![]() |
إن كلّ و ان لم يـكن كلّ فأغلب ما أدرجته حتـّى الآن لـم يـكن بـجديد و مفاجئ بالنـسبه للكـثيرين الذين لربما قـامو بالاطلاع على أحد المـواضيع التـي تطرقت فيها الى الحديث عن ولـيد مدفعـي كمسرحي في قـسم المسـرح في أخويه و الآن فلـنبدأ الحـديث بأبـعاده الآخرى ..
ولـيد مـدفعي يكتب فـي على المـكشوف : في الجزء الثالث من نـَشـره على المـكشوف التي كان قـد بـدأ الاسـتاذ وليـد مدفعي فيها بأعـوامه الاخـيره يـطرح تـساؤل مازلنا حتـّى اليوم نعاني من الاجابه عليه : ما وجـه الـشبه في أغتيال العقيد عدنان المالكي و اغتيال رفيق الحريري ؟؟ و هـذا مـقطع من النظريه كما يراها الاسـتاذ وليد مدفـعي : استشهد رفيق الحريري في 14 شباط 2005 كما استشهد عدنان المالكي في سوريا في 22 مايس 1955 و كان المقصود من قتليهما تبديل المرحلة القائمة في البلدين سوريا و لبنان. ثمّ استشهد أغرار من المتطرفين و لا يحسب حسابهم في هذه القضية؟ تشكلت هيئه تحقيق دوليه من مجلس الأمن لتحقق في التيار رفيق الحريري في بيروت و القيادة السورية شريك بالحكم مع الدوله اللبنانيه. و للم تشـكل أي هيئه تحقيق دوليه او عربيه أو ثنائيه من سوريا و لبنان عند استشهاد عدنان المالكي و مع ما عرف من سفر عدنان الى صيدا اللبنانيه كل جمعه لقضاء يوم واحد مع خطيبته ثم يعود الى دمشق مساء الجمعه ليداوم في عمله في هيئه أركان الجيش السوري كـعقيد في الشعبه لثالثه مسؤول عن تنقلات الضباط و ترفيهم و تسريحهم. لماذا لم يـُقتل عدنان المالكي في صـيدا طالما ان اغتياله قد جرى الترتيب له في بيروت من الحزب القومي السـوري ؟؟؟؟؟ لماذا قـُتل عدنان في دمـشق في الملعب البلدي أثناء مباراه بكره قدم بين فريقي الجيشين المصري و السوري ؟ من دعا عدنان المالكي لأن يحضر المباراه ؟؟؟ خرجت المظاهرات في الساعه نفسها عند اغتيال المالكي تدين الحزب السوري القومي و قد قامت المظاهرات باحراق مطبعه في سوق ساروجه التي كانت تـُطبع فيها جريده البنـاء و منـشورات الحزب القومي. و ابتدأ اعتقال أعضاء الحزب من الملعب البلدي حتى الوظائف التي كان يشغلها أعضاء من الحزب السوري عسكريا ً و مدنيا ً. و كان هذا الاغتيال لضابط سوري يضع روحه على كفه في مجـابهـه الاستعمار و أذناب الاستعمار جريمه بانوراما كبرى, و قد جرت المباراه في الملعب البلدي , فتلقى جمال عبد الناصر هذه الجريمه البانورمية و أخذ يشوطها في كل اتجاه. و تلقفت أذاعه صوت العرب التي بدأت في تنفيذ المخطط المتفق عليه قبلا ً (( من أن الحزب خائن للعروبة)) .. اغتيل رفيق الحريري في هذه السنـه مع أصدقائه و مع الحرس الخاص, لا عجبُ أن يلجأ القتله في هذا الحادث الى بانورما تزيد من غضب الشعب. لأن العنف قد ازداد منذ تفجير 11 أيلول في نيويورك , و الحمايه قد ازدادت ْ عن المـاضي. و لو كان اغتيال رفيق الحريري يجري وحده دون بانورما التي تناقلها كل التلفزيونات و راحت تبثها و تعود لبثها او لقطات منها, مما جرى في هجوم 11 ايلول على نيويرك : لهبطت المظاهرات إلى النـصف و المنددون الى الربع و لما يجد المتهمون من يلقون التبعه عليه , أوليس اغتيال الملك فيصل كان مدبرا ً من هنري كيـسنجر دون ضجه ؟؟و لماذا ألم تشـكل هيئه دوليه للتحقيق بالأمر ؟ لماذا لم تشكل هيئه دوليه لتحقيق في هجوم 11 أيلول ؟؟ إن موضوع اغتيال عدنان و موضوع اغتيال رفيق متشابهان .. خرجت ْ المظاهرات تندد بسوريا و ألقت التهمه على سـوريا فـسوريا مسؤوله عن أمن لبنان. و تردي هذا الأمن و إلّا ما معنى وجود الجيش السوري ضمن لبنان. إذا لم يكن الحكم السوري وراء حادثه اغتيال الحريري فمن هو الذي أراد أن يغير من حكم البلاد ؟ لنطلع على ما حدث في الجريمة ا لأولى , لعلها ترشدنا إلى الدلائل كي نتلمس مستقبلنا. و لا سيما قد لاحظنا شبها ً بين الجريمتين. أخطا العقيد عدنان المالكي في كتابه الرسائل لأمه من سـجنه و حسب عدنان كل الذين يسلمون عليه كانوا من الأصدقاء . و استأمن عدنان الأعداء على رسائله , فعبّر فيها عن شعوره ووطنيه زائدة عن الحد و من الواضح أن التجسس كان له بالمرصاد. ازداد التجسس بعد الحرب و ظهور الحرب الباردة و ظهور إسرائيل و كنت ُ أشك في المحبوسين معنا حتى تظهر الدلائل على صدق نواياهم و لا أرسل أي رسائل إلى أمي أو من بعد ذلك زوجتي .. * * * مـقطع أخر من النـظرية : تعرفت على المحامي و السياسي رياض المالكي وزرته في مكتبه و اصطحبت معي الصحفي و الاديب سعيد الجزائري و زرته في بتيه في الروضه و اصطحبت معي الأديب صميم الشريف و قد أهداني كتابه الصادر في 12\7\1972 و اسم هذا الكتاب " ذكريات على درب الكفاح و الهزيمه " و عليه توقيعه و قد كتب : الصديق العزيز الاستاذ وليد مدفعي مع خالص التحيه و الموده . و كنت أنا في الطرف الآخر . سألت رياض المالكي : أنت كاتب في كتابك : (( و يجيب على الهاتف أحد أفراد أسره الضابط و يسأل عن المتكلم فيـأتي الجواب من الجهه الثانيه " السفاره المصريه يا أفندم .. نريد التكلم مع رئيس الشعبه الثالثه " . )) فما الذي كنت تقصده في عبارتك ؟ أجاب رياض المالكي : أنا من رد على الهاتف و بلغ المكالمه لأخي و كان أخي جالسا ً على الغداء فهرع الضابط السوري لتلقي المخابره و يحسب أن هناك مسأله هامه و مستعجله يريد المسؤولون في السفاره بحثها معه. سألت ُ رياض المالكي : من كان المتكلم من السفاره المصريه ؟ أجاب : عندما رجع أخي ليواصل غذاءه , قال : يريدني محمود رياض سفير مصر أن أحضر المباراة التي ستـجري غدا ً في الملعب , و أنا أعتذرت ُ له و لكنه أصرّ على حضوري . . . . و هـنا أقطع شريط الأفكار مع كامل الاعتذر عن عـدم المقدره على ادراج كـامل النـظريه لكونها طـويله جدّا ً و قـد تستـهلك كامل الأسـبوع و اتمنى أن أسـتطيع ادراجها كامله يـوما ًما في قـسم السـياسه .. |
و في ذات النـشره يـطرح مدفعي سـؤال آخـر يدخل منازلنا من أوسـع شـاشاته :
لماذا .. بوش و " الجزيرة " و أنا .. قضينا على أسـامه بن لادن ؟ و يـأتي الجواب من وجهه نـظر الاستاذ وليد مدفعي : استعار بوش و جاهة أسامه بن لادة حيث حرض بوش أسامه على شتم الشعب الأمريكي و على أن يتوعد ابن لادن المصالح الأميركيه بالويل و الثبور. و قد اختص أسامه في آخر أطروحه له بالولايات المتحده و نسي أوروبا. و وعد ابن لادن أن ينسف اقتصاد أميركا, بحيث تصبح أكبر شركات الأمريكية مفلسه و عاجزه اذا لم نقل في هذه السنـه ففي مدى أربع سـنوات التي سيحكم فيها جورج بوش ( الابن ) من البيت الأبيض. و هذا و قد بلغت ْ قمة المهاجمه أوجها لدى أسامه للشعب الأميركي و حكومه الولايات المتحده في الأسبوع المنصرم من الانتخاب. نتساءل لماذا أصرّ أسامه على مهاجمه بوش بينما كان الاتحاد السوفيتي يخجل أن يقول هذا القول حين كان عزيزا ً محترما ً عندها أساطيل و طيارات و صواريخ ؟ استعار بوش وجاهة اسامه بن لادن من المحطه الفضائيه " الجزيره " عندما كانت تبث رسائل أسامه من الباكستان دون أن تتأكد من صحتها. و قد حصل أن " الجزيره " بثتْ آخر شـريط لأسامه لم يبق أسبوع واحد على الانتخابات الأميركية , و لم يضمن بوش تجديد رئاسته , فجاءت هذه الرسالة تؤكد فوز بوش التي ترجمت ْ و عمـّـتْ على المحطات الفضائية العالميه في أميركا و العالم أجمع. نجح بوش بفضل أسامه و بفضل المحطه الفضائيه " الجزيره " من دون أن تتأكد من صحه الرسالة التي وصلتها من الباكستان. و لو أرادتْ الجزيرة أن تؤجل بثّ هذا الشريط الذي حوى أطروحه ابن لادن ضد الشعب الأميركي. ذد المصالح الأميريكيه عموما ً, أسبوعا ً آخر حتى ينهي انتخاب الرئيس, لتتأكد من أن الرساله التي حملها بريدها , هي تخص أسامه بن لادن و لا تخص غيره .. فماذا سيحصل بانتخاب رئيس الولايات المتحدة ؟ هل كان ينجح الفيل أم الحمار ؟؟ أنا .. نـشرت مقالا ً في مجله " أبيض و أسود " في هذه السنه بعنوان " السيناتور ابن لادن و الشيخ بوش " و تساءلت " هل موقفا ابن لادن و بوش موافقان ام يوجد اتفاق ؟؟ " نشرت في هذه السنه أيضا ً " على المكشوف - الجزء الأول " مجموعه من المقالات التي افند فيها ما جرى في الولايات المتحده يوم 11 أيلول و قلت أن جورج بوش و الصهاينه المسؤولين في الحكومه و قد شاركو في هجوم 11 أيلول سبتمر و قلت حين سـُئل أسامه بن لادن كيف أرسل من يقتل الشيخ عبد الله عزام قال في رده : أمعقول أنا مسؤول عن قتله ؟ أيوجد أحد يخلص من رأٍه ؟ و عنى أسامه بهذا القول رأس تنظيم القاعده. الا اذا كان جاسوسا يعمل لحساب بوش و الطغنه الحاكمه في الولايات المتحده على رأسهم أركان الجيش الاميركي ريتشارد ماير أو مائير و جنرالات من الطائفه اليهوديه المتصهينه. و هذا و ان الشيخ عبد الله عزام خريج الجامعه و مقاتل من طراز رفيع و كان يحضر كل المعارك ضد الجيوش الروسيه. و هو فلسطيني الجنسيه لكنه رفض الشيخ عزام رأي اسامه بن لادن و أيمن الظواهري في مهاجمه الولايات المتحده. حلمت حلما مخيفا في الشهر الماضي , كنت واقفا في غرفه على الحدود الباكستانيه مع شخص وحيد. و راح هذا الشخص يكلمني : ترد أن ترى السيناتور اسامه بن لادن هاهو أمامك . كان السيناتور بن لادن ملفوف بقماش من رأسه الى قدميه . مزقت القماش عن وجه أسامه فهالني منظره المرعب. قلت لمرافقي : كأن اسامه قد مات منذ فتره طويله .قهقه طويلا و تركني مع جثه ابن لادن و خرج . لم أعرف من اين الباب الذي يوصل الى خارج الغرفه ؟ و رحت أفتش عن منفذ الى أن صحوت من نومي. لاحظ العالم بأسره بما فيهم العرب و المسلمين أيضا كيف استعار بوش وجاهه أسامه بن لادن مرارا ً و كيف كانت المحطه الفضائيه " الجزيره " تبث أشرطه أسامه من الباكستان دون ان تتأكد من صحتها. ليس العرب أغبياء الى درجه أن يستغفلهم بوش, و الجزيره أيضا ً. أما أراد بوش ان يسجل شريط مزور كهذا الشريط الذي بثته " الجزيره " و على عاتق بوش تقع جريمه أسامه النكراء. و أما أرادت الجزيره أن تسجل سبق صحفي من هذا الشريط فلم تتسن تأجيل بثه أسبوع واحد , ريثما يتم انتخاب الرئيس فتقع مقتل أسامه على عاتق المحطه الفضائيه " الجزيره " و أما اذا كان مناضل قرأ احدى مقالاتي في مجله " أبيض و أسود " او " على المكشوف " التي أتهم فيها أسامه بالخلاص من الشيخ عبد السلام , فتقع هذه الجريمه على عاتقي. يجوز أن فلسطينيا ً أردنيا ً مناضلا ً من حزب القاعده أرسل خاصته الى الحدود الباكستانيه و أراد أن يتخلص من اسامه , رأس القاعده , و أراد أن يغير اسم حزب القاعده لأن اوحيت به المخابرات الاميركيه ( السي اي ايـه) و أن ينطوي تحت فصائل أخرى في العراق و لسان حاله يقول " عليّ و على أعدائي يا رب " فنكون كلنا مسؤولين على الجريمه النكراء التي ذهب ضحيتها ابن لادن . . . أنا و الجزيره و بـوش .. |
و لاستـكمال و اقفـال مرحله على المـكشوف من قـلم وليد مـدفعي أدرج هـذا النـص المقتبـس من " شـاهد رأى كل حاجه !
