! فقد اكتشف العلماء أن هذا القمر يبتعد عنا عدة سنتمترات كل سنة، ولا بد أنه بعد ملايين السنين سوف يفلت من مداره ويذهب بعيداً عن الأرض!
في ذلك اليوم عندما ينفلت القمر من مداره سوف يقع في حقل جاذبية الشمس وبالتالي سينجذب إليها ويجتمع معها وهذا ما نجد حديثاً عنه في القرآن، يقول تعالى (وجُمع الشمس والقمر) [القيامة:9].
وهكذا لو سرنا عبر آيات القرآن وحقائقه العلمية لوجدنا الكثير من الآيات التي تتحدث عن يوم القيامة وتستخدم الحقائق العلمية كوسيلة لإثبات ذلك اليوم، والسؤال: أليس القرآن هو كتاب الحقائق العلمية؟
حائط من المجرّات
معرفتنا عن الكون لا تزال ضئيلة جداً، فنحن نستطيع أن نرى من الكون بقدر ما تسمح لنا به العدسات المكبرة، وهذا مرهون بتطور التكنولوجيا وأجهزة القياس. ولكن ما يهمنا الآن هو الكشف الكوني الجديد الذي رصد حائطاً كونياً من المجرات يبلغ طوله مئات ملايين السنوات الضوئية!
ونحن نعلم أن الضوء يسير بسرعة تبلغ ألف كيلو متراً في الثانية الواحدة، فانظر كم يقطع هذا الضوء في خمس مئة مليون سنة؟ إنها مسافة لا يمكن لعقل أن يتخيلها ولكنها موجودة وهذا الحائط الضخم من المجرات موجود أيضاً. ولكن هذا ليس كل شيء، فكلما تطورت أجهزة القياس والتحليل الرقمية ووسائل وطرق الرصد الكوني كلما اكتشف العلم مزيداً من هذه المجرات ومزيداً من البنى الكونية الضخمة.
إن مجموعات المجرات المكتشفة اليوم والتي يسميها العلماء بالجزر الكونية هي بمثابة أبنية ضخمة من النجوم والغبار الكوني والأشعة والسُّحُب وغير ذلك من المواد التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
فإذا ما نظرنا إلى هذا الكون من الخارج رأينا أبنية عظيمة مشيدة، أحجار البناء لهذه الأبنية هي النجوم والمجرات، وكأننا أمام أبراج ضخمة محكمة البناء
إذن الصفة التي تميز هذه السماء لمن ينظر إليها هي أنها ذات بروج، وهذا ما حدثنا عنه القرآن قبل العلم بزمن طويل. يقول الحق تبارك وتعالى: (والسماء ذات البروج) [البروج: 1].
وهنا يعجب الإنسان! من الذي يمسك بهذه الأعداد الضخمة من المجرات؟ ومن الذي يتحكم بمصيرها ومستقبلها؟ ومن الذي وضع قوانين تحكم النظام الكوني لكيلا يزول هذا النظام وينهار؟
وبالنتيجة فإن القرآن قد سبق العلم بأربعة عشر قرناً إلى الحديث عن البنى الكونية وسماها بالبروج للدلالة على ضخامتها وإحكامها، أليس هذا إعجازاً؟
النجوم الثاقبة
من الكشوف الكونية التي أثارت ضجة في الأوساط العلمية في النصف الثاني من القرن العشرين، النجوم النيوترونية والمنتشرة في كل مكان في هذا الكون.
إنها نجوم عملاقة بمفعولها وليس بحجمها فهي نجوم ثقيلة جداً برغم صغرها لأنها تتركب من النيوترونات الثقيلة والمضغوطة على بعضها بشدة، وإذا علمنا أن النيوترون لا شحنة له ويستطيع اختراق أي ذرة دون التأثر بشحنتها، فإن الإشعاعات الصادرة عن هذا النجم تثقب الأشياء ثقباً.
هنالك صفة ثانية لهذه النجوم وهي أنها تصدر نبضات متقطعة باستمرار ذات صوت عالٍ جداً يطرق صفحة السماء طرقاً.
إذن نحن أمام نجوم عددها بالملايين في الكون (بل أكثر!)، هذه النجوم لم تكتشف إلا في أواخر القرن العشرين وتتلخص ميزاتها بنقطتين:
ـ النجوم النيوترونية النابضة ذات صوت عالٍ متقطع يعمل كالمطرقة فهي تطرق السماء طرقاً.
ـ هذه النجوم تستطيع ثقب أي شيء بسبب وزنها الضخم وانعدام شحنتها فهي نجوم ثاقبة.
وقد يعجب المرء عندما يعلم بأن القرآن الحكيم تحدث عن هذه النجوم قبل ألف وأربع مئة سنة في مقدمة سورة الطارق حيث يقول البارئ سبحانه وتعالى مُقسِماً بهذه النجوم: (والسماء والطارق. وما أدراك ما الطارق. النجم الثاقب) [الطارق: 1ـ3].
فما أجمل هذا القرآن! وما أعظم آياته! وما أروع إعجازه! يحدثنا عن كل شيء، فهل يوجد كتاب واحد في العالم يتميز بالحديث عن كل شيء بكلمات قليلة وبليغة؟ نعم! إنه كتاب رب العالمين تبارك وتعالى.
إن القرآن عندما يسمي هذه النجوم بالثاقبة فإن هذا التعبيرالقرآني دقيق جداً ويعبر تماماً عن حقيقة هذه النجوم وآليَّة عملها في ثقب أي شيء. بينما نجد أن المصطلح العلمي (النجوم النيوترونية) لا يعبر عن شيء، فكلمة (نيوترون) لا تعبر عن حقيقة هذه الأجسام عديمة الشحنة والتي تثقب وتنفذ عبر أي ذرة. لذلك نجد التعبير القرآني (الثاقب) ليس مجرد اسم بل هو اسم وصفة معاً. إذن القرآن يتفوق على العلم الحديث ويسبقه دائماً.
أقطار السماوات والأرض
آخر ما يخبرنا به العلم الحديث أن الكون ليس كروياً، إنما هو أشبه بقرص مسَطَّح. وهذا يؤدي إلى اختلاف أقطار الكون، ففي كل اتجاه له قطر يزيد أو ينقص عن القطر باتجاه آخر، وهكذا عدد لا نهائي من الأقطار.
المجرَّة التي نعيش فيها والتي تُعتبر الشمس إحدى نجومها أيضاً مختلفة الأقطار. فهي على شكل قرص ضخم قطره الأكبر مئة ألف سنة ضوئية، وقطره الأصغر بحدود ثلاثين ألف سنة ضوئية. وهذه الأرقام تقريبية أما المواقع الحقيقية لهذه النجوم وأبعادها لا يعلمها إلاَّ الله عز وجل.
كذلك الأمر بالنسبة للأرض، فقطرها الأعظمي بحدود (12756) كيلو متراً باتجاه خط الاستواء، وقطرها الأصغري باتجاه القطبين ينقص (43) كيلو متراً تقريباً ليصبح بحدود (12713) كيلو متراً، وتختلف أقطار الأرض من نقطة لأخرى على سطحها.
حقيقة اختلاف الأقطار هذه لم تُعرف إلا مؤخراً، ولكن القرآن الكريم حدثنا عنها قبل ذلك بمئات السنين، يقول تعالى مخاطباً الإنس والجن ومتحدياً لهم: (يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) [الرحمن: 55/33].
ولكن هل يستطيع البشر فعلاً أن يخترقوا أقطار السماوات والأرض؟ حتى لو استطاع الإنسان السير بسرعة الضوء فإن عليه المسير لمدة تزيد على عشرة آلاف مليون سنة حتى يصل إلى المجرات البعيدة عنا، وهذا كله دون السماء الدنيا فكيف إذا أراد الخروج خارج هذا الكون، إنه أمر مستحيل علميّاً، وهذا تصديق لكلام الله تعالى.