(( مونودراما هزليـّة )) " : "المشهد : ( محمد عوضين العظمي) جالس على كرسي فخم, و الأنوار تحيط به من كل جانب , و يوحي المشهد مقابلة ستتم في التلفزيون. بدأ محمد عوضـين الكلام : نمره واحد : أنا صـحفي , من أين اتيت ؟ لا يهم هم أخبروني أنني أتيت من الشرق الأوسط و فيه سوريا و مصر و العراق و الى آخره. نمره اتنين : أنا معي جواز سفر انترناشيونال, و أسافر فيه الى البلاد الاجنبيه و العربيه متى كانت غاضبه مع بعضها بعضا. أولا ً - دعونا نتكلم في السياسه فقط, و هذا ممنوع على الصحفيين العرب و مسموح لي أنا, و لأنني شاهد على الحوادث التي وقعت ْ في عمري , و التي تقع الآن , و التي ستقع في المستقبل. إنّ الباحث الدولي يستطيع بقليل من الذكاء أن يتنبأ بمجريات الأمور, خاصه اذا كان هذا الباحث على علم بالمخططات التي ستطبق على منطقه إفريقيه أو عربيه أو كان من السي آي ايـه. أو من ْ منشئيه أو رئيس الولايات المتحده , فهو يعرف كل شيئ في العالم و يراقب الحكام فاذا لم يعجب حاكما ً فبادر الى صـرفه . . . " |
أشاره أخيره الى انّ هالـنسخه من على المكشـوف تم نشرها عام 2005 و بـذلك ما يـوصفه الاستاذ وليد مـدفعي في حلقـات بحثه و نـظرياته بالـغد فقد يكـون يومنا - كـالأزمه الاقتصاديه الأميركيه في نهايه حكم بوش الابن - و ما وصـفه باليوم فهـو أمـسنا .. اضافه للاشـاره لأنّ جميع الحـقوق محفوظه للجزء الثالث من نـشره على المـكشوف بـقلم الصيدلي وليد مدفعـي. و بنـتابع غـدا ً مـع بقـعه ضوء جديده في حياه الاستاذ مدفعي .. |
في أحـد لقـاءات ولـيد مـدفعي مع صحـيفه المحرر نـيوز عام 1998 العـدد 154 يـرد المـدفعي فيـها على الاتهـام الذي وجه له بتذويب جثـّه (( فرج الله الحـلو )) -الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني - بالأسـيد و يطلق معها رأيه بالشـيوعيه :
"جاءت الـتهمه من العداوه المتسحكمه بيني و بين الماركسيه التي لم أقبلها لأسـباب كـثيره , أهمها ان الشيوعيه صهيونيه أكثر من البراغماتيه, حيث يوجد نقاش حول البراغماتيه تمنعها من كامل السياده بينما تحرك الشيوعيه النقاش في العقيده الماركسيه كنظريه نهائيه, مما يمكن اليهود الصهاينه من القبض على السياده في الشـيوعيه و هو ما حدث مرارا ً .. و كان واضـحا ً في اتـفاق القوتين العظيمتين في التصويت على تقـسيم فلسطين و لم يحدذ هذا الاتفاق سـوى مرة واحده, في تقطيع فلسـطين. و لم نـكن على بعد كبير من أصدقائنا الشيوعيين إلا بعد هذا الموقف الذي خالف فيه ستالين الموقف الحقيقي للنظريه الشيوعيه التي تمثلت مرارا ً في كتابات لينين حين استنكر أكثر من مرّه ادعاءات حزب البوند الاشتراكي الروسي اليهودي في ضروره المحافظه على كيان خاص باليهود ضمن النظريه العماليه. وقد شـهد مؤتمر بروكسل التصويت الحقيقي على ايجاد وطن قومي لليهود حين رفض البلاشفه و المناشفه مثل هذا الوطن.و شتم الزعيم الشيوعي تروتسكي آنذاك هرتزل مبيناً أن القوميه سـؤول الى الزوال و كذلك الدين الذي كان يعتبر خرافه في نظر الماركسيه. و قد نشر أكثرهم مقالات موسعة حول هذه النقاط ليفهم اليهود ضروره عدم تشبثهم بهويه خاصة, حيث كان معظم مؤسسي الأحزاب الشيوعيه العربيه أو الأوروبيه من اليهود. و لا مجال لذكر لأسمـاء في هذا اللقاء. و لكن منهم فكتور ادلر في النمسا و روزا لوكسمبرغ في ألمانيا ومرحييم في فرنسا مؤسس جريده (( لومانيتيه )) و أبو زيام مؤسس الحزب الشيوعي السوري و كان رئيسا ً للحزب الشـيوعي في حيفا. نـاضلت في ظروف قاسـيه في وجه طروحات الحزب الشـيوعي و خصوصا حين نشـرت " كيف تصبح كاتبا ً كبـيرا ً " و " من هم أشهر أدبائنا " و " بـساط طشقند الأدبي " و يبدو من هذه العناوين أنني تعمدت أن أسخر آنئذ من أعضاء رابطه الكتاب السوريين الذين ظهرو بمباركه من الحزب الشيوعي و اصدقائه. و قد آلمتهم تلك المقالات التي أعاد نشرها المشرفون على اصدار صفحات ثقافيه في الجرائد اليوميه مما أور صدرم فقامو بضرب الكاتب ياسين الرفاعيه في ساحه المرجه و مزقو قميصه كما ضربو الناقد المعروف محيي الدين صبحيي لاعجابه بتلك المقالات و كسروا نظاراته. و اشترك في الضرب أحمد الغفري و نصر الدين البحره و تم حادث الضرب قرب مقهى الهافانا أمام مكتبه التنبكجي. و في المـساء جرت معركه ثانيه انتقم فيها محيي الدين من الذين ضربوه بمساعده مروان برازي الذي كان من حزب فيصل العسلي و شغل منصب مستشار في وزاره الداخليه في الرياض, كما شغل منصب محاسب في جريده تشرين مع الصحافي القدير الذي اسسها جلال فاروق الشريف. و قد تعرضت بالنقد الساخر من أبرز كتابهم في تلك الآونه غسان الرفاعي الذي كان يتبجح كثيرا ً من يساري يبحث من أين تؤكل الكتف و كان ينجح في التنثل من اليساريه عند اللزوم ليؤمن لنفسه اضطراد الشهره , يساعده من بعيد التزامه مع اليساريين الفرنسيين. هذه المواقف أدت الى تهديدات كانت تصلني عبر الهاتف و هذه الطريقه معروفه كأسلوب يمارسه الشـيوعيون دائما ً, و لم أكن أخشى من تلك التهديدات التي وصلت الى حد التنويه بوجود قنابل مخبأه في مكتبي. و بقينا على الحربي معهم. حين قامو هم انفسهم بتسليم فرج الله الحلو و ظهرت اشاعه تذويبه بالأسـيد. أنكرت أن يكون فرج الله قد ذوب بالأسـيد. لقد أرادت الدعايه الأميركيه أن تفزع الوجود الماركسي بهذه القنبله الاعلاميه. و صار عليّ ان اكذب الحادث لأخفف من صدمه وقع قصه التذويب على نفوس المناضلين في وجه أميركا. قلت لهم أنه لا يوجد أسيد يذوب جثه كامله إلّا بعد تقطيعها و تحريكها بقضبان لا تتأثر بالحموض المحضره لتلك الغايه مما يتطلب مدقات كبيره من الزجاج و حين سيتم التذويب ستنقبل الجثه الى رواسب من الصعب أن تخرج من بالوعه البانيو في الحمام و هذا ما سيجبر الفاعلين على نقل الرواسب و دفنها . و هو ما يضعنا أمام حيره في أن يكون أحد الأغبياء أعتمد هذه الطريقه و لكن المعلومات الحقيقيه هي أن فرج الله الحلو لم يتحمل معامله قاسيه فتوفي بالسكته القلبيه و لم تكن وفاته مطلوبه و لكنها حدثت بشكل مفاجئ حيث ان وفاته تسرّ الطرف الماركسـي أكثر من الأطراف الأخرى التي كانت تأمل الكثير من محاورته. اتهمني الشـيوعيون لأنني أحمل شهاده كيميائي صيدلاني و لأنني كنت أعرف جيدا عبد الوهاب الخطيب المدير العام للمخابرات آنذاك الذي جمعتني الدراسه الثانويه معه في ثانويه ابن خلدون. و هكذا كانت المعلومات الغزيره متوفره عندي بعدما صارت رسائل فرج الله الحلو من لبنان إلى سـوريا بين يديّ و كذلك عدد من رسائل خالد بكداش من خارج سـوريا الى الحزب الشـيوعي بين يديّ. " |
في مـقابله تلفزيونيه اجراها نبيل ملحم للتلفزيون السـوري و نـِشرها في كتابه " ظلال شخـصيه " يـسأل مـلحم مـدفعي عن المـعارضه و يـدور الحوار التالي (( الأسئله الموجهه من نبيل ملحم باللون الأورنج و النـجمه قـرب الاجابـه هي اشـاره على حـديث الاستـاذ وليد مدفعي )) :
اسـمح لي أن أتدخل لأتحدث عن المعارضه, المعارضه بالمعنى الدارج لدينا هي الحاله القائمه على نفي الآخر , هكذا نـحن نفهم المعارضـة يجب أن ينفي كلّ واحد الآخر الذي يعارضه. * أنا أرفـض هذا المفهوم. اذن وليد مدفعي يفهم المعارضه على قاعده علاقه حوار على قاعده لقاء و مشاركه ؟ * نعم المعارضة عندي حوار لـكشف المعاني و دلائل الألفاظ و مدى انطباقها على الواقع الذي هو محط اعتناء المهتمين. أفهم أن المعارضه في نظرك تكامل ؟ *نـعم.. المعارضه تـكامل, انت موجود و أنا موجود. اذا أخذنا المعارضه بهذا المعنى فما هو دور الفنان في نظر الأديب وليد مدفعي؟ * يـستطيع الفنان بحساسيته المفرضه و فهمه العميق و رؤياه المبكره أن يستشرف قضايا في أول انحرافها , لا ينتبه المسرولون لها, بدليل أننا كنا طوال عمرنا خلف نقد أوضاع حققنا تغييرها. و يجب أن ننظر الى الحكومه على أنها مشغوله بحدث كـبير فهي لذلك لا ترى الحدث الصغـير, و هذا الأمر يـقع في كل البلاد و تبقى الحكومه بحاجه إلى أن تسمع الرأي المعـــارض و بقدر ما تـسمح للرأي الآخر أن يظهر فإنها تطلّـع على أخطائها و تصبح قادره على أن تتلافى الخطأ قبل أن تتعـقد الأمور. فبقدر ما نـسمح للآخرين بالتعبير عن آرائهم نـكتشف أنفسنا. فلا تبنى الذات من طرف واحـد و قد اتفقت الفلسفه منذ حديث الفيلسـوف فخته الذي أكـد أن الوعي الذاتي يقوم في اللحظه التي يتم فيها وعي العالم الخارجي فحين يعارض العالم الخارجي الذات يوجدها و توجده في الوقت ذاته. تقصد الجدل الموجود و الذي لا يتوقف ؟ * نعم .. و قد أخذ المقوله الفيلسوفان الألمانيان شلنج و هيغل و سارا بها و كان لكل منهما رؤيته و تحدث هيغل عن التضاد بينما الأصل هو فيخته الذي وضع المبدأ الذي سموه في النهايه الديكاليتك و هو نسخه مشوهه جدا خـارج هيغل. أريد أن أوضح, " وليد مدفعي " الذي هو حاله معارضه للامبرياليه و حاره معارضه للماركسيه و حتى حاله معارضه للهيغليه. أين يقف وليد مدفعي في المحصله ؟؟ * لا يصح القول أنني معارض للهيغليه, فقد كان هيغل مثاليا ً و كانت لديه النزعه المثاليه التي جعلت كارل ماركس يسخر منه قائلا ً له " أنت طـوباوي " ! وصف كارل ماركس هيغل بأنه أوقف الفلسفه على رأسهـا. * طبعا , لم يترك كارل ماركس مناسبه الّا و تنكر لهيغل لأنه في أعماقه مدين للفلاسفه الألمان بمنظور الديالكتيك الذي اعتمده اساس النظريه التي تحمل بكل صفاقه اسم الديالكتيكيه الماديه. و قد سألني مرّه جورج حبشي و كنا معـا ً في أحد السـجون في فتره من الفترات. ( مقاطعا ً) متـى كان ذلك ؟؟ * تسـتطيع ان تقول أنه حدث قديما ً في الستينات ؟ نعم في عام 1967 كنا معا ً في زنزانتين متقابلتين و كنا نخرج الى الباحه معا ً من أجل ما يـسمى التنفس سألني قائلا ً : أنا ضد الامبرياليه و لي أصدقاء في الطرف الاشتراكي و لكن انت ماذا ستكون اخرتك؟ هذا هو السـؤال الذي حصرته في خاطري لأسألك اياه في ختام لقائنا. فهل تجيبني ؟ * طبعا سـأجيبك لأني قلت لجورج حبش : سـتكون نهايتي كولادتي , لأنني سأعود كإنسان الى المطلق و هذا لا بد و أن يحدث في يوم أو في سنه او في مائه سـنه. إن عودتي الى المطلق نهايتي . و المطلق هو الله . فأنا مثالي و أؤمن بالمطلق ايمانا ً قويا ً و أنا استعمل تعبير المطلق الذي لا يحتاج الى تعاريف كـثيره كما تحتاجه كلمه الله فنحن نلفظ التعبير أنا أعبد الله, يجب أن تلحق بكلمه الله الذي لا شريك له أو اشهد ان لا اله الا الله - على سبيل المثال - بينما المطلق لا يمكن أن يكون له شريك. خذ سوره الصمد (( بسـم الله الرحمن الرحيم : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا ً أحد)) صدق الله العظيم . اذا وضعت كلمه المطلق أمام ادراكك تجد كأن هذه السوه تصفه و كأن السوره تكون كامله في المطلق . " |
مـقطع من روايـه غرباء في أوطـاننا ( 1972 ) :
" . . . قرع باب منزلنا في وقت العشاء فتركت امّي المائده و سارت نحو الدهليز واصلت تناول طعامي و كان والدي يسألني عن الفحص بينما كان اخي مروان يزهو بساعه يده الجديده . رجعت امّي قائله : وحيد .. اثنان من اصدقائك يطلبانك حالا . لم ا كن اتوقع زياره فتساءلت عن الضيفين و ظهرت الدهشه على وجهي, و لكن واحد منهم تبع امي الى الصالون و كانت قد تركت الباب مفتوحا , قال الوافد بلهجه آمره : اجلب بعض الحوائج و تعال معي فورا . تطلعت امي نحوه بفزع ثم تطلعت نحو والدي فأطرق رأسه و لم يقل حرفا. اتجهت نحو غرفتي صاغرا لاجمع حوائجي فتبعني والدي متسائلا: - ما معنى هذا الاجراء يا وحيد ؟ اجبته بصوت منخفض : أظنه اعتقالا ً يا والدي . صرخت امي بألم : وحيــــــد .... و أجهشت ثمّ بكت و قالت من خلال عبراتها : أبا زياد افعل شيئا ً . قال والدي محاولا ان يفهم الموضوع : - ماذا فعلت يا وحيد ... أسرقت شيئا ً ؟ أجبته بمراره : - اللصوص أسعد حظا من المناضلين في بلادي لان القانون لا يطالهم الا بقدر أما انا فأجهل مصيري بعد مغادره المنزل . عاود والدي السؤال : - قل لي ماذا فعلت ؟ أجبته بصدق و أخلاص : - أحببت وطني و أحببت الناس و رهنت فكري و قلمي من اجل مصيرهم ... هي زلّه قلم او عثره لسان سأكون على بينه من الامر غدا صباحا ً. جربت أن أبعد نظري عن عينيه و نت اتوقع صوته اللائم عندما سمعته يقول : - لا تخف يا وحيد .. أنت رجل الان , و سنكون الى جانبك طوال محنتك . ضمني و الدي الى صدره بينما كانت امي تصرخ برعب : - هـذا مستـحيل .. مســتحيل .. أفعل شيئا يا ابا زياد .. لا يمكن أن افقد اولادي كلهم لا استطيع ان اتصور بأنني بعد اليوم لن أجهز لهم الفطور و لن أعد القهوه. كنت اشتكي من كثره مطاليبهم .. ليعودو و ليطلبو أكثر من السـابق .. مازلت قويه و احب ان اغسل لهم و أن اطبخ الطعام الذي يشتهون .. سأحن الى ضجيجهم الى مشاحناتهم الى الخصام معهم .. أني اريدهم .. ضربت بيدها بقوّه على الجدار حيث استندت تبكي و واصلت الصراخ: - أريدهم أن يملؤوا البيت كل يوم و أن يبعثرو أغراضهم في الصالون و الغرف . لمن سأرتب الأسرّه , لمن سأوقد الحمام . لمن سأشتغل الصوف ؟؟ هم عزائـي و شغلي و عذابي و فرحتي لقد انتهيت بفقدهم .. أحس فاجعه تسـحق قلبي . اتجه والدي نحو أمي و أخدها بين ذراعيه بينما كان مروان ينظر بحذر و خوف . أخذت قميـصا و جوربا و منشفه و بيجامعه و تبعت الاثنين صـامتا .." |
بنــتابع بوكـرا مـع بـدايه الـحديث عن مـسرح ولـيد مـدفعي :gem: ..