كذلك الأمر بالنسبة لأقطار الأرض، فأعمق نقطة استطاع الإنسان الوصول إليها لا تزيد على (12) كيلومتراً في المحيطات، فكيف إذا أراد أن يخترق قطر الأرض والذي يبلغ أكثر من (12000) كيلومتراً؟!
إن هذه الرحلة نحو نواة الأرض مستحيلة علمياً، والسبب أن الضغط الهائل في طبقات الأرض، ودرجات الحرارة المرتفعة جداً والقادرة على صهر أي شيء لا تسمح للبشر بالولوج والنفاذ إلى عمق الكرة الأرضية.
طبقات الأرض
يقول عز وجل في محكم التنْزيل: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الهه قد أحاط بكل شىء علماً) [الطلاق:12]، في هذه الآية تصريح من رب العزة سبحانه بأن عدد السماوات سبع وعدد الأراضين سبع أيضاً.
العلم لم يستطع الوصول حتى اليوم إلى هذه السماوات، ولكن العلماء درسوا الكرة الأرضية جيداً بكل طبقاتها وتبين أنها تتركب من سبع طبقات فوق بعضها البعض! وهذه الطبقات مختلفة في سماكتها ودرجة حرارتها وكثافتها وضغطها، فكلما اتجهنا نحو مركز الأرض يَزداد ثقل هذه الطبقات بالتدريج وتزداد الضغوط فيها ودرجات الحرارة. هذه الطبقات على التسلسل من السطح نحو المركز هي:
1- القشرة الأرضية (عشرات الكيلومترات).
2- الوشاح الأعلى (تصل سماكته حتى كيلومتراً).
3- نطاق الضعف الأرضي (بحدود كيلومتراً) ويتركب من صخور شبه منصهرة بدرجات حرارة عالية.
4- الوشاح الأوسط (مئات الكيلومترات).
5- الوشاح الأدنى (مئات الكيلومترات).
6- النواة الخارجية (مئات الكيلومترات).
7-النواة الداخلية (أكثر من 1000 كيلومتراً).
نواة الأرض الداخلية هي مادة صلبة تتركب من الحديد بشكل أساسي، وهذه النواة هي التي تعطي للأرض حقلها المغناطيسي.
أما الغلاف الصخري للأرض والذي يكوِّن القشرة الأرضية والوشاح الأعلى، هذا الغلاف ليس متصلاً ببعضه بل يشكل ألواحاً تتحرك باستمرار فوق نطاق الضعف الأرضي.
يفصل بين هذه الألواح صدوع مستمرة تحيط بالألواح من كل جوانبها. هذه الألواح تصطدم مع بعضها عبر ملايين السنين فتشكل سلاسل الجبال، أو تنْزلق على بعضها لتشكل قاع المحيطات.
وهنا نتذكر تأكيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على وجود سبع أراضين: (من ظلم قيد شبرٍ من الأرض طوِّقهُ من سبع أراضين) [رواه البخاري].
و نكرر سؤالنا لكل من لم يقتنع برسالة سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليمات: كيف عرف محمد صلى الله عليه وسلم أن الأرض تتألف من سبع طبقات؟ أليس هذا الحديث الشريف من دلائل نبوَّة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأنه لا ينطق عن الهوى؟
تصدعات الأرض
بعدما اكتشف العلم كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس برزت أسئلة أهمها: ما هو تركيب هذه الكرة الأرضية وماذا يوجد بداخلها؟
لقد قادت مسيرة البحث العلمي في علوم الأرض وطبقاتها إلى اكتشاف حقيقة علمية كبرى حول كوكبنا الذي سخره الله تعالى لنعيش فيه.وتتلخص هذه الحقيقة بأن القشرة الأرضية ليست كتلة واحدة، بل هي مجموعة من الألواح متوضعة بجانب بعضها.
لقد كانت الأرض في بداية خلقها كتلة ملتهبة تسبح قريبة من الشمس وتدور حولها، وبمرور الملايين من السنين ابتعدت الأرض شيئاً فشيئاً عن الشمس مما أدّى إلى تبرُّد طبقتها الخارجية مشكلة هذه الألواح.