|
في بدايه الدخول الى مسرح الاستاذ وليد دعونا نبدأ بتعريفه للكلمه المـسرح في احدى ندوات لاتحاد الكتاب بالشارقه عن المسرح الجاد :
يستهل مدفعي مداخلته عن معنى كلمه (( المسرح )) بالمعنى المتأخر للفظه (( مسرح )) في اللغه بعد أن وضح أن سرح الحيوان - سرحا ً و سروحا ً - اي ذهب ليرعى, و يسرح الرجل سراحا ً اي خرج في أمره و السـرُح مصدر و المسرح اسم المكان و جمعها مسارح و هي المراعي. و أكد مدفعي ان ذلك المعنى يدل على معان كثيره ضمت المنصه و البناء و تعدتهما الى التراث المسرحي في كتاباتنا عن المسرح العربي أو اي لون من ألوان المسرح و قد اشتقت كلمه مسرحيه من الملدلول (( مسرح )) و صارت أسما ً لعمل أدبي مؤلف للمسرح , و اسماً للعمل الفني المقدم على المسـرح. و أضـاف - لو أننا تبنينا لفظه ( سرحه ) لأفسحنا المجال أمام النقاد حتى يستعملو مصدر الكلمه (( السرح )) لإي نقدهم فيتحدثو عن (( سرح )) بطيئ أو (( سرح)) سريع بدلا من التعبير بكلمه الحركه المسرحيه التي لا تعبر بدقه عن كلمه (( السرح )) و التي تحدد الانطلاق و الانتقال في مكان محدد بآن واحد. |
يروي وليد مدفعي لجريده الـبعث عن بداياته في مجال المسرح فيقول :
درست الشهاده الثانويه بمدرسه (( ابن خلدون )) و أسست فيها فرقه للتمثيل , و من وجودها الدكتور الشاعر نذير العظمه و الاستاج نجاح السمان و قد تعاون الأخير مع الاذاعه السوريه بمسلسلات ثقافيه و كان مسرح مدرسه ابن خلدون مشهورا منذ اسسه عبد الوهاب ابو السعود و عرضه موسمه المسرحي , و أنا عرضت مسرحيتين (( نداء الدم )) و (( دماء لم تجف )) في عام 1950 و تعرفت على ((حكمت محسن \ ابو رشدي )) و كان يشتغل منجدا ً للأثاث في دكان قرب المدرسه و قد أهديته بطاقه لمسرحيتي. و تعرفت على سعد الدين بقدونس الذي كان كوى في عرنوس و كان يمثل معنا الدور الكوميدي. اشتغلت قبل تخرجي من كليه الصيدله استاذا ً للمرحله الثانيه و اشتغلت في الوقت نفسه كمحرر مجله (( الرقيب )) و تعرفت على كان الكسان و عبد العزيز هلال و نشرت شيئا من أدبهما و بعد تخرجي من الجامعه عام 1954 استمريت في التعليم و عملت كصيدلي لسنتين في الريف (( في بانياس في الساحل السوري )) فكنت أقيم الحفلات مع الطلاب في المناسبات, و كانت تحوي شعرا و زجلاً و مسرحيات ذات فصل واحد . انتقلت بعدها الى دمشق و أسست الفرق التمثيليه و مثلت على المسرح و أخرجت و عملت ماكياجا ً لفرقه الجامعه في عهد الاستاذ رياض ابو السعود و النادي الفني في عهد المخرج منذر نفورتي. |
يـروي الممثل محمد الصواف قصه مسرح العهد الجديد فيقول:
كانت جمعيه العهد الجديد في القصاع و كان القسم الأعظم من أعضائها نجارين يشتغلون في ورشه ايلي خوري و صديقه جورج صيداوي الذي كان نجارا ً أيضا ً. و أنضم كثير من الصحفين و الكتاب بدعوه الشاعر خلبل خوري و الاديب ياسين رفاعيه على رأسـهم سعيد جزائري - رئيس تحرير النقاد - و زكريا تامر - أديب - و الدكتور انطوان حمصي - أديب و استاذ جامعي - و الياس خريسو - رئيس تحرير جريده دمشق - و كوليت خوري - روائيه و قصاصه - و جمانه طه - قصاصه - و كان بين الأعضاء بعثيون و شيوعيون و سوريون قوميون. و قد وجد باتريك سيل عندما كان مقيما في دمشق فرصه نادره لاجراء مقابله مع وليد مدفعي عن الجمعيه التي ضمت بين صفوفها من كل المذاهب و الافكار و لفت نظره الأعمال التي يقيمون الأعضاء بها تطوعا و انتشرت هذه المقابله بالـ اكونومست في لندن. و قامت الجمعيه باأول عمل في المركز الثقافي باحياء 100 سنه على ولاده الكاتب المسرحي انطون تشيخوف. و مثلنا مسرحيته أغنيه التمّ (( البجع )) و أعلنا مسرحيه سبحان العاطي من تأليف سعد الدين بقدونس و هي مسرحيه شعبيه و طان مقر الجمعيه الجديد يقع في طلعه البحصه الى جانب المحافظه و أقمنا داخل البناء مسرحا صيفيا و تم السطو على المسرح في ليله سبقت ليله الافتتاح. و اتصلنا بمصمم الديكور شفيق المنفلوطي و قد جاء و اشتغل بترميم الديكور حتى حضر الناس الى الصاله و نحصنا الممثلات و الممثلين أن يحترسو من الدهانو تبرعت السيده كوليت خوري باصلاح الستاره عند خياطها و هي التي أهدت الستاره الى مسرح العهد الجديد. " و من المفيد ذكره أنّ هذا المسرح (( مسرح العهد الجديد )) يسـمّى أيـضا بمسـرح وليد مـدفعي نـظرا ً لأنه صرف ثروه على انشاءه مع عدد من الأعـضاء المذكورين في النص السـابق كـ ايلي خوري و محمود الصواف. |
يتحدّث الدكتور عبد الله ابو هيف عن مسرح وليد مدفعي و يتناول مسـرحياته واحده تلـو الآخرى :
مـسرحيه وعلى الأرض الـسلام ( 1961 ): ان الصراع في «وعلى الأرض السلام» لا يرتكز على مادة أساسية، بل يناقش اهتماماً جانبياً في ممارسة شخوصه، ثم يرتمي على بساط الموضوع ناطقاً بوعظه: «لقد صدقت الآن والذي علمني الإيمان هذا الطفل الصغير وحده: مع أخيه الإنسان وتبادلهما المحبة والإخاء والسلام» (ص88 ). وهكذا يوصلنا وليد مدفعي إلى توجيهات معلم المدرسة الابتدائية تماماً أو نصائح رجل الدين مكتوبة أو مشفوعة بمنبر عريض مثل خشبة المسرح دون أضواء. ومنذ زمن صرح تشيخوف بصوت عال: «إنك تريدني حين أصف لصوص الخيل مثلاً أن أقول: «إن سرقة الخيول عمل خاطىء». ولكن هذا شيء معروف منذ عصور طويلة دون أن أقول أنا ذلك. دع المحلفين يحكمون عليهم، فمهمتي هي ببساطة أن أبين أي نوع من البشر هم». و ان رؤيه خيره لطفل وحدا لا تكفي لتبدل موقف مجرم أو خائن كما في مسرحيه (( وعلى الأرض السلام )) . عن مـسرحيه البيت الصـاخب (1963) : يباشر وليد مدفعي الصراع في «البيت الصاخب» لا في أتون الفعل، بل في زحمة احتفاله بصياغة لغته، وكأن استهداف الحقيقة من أقوال الساعي إليها، وليس من تتبع سيرة حياته في نضالها لتخطي وضعها المختل. إن البيانات والخطب والأقوال ـ ولا حاجة للشواهد ـ هي محرك «البيت الصاخب» وليس أفعالها، حيث بقيت الشخوص بمنأى عن نمو العلاقة إيثاراً لتراكم في التفاصيل يستدعي مزيداً من أناقة اللغة. إن الشخوص لا تملك قدرة المجابهة مع نفسها لذا عجزت عن أن تنهض على قدميها فتوازي قامتها ـ مجرد موازاة ـ خلل الواقع. مسـرحية و بعدين ( 1970) : أما مسرحيته «وبعدين» فتنطوي على حل مسرحي يكرس الموضوع قضية مطروحة لولا شطط عنصر الخيال بعيداً عن مسار القضية التي كرس لها وليد مدفعي اهتمامه الأول: كشف خونة الحياة، وهي مهمة صعبة، كما نرى، وتحتاج لمدار مفتوح ينفع معه اللجوء «الفنتازي»، ولكن ما فعله مدفعي هو الانحياز التام لإنجاح عنصر السخرية والفكاهة المصنوعة، لا مفارقة الموقف ودعابيته، وهو الأمر الذي أنجزه في رواياته الساخرة، مع الاحتفاظ بالمكانة المهمة لدلالة الصرخة ـ عنوان المسرحية: «وبعدين»، على الرغم مما تشي به من أحاسيس شعبية مكتوبة تعبيراً عن جماع نفاذ الصبر على المظالم. إن استشباه موضوع المسرحية يؤكد الشبه بينه وبين مثيله في الواقع. ثمة رجل «تعبان» فجأة ثم يعود لبيته ليموت قتيلاً برصاص زوجه البسيطة «التعبانة» مثله، إذ تحرض هي على قتله دفاعاً عن وضع خاطىء جديد. كما يمكن لمسرحية «وبعدين» أن تكون ملهاة سوداء وأن تكون بعد ذلك، شاهداً على تطوح معنى الأمان بين الرقاد والصحو، إلا أن كثرة اللوازم الميلودرامية دون رصيد حقيقي من قوة العواطف الإنسانية جعل منها مرثاة لقدرة القوى المجهولة على العبث بمصير الإنسان. أجراس بلا رنين( 1976) : أما مسرحية «أجراس بلا رنين» فتأخذ ملامح حية ثم تعطيها دون إبطاء لإيقاعها حتى لتختلط وهي تعتلي رقاب فكرتها بفعالية عامة وهدف، وفي هذا سر نجاحها. «فايز» مدرس آثر المكوث في قرية ريفية مديراً لمدرستها بينما لا يجد فيها من معه سوى طريقه إلى راحته في المدينة. هنا، يبين وليد مدفعي بجلاء تناقض حلم المدرس «فايز» «بإقامة مدينة فاضلة» وتعلق غيره بأهداب الوضع القائم في المدينة. تبدأ المسرحية بإعلان «نوال» ـ زوجة فايز ـ الصريح رفض الحياة في هذه الضيعة المتخلفة «الكريهة المقطوعة عن العالم» (ص13)، ولا يحلو لها وهي تعلن رفضها الصريح إلا استخدام كلمات مثل» «سئمت» (ص12) و«الرحيل.. الرحيل» (ص13) إيذاناً ببدء المواجهة بين زوجها والآخرين ممن يلتقون مع نوال على مغادرة الضيعة، وهم كثر: حسان الضابط المسرح الذي عمل أستاذاً في مدرسة فايز ريثما أعادوا له رتبته، فعاد بعد ذلك ليعتقل زميله الأستاذ، المتين العقيدة، «نضال»، و«حسن» الذي عمل ناظراً للمدرسة، ثم هجرها مع أخيه سلمان الذي استكمل دراسته العليا، وأصبح بمقدوره أن يقيم في المدينة. إنهم في الطرف الثاني يتكالبون مع نوال على المال والراحة والاستغلال والأضواء حيث يبقى فايز وحيداً مع المدرس نبيل، وفي طرفهما درس من علي بائع الحليب: «سأكون مسؤولاً إذا ذهبت.. وسأعمل إذا بقيت.. فما الفرق؟» (ص137). تؤكد المسرحية، ربما بصورة متأخرة، أن المعنى كامن في التاريخ وليس في الذات، ومثلما لقيت نضالات الأفراد والتنظيمات الإحباط والخيبة، «ومن ثم الاستسلام» في الخمسينات يلقي اليوم المعنى ذاته قيمته الفريدة في الخلاصة القديمة المعروفة: النضال ممارسة يومية، وليس دليل عمل سياسي فحسب، ولعل هذا الفصل بين الممارسة ودليلها يعود إلى النفع القليل لأهمية الفكرة وصدقها التاريخي في الفعل السياسي العربي، لأن الدليل في واد، والجمهور يسعى إلى مستقبله في واد آخر. «أجراس بلا رنين» وضعت يدها على الجرح، فانفجر الدم، دم أجيال «عهود الصيرورة»، ولكن فوران هذا الدم لا يزال يغلي في العروق، وخصوصاً لدى من شهدوا مسيله في الشارع العربي فترات النهوض، وكانت الخمسينات أشد السنوات مقارعة مع أعداء الوطن. إن بصمات الاعتراف لجيل كامل غفل عن البداية الصحيحة ـ ودلائله واضحة في ممارسته الفنية ـ أظهر المسرحية وكأنها تصفية للحسابات الخاطئة، أو تبرئة ذمة تجاه الجرح الذي لم يندمل بعد. ومن يراجع كتابات وإنشاء غالبية جيل وليد مدفعي سيروعه حقاً تمجيد زائف لمعنى الإنجاز حيناً، ونكوص ذاتي حيناً آخر، ووعي متأخر حيناً ثالثاً، وعلى الرغم من ذلك قامت ميزات «أجراس بلا رنين» بأعباء النطق بصدق فني وفر نجاحاً يجعل من المسرحية دعماً لمسرح وطني. |
ما كنت حابة أقاطعك
بس أكيد متابعين ومستمتعين:D |
فــــرقه الـعهد الـجديد و أوّل شـباك تـذاكر في سـوريا
عن انشاء وليد مدفعي لفرقه الـعـهد الجديد المـسرحيه و ايجاده لأوّل شـباك تذاكر في سوريا يتحدث ياسين الرفاعيه في مقالته " الـدستـور " :
يتطلـّب وجود المسرح و تطوره وجود كاتب يترك بصمات أصابعه واضحه في تقويم المسرح. و أقرب الكتاب المسرحيين الى هذه الصفه هو وليد مدفعي الذي بدأ الكتابه للمسـرح منذ مطلع الخمسينات بمسرحيه نداء الدم ثمّ كتب بعدها دماء لم تجف. لقد سـاهم وليد مدفعي مع جمعيه العهد الجديد في نهايه الخمسينات بإنـشـاء مسـرح ذي شـباك تذاكر. و استطاعت الجمعيه أن تواصل موسمين على الرغم من الخـسائر التي لحقتـها, و كان من أسـباب فشلها عدم اعمتادها على تيار واحد تناضل من أجله و تحقق له مكتسبات فتراوحت عروضها بين المسرح الشعبي و المسرح المترجم و ضاعت في الزحام نتيجه لهذا التنوع تاركه لأعضائها أن يواصلو الكفاح في فرق جديده. و تتـبع أهميه هذه الجمعيه في المسرح السوري أنها أول جمعيه أقدمت على ايجاد شباك تذاكر و كانت تبدل عروضها في كل اسبوعين كصاله رسميه دائمه العروض. اقترن اسم وليد مدفعي مع المسرح المدرسي في أوائل الخمسينات و اقترن مع جمعيه العهد الجديد في نهايه الخمسينات , و قد اكتسب آنذاك خبره لتنوع الأعمال التي كلّف بها من قبل جمعيه العهد الجديد كـمخرج أحيانا ً و كممثل و من هنا جاءت نصوصه من بعد ذلك سريعه الحركه , حيوية الحوار , تملك قدره على شد الجمهور و نالت تلك النصوص الجوائز العديده. و عن انشـاء فــرقه الــعهـد الجديد يتحدث وليد مدفعي في حواره مع جريده البعث - مجددا - فيقول ردا على سؤال أمينه عباس : - صرفت ثروتك في يوم من الأيام لاقامه مسرح في أوائل الخمسينات و استطعت و من معك أيضا ً أن تنشئ أول شباك تذاكر لما يـسمى مسـرحا ً ؟ * كـان ذلك في أيام الوحده مع مصـر و كانت تذاكر المسرح يتم بيعها باليـد فأوجدنا أول شباك تذاكر لمسرح فرقه الـعهد الجـديد مع الممثل (( ايلي خوري )) الذي ضحى بوقته و ماله أيضا ً و كان يحب الفن الى جانب تعاون (( ياسين رفاعيه )) و الدكتور (( انطوان الحمصي )) و المخرج (( غسان جبري )). |
الـــتـوقف عن الانتـاج في المـسرح ؟
في سـؤال وجـّه للاستاذ وليد مدفعي من قبل " لينا ادلبي" في جريده " لسياسه الكويتيه" عام 1996 حول توقفه عن الانتاج في المسرح يقـول وليد مدفعي :
لـقد أحببت المـسرح و أردت أن أكون ممثلا و أخرجت للمسرح في بدايه حياتي الأدبيه و صرفت ثروه لاقامه مسرح ذات يوم و كان ذلك .. في أوائل الخمسينات و قد كان المسرح خاصا بنيته أنا و أعضاء النادي و منهم (( ايلي خوري و محمد الصواف )) و قد كان المسرح حينئذ جديدا ً في سـوريا فخـسرنا و أغلقناه .. و لـكننا و بكل فخر استطعنا أن ننشئ أوّل (( شــباك تذاكر )) لما يسمى مسرحا ً و قد تخرّج من مسرحنا الذي أطلقنا عليه اسم مسرح جمعيه العهدد الجديد .. الكثير من الفنانين المعروفين منهم : طلحت حمدي و هاشم قنوع و محمد خير حلواني المرحوم ابو شاكر و الخ .. تقريبا الممثلين القدامى عملو و تدربو في بدايه حياتهم على مسرحنا و تخرجو منه و كنت أتمنى دائما ً أن أصيغ أفكـاري كلها للمـسرح فكـتبت له كثيرا و لكني أبتعدت عنه لعدم قدرتي على مواجهه الذين كانو يقفون ضدي و تحولت الى كتابه الروايه .. لـقد وصلت الى حال لم يعد المسرح قادرا ً فيه على تقديم مسرحياتي, اذ ان هناك مخرجا ً و منتجا ً و ممثلون يخشون من تقديم عمل جريء جدا ً .. فآخر عمل رأيناه هو (( البطر طفر )) عرضناه في تردد و تخوف كبيرين :) .. و قد لاحظ رواد المـسرح أنها مسرحيه ليست عاديه على الاطلاق و أنها تتنبأ بحروب اقليميه و بأوضاع خطيره جدّا و كان هذا ما توقعناه و ما حدث فعلا و لدي مسرحيه جديده بدأت في كتابتها منذ سـنوات و لم أنتـه منها حتى الآن و اسمها (( أنا الـذي قتلت الـسلطان )) . و هـكذا أنتقلت من مكان الى آخر حسب الظروف و لكن هذا لا يعني أني استسلمت لأعدائي , بل كان ذلك يزيد من قدرتي على النضال و المثابره لأنه ليس من الـسهل أن تعيش في بلد له مـواقفه الايديولوجيه و السياسيه و تـعلن في قـصصك و مسـرحياتك مـعـارضــــتك بــكل صـــراحه !! |
انتـقالا ً الى قلم ولـيد مـدفعي الروائي و الـذي نسـمعه يـتحدّث عن بـعض روايـاته موضـحا ً بعضـا ً مما يـدور خـلف الروايه :
يقول وليد مدفعي : مـذكرات منـحوس أفندي ( 1960 ) : " كـتاب مذكرات منحوس افندي هو أول روايه صدرت عام .. نـعرف كلنا كدارسين لأدب الروايه سواء العربيه او العالميه ان الروايه تؤرخ لحياه البطل منذ ولادته و مابعد . فكان الجديد في مذكرات منحوس أفندي أنها بدأت مع بطل الروايه منذ تخلقه في رحم أمح حين قال : " سأحدثكم منذ البدء , في البدء كنت علقه و كانت العلقه نطفه و أنني لا أٍتحي أن أورد أرومتي فقد كانت الزيجه شريفه و لكنها لم تكن متكافئه. أنني ربيب حاله عصبيه مستعجله و لحـظه انهاير لا اراديه .. " و يـستمر بطل الروايه يقص علينا ما حصل معه عندما قرر والده حاله الاجهاض و لك ان تقدر حاله الفزع التي أصابته و كيف اكتشف وجود أخ له يعايشه في رحم أمـّه ! و لك أن تقدر حاله الشماته بهما و يحدثنا عن المواد التي استخدمتـها أمـّه و عن محاولات الفرار من الأذى و كيف ذاب أخوه و هلك و بقي وحده حيا ً و لكنه أصيب في نموه . الروايه طويله و لا أفضل الاسترسال في قصها و لكني أحب أن أبين أن الروايه قد وصحت الأبعاد الصحيه خلال الحمل و بأسلوب شيق و حذرت من حاوله الاجهاض التي تشـوّه الجنين دون اسـقاطه. (( افقـشني لتـقفشني :p )) : للاطـلاع على مـقتطفات من روايه مـذكرات منـحوس أفندي في قسم الأدب السـاخر أضغط هــنا محب المشاكل ( 1989) : مرّت ظروف قاسيه جدا في أزمنه التحوّل لم يبق شخص لم يشعر بالغربه و هو في وطنه فأحببت أن أبرز شعورا ً أكثر مرارة من شعور المهاجر ألا و هو شعورك بالغربه و أنت في وطنك :) .. فصورت كيف تغترب النفوس في المنزل و هي الأٍره التي كانت موضع رصدي فمّ كيف يغترب الرجل في عمله , الذي لا ينسـجم معه ثمّ يغترب مع مفاهيم وطنه لأن الصحافه تكذب عليه و كذلك المسـؤولون عن الإعلام. تدورقصـّه محب المشاكل عن الفلاحين الذين أدخلهم التنظيم دائره المدينه و لا يوجد أحد يعيش هنا ما بين الروضه و شارع بغداد الا و يعرف ان كل هذه العمارات كانت حتى نهايه الستينات تقريبا بساتين متداخله بالحارات. و كان أصحابها يبيعون محاصيلهم في الحارات للبيوت مباشره و يحملونها على الحمير. و (( محـب )) بطل الروايه الذي وجد نفسه بعد تنظيم بستانه من أبناء المدينه ظلّ فلاحا ً يجل السلوك المتعارف عليه في المدن . لقد صار غنيا جدا ً و ظلّ فلاحا فحمل هذه العقده فهو لا يحب من أحد أن يذكره بمنبته. و بقي يلاحق (( رجاء )) التي رفضت الزواج منه و انهت عقدته حين جعلته يقبل بالزواج من رجاء على شرط ان يشتري مزرعه و يعود فلاحا ً فقبلت ابنه المدينه غير المعقدة بمرافقته. روايه غرباء في أوطاننا مارستُ الـصحافه في مجلّه (( الرقيب )) لصاحبها عثمان شحرور و في جريده (( دمشق المساء )) لصاحبها نصوح الدوجي فكنت أنا (( وحيد )) الصحافي في الروايه و كانت المطبعه التي وصفتها في الروايه هي مطبعه صديقي عبد الله الطحان و استعرت اسلوبه في النقاش و هو الآن صاحب جريده (( الاعتدال )) التي تصدر في نيوجرسي. .. و هـكذا كان في كلّ بطل من أبطـال الروايه شـيئ من نـفسـي و شـيء اخر من معارفي .. و ما يهمني أن أقوله لك أنني تعرضت في الروايه لمشكله عدم وجود مشاف ٍ خاصـّه لعلاج الأطفال و بالتلي عدم وجود أجهزه جراحيه لهم و أُرت هذا الموضوع أكثر مرّه في اصحافه و تابعته في مسرحيه على المسرح فأظهرت وفاه طفل لعدم وجود مشاف جراحيه جيده ... و كـذلك حتـى تم تأسيس مشفى جيد للأطفال و من ثمّ تعددت مشافي الأطفال و توفرت لسـدّ الحاجه . قلت في غرباء في أوطاننا بأنني مطرّ لأن أكذب فكما يمنعون اللمس في المتحاف يمنعون الصدق عند الحديث عن أمجاد البلاد و هو أسلوب لأشكك بـصحّه التاريخ و الكثير من التراث , فحين تجدون كذبه بين الأسـطر أكون قد خـضعت لقانون و ذلك حرصا على سـبات الجماهير. (( افقـشني لتـقفشني :p )) : للاطـلاع على مـقتطف من روايه غرباء في أوطاننا في قـرأت لك أضغط هــنا |
مـتـابعه ً لـحديث المـدفعي عن روايـاته : قـياديون بلا عقائد (1993) : هذه الروايه تحكي قصه الاشتراكيه في العالم , و تمثلها في الروايه المؤسسه التي اضطهدت و تآمر علـيها.. و هي تمثـلأ فكره من أفكار الاشتراكيين في العالم. و بالقضاء على هذه المؤسسه من قبل الرأسماليين تنبأت بانيهار الاشتراكيه و مما ساعدني في صحه تنبؤاتي هذه قراءاتي للأفكار الاشتراكيه منذ ظهرت في العالم و أنا مؤمن بالعداله الاجتماعيه و بالاشتراكيه لكني اختلف عن الاشتراكيين الملحدين الذين يؤججون العداوه بين الطبقات, بإيماني العميق برساله .. و من يؤمن لا ينزع الى الاحقاد اطلاقا ً بل يتجه الى السلام و حبه الآخرين و احترام قدره الخالق فلسفه القرآن ( 1992) : عندما انتشرت الماديه بشقيها الماركسي و البراغماتي في الوطن العربي و قويت جدا على أن العلم ينصرها و يسفه النظريات الروحيه الأخرى أخذت بالتوغل عميقا في قراءه هذه النظريات و نقدها من الداخل. و قد حدث أن اتصلت بي شركه الاتحاد الفني في لبنان لكتابه مسلسل اذاعي يرد على النظريات الماديه و يبين وجهه النظر الأخرى باسلوب علمي مبسـّط و بفكر صحيح و متزن يستطيع أن يصمد أمام مناقشات اساتذه الجامعه الذين تبنوا الفلسفات الماديه و أمام صوت العلم العالي , فقمت بكتابه مسلسل بعنوان (( ارحيل بلا مسافات )) الذي أسس فيما بعد و كان أساس كتابي فلسفه القـرآن. |
حـول آراء ولـيد مدفعي في النص المسرحي لبـعض الأسـماء المسرحيّه المهمه في سـوريا سأله(( أديب عزت )) في مقابله له مع جريده الـبعث فأجاب التالي :
أبو خليل القـباني : من المعروف أن أبا خليل القباني هو أوّل رائد مسرحي كتب النص المسـرحي من أفكاره معتمدا ً على حكايات التتراث التاريخي معيدا ً على المسرح حوارات جرت بين هارون الرشيد و ندمائه فمعظم ما كتبه أبو خليل القباني كان متأثراً به بحواريات التاريخ العربي و لو حاولنا ان نتساءل هل هناك أحد قبل أبي خليل القباني لمـا وجدنا سوى لقيان السميساطي من قريه سميساط على ضفاف الفرات قبل أكثر من ألأف سنه عندما كتب لقيان محاوراته الشهيره و مشاهده المسرحيه و التي عـُثر عليها فيما بعد مترجمه لى اللغه الرومانيه فكان لقيان السميساطي أوّل من كتب المشاهد المسرحيه, و له حواريات رائعه في هذا المجال و له رحلات أيضا سبقت تفكير أدباء العالم بكتابة الرحلات فله رحله الى مدن العجائب , و رحله الى الفضاء الخارجي و الى جزر وهميه عديده, سبقت مؤلفات الغرب , و خاصه جول فيرن , و لا يهمنا هنا الاستطراد في سيرته و انما اشرت اليه لأن حوارياته كما ذكرت ذات قيمه في الأدب المسرحي. عبد الوهاب أبو السـعود : فاذا تخطينا ابا خليل القباني نصل الى عبد الوهاب ابو السعود الذي كتب عده مسرحيات مثل فيها التراث العربي و كانت شخوص مسرحياته متشابهه : الملك النديم , الحاجب , الرسول , وزير الملك .. الخ من تلك الشخصيات التاريخيه التي أصرّ عليها و ابرزها في كلّ مسرحياته. وامـعتصماه أسـقطها في المشاهد الأخيره على قضيه فلسـطين . توفيق الـعطري : أمـّا توفيق العطري فأنه لم يؤلف على الاطلاق , و انما كان يقتبس من المسرحيات المعربه و يعيد كتابتها بلهجه محليه فيقع التناقض الكبير بين مجريات المسرحيه و بين العبره التي يجب ان نستخلصها عند خاتمه المسرحيه و على غرار ما يحدث الآن لبعض الأفلام المصريه المقتبسه عن افلام اجنبيه حيث تحذف مشاهد و تضاف مشاهد و نتيجه لذلك نجد صوره مشوهه للعمل المقتبس. وصـفي المالح : تبنى وصفي الملاح عددا ً من النصوص المسرحيه الكوميديه ذات لاصل الايطالي او الفرنسي و لكنه وضع نصوصا محليه تجسدت في النكهه المحليه بكل أبعادها و من فصوله المشهوره الاستاذ فقحوشي و هو فصل ناقد ساخر يسخر بشده من الولاه و يتهكم عليهم . و كان لوصفي المالح الفضل في كتابه عدد كبير من المشاهد الكوميديه ذات الفصل الواحد التي اعتمدها المسرح المدرسي بنهايه الأربعينات و مطلع الخمسينات و اعتمدتها ايضا فرق الانديه الرياضيه و الكشفيه التي كانت فاعله بالحركه المسرحيه