هذه الألواح التي نظنها ثابتة ومستقرة، تتحرك وتعوم على بحرٍ من الحمم المنصهرة. وما البراكين التي نراها إلا نتائج هذه الحمم المنصهرة.
ولو نظرنا لخريطة الكرة الأرضية ومخطط الألواح لرأينا التصدعات تحيط بجميع هذه الألواح. بل إن الذي ينظر إلى هذه الألواح يظن أنها كانت
لوحاً واحداً ثم تصدع وتشقق وشكّل هذه الألواح، وقد يكون هذا ما حدث فعلاً في بداية تبرد الأرض.
هذه التصدعات التي تغلِّف الكرة الأرضية بالكامل لم يكن أحد على وجه الأرض يعلم عنها شيئاً قبل القرن العشرين. ولكن الله تعالى الذي خلق هذه الأرض هو أعلم بما في داخلها، هذا الإله الخالق العظيم حدثنا بدقة تامة عن هذه التصدعات، يقول عز وجل: (والأرض ذات الصدع) [الطارق:11]، هذه الآية ألا تعبر تعبيراً دقيقاً عن شبكة الصدوع الأرضية؟
إن مدلولات الآية لا تقف عند هذا الحد، بل يخبرنا العلم الحديث بأن جميع أجزاء الأرض تعاني من تصدعات وهزات أرضية مستمرة على مدار الـ (24) ساعة!
فبعد اختراع مقاييس الهزات الأرضية الدقيقة وتثبيتها في جميع مناطق العالم تبين أن هذه المقاييس تسجل بشكل دائم هزات متنوعة الشدَّة. بالطبع نحن لا نحسُّ بهذه الهزات إلاَّ إذا كانت قوية أو مدمِّرة كما يحصل عند حدوث زلزال مثلاً.
البحر المسجور
تمتد التصدعات الأرضية لتشمل قاع البحار والمحيطات، ففي قاع البحار هنالك تصدعات للقشرة الأرضية وشقوق يتدفق من خلالها السائل المنصهر من باطن الأرض. وقد اكتشف العلم الحديث هذه الشقوق حيث تتدفق الحمم المنصهرة في الماء لمئات الأمتار، والمنظر يوحي بأن البحر يحترق! هذه الحقيقة حدثنا عنها القرآن عندما أقسَم الله تعالى بالبحر المسجور أي المشتعل، يقول عز وجل: (والبحر المسجور) [الطور:6].
إن القرآن لو كان صناعة بشرية لامتزج بثقافة عصره، فمنذ أربعة عشر قرناً لم يكن لدى إنسان من الحقائق إلاَّ الأساطير والخرافات البعيدة عن الواقع، وإن خلوّ القرآن من أيٍّ من هذه الأساطير يمثل برهاناً مؤكداً على أنه كتاب ربِّ العالمين، أنزله بقدرته وبعلمه.
ولكن قد يتساءل المرء عن سرّ وجود هذه الصدوع. ولماذا جعل الله الأرض متصدعة في معظم أجزائها؟ إن الجواب عن ذلك بسيط، فلولا هذه الصدوع، ولو كانت القشرة الأرضية كتلة واحدة لا شقوق فيها، لانحبس الضغط تحتها بفعل الحرارة والحركة وأدَّى ذلك إلى تحطم هذه القشرة وانعدمت الحياة.
لذلك يمكن القول إن هذه الصدوع هي بمثابة فتحات تتنفس منها الأرض، وتخرج شيئاً من ثقلها وحرارتها وضغطها للخارج. بتعبير آخر هي صمام الأمان الذي يحفظ استقرار الأرض وتوازنها.