في تلك الحقبه. صـبري عياد : لا يمـكننا أيضا ان ننسى صبري عياد الذي اقتبس أيضا عن المترجمات و وضع أيضا بعد المشاهد البطوليه التي تبرز وقفه المناضلين في وجه الاستعمار, و كان يصر على وضع اسمه كمؤلف على كل الأعمال التي كان يقدمها و قد برز في الانديه الكشفيه عندما كان يقضي شهر رمضان كاملا في تقديم سهرات مسرحيه في قمـّه قاسيـون حيث كان فريقه الكشفي متعاونا مع الفرق الكشفيه الاخرى على نصب مسرح على سفح تلقه في قاسيون قابلها مدرج صاعد يجلس عليه المشاهدون و يمرون عبر طريق جبلي مهدته ايادي الكشافين و ردمت حفره بالتراب و يقفون بالمشاعل عل ىمداخله يستقبلون الناس و يودعونهم بعد انتهاء المسرحيه و ان ذلك على الأغلب ببطاقات مجانيه لقد كان صبري عياد ينظر الى المسرح على انه رساله و ان عليه ان يلعب دوره في تثقيف و تعليم الجماهير . فرحان بلبل : دخل فرحان بلبل عالم المسرح و هو خجول و متهيب منه , و كتب مسرحيته الأولى محاولا ً فيها أن لا يغضب تلك المرحله و هو يريد لنصه المسرحي أن يجمع بين الحداثه و الأصـاله و يحاول أن يقلد في مشاهده طرفا ً من هذا و طرفا ً من ذاك , و يحاول أن يدافع عن الفقراء و العمال و لكنه تنقصه الشخصيه القويه في أن يفرض نفسه ككاتب مسرحي متميز له رأيه و له ابعاده الخاصه فهو مازال يساير و سيقبى مسايرا حتى يستطيع الولاده من جديد . محمد الماغوط : بيني و بين الماغوط ما يملأ مجلدات و لكني أكتفي بما يتعلق بموضوع المسرح. في منتصف الستينات أذكرأنني قلت لمحمد الماغوط : عبارتك تصلح للمسرح فلم لا تكتب للمسرح فقال لي : أنا لا أعرف كيف أكتب للمسرح. فقلت له : سأعيرك كتابا عالميا عن فن الكتابه للمسرح فتقرأه و يمكن أن نعمل معا في كتابه مسلسل اذاعي نتبين فيه كيف تقيم البناء الدرامي و تنشئ الحوار الموافق عليه و قدمت له كتاب (( فن المـسرح )) ليقرأه و قصصت عليه قصه و طلبت منه أن يضع المشاهد الحواريه الأولى فكتب عده حلقات و أعجبت بتلك الحلقات و الحوار و اكملت الصياغه و قدمت العمل للاذاعه و لكن جهل مدير البرامج انذاك حال دون اتمام المشروع. و بعد ذلك اندفع الماغوط باتجاه المسرح و كتب المهرج اولى اعماله التي نالت اهتماما كبيرا في بيروت. ثمّ تابع مسيرته مع دريد لحام في المرحله المستمره حتى الآن .. و كـان كلّ ممثّل فيها يتدخل باضافه عباره أو أكثر الى حواره و ان اي ناقد يتابع تلك المسرحيات يكتشف ان المضحكات في المسرحيه لا تنتمي الى ذهنيه واحده لأن لكل نكته عقليه تكمن خلفها فلا يوجد مؤلف واحد خلف تلك النكات بل توجد مجموعه من العقليات تفترض تلك النكات و النكته في عرف انقاد يتجسد خلفها موقف و عقل المؤلف و في مسرحيات الماغوط نجد النكته اللفظيه و النكته المبنيه على الموقف و القائمه على النقائض مما يدل على أكثر من ساخر في النص . تلك الرفقه سمحت لانتشار واسع مما زاد من شهره الماغوط و لكنها افقدته الشيء الكثير من جانب آخر و لو كتب محمد الماغوط مسرحياته وحده لكانت اكثر شاعريه و اعمق في المفهوم السياسي الذي يؤطره دريد لحام ليكون مقبولا على مسارح البلاد العربيه. و يمكن ان نشير الى ان الماغوط شاعر اكثر منه كاتب قصه و في كثير من الاحيان يلجأ الى تقديم مشاهد ممسرحه و لا يقدم مسرحيه بالمعنى الكامل و هو الآسـلوب الذي تتبعه معظم الفرق في هذه الايام .. ممدوح عدوان : يبتعد ممدوح عدوان و عامدا ً متعمدا ً في مسرحياته عن قول الحقيقه و يعتمد على المراوغه في حواره المسرحي و لأسباب يعرفها هو جيدا و يعرفها البعض و لا مجال لذكرها هنا برأي و في هذا المجال . ** هامش : من المـُلاحظ اللهجـه النـقديه للـمدفعـي هنا و بـذلك أشـير إلى انـّه نـاقد لازع لـعب دورا ً كبـيرا ً في النـقد و لـكن للأسـف لا وقـت كـاف للحـديث عـنه كـناقد في ظـل الـفتره المقتصره على أسـبوع و حيـاته الممتـده سـبعين سنه . ** |
و مع الوصول الى الحلقه الآخيره من سماع صوت المـدفعي متحدثا ً فيما بينـنا في هـذا الأسـبوع, أورد مقولته الأجمل عن الـفن و التي أعتبرها الأخيره بـصوته هـنا :
" الـفن لون عندما يتجه للخروج من الجزء الى الكل , للتوحد مع الكل و العام و يترك الجزئي الخاص, أراه لونا ً من ألوان الـصلاه, و لا أجد في نفسي الا احتراما ً كبيرا ً له لأن الفنان الأصيل يعبر عن وحي ما, فعندما يخرج عن ذاته عن الخصوص لا بد و أنه يعبر عن الوحي العام فمن هنا يستحق الفنان الاحترام مهما كان لون الفن الذي يمارسه. " و أنتـقل لصـوت أقـلام تـرثـيه مـودعـه ً أياه بغصـّه و بـعض الـذكريات .. فيكتب الأستـاذ أحمد الحسيني في مجلة (( فارس العرب )) العدد 153\152 عام 2008 : " فقد المشهد الثقافي والأدبي في سورية واحداً من أعلامه الذين ظلوا مخلصين لأفكارهم وأوطانهم وذلك برحيل الأديب الروائي المسرحي وليد مدفعي عن عمر قضاه في خدمة الأدب رواية ومسرحاً وقصصاً ودراسات. وليد المدفعي بعد سبعين عاماً كان يشد الرحال إلى آفاقه الأدبية وإلى رؤيته السياسية سمعناه يقلب التاريخ رأساً على عقب، عكس ما كان يراه الناس في ترتيبهم المتعارف عليه. يقول : إن الأقوياء هم واضعو التاريخ وأنا أريد أن أكون مع الذين خسروا اللعبة، صوت داخلي يقول لي اكتب كل ما تشاهده وكل الرؤيا، وانصر الحق لأن الله المطلق مع الحق. كتب وليد رسالة إلى جورج بوش الأب في جريدة (الديار) ودعاه إلى السلم وألا يضع فرحة السلم مع تجار السلاح، وكتب مقالاً في الأسبوع الأدبي وكان بوش (الابن) عارفاً بهجوم 11 أيلول وكان وليد في الولايات المتحدة آنذاك يوم الهجوم على البرجين، أصيب بجلطة دماغية في صيف عام (2001) وتاق للموت ولكن المرض لم يقض عليه وأجله الموت إلى فترة ثانية. قال وليد.. عشت حياة عريضة، وإذا سألني قريب أو صديق أو سائل لا تتعب نفسك، وفر جهدك، أجبته بسرعة طالما رضيت أن أفعل هذا العمل عن رضا، لا أخشى من التعب، لو كنت بائساً لمت من زمن، إنما أحمل أعبائي في فكري وفي قلبي وأستعين بالله وأصلي بدءاً من نوح وإبراهيم وموسى وفيساغور، وزينون وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام. فما أحوجنا إلى لغة مشتركة حتى يكون السلام من حظ بني البشر. هكذا كان المرحوم الصديق وليد المدفعي رحل بصمت كما عاش أواخر أيامه بصمت . " |
و يـكتب أحـدهم في جريـده تـشرين أثر وفاته مقـاله بعـنوان : (( رحيل الروائي وليد مدفعي .. في مقاهي دمشق...قال ما لايكتب! )):
" تخرّج وليد مدفعي من جامعة دمشق في أواسط الخمسينيات من كلية الصيدلة، ولكنه لم يُعرف منذ ذاك الوقت إلا كاتباً مشاكساً وروائياً ملتزماً. نجد في بوتقة وليد مدفعي الخاصة الصحافي والروائي والقاص. والراوي الشفهي الذي كان يقول ما لايكتب في مقاهي الثقافة. فسعى لإيجاد لغة مشتركة بين أهدافه وبين مجتمعه.«نحن نعتقد في لحظات الإبداع أننا نتسلق أنفسنا في مواعيد جديدة مع القدر والناس، ولكننا بعدما ننهي دوراً من الأدوار الكثيرة التي تضع أقنعتها متتابعة بين مد وجزر نكاد نصُّر على أن ما كان هو أقل الأدوار التي لعبناها نجاحاً، كنا نكتب آنئذٍٍ البضاعة الرائجة وكان ينتابني إحساس وأنا أفاوض الممولين أن أصيح على بضاعتي: مسرحيات ذات فصل واحد للمدارس، ذات فصول عدة للثقافة. مسرحيات باللهجة العامية لنقابة الفنانين، وأتابع النداء مسلسلات ضاحكة تصلح لرمضان مسرحيات باكية تصلح لحفلات الدفن وذكرى الأموات، روايات، قصص قصيرة، مقالات وافتتاحيات صحف». تمازج وليد مدفعي وتخالط مع السياسي الشامي الرجعي، كما وصف نفسه في كثير من الأحيان فكان ضد الإيديولوجيات لأنه اعتبرها جزءاً من الاستعمار الغربي. وكان الماضي كلما التقيته مسيطراً عليه فهو المشدود دائماً إلى عالم«كنا وكان»،« في عمري المديد الذي رافق عصفاً في اتجاهات كثيرة، كنت أصر على أن أحيل الطمأنينة إلى الماضي مثلي مثل أي محافظ رجعي ملعون. وكانت كل شعارات التحرير تشعرني بأننا من كثرة الحديث عن التحرر والحرية سنفقد أبسط التعبير عن الحريات أريد أن أتشبث بطمأنينة الماضي إزاء تغيير لايعبر كما قلت عن الأفكار المتطورة نحو الأمل المنشود، يأتي كضربة الشمس على الدماغ فترى الناس سكارى وماهم السكارى وينظرون بعيون يطفئها الخوف إلى طمأنينة الماضي، لأن ما جاد به الزمان جاء غير متوقع وغير منسجم مع تطور الأفكار إنه حدث ألهب الدقائق والساعات بسياط الخطط المعدة من قبل أصحاب المصالح في العالم، الذين يعملون على تغيير العالم أو إبقائه وفق مصالحهم». فكان الحنين إلى أيام الطفولة حاضراً في ذاكرته، وهو الفتى المناضل الذي ثار مع أصدقائه ضد الاستعمار الفرنسي، فأحرقوا السفارة الفرنسية في دمشق ودخلوا مستودعاتها وأخرجوا ما فيها من مشروبات وقذفوا بها في نهر تورا(فرع من نهر بردى) فكانت لحظات جمالية تركت أثراً عميقاً في نفسه. كما دخلت لحظات جمالية غيرها بمناسبات كثيرة، كان من أهمها«متابعة صبايا الياسمين وصبايا الكستناء في فجر ظهور المرأة دون حجاب، ولايمكن أن تتصوري أي نبض كان يصيب قلوبنا ونحن نرى الحبيبة آتية من بعيد، وكنا نحمل لها وروداً وأزاهير ووعوداً صادقة أجبرنا التغيير على نسيانها والحنث بها لنصبح محترفي عشق كنزار قباني». أشار وليد مدفعي في كتاباته إلى الميتولوجيا المتعددة في الحياة الدمشقية والتنوع الأثني منها، وهو لايرى نفسه مسلماً إلا حين يصلي مع الموسوي ومع المسيحي ومع المسلم وقلبه مرهون دائماً للمطلق، لذلك فإن صورة الجامع الأموي بطبقاته الميتولوجية المتمثلة بالبنية الوثنية في الأسفل، والكنيسة المسيحية من ثم الجامع الإسلامي في أعمدة قلبه كما هو سيرة الله في كل أبعاده. وحضرت المدينة في معظم أعماله الأدبية وتحدث عن أسباب خراب المدن، وأشكال هذا الخراب. وساء وليد مدفعي ابتعاد أبناء العربية عن لغتهم وتكريس لهجات محلية تبعدهم عن تاريخهم وحضارتهم وهويتهم، فعاد إلى التاريخ واستقى منه أحداث روائية«شجرة الرحمن» التي ترجمت إلى أكثر من لغة وشاعت ترجمتها الانكليزية بشكل كبير، تحكي الرواية قصة إسلام جزر«الواق واق» في الحكايات المروية، وقصة إسلام جزر«ذيبة المهل» على يدي أبي بركات البربري المغربي، وهي في الوقت نفسه جزر«لكديف» وجزر«ملديف» في التسميات الجغرافية الحديثة، والرواية تسعى لإحياء ألفاظ اللغة العربية التي اقتضاها العصر الذي تتحدث عنه، وهو عام أربعة وستين وثلاثمئة للهجرة، فقص روايته بلغة القرن الرابع الهجري فجاءت ثبتاً لثقافة عصر مضى. ومعيناً لطلاب مقتصرين عن إتقان اللسان العربي«إن إحياء اللفظ يفضل توليد اللفظ لأنه يبقى على الصلة بين جيل اليوم وتراث الأمس». نال وليد مدفعي جائزة صوت امريكا للقصة القصيرة عام 1955، كما فاز بجائزة المستشارية الإيرانية عن أجمل قصة في أدب أطفال الحجارة. بالإضافة إلى جوائز مسرحية من وزارة الثقافة والإعلام والمجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون. رحل وليد مدفعي بصمت كما عاش أواخر أيامه بصمت. " |
أخـــيرا ً :
" حملت أجنحة الموت مؤخراً, الأديب الكبير وليد مدفعي إلى المكان الذي لارجعة منه (فهناك ينتظرني أكثر من حب جديد, فمنحنيات افلاك التجاذب بعد الموت كلها محبة, فلا نزاع البتة على استمرار مزور, وديمومة كاذبة, نتشبث بها دون فهم, وكأن المرء يولد من جديد..