إن حقيقة البحر المشتعل أو (البحر المسجور) أصبحت يقيناً ثابتاً. فنحن نستطيع اليوم مشاهدة الحمم المنصهرة في قاع المحيطات وهي تتدفق وتُلهب مياه المحيط ثم تتجمَّد وتشكل سلاسل من الجبال قد يبرز بعضها إلى سطح البحر مشكلاً جزراً بركانية. هذه الحقيقة العلمية لم يكن لأحد علم بها أثناء نزول القرآن ولا بعده بقرون طويلة، فكيف جاء العلم إلى القرآن ومن الذي أتى به في ذلك الزمان؟
إنه الله تعالى الذي يعلم السرَّ وأخفى والذي حدثنا عن اشتعال البحار ويحدثنا عن مستقبل هذه البحار عندما يزداد اشتعالها: (وإذا البحار سجّرت) [التكوير: 81/6]، ثم يأتي يوم لتنفجر هذه البحار، يقول تعالى: (وإذا البحار فجّرت) [الانفطار: 82/3].
وهنا نكتشف شيئاً جديداً في أسلوب القرآن أنه يستعين بالحقائق العلمية لإثبات الحقائق المستقبلية، فكما أن البحار نراها اليوم تشتعل بنسبة قليلة، سوف يأتي ذلك اليوم عندما تشتعل جميعها ثم تنفجر، وهذا دليل علمي على يوم القيامة.
من أين جاء ماء الأرض؟
يؤكد الباحثون في علوم الأرض أن كل الماء الذي نراه في هذا الكوكب قد خرج أصلاً من الأرض نفسها، ولم يأت من مصدر خارجي.
ففي بداية خلق الأرض كانت الحمم البركانية تتدفق من كل مكان تقريباً على سطح الأرض. استمرت هذه التدفقات لملايين السنين.هذه الحمم الملتهبة تحمل معها كميات معتبرة من بخار الماء الذي كان يصعد لطبقات الجوّ الباردة ثم ما يلبث أن يتكاثف ليعود على شكل أمطار غزيرة تتجمع على الأرض.
ولولا خروج هذه الكميات الضخمة من الماء ما كانت الحياة لتبدأ على الأرض. فالحياة بدأت في الماء واستمرت حتى يومنا هذا بوجود الماء، ونحن أمام حقيقة علمية وهي أنه حيث يوجد الماء توجد الحياة.
لذلك نجد علماء الفلك اليوم الذين يبحثون عن آثار للحياة في الفضاء خارج الأرض، إنما يقومون بالبحث عن آثار ماء في هذا الفضاء، لأن وجود الماء هو أقوى مؤشر على وجود الحياة.
وهنا نجد النظرية القرآنية تحدثنا عن هذه الأشياء بدقة تامة، فالقرآن يؤكد أن الماء خرج من الأرض بقوله تعالى: (أخرج منها ماءها ومرعاها) [النازعات: 31]، وأكد أيضاً أن الحياة خرجت من الماء من خلال قوله تعالى

وجعلنا من الماء كل شيء حي) [الأنبياء: 21/30].
كما أكد القرآن أن كميات الماء على الأرض تتوزع بنظام محسوب وليس عشوائياً، يقول تعالى: (ولقد صرفناه بينهم ليذّكّروا) [الفرقان: 25/50]، والعلم يخبرنا بأن كميات الأمطار تتوزع بنظام وكميات المياه تتوزع بنظام. وانظر معي إلى كلمة (صرّفناه) والتي تدل على وجود نظام لتصريف الماء على سطح الأرض.
الأمر العجيب أن القرآن أشار إلى أن الماء الذي ينْزل من الغيوم يكون ماءً طهوراً خالياً من الجراثيم والمواد الضارة. يقول تعالى (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) [الفرقان: 25/48]، وقد ثبت علمياً أن طبقة الأوزون في الغلاف الجوي تقتل الجراثيم الموجودة في ماء المطر. كذلك الأشعة فوق البنفسجية تقوم بتطهير الماء مما علق فيه من بكتريا أو أحياء مجهريه فينْزل الماء طاهراً إلى الأرض.
إذن القرآن يتحدث عن منشأ المياه على سطح هذا الكوكب، ويتحدث عن توزع منظَّم لهذه المياه على الأرض من خلال كلمة، ويتحدث عن مواصفات هذه المياه. أي أن الحديث شمل: منشأ وتوزع ومواصفات المياه، ألا يدل هذا على أن القرآن كتاب مُحكم علميَّاً؟