ايتها النفس هل أنت آمنة ومطمئنة بلقاء المطلق.. إذن زغردي وقولي إني في فرح دائم).. (لقد عاش وليد مدفعي ستة وسبعين عاماً قضاها في خدمة الأدب من مسرحية, ورواية, وقصة قصيرة ودراسات). كتب عنه الناقد عدنان بن ذريل كتاباً عنوانه (مسرح وليد مدفعي) أشار فيه إلى أن مدفعي جدد في المسرح, حيث قدم الحياة المعاصرة, وقد كان المسرح مثيل ذلك لا يعتني إلا بالمسرحيات المترجمة, أو المسرحيات التاريخية التي كانت تقدم بلغة التفخيم وبالنسبة إلى ما يقدم من أعمال كوميدية كانت تقدم باللهجة العامية وهي في الأساس مسرحيات مصرية معرّبة عن المسرح الانكليزي والفرنسي والايطالي وقد بدأ وليد مدفعي حياته المسرحية بمسرحيات كلها بطولات كمسرحية (نداء الدم) ومسرحية (دماء لم تجف). عشق وليد مدفعي المسرح, حيث صرف ثروة في سبيل المسرح, فأسس العديد من الفرق المسرحية, وفي اوائل الخمسينيات أسس فرقة التمثيل في مدرسة ابن خلدون حيث كان يدرس الثانوية, ومن ابرز اعضائها الشاعر د. نذير العظمة, ونجاح السمان, ومثل على المسرح كما عمل مخرجاً وماكييراً لفرقة الجامعة, والنادي الفني في عهد المخرج منذر نقوري. وفي أواخر الخمسينيات أسس فرقة العهد الجديد وكان من بين اعضائها ايلي خوري ود. انطون حمصي - زكريا تامر - ياسين رفاعية وكوليت خوري وجمانة طه. وتنبع أهمية الفرقة كونها أول من أوجدت شباك تذاكر حيث كانت التذاكر تباع باليد وكانت تبدل عروضها كل اسبوعين كصالة رسمية دائمة العروض. ويذكر أن مسرحيات وليد مدفعي نجحت في مسابقات وزارة الثقافة وهيئة الاذاعة والتلفزيون والمجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. لقد استطاع وليد مدفعي أن يترك بصمات اصابعه واضحة على مسيرة المسرح السوري كما استطاع استقطاب الجماهير في سورية لأن مسرحياته ارتبطت مع ماضي المسرح السوري جامعة تلك الخصائص الواقعية والشعبية, بلغة سليمة وحوار يتميز بالحيوية. أما رواياته: فهي مذكرات منحوس أفندي عام 1959 , محب المشكلات, قياديون بلا عقائد, غرباء في أوطاننا شجرة الرحمن, وفلسفة القرآن وغروب في الفجر, وهي قصص قصيرة. لقد كانت مذكرات منحوس افندي, من بواكير الرواية السورية, فقد أسست الرواية لأسلوب ساخر جديد في كتابة التعليقات والنقد السياسي, وأججت قدرة الكلمة على النضال لتزيل مجتمعاً قديماً, وتبني مجتمعاً جديداً. وتفردت الرواية بين الكتب العربية والأجنبية بتقديم بطل الرواية منذ تخلقه علقة في رحم امه, وهذا ابداع لم يسبقه عمل أدبي قبل المنحوس. كما ناقش الكتاب وضع المرأة السيئ ورفضه جملة وتفصيلاً, وشجع النساء على تجاوزه واختيار الحياة الأقسى مع الإرادة الحرة من الحياة الألين دون حرية, وهو ثورة صادقة من خلال نضال عنيف لم يحسب حساباً فيه لغضب المحافظين فولدت تيارات فكرية جديدة. أما رواية غرباء في أوطاننا, فالغربة فيه شاملة بحيث تثير الفزع ... الأب غريب عن أبنائه..والإخوة غرباء واحدهم عن الآخر, الأخت تخاف أن تتمرد على واقع القهر فتخرج إلى الغربة عن عائلتها, والأم تحاول أن تكون الإطار الحامي والحافظ لوحدة العائلة برغم الاختلافات في الآراء والأمزجة ومحاولات التمرد التي تمزقها والسلطة تطارد الأمل بالتغيير ولو كان شخصياً بحتاً. ولا يعادل الغربة إلا الرغبة في التغيير ولكنها تتخذ الطابع الفردي, والسقوط ذريع يمتد من الشاب العائد طبيباً ناجحاً إلى الولد الصغير الذي يحاول أبوه أن يتحكم بنوع اللعبة التي تستهويه. غرباء في أوطاننا سيرة حلم قومي انهار تحت وطأة القمع والاختراق عن المعتقد تحت ضغط السلطة الساحرة..الآسرة والمدمرة. ولكن وليد مدفعي ما زال حالماً يفترض أن هذا الواقع (أكل الأحلام) مؤقت مهما طال ومهما تفاقمت تداعيات العجز فيه. وليد مدفعي ما قاله بأعلى الصوت وما زال يبشر من قلب اليأس بضرورة التغيير لينهي عصر غربتنا عن أنفسها كما عن أوطاننا. لقد رحل وليد مدفعي وبرحيله يكون المشهد الثقافي العربي قد فقد علماً من أعلامه الذين ظلوا مخلصين لأفكارهم ومبادئهم فوداعاً وليد مدفعي أيها الصديق الوفي للكلمة والأرض والوطن " بقلم : الياس الفاضل |
و خـتاما ً رثـائه بـ قلـمي :) :
كـنت مساء الامس احدث جدتي عن صديقي الكاتب الكبير و اخبرها كم انا متشوقه لزيارته في منزله مجددا و التمتع باجازه العيد استمع الى ما لديه من ادب .. اتليت عليها حماسي لاخباره عن مدى اعجابي بروايته التي اهداني اياها العام الماضي فكنت قد دونت على هامش الصفحات بعض الملاحظات التي اود اطلاعه عليها فيما يخص تلك الروايه .. أخبرتها بأنّه وعدني بالاطلاع على كتاباتي في هذه المرّه وبأنّه سيعمل على مـساعدتي لنشرها ان هي تصلح للنشر.. كنت أتحدّث بكامل جسـدي و احرّك يديّ محاوله وصـف فرحتي بلقاءه مجددا .. و كان حدق عينيّ قد توسّـع كنـقطه مطر تقرع أجراس بحيره سـاكنه .. أقتربت من أذن جدتي هامسه مردده ما أتلاه على مسـامعي من أخـبار شخصيّه عن أحد السـياسين الذي كان يخطب كلمه يتوجه فيها للشعب بمناسبه ٍ ما و كيف أنّه ليس بجاهز بعد للأيمان بأنّ الادب قادر على شـق طريقه بعيدا عن السـياسه .. أردفت موافقه على رأيه و بدأت استفيض بالشرح عن فكرتي حيال ذلك الامر عندما قاطعتني جدتي مستفهمه عن أيّ صديق كنت أتحدث و هنا اخبرتها على عجل مكمله حديثي "وليد مدفعي" .. فـعادت و سألتني ثانيه عن الاسم .. اجبتها متأفئفه "وليد مدفعي" فاستغربت عيناها بالنظر اليّ و قالت بملأ الحقيقه : " توفي وليد مدفعي في أواخر الشهر الفائت !? " . . . و تـوفي صديقي الكـبير ,صديقي ذلك الذي كان ينـسج من الـشمس أثواب تدفّئ عـُري ايماني بأدبنا الـسوري الحديث , توفي صـديقي الذي كان يجـدّل على خـصل شـعري أحلاما من وطـن , توفـي صديقي الذي كان يحدثني عن مفـهوم أخر للوطن و الحريه و المواطنين و الأصدقاء و الأماكن و الاحلام و السـجن و السـجانين و المـوت .. من المـؤسـف المـضحك أنّه في أخر لقاء لنا أخبرني بانه سـيموت و أخبرني عن حاجته للموت و كيف انّه يناديه في كلّ ليله كي ينقله الى حيث ذهب أصدقاؤه الأدباء .. أذكر جيّدا أصابعه تتحرّك بثقل الى اعلى اللوراء مع صوته يقول : " راحو " ثمّ يردف " أنا رايح كمان " .. أذكر أنّ والدتي قامت على توبيخه يومها لتكراره الحديث عن الموت و أذكر ضحكته السـاخره من خوفها .. أحاول , أحاول جاهده أن لا أمارس الحزن الثقيل على غيابك و أحاول جاهده و انا اكتب هنـا أن لا أفسـح المجال لدمـوعي بأن تسـيطر على ليلتي هذه و فرحتي بأحداث هذا الاسبوع .. و أحاول كما حاولت مرارا في الأمس أن اكذّب خبر وفاتك و أن أدعي بأنّه أخر يـُدعى وليد مدفعي لا يكتب عن الناس و الوطن و المواطنون , لا يــُعتقل و لا يـُحدثني عن التغير و الأمل ولا عن ذكرياته مع الماغوط .. لا يـضحك سـاخرا من الخوف على فقدان صديق مثله .. افتقدك و عليّ أن أعترف, غير راغبه , بمصداقيّه خبر وفاتك .. لأوّل مرّه سـأقـول لك واثقه من أنّك تـسمعني : رحمك الله و أودعك مكان يـشبه ما كـنت تـطمح اليه من وطـن .. أرفع لك صـلاتي فأرحـل بطمأنينه "فهناك ينتظرني أكثر من حب جديد, فمنحنيات افلاك التجاذب بعد الموت كلها محبة, فلا نزاع البتة على استمرار مزور, وديمومة كاذبة, نتشبث بها دون فهم, وكأن المرء يولد من جديد" إلـى روح الكـاتب و المـسرحي العزيز وليد مدفـعي |
و هـيك بـكون وصـلت لأبعـد نقـطه بـقدر أوصللها بـظل أسـبوع واحـد , تماديت بالتـطاول علـيه و استهـلاك عدد أيـام يـفوق المـتعارف عليه من الأسبـوع عادة لكـن ما كـان بـقدرتي أنـّي أخـتصر أكـثر - مع انـّي أختـصرت الكـثير جدا ً- مـن حـياه كـاتب شـبه مـجهول الـهويه بالنـسبه لكـثيرين هون فكـان لازم الـصوره تـوصل أكتر ما يمكن للـكامله بالوقت المفروض ..
أتـمنى أنـّي كـون عـرفت قـدمه كـكاتب و روائي و مسـرحي سـوري أفـتخر بـكونو كانت بـتربطني فـيه مـعرفه عائلـيه .. و بهالمنـاسبه اللي قد لا تتكرر - انتهزو الفرصه :lol: - بـحب أشـكر الكل للمتابعه و ديما و وائل تحديدا ً للتـشجيع و مـيمو للمـساعده ببعض التعديلات الترتيبيّه للمـوضوع خلال هالأسـبوع .. و أخـيرا أقـفل الأسـبوع بـابتـسامه أمل لأجل الأمل و حـسب :) و دمـتم و دامت أخـويه . |
تــــــــــــــــــــم ّ 07 نـيسان 2009 |
اقتباس:
قلمك مفاجأ دائما بسرور ![]() أكيد قمتي بالمجهود الكافي لتعرفينا عالكاتب والمسرحي وليد مدفعي - رحمه الله- بشكر مجهودك هون باسم كل الي كانوا متابعين معك,والي ما كانوا متابعين كونك قدمتيلن جميعا إضاءة تستحق الوفاء لها بابتسامة شكرا مجددا :akh: |
رح نكفي مشوارنا "بأسبوع وكاتب" مع جدل ومحطتنا الآتية حتكون عن المؤلف والرسام الفلسطيني "جبرا ابراهيم جبرا" بانتظارك جدل:D |
جبرا إبراهيم جبرا ولد في 1919 ، توفي في 1994 هو مؤلف و رسام، و ناقد تشكيلي، فاسطيني الاصل ولد في بيت لحم في عهد الانتداب البريطاني. انتج نحو 70 من الروايات والكتب المؤلفة والمترجمه الماديه ، و قد ترجم عمله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة. وكلمة جبرا آرامية الاصل تعني القوة والشدة
ولد في بيت لحم درس في القدس وانكلترا وأمريكا ثم تنقل للعمل في جامعات العراق لتدريس الأدب الإنجليزي وهناك حيث تعرف عن قرب على النخبة المثقفة وعقد علاقات متينة مع أهم الوجوه الأدبية مثل السياب والبياتي. يعتبر من أكثر الأدباء العرب انتاجا وتنوعا اذ عالج الرواية والشعر والنقد وخاصة الترجمة كما خدم الأدب كاداري في مؤسسات النشر. عرف في بعض الأوساط الفلسطينية بكنية "أبي سدير" التي استغلها في الكثير من مقالاته سواء بالانجليزية أو بالعربية. |
قدم جبرا إبراهيم جبرا للقارئ العربي أبرز الكتاب الغربيين وعرف بالمدارس والمذاهب الأدبية الحديثة، ولعل ترجماته لشكسبير من أهم الترجمات العربية للكاتب البريطاني الخالد، وكذلك ترجماته لعيون الأدب الغربي، مثل نقله لرواية «الصخب و العنف» التي نال عنها الكاتب الأميركي وليم فوكنز جائزة نوبل للأداب ولا يقل أهمية عن ترجمة هذه الرواية ذلك التقديم الهام لها، ولولا هذا التقديم لوجد قراء العربية صعوبة كبيرة في فهمها أعمال جبرا إبراهيم جبرا الروائية يمكن أن تقدم صورة قوية الإيحاء للتعبير عن عمق ولوجه مأساة شعبه، وإن على طريقته التي لا ترى مثلباً ولا نقيصة في تقديم رؤية تنطلق من حدقتي مثقف، مرهف وواع وقادر على فهم روح شعبه بحق. لكنه في الوقت ذاته قادر على فهم العالم المحيط به، وفهم كيفيات نظره إلى الحياة والتطورات.
توفي جبرا إبراهيم جبرا سنة 1994 ودفن في بغداد. |
متابعة .. معك :akh: |
في الشعر لم يكتب الكثير ولكن مع ظهور حركة الشعر النثري في العالم العربي خاض تجربته بنفس حماس الشعراء الشبان.
في الرواية تميز مشروعه الروائي بالبحث عن أسلوب كتابة حداثي يتجاوز أجيال الكتابة الروائية السابقة مع نكهة عربية. عالج بالخصوص الشخصية الفلسطينية في الشتات من أهم أهماله الروائية "السفينة" و"البحث عن وليد مسعود" و"عالم بلا خرائط" بالاشتراك مع عبد الرحمان منيف. في النقد يعتبر جبرا إبراهيم جبرا من أكثر النقاد حضورا ومتابعة في الساحة الثقافية العربية ولم يكن مقتصرا على الأدب فقط بل كتب عن السينما والفنون التشكيلية علما أنه مارس الرسم كهواية. في الترجمة مازال إلى اليوم جبرا إبراهيم جبرا أفضل من ترجم لشكسبير اذ حافظ على جمالية النص الأصلية مع الخضوع لنواميس الكتابة في اللغة العربية كما ترجم الكثير من الكتب الغربية المهمتمة بالتاريخ الشرقي مثل "الرمز الأسطورة" و"ما قبل الفلسفة". |
متابع ..:D
|
مؤلفاته - في الرواية
|
أصدر جبرا إبراهيم جبرا ثلاث مجموعات شعرية. وعندما جمعها في ديوان يشتمل على الأعمال الشعرية الكاملة، عام 1990، أضاف إليها مجموعة فيصبح نتاجه الشعري المنشور في حياته على النحو الآتي: تموز في المدينة ـ 1959. المدار المغلق ـ 1964. لوعة الشمس ـ 1979. سبع قصائد ـ 1990. ولكننا نستطيع أن نضيف مجموعة لم تصدر في كتاب، ولم تضمها الأعمال الشعرية الكاملة. ولكنه نشر معظمها في مجلة "بيادر" التي كنت رئيساً لتحريرها في تونس. ونشر بعضها الآخر، على ما يبدو، في مجلات وصحف مختلفة. وقد أعطى هذه المجموعة عنواناً طويلاً نسبياً "قصائد بعضها لليل وبعضها للنهار". وإذا كانت المقدمة التي كتبها جبرا لمجموعة بلند الحيدري عام 1943، إيذاناً بالدعوة إلى التجديد، فإن المقدمة التي كتبها لمجموعته "تموز في المدينة" كانت بمثابة مانفستو للشعر الحديث. يقول: "إن إدخال نغمة جديدة على فن قديم يعتمد على الموسيقى التقليدية، أمر يحتاج إلى جرأة كبيرة، له القدرة والبراعة، وأنا قد لا أملك الأخيرتين، ولكنني مندفع في سبيلي مهما اعترض عليه الناس". وكانت القصيدة الحرة هي السبيل. فهو، كما قال، يعنى بالوزن ولا يعنى. ولكن هذا كلام ملتبس. فقصيدة جبرا خالية من الوزن. وإذا اتفق لبعض السطور الشعرية ـ التي يسميها أبياتاً من باب المناكفة مع التقليديين ـ أن أتت موزونة فإن ذلك على سبيل المصادفة. ولكنها مصادفة مدروسة إذا جاز التعبير. فقد كان معنياً بمنح قصيدته حالة من الموسيقى التي لا تشكل التفعيلة مفتاحاً لها. كما أكد "أنني أمقت النعوت، فالحالات العاطفية من حزن أو فرح أو غضب أو يأس، يجب أن تثار بالألفاظ المجسدة، ومصادر الأفعال أيضاً أرفض استعمالها على وجه الإجمال". أما على مستوى الرؤيا الشعرية، فيمكن القول من غير مبالغة إن جبرا هو واضع ركائز القصيدة التموزية العربية. والتموزية نسبة إلى تموز، إله الخصب القديم في بلاد الشام وما بين النهرين. وقد قتله الخنزير البري، أو إله الشر "موت"، لكنه سرعان ما انبعث من جديد في الصيف فكانت شقائق النعمان هي دمه المتجدد. ومع أن اللحظة التموزية، في مستواها الميثيولوجي، هي لحظة زراعية مرتبطة بالتربة، إلا أن تموزية القصيدة العربية ركزت على المدينة التي تميت البطل الباحث عن الحياة له وللجموع، فينتصر عليها بعودته ظافراً. ويجب ألا نغفل عما تركته الثقافة المسيحية بمحمولاتها الرمزية الخاصة بالفداء، في هذه المدرسة الشعرية. وقد وجد جبرا في موضوع الاستشهاد الفلسطيني مادة لتعميق المعاني التموزية في شعره. ويلاحظ أن مجموعته الأولى قد حفلت بعدد غير قليل من القصائد ذات الصلة المباشرة بالتراجيديا الفلسطينية. لكن مجموعة "المدار المغلق" سترث التموزية من المجموعة الأولى لتعمق فيها الرمز المسيحي. وفي هذه المجموعة قصيدة نوعية بعنوان "لعنة بروميثيوس" مكرسة لاستلهام ثورة الجزائر. |
فلسطين وشعره: زماننا والمدينة:أما فلسطين التي لا يمكن أن تغيب عن روح جبرا، فإنها تطل من خلال قصيدة "مارجيروم في بيت لحم" وكذلك في "ما بعد الجلجلة" وفي مجمل الإحالات والرموز المسيحية التموزية. وهذا ما ينسحب على مجموعة لوعة الشمس الذي جعل جبرا قصيدتها الأولى تحية إلى القدس "مدينة المعراج والجلجلة". أما قصائده بعد ذلك فهي في معظمها قصائد حب. ولكننا ندرك أن الشعر الحضاري يفيض عن موضوعه المحدد ليمسّ الهموم الإنسانية على مختلف المستويات أول ما يلفت النظرفي شعرجبرا أنه وهويكتب قصيدةالنثريتناول هموم القضية الفلسطينية ومعاناتها. وكان ديوانه "تموز في المدينة" هو أكبر معبر عن شعوره أتجاه فلسطين: جيل المأساة نحن ، وعن وعي نقبلها: جيل عاصرت أرضه كلّ دورات الزمن فوعى العصور كلها ، عرف الزمان مضاعَفًا ضاربًا عمقًا وعلوًا ، عاشه عاشقًا متمردا ويعيشه كل يوم صارخًا متحديا. .... ولكن لن نعيش إلا زمانها زمان مدينة الطور والزيتون مدينة المعراج والجلجلة: هي وحدها في الأرض لنا أرض وهي وحدها في السماء لنا سماء. واقرأ قصيدته ألعينيك أغني (تموز... ص9)، لتجد هذا التلاحم مع وطنه، وينهي ذلك بقوله: أجل، لعينيك يا وجه بلاديلعينيك أبكي وأغني وفي قصيدته في أرضي التياقتطع تها – ( تموز... ص11 ) نجده يحافظ برموش عينيه على هذه الأرض التي عانى حتى خلصها من الشر ، وهو سيواصل مقاومته بإصرار : غير أني بيدي ، بذراعيأصد زواحف الجدب حولي ، أقي القلب في الإنسان من الضياع. وقصيدة لوعة الشمس – مملكةالحب(لوعة ... ص 29) يبدو لنا وكأنها موجهة للقدس، وذلك إذ يقول : هناك أراهم على الأرصفة الحجريتناقشون يتصايحون، تحت أقواس البيوت القديمة، بين باعة الخضار والجلود، ... من صبح لصبح ، حبيبتي تقطر الساعات أصواتًا سوداء كلها، والشمس تأتي بظلمة، مالحة ، جارحة. ويستخدم الشاعر هذه الإشارات والرموزوالأساطيروهذا التصادي المكثف،وذلك غالب في قصائده عامة،فالعنوان تموز في المدينة مثلا- فيه إشارة إلى تموز وعشتار- والخصب، وقصيدة لعنة بروميثيوس (المدار المغلق، ص63)، حاشدة بهذه الإشارات، وكذلك ياقوت وحجر (تموز، ص33)، فلنقرأ مثلا من قصيدة خرزة البئر (تموز، ص59): احترق القمح واندلعتقراب الزيت على بديد الحجارة وعليها صلب عيسى من جديد خرزة البئر لنا جلجلة ثانية ومن ثغرها الخصيب ستنطلق الحمم السوداء لاهبة لاظية بلحم الصبايا والحبالى لتبيد زارعي الموت مطعمي العقبان في أرضنا وعندها من فيضها القدسي الخصيب ستحيي ستحيي كل قرانا من جديد فخرزةالبئروعيسىوالجلجلة( في يومي ذاك الأخضر- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا - ) نماذج من هذه الإشارات التي تصل الماضي الحاضر، فتتواشج الصورة وتتركب من أبعاد عميقة تكتسب الأسطورية.إذ كنت كالعود الطري أخضر يومي وليلي بين فروع التينة أكل التين الندي مع رفقتي الحفاة (أقدامنا صخر مرمي) وأبو خليل يصيح راكضًا في قمبازه في إثرنا وسوطه في يده والله لأذبحكم أكلتم التوت والتين… أتريد أن تقبلني؟ وتهدر الأنغام في رأسي. وهل فقط أقبلك؟ أريد احتواءك كما تحتوي الزوابع الأمواج الهائجة – … أوحشيّ حبي هكذا ولكنه عذب كحلاوة نهدك المكوّر في يدي أو حلاوة شفتيك كلما التهمتهما خشيت الفراق والظمأ… أو القصيدة الحادية عشرة : محتوى لرسالة؟ يمتعني ، يغيظني ، يذكرني ، يثيرني ، أشم فيه خديك ، شفتيك أشم فيه بلوزك وما وراء بلوزك يجسّد لي وهمك …لا أذكر إلا المبهمات طيَّ نازعٍ يتحفّز فالوضوح للمنطق الزائل مع اللحظة الزائلة وتبقى المبهمات شواردَ تتردد كألحانٍ نصفِ هناك مع شوق كالظمأ في أيام الشمس المشرقة وهكذا أكون قد ختمت حديثي عن الشاعر والكاتب والرسام جبرا إبراهيم جبرا وأرجو أن أكون قد وفيته حقه في العرض |
وأنا كمان سجلي متابعة
|
نعود مجددا بعد انقطاع لأسباب لوجستية بحتة .. لنقضي الأسبوع الجاي مع اسبيرانزا الي اختارت تشاركنا بموضوع عن الشاعر الكبير محمود درويش بانتظارك اسبيرانزا:D |
![]() (علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي وأمشي ثم أمشي وأقاوم ) ...كثيرة هى المواقف الشعرية التى عبرت عن مبدأ محمود درويش الحياتى والكتابى فالمتابع لأعمال محمود درويش يمكنه استخلاص فلسفة بالغة العمق والاخلاص والثورية فنادرا ما تلحف محمود درويش رداء الرمزية المنهج الذى شاع فى شعر مرحلته بل استبدلها بالتقنيات المضمونية التى نوعت فى الاحساس والفكرة والرأى وثابر محمود درويش فى سبيل إنضاج موهبته فهو يتذكر قائلا ( فى بداياتى حاكيت المعلقات فلم احصد الا ملل القراء ) فكان هو نفس المنشد الذى قال بعد زمن ( لابد لى ..لابد للشاعر من نخب جديد .. وأناشيد جديدة ) وقد استطاع درويش ان يفوز كثيرا بالنخب الجديد وذلك من خلال انتهاز اى خبرة او تجربة ليجعل منها نقطة تحول فى مواقفه واساليبه حسب البعض ان النكسة كانت التحول الحقيقى فى مسار درويش الشعرى وحسب البعض ان اقتحام اليهود لقريته ( البروة ) وتشويه معالمها وتعريضه للاعتقال هو ما حول مساره الشعرى لكن يبدو ان النكسة واقتحام البروة لم تكن وحدهما اساس التحول والنضج فالتجربة الحياتية عموما وسط القهر وحياة اللاوطن هى من جعل درويش شاعر يحمل القضية والمصباح على الدوام هذا الى جانب انه مخلص صوفى لاى تجربة يمر بها سواء سياسية او عشقية او ادبية هذا العرض اقل من ان يقترب من مسار درويش اكثر لان حياته لها ابعاد ومواقف اعقد وخاصة المواقف السياسية العرض التالى سيحاول الاقتراب من مواقف درويش الادبية وبالاخص المراحل التى اجتازها شعريا :D |
مراحل في شعر محمود درويش \ د. حبيب بولس
المرحلة الاولى - مرحلة الوطن الام
ان تلج عالم محمود درويش الشعري امر ليس سهلا لأنك تصاب بالرهبة وبالتهيب، ذلك لأنه عالم غني واسع متنوع متلون، لا يستقر على مدرج واحد، فهو دائم الاغتناء، دائم التطور، عالم متقافز قفزاته سريعة وواسعة تمتح من الموروث الشعري العربي ومن الشعر المضارع عربيا وعالميا. هذا من جهة، اما من اخرى فان محاصرة هذا العالم الشعري الدافق والمتجدد امر غير ممكن لا بل مستحيل في محاضرات ثلاث فشاعر بقامة محمود درويش بحاجة اذا اردنا حقيقة ان نستكشف شعره وان نتغور مبانيه ومعانيه ولغته وتقنيات قصائده وتجديده وتحولاته، بحاجة الى محاضرات ومحاضرات ولكنها محاولة اولية للوقوف على بعض محاور شعر امير الكلام المعاصر محمود درويش. في معرض رده على الشاعر ادونيس الذي اتهم في دراسة له بعنوان "الشعر والثورة"، نشرها في مجلة (الهدف) العدد 20 1969 شعر محمود درويش وشعر اخوانه بانه شعر غير ثوري ومحافظ وذلك لأنه شعر يصف حركة المقاومة ويغنيها وليس شعرا يواكب الحركة ويخلق معادلا ثوريا باللغة ويفكك البنية العادية العربية الموروثة، حيث يقول ادونيس: "فان كانت مهمة المقاومة ان تفجر الواقع السياسي/الاقتصادي وتغيره. فان مهمة الشاعر العربي الثوري هي ان يفجر نظام اللغة (الثقافة/القيم السائدة) ويغيره". في رده على ذلك يقول "محمد دكروب" في كتابه "الادب الجديد والثورة" الصادر عن دار الفارابي سنة 1980 "ان كلام ادونيس تصور ذهني ميكانيكي، لا يرى الارتباط العضوي والتأثير المتبادل بين حركة الواقع وحركة الشعر. وكون حركة الشعر والثقافة اجمالا هي شكل نوعي متميز لحركة الواقع ككل، أي هي انعكاس معقد ومتحول في المخيلة والاحساس والدماغ الى شعر وفن وثقافة صادر اساسا عن حركة الواقع نفسه، وعن حركة الصراع الاجتماعي، وحركة الثورة بالتالي. هذا التحول هو الذي يعطي للشعر والفن والفكر اجمالا تلك الصفة النوعية المميزة، فلا تبقى مجرد انعكاس ميكانيكي لحركة الواقع المادي. بناء على ما تقدم، فان كل شعر حقيقي اصيل هو ثورة داخل حركة الشعر نفسها، هو تجدد دائم الغنى لنظام اللغة ونظام القصيدة (العمل الشعري). وكل انكار تعسفي لحركة التجدد هذه ولضرورتها وللثورة داخل الشعر التي هي تعبير عن ضرورة الحركة يؤدي الى جمود قاتل، الى موقف رجعي، الى مراوحة في المكان، بينما حركة الشعر مستمرة في تجدد دائم، وهكذا لا يكون الفن ثوريا لمجرد ان يحاول الفنان ان يخلق باللغة معادلا فنيا للثورة، بل بمقدار ما يملك هذا المعادل الفني نفسه ان يمارس تأثيره الثوري ولو داخل قسم من جماهير الثورة. من هنا تنبع اهمية محمود درويش كشاعر، بمعنى من كونه استطاع ان يخلق معادلا فنيا للمقاومة الفلسطينية وللثورة الفلسطينية في شعره، وفي الآن معا ان يمارس هذا المعادل الفني نفسه تأثيره الثوري والا كيف سنفسر عشق الناس لشعر محمود؟! وكيف سنفسر التطور الذي اصابه على مدى خمسة عقود من الزمان. يقول المفكر الكبير "حسين مروة" في كتابه "الموقف الثوري في الادب منشورات دار الفكر العربي سنة 76 ملخصا نجاح شعر المقاومة، يقول ان نجاح هذا الشعر ينبع من ثلاثة اصول: 1. كونه نابعا من الجماهير، فالشعراء هم ابناء هذه الجماهير فهي ربتهم واعطتهم الجذور. 2. الاندماج والالتحام بين الشاعر وواقعه وسمة هذا الامر الفنية صدق التجربة والاصالة في تصوير صراع الانسان الفلسطيني. 3. الشروط المعرفية أي المنطلق الفكري الثوري الذي يصدر عن هذا الشعر، وينفذ الى الاعماق مؤثثا بالطاقات المتحفزة دائما لصياغة نفسها من جديد بأشكال ومضامين متطورة باستمرار. وهذا المنطلق الفكري عند درويش هو تبصره بالنظرية الثورية. هذه النظرية التي حررت شعره وعالمه الفني من كوابيس الاوهام وجعلته يتخطى ذاته باستمرار بحيث صار محمود درويش ظاهرة شعرية جديدة بمفرده لا فلسطينيا فحسب ولا عربيا فحسب، بل عالميا، وذلك بما تحمله ابداعاته من الطاقة الفائقة لتخطي الذات المستمر سواء باكتشافاته الرؤيوية ام بصياغاته الفنية لهذه الاكتشافات. تأسيسا على ما تقدم سنحاول ان نلج عالم محمود درويش الشعري على رحابته، وكي نسيّج هذا الحديث ونمنعه من التشظي والتسيب من جهة، وكي نسهل على انفسنا عملية استبطان هذا العالم من اخرى، سنقسم عالم درويش الشعري الى مراحل ثلاث هي: 1. مرحلة الوطن/ الأم، مرحلة شعر المقاومة حتى عام 1969 2. مرحلة المنفى والحصار والمذابح حتى الخروج من بيروت 3. مرحلة نبش الذات حتى وفاته |
نبدأ بالمرحلة الاولى ونمثل لها بديوان "عاشق من فلسطين" الصادر عام 1966.
ان اول ما يجابهه قارئ ديوان "عاشق من فلسطين" هو صدق التعبير الفني واخلاص الشاعر في الحديث عن قضيته/قضيتنا أي عن القضية الفلسطينية، لا كقضية فردية متميزة فريدة – وهي كذلك – انما الصدق الفني الذي ينتشل القضية من خصوصياتها ليجعلها قضية عامة يمكن ان يحسها الانسان في أي مكان فوق الارض. وهذا التعبير الفني الصادق يأتي بسيطا وعميقا في آن معا وهذه هي سحريته، شعره في "عاشق من فلسطين" حار متفجر ذو حيوية هائلة، ينتفض (على حد تعبير رجاء النقاش في كتاب "ادباء معاصرون" الصادر عن مكتبة الانجلو مصرية في القاهرة عام 68) ويمتلئ بالرغبة في الحياة والتحرر من المأساة سواء المأساة الشخصية او في واقع مجتمعه. ومذاق هذا الشعر مذاق انساني رحب لاذع. وللحقيقة اقول: ان شعرا كالموصوف معرض للانزلاق والوقوع في براثن الخطابية والنثرية والضوضاء الفنية والكليشيه الجاهز ولكن اصالة محمود كفنان وأصالة ايمانه بقضيته يحميانه من ذلك. لنسمعه يرد على النغمة التي سادت الادب الاسرائيلي الدعائي حتى ادب الاطفال منه في اواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، تلك النغمة التي تحاول ان تقنع العالم، بان العربي همجي بعيد عن الحضارة وهو انسان من درجة ثانية يقول محمود في قصيدة "نشيد للرجال" من الديون: "لأجمل ضفة أمشي/ فلا تحزن على قدمي/ من الأشواك/ ان خطاي مثل الشمس/ لا تقوى بدون دمي لأجمل ضفة أمشي/ فلا تحزن على قلبي/ من القرصان/ ان فؤادي المعجون كالارض/ نسيم في يد الحب/ وبارود على البغض. ويستمر قائلا: "لأجمل ضفة نمشي/ فلن نُقهر/ ولن نخسر/ سوى النعش الى الاعلى/ حناجرنا/ الى الاعلى/ محاجرنا/ الى الاعلى/ امانينا/ الى الاعلى اغانينا/ سنصنع من مشانقنا/ ومن صلبان حاضرنا وماضينا/ سلالم للغد الموعود/ ثم نصيح يا رضوان/ افتح بابك الموصود. ويقول فيها ايضا: "سنطلق من حناجرنا/ من شكوى مراثينا/ قصائد كالنبيذ الحلو/ تُكرع في ملاهينا/ وتنشد في الشوارع/ والمصانع/ في المحاجر/ في المزارع/ في نوادينا. ويختتم بهذه الصرخة المدويّة الثائرة: "سنخرج من مخابينا/ ويشتمنا اعادينا: "هلا.. همج هم عرب/ نعم! عرب/ ولا نخجل/ ونعرف كيف نمسك قبضة المنجل/ وكيف يقاوم الأعزل/ ونعرف كيف نبني المصنع العصري والمنزل/ ومستشفى/ ومدرسة/ وقنبلة/ وصاروخا/ وموسيقى/ ونكتب اجمل الاشعار/ عاطفة وافكارا وتنميقا". بمثل هذه العاطفة المليئة بالتفاؤل والثقة والاستعداد للنضال والصبر على الجراح يواجه درويش واقع المأساة. ولعل اعذب ما في شعر درويش في هذه المرحلة الرؤية الانسانية الخاصة التي تنعكس على بناء قصائده. فهو يرى الناس والاشياء بطريقة تختلط فيها كل العناصر. ففي قصيدة واحدة نراه يتحدث عن حبيبته، وفي مقطع آخر منها نجد هذه الحبيبة قد تحولت الى معنى مختلف هو الوطن، ثم تنقلب الى الام او الاخت، وهكذا فالحب والوطن والحرية والطبيعة كلها معان تختلط ببعضها البعض، انها ذات ملامح متشابهة فالحدود بينها تلتغي كليا. في شعر محمود نوع من وحدة الوجود، من ذوبان الكل في واحد. هذا الامتزاج الكامل بين الصور والمعاني في رؤية درويش للعالم والذي يتحقق على اجمل صورة في شعره يحدث بعفوية وبصورة شفافة. فقصائده عالم رقيق مشرق، رغم تشابك العناصر والرؤى، لذلك قصائده هنا اشبه بحلم ولكنه ليس حلما رومانسيا هروبيا عاجزا، انما هو فيض مشاعر حية كبيرة تملأ وجدان الانسان وتسيطر عليه. وهذا النوع من الحلم هو الهام وحيوية وقوة واقتراب من النبوة، وتعبير عن الاندماج الكبير في الواقع وفي حركته واندغام بين الانسان وعقله الباطن. هذا الحلم هو الذي يفسر لنا انكسار المنطق العادي في شعره وولادة منطق آخر ينقلنا من اللحظة الراهنة الى مناطق الشدهة والاندهاش. ذلك لأن تجارب الشاعر روحية عامرة تملأ مشاعره فتفيض القصيدة عن وصفها للعادي النثري للظاهرة وتأخذنا الى ما وراء الظواهر وهذا هو الشعر الحقيقي بعينه. لنسمع مقاطع من رائعته "عاشق من فلسطين" للتدليل على ما ذكر. يقول في مطلعها: "عيونك شوكة في القلب/ توجعني واعبدها". ويستمر قائلا بعد هذا المطلع الرائع: "كلامك كان اغنية/ وكنت احاول الانشاد/ ولكن الشقاء أحاط بالشفة الربيعية/ كلامك كالسنونو، طار من بيتي/ فهاجر، باب منزلنا/ وعتبتنا الخريفية/ وراءكِ.. حيث شاء الشوق/ وانكسرت مرايانا فصار الحزن الفيْن/ ولملمنا شظايا الصوت/ لم نتقن سوى مرثية الوطن/ سنزرعها معا في صدر قيثار/ وفوق سطوح نكبتنا، سنعزلها/ لأقمار مشوهة واحجار/ ولكني نسيت يا مجهولة الصوت:/ رحيلك اصدأ القيثار ام صمتي". ثم يتابع ليشعرنا ان حبيبته هذه ليست فتاة عادية وانما هي فلسطين – يقول: "رأيتك في جبال الشوك/ راعية بلا اغنام/ مطاردة في الاطلال/ وكنت صديقتي/ وانا غريب الدار/ ادق الباب يا قلبي/ على قلبي/ يقوم الباب والشباك والاسمنت والاحجار. رأيتك في خوابي الماء والقمح/ محطمة/ رأيتك في مقاهي الليل خادمة/ رأيتك في شعاع الدمع والجرح/ وانت الرئة الاخرى بصدري/ انتِ انت الصوت في شفتي وانت الماء، انت النار". ثم يتابع: "رأيتك عند باب الكهف عند الغار/ معلقة على حبل الغسيل ثياب ايتامك/ رأيتك في الموقد/ في الشوارع/ في الزرائب في دم الشمس/ رأيتك في اغاني اليتم والبؤس. رأيتك ملء البحر والرمل/ وكنت جميلة كالارض كالاطفال كالفل/ واُقسم: من رموش العين سوف اخيط منديلا/ وانقش فوقه شعرا لعينيك/ وإسما حين اسقيه فؤادا ذاب ترتيلا/ يمد عرائش الأيك/ سأكتب جملة اغلى من الشهد، من القبل/ فلسطينية كانت ولم تزل". هكذا نلاحظ كيف تتلاحم المحبوبة مع الوطن وكيف تختلط العاطفة الخاصة بالوطنية، وكيف يصير الخاص عاما والفرداني جمعا. ثم يختتم بقوله: "فلسطينية العينين والوشم/ فلسطينية الاسم/ فلسطينية الاحلام والهم/ فلسطينية المنديل والقدمين والجسم/ فلسطينية الكلمات والصمت/ فلسطينية الصوت/ فلسطينية الميلاد والموت/ حملتك في دفاتري القديمة/ نار اشعاري/ حملتك زاد اسفاري/ وباسمك صحت في الوديان/ خيول الروم اعرفها/ وان تبدل الميدان/ خذوا حذرا/ من البرق الذي صكته اغنيتي على الصوان/ انا زين الشباب/ وفارس الفرسان/ انا ومحطم الاوثان/ حدود الشام ازرعها/ قصائد تطلق العقبان/ وباسمك صحت بالاعداء/ كلي لحمي اذا ما مت يا ديدان/ فبيض النمل/ لا يلد النسور/ وبيضة الافعى/ يخبئ قشرها ثعبان/ خيول الروم اعرفها وأعرف قبلها اني/ أنا زين الشباب وفارس الفرسان. هكذا تتفجر المعاني وتتوالد بين يدي محمود درويش ويسرح التضاد وتمرح لغة تلاقي الاضداد وهما من اعمدة الشعر المصفى. ونلتقي في شعر درويش في هذه المرحلة بصور شعبية حميمية لو صاغها آخرون لما اعطتنا شعرا، ولكنها بين يدي محمود تقول ما لم نتعوده منها يعتصرها فنا جميلا مليئا بالسحر والشعر والعذوبة. وفي هذه المرحلة ايضا نجد عددا من الموتيفات التي يوظفها درويش رموزا وايحاءات في شعره ولكنها جميعا تصب في خانة التلاحم بين الأنا والقضية/ الأنا وفلسطين/ العاطفة والوطنية/ الحب والحرية. كموتيف الاسرة مثلا: الأم، الاب، الاخت. وفي الديوان الذي نحن بصدده نلتقي بقصيدته التي سارت على فم الزمن، وأعني قصيدة الى امي التي يقول فيها: "احن الى خبز امي/ وقهوة امي/ ولمسة امي/ وتكبر فيّ الطفولة يوما على صدرِ يوم/ وأعشق عمري لأني/ اذا متّ/ اخجل من دمع امي". والأم هنا خير دليل على ما ذُكر، هي الام الشخصية والوطن، هي ام الجميع. ومن الجدير القول: ان معنى الاسرة عند درويش لا يعني الاسرة العائلية المألوفة، انما هي الانتماء، والجذور التي تمده بالصمود وبالتحدي وبالاصرار، والاسرة عنده دائما ممزقة تحاول ان تلتئم. هي اشبه بجثة اوزوريس التي مزقها اشلاء إله الشر (ست) و"ايزيس" الزوجة الوفية الباكية المناضلة تعيد اجزاءها المبعثرة وترد الروح الى الجسد الممزق. وهذا الجسد طبعا هو فلسطين التي لا بد وان تلتئم ويعود ابناؤها وتتحرر. |
ثم نلتقي في شعر محمود في هذه المرحلة كثيرا برمز الصليب واستخدامه للصليب كرمز له مبرراته، ففلسطين هي ارض المسيح، ومأساة المسيح اقترنت بالصلب، لذلك الصليب مقترن بفلسطين قديما وحاضرا، من هنا يتخذه الشاعر رمزا ليعبر به عن المأساة الفلسطينية، وهي مأساة معادلة لمأساة الصلب ولتاج الشوك والمسامير في اليدين وفي القدمين، يقول درويش في قصيدة "صدى الغابة": "من غابة الزيتون/ جاء الصدى/ وكنت مصلوبا على النار/ اقول للغربان:/ لا تنهشي/ فربما ارجع للدار/ وربما تشتي السماء ربما/ تطفئ هذا الخشب الضاري/ لانزل يوما عن صليبي/ ترى/ كيف اعود حافيا عاري؟!
ومحمود درويش يرى في المسيحية روحا دينية مقاتلة "ليست صليبية، فتفسيره لها تفسير نضالي فهي في وجدانه دعوة الى التقدم والانفتاح والى النضال والوقوف في وجه الآلام الكبيرة وكما يقول السيد المسيح في انجيل متى "الاصحاح العاشر العدد 34": "لا تظنوا اني جئت لألقي سلاما على الارض ما جئت لألقي سلاما بل سيفا". يقول درويش في احدى قصائده (مع المسيح): "ألو/ اريد يسوع/ نعم! من انت؟/ انا احكي من اسرائيل وفي قدميّ مسامير واكليل/ من الاشواك احمله/ فأي سبيل/ أختار يا ابن الله أي سبيل؟/ أأكفر بالخلاص الحلو/ أم امشي/ ولو امشي واحتضر؟/ اقول لكم يجيبه السيد المسيح: اماما ايها البشر. وكما يوظف السيد المسيح رمزا يوظف النبي العربي محمدا كذلك فهو يقول في قصيدة "مع محمد": "ألو/ اريد محمد العرب/ نعم! من انت؟/ سجين في بلادي/ بلا ارض/ بلا علم/ بلا بيت/ رموا اهلي الى المنفى/ وجاؤوا يشترون النار من صوتي/ لأخرج من ظلام السجن/ ما افعل؟ ويجيبه الرسول العربي: تحدّ السجن والسجان/ فان حلاوة الايمان/ تذيب مرارة الحنظل. هذا هو محمود درويش في مرحلته الاولى، شاعر صاغته النكبة وصقلته المأساة التي شرب مرها وذاق معها عذاب الفقر وذل العوز وغاص في مقلاتها. هذا هو محمود الذي ينحاز في كل ما صدر عنه الى فقراء الوطن، والذي تبصّر منذ تفتحه بالرؤية الثورية وتسلح بالفكر الاشتراكي التقدمي، ومتح من الموروث الفلسطيني والعربي والعالمي المنفتح، فولج عالم الشعر واثقا صادقا مخلصا مؤمنا بعدالة قضيته، يعاني ويتحدى ويسجن من اجلها. انه شاعر مأساة. فلسطين همه وهاجسه يوظف لأجلها كل طاقاته الشعرية وكل طاقته الفنية بصور رائعة و"مبنى استعاري" جميل متجدد وموسيقى عذبة دافقة ومفردات انيقة متناغمة منسجمة فيصير العادي بين يديه دهشة يلتحم الأنا بالقضية، وتندغم الذات بالوطن، ويمتزج الخاص بالعام، ويتوحد العدل بالحرية، ولا نهاية للنضال الفلسطيني لأنه عادل حتى التحرر فها هو يقول: "مليون عصفور/ على اغصان قلبي/ يخلق اللحن المقاتل". كفى محمود درويش هذه المرحلة ليصل الى القمة، ولكنه ليس شاعرا من هؤلاء الذين يتغيون الشهرة ويتربعون على القمم، انما هوطامح الى المزيد فالمزيد وحين سئل مرة ما هي القصيدة الاجمل التي قلتها يوما، قال تلك التي لم اكتبها بعد. |
الساعة بإيدك هلق يا سيدي 13:29 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3) |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون