أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > المكتبة

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 07/03/2009   #55
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


الحياة

11-02-2009

«لو كان الفقر رجلاً لقتلته»

مقولة عظيمة لرجل عظيم أصبحت زاداً للفقراء في حياتهم يرددونها وهم في أصعب الحالات.

محــــمد الماغوط من هؤلاء الذين يؤمنون بها ايماناً كاملاً، في الكتاب الجديد الذي صدر عن (دار المدى - دمشق) «محمد الماغوط... رسائل الجوع والخوف»، تأليف عيسى الماغوط (شقيق محمد الماغوط) وهو في سياق كتب السيرة والمذكرات، جوع، خوف، حرمان، عوز، فقر، تشرد في الأزقة والحارات وغيرها من مشاكل الحياة اليومية، موضوعات الكتاب الذي يصور حجم المعاناة التي واجهها محمد الماغوط في حياته وانعكس في شكل إيجابي على شعره وتمرده وعشقه للحياة، ووسط كل هـــــذه المعاناة هناك فسحة مضيئة وبصيص أمل يمنّي به النفس ويواسيها بمستقبل مشرق وغد أفضل تارة وبالذكريات الجميلة تارة أخرى.

يتناول الكتاب مذكرات الكاتب وأخيه الشاعر في بلدته «السلمية» في محافظ حماه في سورية، وكفاحهما في الحياة الصعبة التي عاشاها بمعاناة كبيرة، حيث عاشا في البداية طفولة جميلة فرحَين بالمأكل والملبس والدفء، ثم ما لبثا أن وقعا في مأزق كبير من الفقر والعوز.

هذه هي مفارقات الحياة التي تدور مثل العجلة. في هذه الظروف القاسية ينشأ محمد الماغوط منذ صغره ثائراً، رافضاً وضعه المأسوي، محباً للحياة، متمرداً، يحب ألاّ يحبس الكلمة مثل البدوي، وألاّ يسجن في بيت تحدّه جدرانه فهو يعتبر الأرض كلها موطنه والصحراء كلها بيته.

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2009   #56
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


المختارات التي صدرت أخيراً للشاعر محمد الماغوط ضمن اطار (كتاب في جريدة) أعادت فتح السجال حول شاعر (حزن في ضوء القمر) وحول قصيدة النثر التي كتبها على طريقته الخاصة‚ وفي الوقت نفسه صدرت في دمشق مختارات مما كتب عن الماغوط عربياً‚ ماذا عن محمد الماغوط وقصيدته الرائدة؟ لم يبدأ محمد الماغوط بنشر قصائده في مجلة شعر‚ إلا ابتداءً من السنة الثانية لصدورها في يناير 1958‚ في العدد الخامس‚ فهو نشر في هذا العدد قصيدته (حزن في ضوء القمر)‚ وفيها يظهر‚ وللمرة الأولى في تاريخ الشعر العربي القديم والحديث معاً‚ وكأنه قائد مركب متشرّد في تيّار وحشي‚ في مغامرة غير مسبوقة في الكتابة‚ يدخلها الماغوط بلا اعتداد نظري أو تنظيري‚ وبسلاح وحيد هو نصّه العاري‚

يقول الماغوط في تلك القصيدة: إني ألمح آثار أقدامٍ على قلبي‚
ويقول في قصيدة (الخطوات الذهبية): آه كم أودّ أن أكون عبداً حقيقيّاً بلا حُبّ ولا مال ولا وطن‚

وفي العدد الثاني من العام الثاني لمجلة (شعر) (ربيع 1958 ) ينشر الماغوط قصيدته (القتل)
وفيها يقول: ‚‚‚ ضع قدمك الحجريّة على قلبي يا سيدي/ الجريمة تضرب باب القفص/ والخوف يصدح كالكروان‚
نجد أنفسنا في نصوص الماغوط أمام كهرباء تهزّ الكيان بكامله وهي جديدة‚ كاسرة (وإن مكسورة)‚ غير طالعة من مناطق ثقافية أو قراءات سابقة‚ بل منبثقة مثل نبع مفاجئ في دَغَل‚‚‚ وتحمل في أحشائها موسيقاها البكر العظيمة‚ لذلك لا يمكن أن يكون تجاهها سؤال: أين الوزن والقافية؟ لم يستطع أحد أن يطرح على الماغوط أسئلة حول شعريّة نصوصه‚ فهي قصائد بقوتها الداخلية‚ كما أنّ قراءتها لا تذكرنا بنصوص أخرى مشابهة في الشعر الغربي (الفرنسي أو الأميركي/ الانجليزي) أو في الشعر العربي ‚‚‚ ولا ريب في انها تكوّنت في سويداء صاحبها من تجربة حياتيّة قاسية‚ مباشرة‚ وفي أماكن ما قبل اللغة‚ قائمة في رعونة التجربة‚ ومتكوّنة في الدم والطمث والوحل ذاته للحياة‚ فانبثقت من هناك كما تنبثق زهرة من الوحل أو الصخر‚ والحليب من دم وطمث الحيوان‚ من هنا أسّس الماغوط لقصيدة النثر العربية‚ ولم يكن يرغب في ذلك نظرياً وثقافيّاً‚‚‚ إذ على نصوصه ستنبني بعد ذلك النظرية‚ كان هو شاعراً بكراً ابن تجربة حياتية بكر‚
هذا مجده‚ نعم: ضَعْ قدمك الحجريّة على قلبي يا سيّدي/ الجريمة تضرب باب القفص/ والخوف يصدح كالكروان‚ وفي البحث عن الغرفة السوداء (السرية) التي تكوّنت فيها نصوص الماغوط‚ نفترض أنه لا بدّ من أن يكون هذا الجميل‚ الطفل‚ قد انجرح في جماله وفي أصل براءته‚‚‚ لا بُدّ من أن تكون إهانة رعناء قد ضربت قلبه بوحشية‚‚‚ إذْ ما الذي يدفع انساناً للقول: ضع قدمك الحجريّة على قلبي يا سيّدي‚‚‚ سوى العنف الأرعن؟ وحين تضرب الجريمة باب القفص فهي وحش يضرب قفص طائر‚ ثم حين يصدح الخوف كالكروان‚ فأي رعب يشلّ الكائن? أيسدّ أذنيه أم روحه؟ افترضنا ذلك قبل أن يسلمنا الماغوط بعض مفاتيح تجربته‚ على قلّة ما يتكلم به أو يبوح‚‚‚ على قلّة ما يشرح‚ نعرف أنه تعرّض وهو في أوّل صحوة الشباب‚ للسجن‚ حدث ذلك في العام 1955ولم يكن مؤهّلاً حينذاك‚ نفسياً أو جسديّاً لما تعرّض له من هوان وذلّ‚

يقول: (بدلاً من أن أرى السماء‚ رأيت الحذاء‚ حذاء عبدالحميد السرّاج (رئيس المباحث)‚‚‚ نعم رأيت مستقبلي على نعل الشرطي‚ والآن حين أتذكر حفلات التعذيب وأنا في التاسعة عشرة من عمري أتساءل: ما هي تهمتي بالضبط؟ولم أجد اجابة شافية عن هذا السؤال‚ كنت وقتها مجرّد فلاح بسيط لا يعرف من العالم إلاّ حدود قريته فقط كمعرفة الرضيع للحياة ‚‚‚ ولعلّ من فضائل عبدالحميد السرّاج عليّ أنني تعلمت أشياء كثيرة في السجن‚ تعلمت كيف أقول (آه) وذقت طعم العذاب‚ والمثير أنني أنا الذي لم أكمل تعليمي‚ تعلمت كثيراً من السجن والسوط الذي بيد السجّان‚ السجن والسوط كانا معلمي الأوّل‚‚‚ وجامعة العذاب الأبديّة التي تخرّجت منها انساناً معذّباً‚ خائفاً إلى الأبد) (من حوار معه أجراه خليل صويلح)‚

يضيف الماغوط في الحوار نفسه‚ أنه فرّ من (سجن المزّة) الى بيروت‚ حيث التقى رفاقه في مجلّة (شعر)‚ ويضيف أيضاً كلمتين عن الكتابة (كتبتُ لأنجو)‚ قَدَمُ الشرطي هي التي شكلّت لدى الماغوط سبب هذا الصراخ الوحشي لأشعاره في أروقة الأزمنة العربيّة الحديثة والمعاصرة‚ مثلما شكّلت حزوزُ الحبال على ظهر مكسيم غوركي سبب رواياته‚ ثمة جروح في قلب الإنسان لا تندمل‚ وهي التي تصنع الثورات‚ قصائد الماغوط ثورة مندلعة بلا توقّف‚ ولكنْ نسأل أين؟ سيكون من اللافت أنّ قصائد الماغوط التي طلعت باكراً كالدبابير من وكر سياسي‚ لم تؤثّر في السياسة‚ بل أثّرت في الكتابة‚‚‚ في روح الكتابة التي عاصرته والتي أتت من بعده‚‚‚ فهو الذي طلع من سجن المزّة عام 1955‚ وجاء الى بيروت‚ لم يعد للسجن المادي ثانية‚ ولكنه دخل في سجن آخر أصعب وأمرّ‚ هو سجن الحال العربي‚ وهو سجن رحب استطاع ان يهضم في الماغوط كل أعطابه‚ وأن يصغي بأذن صمّاء‚ لحشرجة روحه وهو يكتب (سأخون وطني)‚‚‚ بل لعلّ الماغوط دَخَل في سجن وجودي أكبر من السجن السياسي‚‚‚ دخل في العزلة المطلقة‚ أخلد للصمت‚ واللاأحد‚ وأدرك أنه‚ كسوداوي تعس‚ عاجز عن إدراك الفرح‚‚‚ رجل ظلمات هو ومصلوب بلا أم تبكي عليه‚‚‚ ويعيش في البرد والوحل وبين المقابر‚ متشرّد في الروح والقدمين‚‚‚ محمد الماغوط رامبو على أنتونان آرتو‚ عربي‚ شريد طويل على امتداد الأنهار العربيّة‚ وصراخٌ في جميع الدهاليز والأقبية السوداء والسجون‚ دمغة أبدية في قاع الهزائم وصرخة (وامعتصماه) على امتداد التاريخ العربي بلا ضفاف لها‚‚‚ بلا أمل‚ أفرك يديّ أحياناً وأقول هو موجود‚ وُجد من يعرّي الجيفة ويكشف الستار عن القبور المغلّفة بالديباج‚ وأشبّهه أحياناً بتماثيل سامي محمّد: بأيدٍ تتمزّق وهي تفتح أبواب السجون‚ أو ترفع صخوراً فوقها صخور‚‚‚ وربما ظهر لي أحياناً متجسداً في الصرخة لمونخ‚ على صورة رجل خائف ضعيف بفم مفتوح على مصراعيه‚ جالس الى خطي حديد‚ يمرّ عليهما قطار جامح‚

نعم إنّ محمد الماغوط هو هو الصرخة‚ وتتبعتُ الصرخة من أوّلها‚ من أصلها‚ وسألت نفسي: ألهذا الحدّ‚ استطاعت قدم شرطي في سجن أن توقظ هذا المجد الهائل؟ الماغوط يعتقد انه بلا مجد ولا أوسمة‚‚‚ متسكع أبدي على الأرصفة‚‚‚ آخر الجالسين في المقاعد‚‚‚ حسناً هذا هو مجد اللامجد لدى الماغوط‚ وتبعته من أولى قصائده حتى مجاميعه حتى صمته وانطوائه في العدم المطلق‚ تبعته كما تبع هنري ميلر آرتور رمبو‚ خطوة خطوة‚ شممت رائحة حريق الكلمات فتبعتها‚ كان ذلك في صيف وخريف 1958 في مجلة (شعر)‚‚‚ يتدمّر الماغوط ويدمّر الشعر وخزاً بالذنب أمام لبنان الذي يحترق:

سئمتك أيها الشعر
أيها الجيفة الخالدة
لبنان يحترق
يثب كفرس جريحة عند مدخل الصحراء
وأنا أبحث عن فتاة سمينة أحتكّ بها في حافلة
عن رجل بدويّ الملامح أصرعه في مكانٍ ما‚‚‚‚ عندما أفكّر‚‚‚ ببلادٍ خرساء
تأكل وتضاجع من أذنيها
أستطيع أن أضحك حتى يسيل الدم من شفتيّ‚‚‚ أيها العرب
يا جبالاً من الطحين واللذّة
يا حقول الرصاص الأعمى
تريدون قصيدة عن فلسطين
عن القمح والدماء‚‚؟
وكان ذلك في ربيع 1959 في (الرجل الميت) حيث يكتمل تشرّد المتشرّد بأدواته:
أيها الجسور المحطمة في قلبي
أيتها الوحول الصافية كعيون الأطفال
كنا ثلاثة نخترق المدينة كالسرطان
نجلس بين الحقول
ونسعل أمام البواخر
لا وطن لنا ولا أجراس‚‚‚‚
وكان ذلك في شتاء 1960‚ في (سماء الحبر الجرداء) حيث يخبّ الماغوط كحصان تحت المطر‚ وثلاثة رماحٍ في قلبه‚ وتبعته في غيبته وعودته وتقلّب أحواله‚ نادراً ما كان يظهر لي الماغوط كقمر مكتمل في سماء زرقاء‚ لم يكن مكتملاً ولا واضحاً‚ كان دائماً معصوب الجبين ملطّخ الوجه بغيوم داكنة‚ يغيب ويعود‚ ولكنه دائماً يزفر‚ يئن كحصان مريض‚ وحين افتقدته في خريف 1968 في مجلّة (شعر)‚ وجدت ألن غنسبرغ‚ ينفث في وجه أميركا كلماته ويقول:

أميركا
أعطيتك كل شيء
والآن أنا لا شيء
أميركا
دولاران وسبعة وعشرون سنتاً يناير 1956
أميركا
اذهبي فضاجعي نفسك بقنبلتِكِ الذريّة‚‚‚
أميركا
لماذا مكتباتك مملوءة بالدمع
أميركا
انني قصير النظر ومختلّ عقلياً على أية حال.
  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2009   #57
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


محمد الماغوط... السهل الممتنع

العدد 2 - آب 2005 : لؤي آدم
الجمعة 5 آب (أغسطس) 2005.
مجلة تحولات

لعل أغرب ما نلاحظه أثناء دراستنا لنصوص الماغوط على اختلاف أجناسها: «شعر، مسرح، مقال، رواية، سيناريو» هو التنافس الذاتي بين أساليب الكاتب نفسه، وهذا ما أعطى مظاهر التعدد في الأشكال الأدبية لديه نوعاً من أنواع التكامل الكلّي في المجمل الإبداعي. فمن منا لم يحفظ الكثير من عبارات الماغوط التي وردت في نصوصه على اختلاف أجناسها سواء المقروءة أو المرئية، والسبب ببساطة كان اتباعه الأسلوب المتميز والصعب وهو: «السهل الممتنع»... فمن السهل أن تُبكي الآخرين في كتاباتك، ومن الأسهل أن تشعرهم بالهموم والكآبة؛ فهذا العمل يتقنه أي مذيع لنشرات الأخبار، ولكن من الصعب المستصعب أن تضحكهم دون أن تهرّج وأنت تلامس الوقائع الجارحة.
تلك هي السمة البارزة في نجاح كوميديا محمد الماغوط.


• الطرفة:
نلمس هذه المزّية في العديد من الأمثلة في كتاباته مثل قوله في مقال بعنوان: «الراقص»: «في الحقيقة، منذ أن سمعت الفالس الروسي الشهير «كسارة البندق» وأنا أحلم بالرقص مع مسؤول عربي. أضع رأسي على كتفه وأقول له: «خذني بحنانك خذني وعن هذه المنطقة أبعدني»


• القسوة الفطرية:
«هناك إفراط ملحوظ في إيغال محمد الماغوط في الفطرية وقسوتها. ولعل هذا ما يميزه في صياغاته الحادة لعباراته وعدم مراعاته للرتوش المطلوبة فهو يصر على الصورة الأصلية. مثال ذلك ما جاء في مقالته «المسابقة» حيث يقول: «من يعرف عدد الخطابات التي ألقاها القادة والزعماء العرب حول تحرير فلسطين، ومناسباتها وفحواها منذ اغتصابها حتى الآن، أو عدد سكان الصين وأسماءهم الثلاثية أو عدد الأوسمة التي يحملها هؤلاء القادة والزعماء، ويحرصون عليها، ويعلقونها حتى وهم ذاهبون إلى دورات المياه؟»
ثم نجده كيف يعلّق ناقداً على بعض ظواهر الحياة السياسية العربية بلغة قاسية لا ترحم. مثل قوله في مقالة له بعنوان: «نفحات من المزبلة إياها»: «الرقابة السياسية، والأمنية، والدينية، والجنسيّة، على أية مطبوعة حتى على أوراق النعوة، والنشرة الجوية، وأبراج الحظ!»، «مهزلة الانتخابات، ونسبة الـ 99.99 في المئة، والتي لا يمكن أن تحدث حتى في طوائف النمل، والنحل، والبرغش»
وأيضاً قوله: «اختفاء الأفراد فجأة، ونقلهم إلى جهات مجهولة لسنوات وسنوات من دون أن يعرف مصيرهم أحد. كأنهم يعيشون في جزيرة «برمودا» بينما إذا تأخرت دجاجة في إسرائيل عشر دقائق عن خمّها، فإن إسرائيل تقيم المنطقة وتقعدها.»


• البعد الإنساني:
نلمس هذا الجانب عند «الماغوط» بقوةٍ سَبْبَّها: القهر الشخصي، وهنا يبدو أن تجربة الماغوط الذاتية وما تخللها من معاناة البؤس والفقر والعوز والحاجة، إلى الكبت والقمع والمطاردات والتخفّي والسجن والتعذيب والغربة وما إلى ذلك، كل هذا كوَّنَ لدى «الماغوط» مواقف إنسانية، متجرّدة، ثابتة. في «الدرع والفارس» يعكس لنا عبر سطوره ما انطوت عليه تجربته المرة من ردود فعل معاكسة، إيجابية، متفاعلة مع القهر والبؤس البشري: «... وعندما تحلّق بك الطائرة أكثر فأكثر في سماء هذا العالم العجيب بشرقه وغربه وتتذكر وأنت تنظر من نافذة الطائرة، جبال البؤس البشري في أصقاع هذا العالم تشعر بأن التايمز امتداد للسين، والسين امتداد للراين، والراين امتداد للفولغا، والفولغا امتداد للمسيسبي، والمسيسبي فرع لوكالة المخابرات المركزية. فما الفائدة من أن تكون قادراً على كتابة أي شيء في هذا العالم، ولست قادراً على تغيير أي شيء في هذا العالم.»


• المباشرة:
لا يتورّع «الماغوط» إطلاقاً عن كتابة ما يريد وقول ما يخطر بباله أبداً لهذا نراه في كتاباته لا يوفر أحداً ـ كما يقولون ـ فيخاطب زملاءه الكتاب حملة الأقلام قائلاً دون تريّث وبتهكم بالغ:
«أيها الصحفي المبدع والحامل لواء الصدق والحقيقة إلى ما فوق رأسك كالشعلة الأولمبية، لِمَ تعطّي ندوات لا تؤمن بجدواها وتحلل توصيات لم تقرأها وتعانق ضيوفاً وتلثم خدوداً تتمنى عضّها؟»
ويخاطب «الماغوط» معظم شرائح المجتمع دون استثناء سواء القاضي أو المتهم أو الشرطي أو الموظف فيقول: «أيها الشرطي، لِمَ تجلد الأبرياء؟
أيها الموظف، لِمَ تبتز الغرباء؟
أيها البريء، لِمَ لا تصرخ في وجه مضطهديك؟
أيها القاضي، لِمَ تُصدِرْ أحكاماً لا تؤمن بعدالتها؟
أيها الممثل، لِمَ تقبل أدواراً تخجل من ذكرها؟ »
ويجيب الماغوط نفسه قائلاً بألسنتهم جميعاً: «نريد أن نعيش»(!)
وهنا يستفز الماغوط طاقاته النقدية اللاذعة ليصرخ قائلاً:
أيتها الملعقة أنتِ عدونا.
أيها الرغيف أنتَ وثيقة الاستسلام التي تُقدَّم لنا كُلَ صباح.
أيتها اللقمة الصغيرة، أنتِ «إسرائيل الكبرى».
لقد اختصر الماغوط في هذه الكلمات كل بيانات الثورة الحقيقية التي وضع أصحابها أغلى ما يملكون على أكفّهم وهم يمضون في درب الحريّة. الماغوط بهذه اللغة البسيطة ـ العميقة ـ المدهشة يحلل ويركّب القضية الكبرى عندنا، وهي «الفساد والعجز والتبرير وعدم المواجهة» بكلماتٍ قليلة لكنها شاملة وبانورامية، فهو لا يكتفي بتحليل الأوضاع بل يضع الحلول العظيمة تحت عنوان واحد هو «الاستغناء» فالاستغناء عن الحاجة يقوّض الحجج المضادة... تلك الحجج التي تبرّر الخنوع والتخلف والذل والمكابرة الفارغة والإدعاء الأجوف.


• النقد الذاتي:
في مضمار النقد الذاتي عند الماغوط، نجده متجرداً تماماً، محاولاً إظهار المكنونات الداخلية وعدم التستّر على شيء، ولعل هذا أحد أقوى الأساليب النقدية لأنه يسد الثغرات في وجوه منتقديه (!)، فهو مثلاً يحاول تلبُّس شخصية الإنسان الانتهازي متعمقاً في أبعادها فيقول بلغة ساخرة وفاضحة:
«سأشتري آلة حاسبة من أدق نوع «سانيو» أو «توشيبا» لأحسب مَنْ مِنَ أصدقائي ومعارفي سيصير مسؤولاً لأتملقه وأتقّرب منه، ومَنْ مِنْ أصدقائي ومعارفي من المسؤولين قد يطير من منصبه لأتحاشاه وأعرض عنه. وسألبس المايوه ,اسبح في كل تيار. ومايوه بكيني أيضاً..»
ويعلن الماغوط موقفه الصريح بأنه لا يستطيع أن يكون محايداً، مخاطباً نفسه:
«لا أستطيع أن أقف ثلاثين عاماً على عتبة الأحداث كالمتسول. أو أن أدور حولها متفرجاً على جدرانها وشرفاتها من الخارج كالحرامي أو مخمّن العقارات.»
انه يربط الخاص بالعام ولا يرى انفصالاً بين داخله وخارجه، مكتشفاً أن العلاقة كالمرآة تعكس وجهاً لوجه؛ فهو بقدر تفاعله الصادق مع المحيط من حوله يعكس مدى صدقه مع ذاته؛ لهذا يقول:
«لا أستطيع أن أجعل حسناتي وسيئاتي الصحفية بالطول نفسه كشوارب سلفادور دالي. وبالمستوى نفسه.» يقول هذا ثم يكمل ساخراً: «فأنا أعرف أن المنطقة تمر بمرحلة حسّاسة وظروف دقيقة ومصيرية وأن الكل مترفّع عن الصغائر ومشغول بالقضايا الكبرى. وأعرف أن التفاؤل ضروري في مثل هذه المرحلة صحياً ووطنياً، وأنا كمواطن ابن هذه المنطقة، لا ابن كينيا أو جامايكا.. مستعد للتفاؤل.. لو أجابني أحد.. على الأسئلة التالية:
كم أرملة شهيد على أدراج قصر العدل تنهّدت وتربعّت؟ كم حادثة تهريب لُفلِفَتْ؟ وكم سيارة إسعاف طنَّشَتْ؟ كم محاضرة ألقيت؟ وكم سيدة في الباصات قُرِصتْ؟ ثم هل هناك طبيب أنف أو عيون أو حنجرة يفسر لنا سر بعض المآقي التي تظل مغمضة أياماً وليالٍ عن الرشوة والفساد والجشع في هذه الدائرة أو تلك، وما إن تشم أو ترى كلمة نقد حُرّة حتَى تفتح فجأة وتصير باستدارة زر المعطف دهشةً واستنكاراً؟»
وأخيراً، كما رأينا، أنَّ الماغوط ناجح تماماً بأسلوبه «السهل الممتنع» في التعبير عن المؤلم والساخر في ذات الوقت، راسماً لنا صوراً تدعو للتشاؤم والتفاؤل معاً... ولعل هذا هو سر فرادة أسلوب الماغوط بين أقرانه الكتاب. والماغوط كما هو غريب في نصوصه وأكثر دعابة ومودة وقسوة ولين، وطيبة وجفاء، وبساطة وذكاء، تجده حاضر البديهة دائماً وأبداً.
وختاماً سأدلُ بهذا المثل على مدى طرافته ووداعته.
ـ في إحدى مكالماتي الهاتفية معه، قبل سنوات، هاتفته مطمئناً، كعادتي، على صحته المتدهورة.. قائلاً: كيف هي أحوالك الصحية الآن؟
فأجابني بصوته الأجش: عال العال..
وما أن سألته: والبرد، ماذا تفعل بهذا البرد الشديد... هل تتدثر جيداً؟
فأجابني، على عادته، بسخريته المحببة: لا تخف عليَّ... فصديقي وزير النفط.(!)
  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2009   #58
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


رائع جدا, متابع معك ..

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات
  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2009   #59
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


يسأل خليل صويلح في كتابه "محمد الماغوط: سنونو الضجر" (منشورات احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 ) إذا ماكانت عبارة "محمد الماغوط أو الوجه الآخر للعاصفة" تكفي للدخول إلى "جحيم هذا الشاعر الرجيم". هذا التساؤل هو ما جعله صويلح نقطة البدء في كتابه. ولكنه حسم الإجابة فوراً بـ"لا أظن".
يضيء الكتاب جوانب في حياة الماغوط وتكوينه الثقافي والحياتي، ويتطرَّق إلى المفترقات التي تعرَّض لها خلال حياته التي قضاها متسكِّعاً على أرصفة المدن، محتجَّاً وساخطاً وهجّاءً. وعليه قسَّم الكتاب إلى أربعة فصول؛ تضمَّن القسم الأول توصيفاً نقدياً للشعرية المغايرة التي انطلق بها الماغوط ثائراً لا يلوي على شيء إلا جرعة أكبر من الحرية، وبجسارة يفتقدها الكثير من الشعراء أعلن بلا هوادة مقولته الخارجية: "ليس لدي ما يربطني بهذه الأرض سوى الحذاء". وفي الفصل الثاني جمع المؤلِّف شهادات في تجربة الماغوط الشعرية، كما تضمَّن الكتاب فصلاً فيه بعض الحوارات التي أجراها الماغوط. أما الفصل الأخير فتضمَّن مختارات من نصوص الماغوط الشعرية النافرة.

لم يدخل الماغوط الذي يعدُّه الكثيرون الأبَ الشرعي لقصيدة النثر، في السجالات النظرية التي رافقت تطوُّر القصيدة العربية الحديثة. ولكنه وجد طريقه ليكون أحد أركان مجلة "شعر" التي كانت بمثابة "التهاب مزمن في الحواس" تلك المجلة التي اجتمع فيها منظرون لشكل القصيدة العربية التي يريدونها والتي أرادوا لها أبوة من خارج الثقافة العربية. ويورد الكاتب في مقدمته كيف كان الماغوط غير مبالٍ بكل هذه الاشتغالات، إلا أنه كان أحد أكثر تلك الأسماء رسوخاً فيما بعد.
الماغوط الذي أعلن "الفرح ليس مهنتياً" مالبث "يعتني بإطلاق مانشيتات ساخنة" دون أن يأبه بما سيتبع تلك المانشيتات من نتائج، فهو الذي قال "أكره الضجر والشيوعيين" مثلما قال "لا توجد ثقافة في مصر.. هناك سعاد حسني" وهكذا أيضاً تهكم على عبد الوهاب البياتي عندما وصفه "بأنه يدَّعي النضال السري ومطاردة الأنظمة العربية لأشعاره، في حين لم يوقفه شرطي مرور في حياته".
يطرح التقديم الذي كتبه خليل صويلح، أفكاراً مهمة حول تأثير مدينة كبيروت على شعرية الماغوط، في حين أنَّ الشاعر المتمرد دخل في مرحلة من الصمت عند رجوعه مقيماً في دمشق. كذلك يتطرَّق إلى مسرح الماغوط، واشتغالاته في هذا المضمار الذي ناسَ بين شعرية الجملة والحوار المسرحي وبين الهجاء السياسي الذي اتَّخذ طابع "المخدر الموضعي"..

وهو، هو الذي جاء من الهامش واختار هامش الصعلوك، كان نجماً دون أن يدري فالنجومية هي ما يحيط بالاسم من فضائح. وشعره هو فضيحتنا العامة، فضيحة الزمن العربي الذي يهرب منه الحاضر كحفنة رمل في قبضة يد ترتجف خوفاً من الحاكم ومن التاريخ. حاضر يقضمه ماض لا يمضي وغدٌ لا يصل. كم أخشى القول إن الزمن الذي هجاه الماغوط، ربما كان أفضل من الزمن الذي ودعه. فقد كنا ذاهبين، على الأقل، إلى موعد مرجأ مع أمل مخترع. لا بأس أن يكون ماضينا أفضل من حاضرنا. ولكن الشقاء الكامل هو أن يكون حاضرنا أفضل من غدنا. يالهاويتنا كم هي واسعة! (محمود درويش)
  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2009   #60
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


قالو في الماغوط

" هذا النص موضوع قبل وفاة الشاعر بمدة زمنية طويلة نســــبياً وهـــا أنا أدفعه للنشـر كما كُتب حينها تماماً "


بعد أن جرّدهُ أطباء الأسنان من أضراسه وأنيابه، والموت من إلهه الكستنائي الشعر، وألم الظهر من شوارعه وأرصفته ، ومزاجه من أقرب الناس إليه ، وولعه بالحرية من المقاعد الأولى في حفلات النصب والقمع والاحتيال، وعشقه لبلاده من بقايا غبارها الذي يعلق بالقدمين.

بعد هذا كلّهُ ، أقفل محمد الماغوط باب بيته واتكئَ على أريكته عاطلاً عن الوطن كإلهٍ لم ينهِ بعد دراسته الابتدائية .

أربعة أشهرٍ مرّت لم يقرأ فيها الماغوط سوى وصفات الأدوية بعد أن كان يقرأ طالع البلاد من فنجان قهوته الصباحي ولم يكتب أيَّ شئ .

" بشرب وبتشائم " هكذا يقدّم لك الماغوط آخر أخباره ، فيا أيّها الناس انتبهوا فهذا الرجل إذا تشاءم فإنَّ كارثةً ما ستحدث حتماً ، وهذا الشاعر إذا لم ينم الليل كما كان حاله في آخر مرّةٍ قابلته فيها منذ أيّام فهذا يعني أنَّ مصيبةً ما يتم تفصيلها على مقاسنا في ضوء القمر .

لقد شاخ النسر ، ولم يعد جناحاه قادران على التفاهم مع رياح العولمة، وأعاصير الأصوليّة، ونسائم التغيير، ولافتقاره بات صالحاً للعمل بعد كل ذلك النقر في هذه الصخرة التي لا ترحم ولا تدع رحمة اللّه تنزل .

محمد الماغوط .. يلزمنا موتك كي تكتمل جريمتنا، وتنقصنا أنفاسك الأخيرة كي نضمن فوزنا في مباراة التخلّف .

محمد الماغوط.. لقد أخطأت في التصويب، فأمتنا لوت ذراع ابن رشد، وداست على رقبة ابن عربي، وخلّت - اللي ما يشتري يتفرّج - على الحلاج، ونشّفت الدم في عروق ماركس، وشربت من دم انطون سعادة ثمَّ غرست كعب حذائها في صدر كمال خير بك وناجي العلي وأمل دنقل ، وأوقدت النار فينا ثمَّ شوّهتهم أمام أعيننا .

محمد الماغوط.. في غيابك ماتت سلمية والورثة سرقوا عينها الزرقاء وأقراطها الفاطمية ، ولم يحسبوا حسابك إلاّ بالغبار .

ويا أبو شام لقد بلّطوا بردى ، ومقاهيك صارت ملاهي لتطبيق الأوطان تمهيداً للنوم معها .

وإلى كل من تهمه أخباره، نعلمكم بأن محمد الماغوط ينفّذ الآن شيخوخته وحيداً جزاءاً لهُ ، وليكون عبرة لسواه ممن تسوّل لهم نفوسهم اقتراف وطن في هذا الوطن وارتكاب حب في هذه الأمّة .

غيّاث الماغوط - سلمية


  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2009   #61
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


محطتي مع الشّاعر والأديب الكبير محمّد الماغوط
--------------------------------------------------------------------

(أصابعي ضجرة من بعضها وحاجباي خصمان متقابلان)

تلك العبارة : أبدعها الماغوط في واحدة من حالات الخصب لديه وهو لاينفك في الانتقال من حالة الى أخرى, فمسامات جلدة تهتف بصمت : (ها أناذا مرتع لتربة خصبة)
والمشكلة .. أنه : ولد شاعرا", تتفجّر الأحاسيس في كيانه وتنضج الأفكار في ذهنه بقدر حجم المعضلة, فيكلّ الاحساس منه ويصل الى مرحلة يكاد أن يختنق فيه .. فيقول :
( ألتفّ حول قصائدي كالذيل ).. وربّما يلتفّ الذيل حول عنقه .. لكنّه مازال ينبض ويحسّ لينشد الحريّة, ويناجي محبوبته (ليلى) التي تاهت منه منذ زمن ودأب يبحث عنها في مكان لانهاية له
لقد فقد الأمل في ( أوراق الخريف) .. وهي التي حملت في طيّاتها نثره وأشعاره, تلك الأوراق الرثّة, الرّطبة, كما غرفته العفنة وغربته عن ليلى .. جوعه, تشرّده وحرمانه ..
لقد كانت ملاذه الوحيد هربا" من الأنين الخانع خلف القضبان الصّامتة, وهكذا نطق في ديوان حزنه (الفرح ليس مهنتي), وراح يطرق أبوابا" أخرى عسى أن يمهّد الطريق اليها, فكتب الرّواية والقصة والمسرحيّة وأعمالا" شتّى كلها من صميم الواقع الجريح, وكان الهدف أن تتسّرب العبرة منها دون حشرجة لتعشّش في أعماقنا .. تضحكنا وتبكينا, تجرحنا وتداوينا, تثيرنا فتنعش الرّوح الوطنيّة فينا, تعلّمنا الأمل والثّورة لمجد الحقّ والأمّة.
من هنا وابتداء" من الماغوط الشّاعر الذي قدّمه (أدونيس) في أحد اجتماعات مجلّة (شعر) حين قرأ بعض نتاجه الشعري الرّخيم والى ما هنالك من أعمال قصصية ومسرحيّة على الصعيدين :
العام (مسرحية العصفور الأحدب- المهرّج) والخاص ( ضيعة تشرين - غربة - كاسك يا وطن - شقائق النّعمان)
من هنا .. مذ تحرّك في كيانه الضّمير وانصهرت في وجدانه الغربة عن الوطن .. مذ تألّم .. وتطاول بلسان الحقّ, وانتهاء" بما آلت اليه روحه الطّاهرة, فما زال ينادي نداء استغاثة للتمسّك بأيّ خيط من خيوط الصدق والايمان بالوطن.

سوزي واكيم - مجلّة الاذاعة والتلفزيون .. دمشق
  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2009   #62
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


رسم بالكلمات الأثنين 27/10/2008 ميلاد فؤاد ديب
*صحيفة الثورة

قسموا خطواتك في الأزقة

بعثروا قلبك فوق الأرصفة‏

والشوارع‏

لم يعد لديك‏

غير أهداب تحرس نظراتك‏

الواخزة‏

وحزن مجعد‏

يخمش عيون الصبايا‏

أخذوا أشياءك الثمينة‏

وتركوك هناك‏

تقلب بردى على ركبتيك‏

الصخريتين‏

تتقدم‏

ذراعاك الشائكتان‏

تلامسان الأفق‏

فامسك أحلامك الساخنة‏

بيد‏

وسلمية المشعة‏

على أطراف روحك‏

بيد أخرى‏

ودع أحدهم يفرك شهقاتك‏

الفاحمة.. بالوطن والضباب.‏
  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2009   #63
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


الحرز: الماغوط كتب الشعر لإرضاء ذاته.. وعاش على هامش التجربة الشعرية


عبدالوهاب أبوزيد ، منال العويبيل - الدمام ، الرياض


في انتصار لوهن جسده على جأش روحه.. مضى محمد الماغوط مورثاً الشعر الحديث ثروة جمة من الغيوم الإبداعية الملونة ، والتي أجاد زخها حتى الرمق الأخير الذي سبق فيه سيف الموت عذل يراعه. موت الماغوط أرخى ظله كثقب في صدر سماء المشهد الثقافي العربي، والذي قُضَّ في السنوات الأخيرة مهجعه بأكثر من فقد.
لقد خسرت قصيدة النثر أحد أبرز أعلامها، والذي يتكل على مثل تميزه مؤيدو هذا النوع من الأدب كشعرة فارقة بين الثرثرة الجوفاء وباسق النثر.

يقول الشاعر الناقد محمد الحرز: تأتي تجربة الماغوط في سياق التجريب الشعري في الوطن العربي فمنذ ديوانه الأول ( حزن في ضوء القمر) سجل موقفا يحمل الكثير من السمات اللافتة للنظر إذ إنه جاء من الهامش؛ هامش الحياة، وكان منصتا تماما لحركة التحول الشعري في العالم العربي بخلاف شعراء مجلة شعر الذين كانوا مهووسين بالترجمة والفارق بين التجربتين هو أن تجربة الماغوط حملت هاجس التأثر المباشر بسياق التحولات الشعرية والثقافية بعيدا عن التنظير وبصوت هادئ جدا وإن لم تخل كتابته من الملمح السياسي فما لم يقله في الشعر قاله في المسرح إذ لا يخفى الحس السياسي والأيديولوجي في مسرحه وفي بعض جوانب شعره ولا شك في أن التحولات السياسية والاجتماعية والأيدلوجية في الخمسينات والستينات قد تركت انطباعا على كل الشعراء بصفة عامة ولكن الماغوط ضمن مجموعة اخرى من الشعراء مثل فؤاد رفقة وأنسي الحاج ، كتب الشعر لإرضاء ذاته قبل كل شيء وكان يعيش على هامش التجربة الشعرية.

ويستحضر الشاعر محمد خضر دهشته بوقع نبأ رحيل الماغوط حيث يقول: فاجأني خبر رحيل محمد الماغوط , أذكر أني قرأت (غرفة بملايين الجدران ) ولم أكن قد كتبت شعرا يومها، كان الماغوط يشكّل طوال مسيرته وقعاً جميلاً في عالم الشعر، وتحولاً كبيرا على صعيد القصيدة العربية, ودوما كان الدلالة والإشارة القوية والمثيرة، كأصلح رد على معارضي ذلك النوع الذي يكتبه الماغوط , رحل الماغوط وهو الذي طالما غرّد (خارج السرب )، وطالما كان شجنه ممتدا إلى وطنه العربي الكبير.. الماغوط شاعر استطاع أن يقيس مواجع الشعراء بمشرط حاد.. ومضى نحو قصيدته أبداً تاركاً لنا أن نصاب بدهشة أبدية.
أعتقد أن أهمية الماغوط تكمن في كونه من الشعراء الملتزمين بما يكتبون ، فدوماً كانت قصيدة النثر - وإلى آخر أعماله - هي إيمانه الوحيد.. لم يكن الماغوط يتنقل هنا وهناك كالبقية.. كتب قصيدته، وحافظ على وجودها حتى آخر رمق، وبقي الآخرون يتخبطون هنا وهناك بينما هو ينتج ويظل يلامس أوجاعنا ودهشتنا.

الشاعرة ضياء يوسف تخضب بوحها للماغوط في رحيله بما يتقاطع والشعر نفسه:
نريد أن نرثي رحيلك يا محمد.. يا شلال النرجس البري .. يا سحابة من العصافير.. يا طعم الخبز في تسكع الطريق .. ورائحة الطفولة العتيقة.. نريد ولكن كلماتنا مطفأة مثلما قلت أنت ( بعض الكلمات زرقاء أكثر مما يجب, صعبة وجامحة, وترويضها كترويض وحش). تماما مثل الكلمات الأخيرة التي قلت إنها ستقال في ليلة ما (لأن يدك سفينة مطفأة بين دربين من النجوم). هجرت المطر والريح إذن! تركت الجوع يتراكم لا على أسنانك بل على أسنان هذا العالم أجمع.. كما يتراكم الثلج على أجنحة العصافير!.
قلت إنك لن ترحل تحت النجوم ولن تطأ الأمواج الصافية بحذائك، وأنك ستظل في مؤخرة السفينة تنهش خشبها كاللحم.. تعبرها موجة موجة على رؤوس الأظافر. لكنك رحلت.. قدمك صافية وقلوبنا تنهشها الخسارة.
استسلمت للذهاب أخيرا فهل هناك حيث ذهبت أخت صغيرة كنت تشتهيها ذات عيون فستقية وجدائل مربوطة بالقنب لتبتلع يديها الصغيرتين كالنعناع! هل ثمة ضحكة كنت تشتهيها عالية علو النجوم تخلخل ملايين الجدران وتطحنها أمام عينيك كالرمل! هل ثمة شيء يستحق هذه الفاجعة!.
كنت الصبح الذاهب لأغصان السنابل .. وكنت الصبح الذي كلما جاع شعشع.. سلام طويل يا محمد مقصود تماما مثلما تجيد حفر النهد والتنهد في أشعارك كلها.. سلام الأغنية والهتاف والدمع الأبي .

من ركن آخر ، وقبل عامين مضيا كتب الشاعر محمد الفوز مقالة أعلن فيها وفاة محمد الماغوط على شبكة الانترنت سببت ضجة كبيرة في الوسط الإعلامي، لدرجة تقصي عدد من الصحف والمهتمين لصحة الخبر من مقربين للماغوط. ويخبرنا محمد الفوز عن إعلانه هذا الخبر متقدماً على حقيقته بقوله: نعم أنا من أعلن وفاة محمد الماغوط قبل الموت.. هو رجل تحدّى كل شيء لكنه لم يقهر الموت.
لقد مات الماغوط منذ زمن بعيد.. لقد مات الماغوط و لم تبق سوى عينيه محلقتين في مرايا الضباب .

ويرى الشاعر خالد العنزي في رحيل الماغوط من الفقد بما لا يلؤم ..........خسارته، يقول: كان محمد الماغوط بالإضافة لكونه أحد رواد الشعر والحركة الثقافية صاحب طرح إبداعي متميز، وطليعة لجيل من الشعراء الملتزمين بمشروع حضاري ناصع الهوية أسس لمفاهيم وقيم ذوقية وجمالية جعلت الشعر رديفا للرغيف في حياة الإنسان العربي. لا يمكن لشاعر كبير وعملاق مثل الماغوط أن يكون محسوبا على مدرسة أو طرح محدد، بل على العكس تماما كان محسوبا فقط على حالة إبداعية صنعت من الشعر رقيبا على حركة تشكل اللغة في قصيدة النثر ودمجها ضمن سياق قوالب شعرية حديثة متجددة.
مر الماغوط بعدد من المراحل في بداياته قبل تشكل هويته الأدبية متأثرا بالظرف العام للمجتمعات العربية ورافقها في رحلة تحقيق الذات والبحث عن الهوية ردحا من الزمن ، إلى أن وجد في قصيدة النثر إطارا يمكن من خلاله الدمج بين الشعر كحالة إبداعية وكممارسة أدبية .

ويجد الشاعر طلال الطويرقي في إرباك غياب الماغوط خروجاً من باب أخير للشعر والحياة، يقول: هل يظل الجمال نهبا للموت هكذا؟ راحل باتجاه القصيدة تحمله قدماه!، نشعر بربكة عارمة حين ينتشل الموت مبدعا ليخرجه خارج الشعر/ خارج الحياة ، برحيل هذا العملاق الذي دخل ( المزة ) بحذاء ضيق ليكتب عنه ، ويهرّب النصوص بملابسه الداخلية لتصبح أكثر واقعية ودهشة وجنونا.
هذا الراحل باتجاه القصيدة تحمله قدماه.. عاش حياته بواقعيته المنهكة بين مرض السرطان وقلق النص المدهش. بقامة شبه مرتجلة وقف شاعرا ومبدعا من (المزة)، حتى مجلة ( شعر ) التي تشكّلت قامته هناك فوق صفحاتها.
هذا الراحل الكبير ينحاز بواقعيته المعهودة للموت.. هكذا وحيدا كغصن.. عاليا كوردة.. عميقا كسبات مفاجئ
  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2009   #64
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


جدران في قلب شاعر.. وقاص. .

وخاطرة عن عبدالله علي ابراهيم وخالد المبارك
شاخ محمد الماغوط.. شاخ صاحب (العصفور الأحدب).. بدا محدودباً هو الآخر.. انحني ظهره، وترهل جسده، وانطفأ بريق عينيه. هذا الذي هجا الجدران، تكاثرت في قلبه الجدران الهرمة! وما إن رحلت زوجته (سنية صالح) حتى وجد نفسه وجهاً لوجه مع عزلته الشاسعة، ووحدته الضارية، وأحزانه الثقيلة.

كل شي يمكن أن ينطفئ ويخبو في محمد الماغوط، إلا سخريته المريرة.. سخريته المدببة وحسِه العميق بالكارثة.. وكل شي يمكن أن يشيخ في الماغوط.. إلا حبره الجميل، ولغته الفاتنة.. وكل شي يمكن أن يترمد في الماغوط، إلا لهيب الأعماق، وجمر الفجيعة.. وكل شي يمكن أن يستحيل خراباً في الماغوط، إلا لسانه الذي ما يزال قادراً علي هجاء البشاعة والتخلف والقُبح والهزائم...

من الصفات الجميلة التي أحببتها في الماغوط ـ غير بسالته طبعاً ـ صفة الوفاء، فهو لم يتزوج بعد رحيل (سنية) وظل مخلصاً لوصيتها الأخيرة القاضية بالا يجلب لابنتيها (زوجة أب) مخافة أن تذيقهما سوء العذاب!!
  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2009   #65
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


عامان على رحيل الماغوط

المصدر : قيس مصطفى


حين رحل الماغوط، لم يشغل مكانه أحد، ربما سنحتاج وقتاً طويلاً لإعادة الظروف التي أنتجت الشخص أو الشخص الذي أنتج الظروف التي هيأت صعوده كشاعر مغاير في الطرح الشعري وفي الأدوات الشعرية التي فاجأ الشعرية العربية بها آنذاك.
رحل الماغوط وها نحن على مشارف الذكرى الثانية لرحيله، وهو الساخر، والمعارض، الريفي الذي اقتحم مدناً كثيراً، وكتب الشعر بأسنانه على حدِّ تعبير يحيى جابر. ظلَّ الماغوط مشاغباً طيلة حياته يعلن بلا هوادة: الفرح ليس مهنتي.
ولكنه رحل فرحاً، هو الذي كان يرى الشعر متعة نهائية.
هل يستطيع أحد أن يكتب عن الماغوط غائباً؟. بالتأكيد لا أحد، لأنه الوحيد الذي يستطيع القبض على مفاتيح غيابه وهو الوحيد القادر على فلسفة غيابه.
كم من الأرصفة، كم من البلاد استطاعت تحمُّل عناده، وهو الذي استطاع عبر تجربة مغمَّسة بالتعب أن يقلب الكثير في موازين القصيدة.
ليس غائباً أبداً.. إنه الرجل الماثل في القصيدة.
  رد مع اقتباس
قديم 16/03/2009   #66
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


دمشق - محمد أحمد طيارة
28 سبتمبر 2006م



أديبنا الكبير .. أبا شام .. مازلنا نزفك مواويلنا الممزوجة بالآهات والحزن، وكلما رد الليل آهاته نتذكر تلك الجلسات الشاعرية في ركنك الخاص بفندق الشام .. أبا شام وضعتنا بين سطورك .. ونضعك اليوم في قلوبنا.. لامست بنا الحجارة فأورقت وازدهرت ورداً .. تصدرت كتبنا وصحفنا لتعلمنا دروس الحياة ..فكم راقبنا الضوء في عينيك ينسال بين أصابعك فيضيء بنا الصباح .. علمتنا أن الحب ليس فيه غربة وان العشق في ماهيته جدول يحمل أطياف الأمل ..ولعل هذه الصور الخاصة الملتقطة بكاميرا "الرياض" في العام 1994تعيدنا إلى أطياف الذكرة ولفنجان قهوتك الممزوج بعطر الحب ..أبا شام ستظل تحلق بيننا كأنشودة المطر ..
  رد مع اقتباس
قديم 17/03/2009   #67
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


حوارات الماغوط

حوار محمد الماغوط مع الجزيرة
10/4/2006
محمد الماغوط: شاعر وكاتب مسرحي

- عندما أتعب أضع رأسي على كتف قاسيون وأستريح ولكن عندما يتعب قاسيون على كتف مَن يضع رأسه؟
- حلوة عيون النساء في باب توما حلوة..
حلوة وهي ترنو حزينة إلى الليل والخبز والسكارى
ليتني حصاة ملونة على الرصيف أو أغنية طويلة على الزقاق
ليتني وردة جورية في حديقة ما
يقطفني شاعر كئيب في أواخر النهار
أشتهي أن أكون صفصافة خضراء قرب الكنيسة
أو صليبا من الذهب على صدر عذراء تقلي السمك لحبيبها العائد من المقهى
وفي عينيها الجميلتين ترفرف حمامتان من البنفسج،
أشتهي أن أقبل طفلا صغيرا في باب توما ومن شفتيه الورديتين تنبعث رائحة الثدي الذي أرضعه فأنا مازلت وحيدا وقاسيا أنا غريب يا أمي.

------------------------------------------------------------------

محمد الماغوط : أهلا وسهلا.. لما دخلت السجن شايفه كيف؟ حسيت أنه بداخلي شيء تحطم بعد السجن كل كتابتي مسرح شعر سينما صحافة حتى أرمم هذا الكسر وما قدرت لحد الآن، هلأ إذا بالليل دق الباب ما أفتح أقول إجوا يأخذوني مع أني محمي، الدولة حاميتني وآخذ وسام وبخاف، السجن مثل الشجرة له شروش، شروشه بتروح على القصيدة على المسرحية على الفيلم تروح على الفم اللي عم تقبليه على الصدر اللي عم ترضعي منه على الله اللي عم تصلي له.

أنا محمد الماغوط أبي اسمه أحمد عيسى وأمي ناهدة الماغوط الأب والأم من نفس العائلة كنا فقراء كثير نحن كنت بخرابو هون بالشام، أبي الله يرحمه بعت رسالة أن يرأفوا بحالي لأنني فقير علقوها في لوحة الإعلانات بالمدرسة والرايح والجاي يقرأها ويضحك ومن يومها هربت من المدرسة، ما كان يخطر لي في يوم من الأيام أني أكون أن أصل للذي وصلت له، كنت كل أحلامي كابن ضيعة أتزوج بنت خالتي بنت عمي وأجيب أولاد وعيش بالضيعة وأدفع بدل عسكرية وأخلص، انقلبت الآية دخلت بحزب لم أقرأ مبادئه وصرت من سجن إلى سجن حتى وصلت لعند حضرتك الآن، كانت الدنيا برد وشتوية كان في حزب البعث والحزب القومي حزب البعث في حارة بعيدة وَحْل وكلاب تعوي وجانب بيتنا الحزب القومي وفيه صوبيا دخلت فيه.

مراسلة الجزيرة: وحزب البعث ما كان عندهم صوبيا؟

محمد الماغوط: ما أعرف كان مسؤول الحزب هناك سامي الجندي وهو ملاكم وأنا أكره العضلات يسفقني شي بوكس يرجعني لبطن أمي، الدنيا ليل ومطر وبرد قرأت عبلة خوري مذيعة كانت عن إعدام أنطون سعادة استغربت أنا بهذا الليل ليش الإنسان يعدم؟ وبالسجن تعرفت على أدونيس وعملت لهم مسرح في السجن ديكور وإكسسوار وحوار.

مراسلة الجزيرة: سجن المزة؟

محمد الماغوط: بالمهجع الرابع وأدونيس كان بالمهجع الخامس كنا دائما أمام بعضنا حتى خليت الشرطة يمثلوا.

مراسلة الجزيرة: شو المسرحية؟

محمد الماغوط: ليوسف وهبي شو عرفني! وحتى بمشهد من المشاهد صرت أحكي مصري ومعنا واحد قال لي لا صرنا نقول المرض المهيمن على المجتمع قال لي لا. أحب سنية كثير أشوفها بمنامي كثير أحب بناتي كثير، هادول أظافري اللي أواجه بهم العالم، سنية شاعرة مهمة كثير في فترة كنا بالسجن بنفس الليلة لكن هي بمكان وأنا بمكان، يوم رحت على بيروت أخذت أشعار ناشرها هنا
"الشتاء الضائع ، أغنية لباب توما"
قرأهم يوسف الخال وقال لي يا محمد بدنا لمجلة شعر قصيدة.. ممكن تعمل لنا قصيدة لها المجلة متى تبعثها؟

قلت له بكرة قال شو بكرة؟ قلت له خلاص بكرة
كتبت حزن في ضوء القمر، أيها الربيع المقبل من عينيها خذني إليها قصيدة غرام أو طعنة خنجر..
والله نشرها بأول العدد بعدين كنت أنا بالسجن هربان مُهرب معي قصيدة مذاكرتي
قال ما عندك شيء للنشر؟
قلت عندي مذكراتي ومخيط عليها بثيابي الداخلية
قال لي هاتها نشوفها
والله طبعناها مقاطع اسمها القتل عن سجن المزة التحقيق والاستجواب والضرب واللبط والمسبات والخوف والظلم يعني كله.
"ضع قدمك الحجرية على قلبي يا سيدي الجريمة تضرب باب القفص والخوف يصدح كالكروان
ها هي عربة الطاغية تدفعها الرياح وها نحن نتقدم كالسيف الذي يخترق الجمجمة
آه ما أتعسني إلى الجحيم أيها الوطن الساكن في قلبي منذ أجيال لم أر زهرة.

كمال خير بك علاقة عمر والتقينا بسجن المزة ببداية الستينات يوم انقلاب القوميين هرب هو كان من القادة، صديق كارلوس كثير كان هو الموجِّه له كتب عني بأطروحته فصول حلوة كثير اللي أخذها بجنيف دكتوراه، إلياس مسوح سجنت معه وأدونيس سجنت أنا وإياه، صداقة السجن والسفر شغلة والجوع، الخوف حفر في مثل الجرافة جوه بأعماقي بقلبي بروحي بعيني بأذني بركبي الخوف بالركب وهي عم ترتجف أنا ما أرجف من البرد ولا من الجوع أرجف من الخوف. بِعْ أقراط أختي الصغيرة وأرسل لي نقوداً يا أبي لأشتري محبرة وفتاة ألهث في حضنها كالطفل لأحدثك عن الهجير والتثاؤب، فأنا أسهر كثيراً يا أبي أنا لا أنام حياتي سواد وعبودية وانتظار فاعطني طفولتي وضحكاتي القديمة على شجرة الكرز وصندلي المعلق في عريشة العنب لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري لأسافر يا أبي. الخوف هو فقدان الحرية انعدام الحرية هذا هو الخوف أنا بطبيعتي ما أنظر أقول كلمة وخلاص اللي يفهمها يفهمها اللي ما يفهمها عمره ما يفهمها، الخوف لا يُشرَح مثل الله لا يُفَسََّر مثل البحر مثل السماء، فيه حدا يعرف شو فيه بالسماء؟ كواكب متصلة ببعضها والخوف سياط كماشات أسنان مقلوعة وعيون مفقوءة عم تغطي العالم والعالم عم يرقص ويغني ولا يبالي، الخوف هو الظلم.

مراسلة الجزيرة: تعذبت كثير؟

محمد الماغوط: كثير.. لا أنا المبدأ كان يضايقني أكلت كرباجين ثلاثة ولحد الآن أحكي فيهم وكَفّين ثلاثة على فمي.

مراسلة الجزيرة: التقيت شي مرة بالسَجّان؟

محمد الماغوط: نعم بالصدفة.. فتح بياع حلو ودخلت بدي أشتري حلو لقيته قلت له أنت كنت بسجن المزة قال لي مضبوط قال لي أنا كنت موظف وبس وصرنا أصحاب لا أشتري إلا من عنده، مثلاً كان عندنا بالسجن سجانين واحد من دير الزور لئيم كثير وواحد من حوران يده حجمها حجم سهل البقاع خبطته لا توجع هداك لكزته مثل السم، مرة بالسجن جايبين عشان الصلاة راديو وميكروفون.. تعرفي أول أغنية طلعت فيه وهم عم يجربوه يا ظالم لك يوم.. أقسم بالله صرخوا أغلقوا الراديو.. كثير أحبه {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى} ما أحلاها. الآن في الساعة الثالثة من القرن العشرين حيث لاشيء يفصل جثث الموتى عن أحذية المارة سوى الإسفلت، سأتكئ في عرض الشارع كشيوخ البدو ولن أنهض حتى تُجمع كل قضبان السجون وإضرابات المشبوهين في العالم وتوضع أمامي لألوكها كالجَمَل على قارعة الطريق حتى تفر كل هرّاوات الشرطة والمتظاهرين من قبضات أصحابها وتعود أغصاناً مزهرة مرة أخرى في غاباتها. الجوع والخوف والعار والفشل وأنا مع الإمام علي لما يقول الفشل شكل من أشكال الموت.

مراسلة الجزيرة: تخاف من الموت؟

محمد الماغوط: لا.. صديقي وأحبه ما أعرف أحكي ما أحكي ما أعرف ما أنظر أكره العقل أكره التنظير.. الحزن هو الوحدة وحدة القلب كل شيء بالعالم حزين رغم الممثلين الكوميديين وأفلام كارتون العالم حزين بضوء القمر أو في الظلام الحزن مثل الله موجود في كل مكان أنا شايفه، كيف بكتابتي أحب دائماً الشيء المريب اللي يلفت النظر أكره الشيء العادي أحب الطويل أو القصير العاهرة أو القديسة اللص أو الشرطي.

محمد الماغوط: مَن كان مثلي يحب العناوين؟ رياض الريّس وكان يشجعني يعني مثلا سأخون وطني كانت نفحات من المزبلة العربية أو سأخون وطني قال لي لا سأخون وطني وكان ممنوع بقى سنتين ممنوع والكتاب بألفين ليرة بعدين سمحوا فيه، بالنسبة للقافية ما كانت تعني لي شيئا بدلا من البحث عن قافية تركب على البيت كان بدي حذاء ألبسه بدي رغيف آكله بدي محل أنام فيه حتى مرة واحد لغوي يعني شافني على باب مقهى الهافانا قال لي أنت بقصيدة من القصائد وضعت طالما وبعدها اسم.. طالما لا تدخل على الاسم قلت له لا بدها تدخل.. ناس عم يدخلوا السجون على المعتقلات على المصحات العقلية جواسيس طالعة فايتة ما ضاقت عينك إلا من طالما تبعي.. بدك وفعلا هاي راحت معي هيك.. شغلة لأن حتى إذا عندي خطأ لغوي أصر عليه أو مطبعي ما أسمح لأحد يعبث بكتابتي أكتب صح وأنطق صح خلاص شو بدي بقى.. بالنسبة لرواية الأرجوحة قصتها قصة كتبتها في فترة كنت ملاحَق فيها كل أجهزة الأمن كانت عم تدور علي الناصرية والبعثية والقومية كلهم وكاتبها أنا كانت حوالي 150 صفحة كيف بدي أهربها على السلمية لعند أمي؟ فصرت مثلا كلمة حزب أضع لها شخبطة لفوق وسهم إلى تحت أكتب كلمة الحزب جَرَبْ.. كلمة المخابرات حرباية.. وأسهم أسهم من كثرة ما صار فيه أسهم صارت مثل بيوت المسؤولين في الشتاء، راحت الأيام طلب مني رياض الريّس مادة للنشر في الناقد قلت له والله ما عندي شيء جاهز بس عندي رواية عند أمي قال جيبها فجبناها وكنت أوصيت أمي 25 سنة بقيت الرواية تحت رأسها جئت لأقراها لم أفهم شيئا أسهم طالعة أسهم نازلة وشام شريف والشيشكلي وحزب السهرة الراقص منين هي؟ قال لي رياض عندي أجهزة بلندن لفك الخط.. الخط مهما كان معقد قلت إحنا نفس الشيء قلت له هي مكتوبة من خمس وعشرين.. ثلاثين سنة لا نفس المشاعر ولا نفس الأحاسيس فطبعناها كما هي. كنا في البيت أنا قومي سوري وأخي شيوعي وواحد من جماعة أكرم الحوراني وأمي تقول عن ماركس سركيس لا تعرف نطق الاسم.. سمعت عن مجلة الآداب ليوسف إدريس كنت أنا طالب زراعة قلت لنفسي شو طالب زراعة!؟ فكتبت محمد الماغوط دكتور في الزراعة وأرسلت القصيدة فنشروها، مرة وأنا راجع من البستان حافي الدرك قال أنت الماغوط؟ قلت أنا قال تعال معنا قلت شو فيه؟ قال بتعرف حالك شو عامل والله كان قائد الفصيل قاعد ببيته على هضبة وحوله موظفو البلدية والطابور وموظفو النفوس وغيرهم قام وسلم علي قال أنت ناشر قصيدة اسمها النبيذ المر عن فلسطين؟ قلت نعم فيها شيء؟ قال لي لا يعطيك العافية تفضل قعدت أنا وارتحت نفسيا ووضعت رجل على رجل وأنا حافي فاكتشفت كم كنت صغيرا قال أنا عم أبعث لمجلة الآداب ما عم ينشروا لي قلت والله أحكي لك معم. أكره الكرافات لما أكون لابس كرافات وهذا يصير أحيانا لا أفهم ما أحكي ولا أفهم ما أسمع أنا مبسوط ببجاماتي الجدد اليوم فيه اثنين جدد اثنين جايين.

مراسلة الجزيرة: تحب اللبس؟

محمد الماغوط: نعم كثير كنت معقدهم ببيروت لعلي الجندي ولعاصي الرحباني باللبس عاصي كان يقول لي يا محمد على الواجهة أشوف الكنزة هيك ألبسها بتصير هيك، بالنسبة لمسرحية العصفور الأحدب كنت ملاحق من كل أجهزة الأمن تمام كالعادة في غرفة نصية لما أقف يطرق برأسي بالسقف فدائماً كنت منحني وأنظر من زاوية على مطعم أبو كمال كل قادة الثورة كانوا يأكلون هناك وأنا أقول لهم أفرجيكم. لن أضع رأسي حيث يضعه الآخرون مثل الشهيد عدنان المالكي في أرقى شوارع دمشق بقبعة وسيف بيدي ونياشين على صدري حتى أعرف مَن صرعه في ريعان شبابه وقلب المنطقة عاليها سافلها وجعلها تتدحرج بكل طاقتها ومواردها وأحزابها ومثقفيها ومطربيها صعوداً وهبوطاً يميناً ويساراً من جبل إلى هضبة إلى سفح إلى نفق إلى كامب ديفد إلى أوسلو إلى صبرا وشاتيلا إلى قانا إلى مدريد إلى ابن لادن إلى علي الكيماوي إلى علي الديك ورَسَم خريطة جديدة لنا وللعالم أجمع لن نكون أكثر من جدار لتعليقها أو بعوضة على إطارها. كل مشاكلنا وتشردنا وجوعنا وسمّونا خونة بالجيش ويسلمونا سلاح من وراء مقتل عدنان المالكي يعني مثلاً قُتل المالكي الساعة الخامسة بالملعب البلدي الساعة أربعة كانوا عم يسألوا عني بالسلمية معناها القصة مرتبة مع أن الذي قتله يونس عبد الرحيم صديقي كثير كان بالشرطة العسكرية كنت أمر لعنده كل ما أنزل من قطنا إلى الشام وكنت عامل عملية لعيني وعليها ضماد والله مررت عليه سألت عنه قالوا لي بمهمة قلت لهم أنا محمد الماغوط قولوا له أنا بحاجة له لأمور ضرورية فيه خطط تغيرت.. والله وحياتك.. اغتالوا المالكي جمعوا كل القوميين ومنهم أنا سنة 1955..

مراسلة الجزيرة: كثير بشعرك تذكر الأمة العربية؟

محمد الماغوط: أمة ما فيه عندي نعم دائما حتى انتمائي للحزب كان دائما لجوء للأكثرية الأكثرية تحمي، لما صارت الوحدة هربنا على بيروت هناك التقيت بجماعة شعر يوسف الخال وأنسي الحاج وشوقي أبو شقرا والرحابنة وسعيد عقل بيروت أحبتني كثيرا حبتني حب غير طبيعي وأعطتني شيء غير طبيعي..

مراسلة الجزيرة: والشام؟

محمد الماغوط: الشام تأخذ ما تعطي لا تعطي أبداً.. الشام كثير أحبها وسميت بنتي شام. دمشق يا عربة السبايا الوردية وأنا راقد في غرفتي أكتب وأحلم وأرنو إلى المارة من قلب السماء العالية أسمع وجيب لحمك العاري عشرون عاماً ونحن ندق أبوابك الصلدة والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا ووجوهنا المختنقة بالسعال الجارح تبدو حزينة كالوداع صفراء كالسل ورياح البراري الموحشة تنقل نواحنا إلى الأزقة وباعة الخبز والجواسيس ونحن نعدو كالخيول الوحشية على صفحات التاريخ نبكي ونرتجف.. أي مسؤول في الدولة يقول لي مسرحيتك أو قصيدتك أو مقالتك حلوة أقول أنا لا هذه كتابتي فيها غلط..

مراسلة الجزيرة: طب كيف عم تتكرم الآن؟

محمد الماغوط: ما أعرف أنا يعني الآن إذا أحبوا أن يساهموا مثل كأنني مشروع أنا مشروع قبر يساهموا فيه لا أنا السلطة لا أتصالح معها والأشخاص أشخاص الشاعر عمره لا يكون رفيق سلطة أو صديق سلطة مستحيل عبر العصور أو أنا هذا إحساسي حتى مرة في لبنان هذا سامي الخطيب كان وزير داخلية كان بالمخابرات قال لي شو تشتغل يا ولد؟ وكنا ممسوكين قلت له.. والله يعني بالـ 1959 انقلاب القوميين 1960 – 1961.. قلت شاعر قال لي فيه كيس شَعْر بـ (كلمة نابية) تشيل لي إياه؟ والله العظيم كنت دائما أختلف أنا وسعد الله ونوس إنه يريد حرية وقلت أنا بالعكس القمع هو الأم الرؤوم للشعر وللإبداع، أنا كل ما أكون خائف أبدع وعندي احتياطي من الخوف لا ينضب مثل البترول أحب المجابهة أنا التحدي.. طفولتي بعيدة وكهولتي بعيدة وطني بعيد ومنفاي بعيد أيها السائح أعطني منظارك المقرب علّني ألمح يدا أو محرمة في هذا الكون تومئ إلي صورني وأنا أبكي وأنا أقعي بأثمالي أمام عتبة الفندق وأكتب على قفا الصورة هذا شاعر من الشرق.. هي سعلة المزة..

مراسلة الجزيرة: لحد ها اللحظة فيه سجناء رأي داخل وخارج السجون؟

محمد الماغوط: طالما فيه ظلم لازم يكون فيه سجون شيء طبيعي.

مراسلة الجزيرة: كيف بتشوف المصائب اللي عم تصير حوالينا وأنت قاعد ببيتك؟

محمد الماغوط: ماني قاعد عايش الأحداث كلها ومتنبئ فيها أحسن من السكون اللي عم يصير أحسن من السكون المطلق..

مراسلة الجزيرة: شو تتمنى؟

محمد الماغوط: إنه ما يبقى سجين على وجه الأرض ولا جائع على وجه الأرض بس أمنية واحدة تكفي.. أنه عجيب حياة سبعين سنة يقدر الواحد يلخصها بخمس دقائق. دموعي زرقاء من كثرة ما نظرت إلى السماء وبكيت دموعي صفراء من طول ما حلمت بالسنابل الذهبية وبكيت فليذهب القادة إلى الحروب والعشاق إلى الغابات والعلماء إلى المختبرات أما أنا فسأبحث عن مسبحة وكرسي عتيق لأعود كما كنت حاجباً قديماً على باب الحزن ما دامت كل الكتب والدساتير والأديان تؤكد أنني لن أموت إلا جائعاً أو سجيناً.


  رد مع اقتباس
قديم 17/03/2009   #68
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


حوار محمد الماغوط مع الجزيرة
10/4/2006
محمد الماغوط: شاعر وكاتب مسرحي

- عندما أتعب أضع رأسي على كتف قاسيون وأستريح ولكن عندما يتعب قاسيون على كتف مَن يضع رأسه؟
- حلوة عيون النساء في باب توما حلوة..
حلوة وهي ترنو حزينة إلى الليل والخبز والسكارى
ليتني حصاة ملونة على الرصيف أو أغنية طويلة على الزقاق
ليتني وردة جورية في حديقة ما
يقطفني شاعر كئيب في أواخر النهار
أشتهي أن أكون صفصافة خضراء قرب الكنيسة
أو صليبا من الذهب على صدر عذراء تقلي السمك لحبيبها العائد من المقهى
وفي عينيها الجميلتين ترفرف حمامتان من البنفسج،
أشتهي أن أقبل طفلا صغيرا في باب توما ومن شفتيه الورديتين تنبعث رائحة الثدي الذي أرضعه فأنا مازلت وحيدا وقاسيا أنا غريب يا أمي.

------------------------------------------------------------------

محمد الماغوط : أهلا وسهلا.. لما دخلت السجن شايفه كيف؟ حسيت أنه بداخلي شيء تحطم بعد السجن كل كتابتي مسرح شعر سينما صحافة حتى أرمم هذا الكسر وما قدرت لحد الآن، هلأ إذا بالليل دق الباب ما أفتح أقول إجوا يأخذوني مع أني محمي، الدولة حاميتني وآخذ وسام وبخاف، السجن مثل الشجرة له شروش، شروشه بتروح على القصيدة على المسرحية على الفيلم تروح على الفم اللي عم تقبليه على الصدر اللي عم ترضعي منه على الله اللي عم تصلي له.

أنا محمد الماغوط أبي اسمه أحمد عيسى وأمي ناهدة الماغوط الأب والأم من نفس العائلة كنا فقراء كثير نحن كنت بخرابو هون بالشام، أبي الله يرحمه بعت رسالة أن يرأفوا بحالي لأنني فقير علقوها في لوحة الإعلانات بالمدرسة والرايح والجاي يقرأها ويضحك ومن يومها هربت من المدرسة، ما كان يخطر لي في يوم من الأيام أني أكون أن أصل للذي وصلت له، كنت كل أحلامي كابن ضيعة أتزوج بنت خالتي بنت عمي وأجيب أولاد وعيش بالضيعة وأدفع بدل عسكرية وأخلص، انقلبت الآية دخلت بحزب لم أقرأ مبادئه وصرت من سجن إلى سجن حتى وصلت لعند حضرتك الآن، كانت الدنيا برد وشتوية كان في حزب البعث والحزب القومي حزب البعث في حارة بعيدة وَحْل وكلاب تعوي وجانب بيتنا الحزب القومي وفيه صوبيا دخلت فيه.

مراسلة الجزيرة: وحزب البعث ما كان عندهم صوبيا؟

محمد الماغوط: ما أعرف كان مسؤول الحزب هناك سامي الجندي وهو ملاكم وأنا أكره العضلات يسفقني شي بوكس يرجعني لبطن أمي، الدنيا ليل ومطر وبرد قرأت عبلة خوري مذيعة كانت عن إعدام أنطون سعادة استغربت أنا بهذا الليل ليش الإنسان يعدم؟ وبالسجن تعرفت على أدونيس وعملت لهم مسرح في السجن ديكور وإكسسوار وحوار.

مراسلة الجزيرة: سجن المزة؟

محمد الماغوط: بالمهجع الرابع وأدونيس كان بالمهجع الخامس كنا دائما أمام بعضنا حتى خليت الشرطة يمثلوا.

مراسلة الجزيرة: شو المسرحية؟

محمد الماغوط: ليوسف وهبي شو عرفني! وحتى بمشهد من المشاهد صرت أحكي مصري ومعنا واحد قال لي لا صرنا نقول المرض المهيمن على المجتمع قال لي لا. أحب سنية كثير أشوفها بمنامي كثير أحب بناتي كثير، هادول أظافري اللي أواجه بهم العالم، سنية شاعرة مهمة كثير في فترة كنا بالسجن بنفس الليلة لكن هي بمكان وأنا بمكان، يوم رحت على بيروت أخذت أشعار ناشرها هنا
"الشتاء الضائع ، أغنية لباب توما"
قرأهم يوسف الخال وقال لي يا محمد بدنا لمجلة شعر قصيدة.. ممكن تعمل لنا قصيدة لها المجلة متى تبعثها؟

قلت له بكرة قال شو بكرة؟ قلت له خلاص بكرة
كتبت حزن في ضوء القمر، أيها الربيع المقبل من عينيها خذني إليها قصيدة غرام أو طعنة خنجر..
والله نشرها بأول العدد بعدين كنت أنا بالسجن هربان مُهرب معي قصيدة مذاكرتي
قال ما عندك شيء للنشر؟
قلت عندي مذكراتي ومخيط عليها بثيابي الداخلية
قال لي هاتها نشوفها
والله طبعناها مقاطع اسمها القتل عن سجن المزة التحقيق والاستجواب والضرب واللبط والمسبات والخوف والظلم يعني كله.
"ضع قدمك الحجرية على قلبي يا سيدي الجريمة تضرب باب القفص والخوف يصدح كالكروان
ها هي عربة الطاغية تدفعها الرياح وها نحن نتقدم كالسيف الذي يخترق الجمجمة
آه ما أتعسني إلى الجحيم أيها الوطن الساكن في قلبي منذ أجيال لم أر زهرة.

كمال خير بك علاقة عمر والتقينا بسجن المزة ببداية الستينات يوم انقلاب القوميين هرب هو كان من القادة، صديق كارلوس كثير كان هو الموجِّه له كتب عني بأطروحته فصول حلوة كثير اللي أخذها بجنيف دكتوراه، إلياس مسوح سجنت معه وأدونيس سجنت أنا وإياه، صداقة السجن والسفر شغلة والجوع، الخوف حفر في مثل الجرافة جوه بأعماقي بقلبي بروحي بعيني بأذني بركبي الخوف بالركب وهي عم ترتجف أنا ما أرجف من البرد ولا من الجوع أرجف من الخوف. بِعْ أقراط أختي الصغيرة وأرسل لي نقوداً يا أبي لأشتري محبرة وفتاة ألهث في حضنها كالطفل لأحدثك عن الهجير والتثاؤب، فأنا أسهر كثيراً يا أبي أنا لا أنام حياتي سواد وعبودية وانتظار فاعطني طفولتي وضحكاتي القديمة على شجرة الكرز وصندلي المعلق في عريشة العنب لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري لأسافر يا أبي. الخوف هو فقدان الحرية انعدام الحرية هذا هو الخوف أنا بطبيعتي ما أنظر أقول كلمة وخلاص اللي يفهمها يفهمها اللي ما يفهمها عمره ما يفهمها، الخوف لا يُشرَح مثل الله لا يُفَسََّر مثل البحر مثل السماء، فيه حدا يعرف شو فيه بالسماء؟ كواكب متصلة ببعضها والخوف سياط كماشات أسنان مقلوعة وعيون مفقوءة عم تغطي العالم والعالم عم يرقص ويغني ولا يبالي، الخوف هو الظلم.

مراسلة الجزيرة: تعذبت كثير؟

محمد الماغوط: كثير.. لا أنا المبدأ كان يضايقني أكلت كرباجين ثلاثة ولحد الآن أحكي فيهم وكَفّين ثلاثة على فمي.

مراسلة الجزيرة: التقيت شي مرة بالسَجّان؟

محمد الماغوط: نعم بالصدفة.. فتح بياع حلو ودخلت بدي أشتري حلو لقيته قلت له أنت كنت بسجن المزة قال لي مضبوط قال لي أنا كنت موظف وبس وصرنا أصحاب لا أشتري إلا من عنده، مثلاً كان عندنا بالسجن سجانين واحد من دير الزور لئيم كثير وواحد من حوران يده حجمها حجم سهل البقاع خبطته لا توجع هداك لكزته مثل السم، مرة بالسجن جايبين عشان الصلاة راديو وميكروفون.. تعرفي أول أغنية طلعت فيه وهم عم يجربوه يا ظالم لك يوم.. أقسم بالله صرخوا أغلقوا الراديو.. كثير أحبه {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى} ما أحلاها. الآن في الساعة الثالثة من القرن العشرين حيث لاشيء يفصل جثث الموتى عن أحذية المارة سوى الإسفلت، سأتكئ في عرض الشارع كشيوخ البدو ولن أنهض حتى تُجمع كل قضبان السجون وإضرابات المشبوهين في العالم وتوضع أمامي لألوكها كالجَمَل على قارعة الطريق حتى تفر كل هرّاوات الشرطة والمتظاهرين من قبضات أصحابها وتعود أغصاناً مزهرة مرة أخرى في غاباتها. الجوع والخوف والعار والفشل وأنا مع الإمام علي لما يقول الفشل شكل من أشكال الموت.

مراسلة الجزيرة: تخاف من الموت؟

محمد الماغوط: لا.. صديقي وأحبه ما أعرف أحكي ما أحكي ما أعرف ما أنظر أكره العقل أكره التنظير.. الحزن هو الوحدة وحدة القلب كل شيء بالعالم حزين رغم الممثلين الكوميديين وأفلام كارتون العالم حزين بضوء القمر أو في الظلام الحزن مثل الله موجود في كل مكان أنا شايفه، كيف بكتابتي أحب دائماً الشيء المريب اللي يلفت النظر أكره الشيء العادي أحب الطويل أو القصير العاهرة أو القديسة اللص أو الشرطي.

محمد الماغوط: مَن كان مثلي يحب العناوين؟ رياض الريّس وكان يشجعني يعني مثلا سأخون وطني كانت نفحات من المزبلة العربية أو سأخون وطني قال لي لا سأخون وطني وكان ممنوع بقى سنتين ممنوع والكتاب بألفين ليرة بعدين سمحوا فيه، بالنسبة للقافية ما كانت تعني لي شيئا بدلا من البحث عن قافية تركب على البيت كان بدي حذاء ألبسه بدي رغيف آكله بدي محل أنام فيه حتى مرة واحد لغوي يعني شافني على باب مقهى الهافانا قال لي أنت بقصيدة من القصائد وضعت طالما وبعدها اسم.. طالما لا تدخل على الاسم قلت له لا بدها تدخل.. ناس عم يدخلوا السجون على المعتقلات على المصحات العقلية جواسيس طالعة فايتة ما ضاقت عينك إلا من طالما تبعي.. بدك وفعلا هاي راحت معي هيك.. شغلة لأن حتى إذا عندي خطأ لغوي أصر عليه أو مطبعي ما أسمح لأحد يعبث بكتابتي أكتب صح وأنطق صح خلاص شو بدي بقى.. بالنسبة لرواية الأرجوحة قصتها قصة كتبتها في فترة كنت ملاحَق فيها كل أجهزة الأمن كانت عم تدور علي الناصرية والبعثية والقومية كلهم وكاتبها أنا كانت حوالي 150 صفحة كيف بدي أهربها على السلمية لعند أمي؟ فصرت مثلا كلمة حزب أضع لها شخبطة لفوق وسهم إلى تحت أكتب كلمة الحزب جَرَبْ.. كلمة المخابرات حرباية.. وأسهم أسهم من كثرة ما صار فيه أسهم صارت مثل بيوت المسؤولين في الشتاء، راحت الأيام طلب مني رياض الريّس مادة للنشر في الناقد قلت له والله ما عندي شيء جاهز بس عندي رواية عند أمي قال جيبها فجبناها وكنت أوصيت أمي 25 سنة بقيت الرواية تحت رأسها جئت لأقراها لم أفهم شيئا أسهم طالعة أسهم نازلة وشام شريف والشيشكلي وحزب السهرة الراقص منين هي؟ قال لي رياض عندي أجهزة بلندن لفك الخط.. الخط مهما كان معقد قلت إحنا نفس الشيء قلت له هي مكتوبة من خمس وعشرين.. ثلاثين سنة لا نفس المشاعر ولا نفس الأحاسيس فطبعناها كما هي. كنا في البيت أنا قومي سوري وأخي شيوعي وواحد من جماعة أكرم الحوراني وأمي تقول عن ماركس سركيس لا تعرف نطق الاسم.. سمعت عن مجلة الآداب ليوسف إدريس كنت أنا طالب زراعة قلت لنفسي شو طالب زراعة!؟ فكتبت محمد الماغوط دكتور في الزراعة وأرسلت القصيدة فنشروها، مرة وأنا راجع من البستان حافي الدرك قال أنت الماغوط؟ قلت أنا قال تعال معنا قلت شو فيه؟ قال بتعرف حالك شو عامل والله كان قائد الفصيل قاعد ببيته على هضبة وحوله موظفو البلدية والطابور وموظفو النفوس وغيرهم قام وسلم علي قال أنت ناشر قصيدة اسمها النبيذ المر عن فلسطين؟ قلت نعم فيها شيء؟ قال لي لا يعطيك العافية تفضل قعدت أنا وارتحت نفسيا ووضعت رجل على رجل وأنا حافي فاكتشفت كم كنت صغيرا قال أنا عم أبعث لمجلة الآداب ما عم ينشروا لي قلت والله أحكي لك معم. أكره الكرافات لما أكون لابس كرافات وهذا يصير أحيانا لا أفهم ما أحكي ولا أفهم ما أسمع أنا مبسوط ببجاماتي الجدد اليوم فيه اثنين جدد اثنين جايين.

مراسلة الجزيرة: تحب اللبس؟

محمد الماغوط: نعم كثير كنت معقدهم ببيروت لعلي الجندي ولعاصي الرحباني باللبس عاصي كان يقول لي يا محمد على الواجهة أشوف الكنزة هيك ألبسها بتصير هيك، بالنسبة لمسرحية العصفور الأحدب كنت ملاحق من كل أجهزة الأمن تمام كالعادة في غرفة نصية لما أقف يطرق برأسي بالسقف فدائماً كنت منحني وأنظر من زاوية على مطعم أبو كمال كل قادة الثورة كانوا يأكلون هناك وأنا أقول لهم أفرجيكم. لن أضع رأسي حيث يضعه الآخرون مثل الشهيد عدنان المالكي في أرقى شوارع دمشق بقبعة وسيف بيدي ونياشين على صدري حتى أعرف مَن صرعه في ريعان شبابه وقلب المنطقة عاليها سافلها وجعلها تتدحرج بكل طاقتها ومواردها وأحزابها ومثقفيها ومطربيها صعوداً وهبوطاً يميناً ويساراً من جبل إلى هضبة إلى سفح إلى نفق إلى كامب ديفد إلى أوسلو إلى صبرا وشاتيلا إلى قانا إلى مدريد إلى ابن لادن إلى علي الكيماوي إلى علي الديك ورَسَم خريطة جديدة لنا وللعالم أجمع لن نكون أكثر من جدار لتعليقها أو بعوضة على إطارها. كل مشاكلنا وتشردنا وجوعنا وسمّونا خونة بالجيش ويسلمونا سلاح من وراء مقتل عدنان المالكي يعني مثلاً قُتل المالكي الساعة الخامسة بالملعب البلدي الساعة أربعة كانوا عم يسألوا عني بالسلمية معناها القصة مرتبة مع أن الذي قتله يونس عبد الرحيم صديقي كثير كان بالشرطة العسكرية كنت أمر لعنده كل ما أنزل من قطنا إلى الشام وكنت عامل عملية لعيني وعليها ضماد والله مررت عليه سألت عنه قالوا لي بمهمة قلت لهم أنا محمد الماغوط قولوا له أنا بحاجة له لأمور ضرورية فيه خطط تغيرت.. والله وحياتك.. اغتالوا المالكي جمعوا كل القوميين ومنهم أنا سنة 1955..

مراسلة الجزيرة: كثير بشعرك تذكر الأمة العربية؟

محمد الماغوط: أمة ما فيه عندي نعم دائما حتى انتمائي للحزب كان دائما لجوء للأكثرية الأكثرية تحمي، لما صارت الوحدة هربنا على بيروت هناك التقيت بجماعة شعر يوسف الخال وأنسي الحاج وشوقي أبو شقرا والرحابنة وسعيد عقل بيروت أحبتني كثيرا حبتني حب غير طبيعي وأعطتني شيء غير طبيعي..

مراسلة الجزيرة: والشام؟

محمد الماغوط: الشام تأخذ ما تعطي لا تعطي أبداً.. الشام كثير أحبها وسميت بنتي شام. دمشق يا عربة السبايا الوردية وأنا راقد في غرفتي أكتب وأحلم وأرنو إلى المارة من قلب السماء العالية أسمع وجيب لحمك العاري عشرون عاماً ونحن ندق أبوابك الصلدة والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا ووجوهنا المختنقة بالسعال الجارح تبدو حزينة كالوداع صفراء كالسل ورياح البراري الموحشة تنقل نواحنا إلى الأزقة وباعة الخبز والجواسيس ونحن نعدو كالخيول الوحشية على صفحات التاريخ نبكي ونرتجف.. أي مسؤول في الدولة يقول لي مسرحيتك أو قصيدتك أو مقالتك حلوة أقول أنا لا هذه كتابتي فيها غلط..

مراسلة الجزيرة: طب كيف عم تتكرم الآن؟

محمد الماغوط: ما أعرف أنا يعني الآن إذا أحبوا أن يساهموا مثل كأنني مشروع أنا مشروع قبر يساهموا فيه لا أنا السلطة لا أتصالح معها والأشخاص أشخاص الشاعر عمره لا يكون رفيق سلطة أو صديق سلطة مستحيل عبر العصور أو أنا هذا إحساسي حتى مرة في لبنان هذا سامي الخطيب كان وزير داخلية كان بالمخابرات قال لي شو تشتغل يا ولد؟ وكنا ممسوكين قلت له.. والله يعني بالـ 1959 انقلاب القوميين 1960 – 1961.. قلت شاعر قال لي فيه كيس شَعْر بـ (كلمة نابية) تشيل لي إياه؟ والله العظيم كنت دائما أختلف أنا وسعد الله ونوس إنه يريد حرية وقلت أنا بالعكس القمع هو الأم الرؤوم للشعر وللإبداع، أنا كل ما أكون خائف أبدع وعندي احتياطي من الخوف لا ينضب مثل البترول أحب المجابهة أنا التحدي.. طفولتي بعيدة وكهولتي بعيدة وطني بعيد ومنفاي بعيد أيها السائح أعطني منظارك المقرب علّني ألمح يدا أو محرمة في هذا الكون تومئ إلي صورني وأنا أبكي وأنا أقعي بأثمالي أمام عتبة الفندق وأكتب على قفا الصورة هذا شاعر من الشرق.. هي سعلة المزة..

مراسلة الجزيرة: لحد ها اللحظة فيه سجناء رأي داخل وخارج السجون؟

محمد الماغوط: طالما فيه ظلم لازم يكون فيه سجون شيء طبيعي.

مراسلة الجزيرة: كيف بتشوف المصائب اللي عم تصير حوالينا وأنت قاعد ببيتك؟

محمد الماغوط: ماني قاعد عايش الأحداث كلها ومتنبئ فيها أحسن من السكون اللي عم يصير أحسن من السكون المطلق..

مراسلة الجزيرة: شو تتمنى؟

محمد الماغوط: إنه ما يبقى سجين على وجه الأرض ولا جائع على وجه الأرض بس أمنية واحدة تكفي.. أنه عجيب حياة سبعين سنة يقدر الواحد يلخصها بخمس دقائق. دموعي زرقاء من كثرة ما نظرت إلى السماء وبكيت دموعي صفراء من طول ما حلمت بالسنابل الذهبية وبكيت فليذهب القادة إلى الحروب والعشاق إلى الغابات والعلماء إلى المختبرات أما أنا فسأبحث عن مسبحة وكرسي عتيق لأعود كما كنت حاجباً قديماً على باب الحزن ما دامت كل الكتب والدساتير والأديان تؤكد أنني لن أموت إلا جائعاً أو سجيناً.

  رد مع اقتباس
قديم 17/03/2009   #69
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


مقدم البرنامج: أحمد علي الزين،
تاريخ الحلقة: الجمعة 23/7/2004
الجزء الأول

أحمد علي الزين: طالما عشرون ألف ميل بين الغصن والطائر، بين السنبلة والسنبلة سأجعل كلماتي مزدحمةً كأسنان مصابة بالكزاز، وعناويني طويلةً ومتشابكةً كقرون الوعل، ولكن بعض الكلمات زرقاء أكثر مما يجب صعبةٌ وجامحةٌ. هذا الرجل المنهدم على كنبته الذي يصغي إلى فيروز، لكي تصل إليه في مخابيه القديمة أو في سجونه أو في حريته عليك أن تستعين بشعره بجنونه أو بصفائه، بغيومه أو بفرحه، بأحزانه بسخريته بحكمته بصَمْته وصَخبه، ولكي تعرفه أكثر رَدّد معه قصيدة السائح مثلاً:
ضع منديلك الأبيض على الرصيف
واجلس إلى جانبي تحت ضَوْء المطر الحنون
لأبوح لك بسرّ خطير
اصرف أدلاءك ومرشديك
وألق إلى الوحل أو إلى النار
بكل ما كتبت من حواشي وانطباعات
إن أي فلاّح عجوز يروي لك في بيتين من العتابا كل تاريخ الشرق
وهو يدرّج لفَّافَته أمام خيمته.
أحب التسكع والبطالة ومقاهي الرصيف
ولكنني أحب الرصيف أكثر،
أحب الغابات والمروج اللانهائية
ولكنني أحب الخريف أكثر،
أحب الشهيق والزفير ورياضة الصباح
ولكنني أحب السعال والدخان أكثر.

أحمد علي الزين: كم سنة صرلك بتدخن أستاذ محمد؟

محمد الماغوط: من زمن خلقتي..

أحمد علي الزين: من خلقتك.. خلقت إنت والسيجارة، يعني ما وقفت الدخان أبداً؟

محمد الماغوط:أنا بعرف.. وقفت بسجن المزة مرغماً..

أحمد علي الزين: بسجن المزة مرغماً..

محمد الماغوط: مرغماً بالـ 55..

أحمد علي الزين: يعني ما كانوا يجيبولك دخان؟؟

محمد الماغوط: لأ ممنوع..كان السيجارة أردأ نوع من الدخان يعني يهربونه لنا تهريب براتب الواحد كنت آخذ ثماني ليرات بالشهر أنا، كنت إدفعهن حق السيجارة..

أحمد علي الزين: نعم.. نعم.. بتقول بكتاب سياف الزهور:
كل الرياح والعواصف والدموع والأحلام والكوابيس والمناحات خرجت من دفاتري
ولا أزال في الصفحة الأولى، مزبوط بتقول هالشي؟

محمد الماغوط: ايه.

أحمد علي الزين: يعني هل أنت إلى هذا الحد الفجائعي مُثْقَل بالانكسار والأحزان؟

محمد الماغوط: مو.. قصة لا نصر ولا هزيمة، قصة أنا ما بعرف أعمل شي في العالم إلا الكتابة أو التفكير بالكتابة، أما نتائج المعارك أو المعركة ما بتعنيلي شي.. يعني ما.. ربحت أو خسرت..ما..

أحمد علي الزين: نعم.. طيب ليش ما بتحسّ، عندك هالإحساس لم تزل في الصفحة الأولى رغم هالتجربة التي أشرفت على ستين سنة تقريباً؟

محمد الماغوط: ما بعرف..هذا إحساسي..

أحمد علي الزين: نعم.. طيب محمد الماغوط
منذ يعني حوالي خمس سنين لازمت هذا البيت، لم تخرج على الإطلاق.. لم تخرج على الإطلاق يعني وعشت..

محمد الماغوط: إي.. إي لازمت.. أربع سنين..إي.. إي..

غدر وخمر

أحمد علي الزين: أربع سنين.. وعشت نوع من العزلة يعني شو سبب هالانقطاع عن الحياة عن الخارج؟

محمد الماغوط: صُدمت بأحد أعز الناس إلي صدمة قوية كتير، أنا متعوّد على الصدمات، لكن هيّ كانت مثل ما بيقولوا بمسرحية خالد الشرم: (القشة التي قسمت ظهر البعير) فقعدت.. لكن .. وأدمنت على الكحول إدمان غير طبيعي يعني و..و..

أحمد علي الزين: يعني أحد.. أحد الأصدقاء ارتكب خيانة بحقك؟

محمد الماغوط: ايه ايه.

أحمد علي الزين: فينا نعرف مين؟

محمد الماغوط: ما بدي سمّيه معليش..

أحمد علي الزين: يعني كتار الأصدقاء اللي خانوا محمد الماغوط؟

محمد الماغوط: لأ هذا يعني كتار لكن في منهم خيانة ومش خيانة شايف كيف، اللي غدروا فيي ما بحب كلمة خيانة غدر، الخيانة تقيلة يعني، اللي غدروا فيي كتار.. بنسب متفاوتة.

أحمد علي الزين: وشو عملت خلال الخمس سنين بالبيت؟

محمد الماغوط: أول شي ما آكل شي.. شرب، اشرب ودخّن.. اشرب ودخّن، لكن في عندي شي أنا ما بمشي بخطط, عمري ما عملت خطة شايف كيف؟ مالي رجل خطط ولذلك كنت أفشل عسكري بحياتي في الجيش يعني, وما بحب النصائح، بكره حدا ينصحني، وبكره أنصح حدا – شايف كيف- بعدين عندي ابن أختي طبيب, صار مقيم معي, أقام معي هون,

أحمد علي الزين: صار يقدملك نصائح ..

محمد الماغوط: لأ, مو نصائح, لأ, نصائح عملية وبلشت يبقى بهديك الفترة اللي بيذكر لي مجرد ذكر: شعر مسرح كذا، لكن حتى فيروز ما كنت أسمع..

أحمد علي الزين: يعني مع أنك أنت من محبي فيروز يعني..

محمد الماغوط: إي.. إي..

أحمد علي الزين: يعني إلى هذا الحد كان القصة مريرة عليك؟

محمد الماغوط: مجروح.. مجروح مطعون بأعماقي كنت,

أحمد علي الزين: هذا الرجل النسر العتيق, الذي جمع حطام الأيام, وأقام عزلته خلف جدار مليء بالصور والذكريات, تقرأ على مائدته المؤلفة من النبيذ وعقاقير الدواء والدخان, سيرة شاعر مسكون بالتمرد, هذا الرجل الذي يمنحه صوت فيروز أملاً جديداً, لكي تعرفه أكثر سل عنه رفيقة عمره آخر النساء في خيمة حزنه, تقول إنه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط, ومنذ مجموعته الأولى "حزن في ضوء القمر" وهو يحاول إيجاد بعض الكوى أو توسيع ما بين قضبان النوافذ, ليرى.. ليرى.. ليرى العالم ويتنسم بعض الحرية, وذروة هذه المأساة هي في إصراره على تغيير هذا الواقع وحيداً, ولا يملك من أسلحة التغيير إلا الشعر, فبمقدار ما تكون الكلمة في الحلم طريقاً إلى الحرية, نجدها في الواقع طريقاً إلى السجن, ولأنها - أي الكلمة - كانت دائماً إحدى أبرز ضحايا الاضطرابات السياسية في الوطن العربي, فقد كان هذا الشاعر يرتعد هلعاً إثر كل انقلاب مرّ على الوطن, وفي إحدى هذه الانقلابات خرجت أبحث عنه كان في ضائقة وقد تجره تلك الضائقة إلى السجن أو إلى ما هو أمرّ منه، وساعدني انتقاله إلى غرفة جديدة في إخفائه عن الأنظار. غرفة صغيرة ذات سقف واطئ حشرت حشراً في إحدى المباني بحيث كان على من يعبر عتبتها أن ينحني.. ينحني وكأنه يعبر بوابة ذلك الزمان.

أحمد علي الزين: الآن ماذا تفعل الآن؟

محمد الماغوط: قاعد. عندي عدة التزامات: عندي أولاً كتبت حوالي مائة قصيدة جديدة..

أحمد علي الزين: حلو..

محمد الماغوط: عندي مسرحية "قيام جلوس سكوت" مع زهير عبد الكريم قيد الإعداد يعني.. قيد الـ..الـ..

أحمد علي الزين[مقاطعاً]: الكتابة..

محمد الماغوط: لأ..لأ .. خالصة..

أحمد علي الزين[مقاطعاً]: كتبتها..

محمد الماغوط: كتبتها وعطيتو ياها، عندي مسلسل تلفزيوني كنت عامل معه بالستينات أنا كاتب شي 15 حلقة، وهلأ بدنا نستأنفه بالأشياء المعاصرة التي طرأت على الحياة العامة، بتناول أشياء سياسية عاطفية تاريخية يعني..

أحمد علي الزين: يعني فينا نقول خلال هالأربع سنين أيضاً يعني أنتجت شيئاً..

محمد الماغوط[مقاطعاً]: أنتجت..هذا اللي عوّضني، وما بفكر بالموت ما بيعنيلي الموت شي أبداً، يعني بحب الناس كلّن، بس أنا الناس بتنظر لي نظرة يعني ممنوع اغلط، أنا ممنوع اغلط لو بموت من الجوع..

أحمد علي الزين[مقاطعاً]: بالنسبة للآخرين..

محمد الماغوط[مقاطعاً]: بالنسبة للآخرين هنّ بيحبوني، يعني ما بيسمحوا لي..

أحمد علي الزين[مقاطعاً]: يعني فينا نقول يعني ما ارتكبت خطأ في حياتك..

محمد الماغوط[مقاطعاً]: لأ..لأ..لأ..

أحمد علي الزين[مقاطعاً]: على الإطلاق..

محمد الماغوط[مقاطعاً]: لأ لم أندم على شيء بعمري..

أحمد علي الزين[مقاطعاً]: لم تفعل شيء تندم عليه..؟!

محمد الماغوط: على كلمة كتبتها.. بجوز على بعض تصرّفات ولدنة ما ولدنة كذا..نسرق مشمش من البساتين..نسرق جاج (دجاج) كذا.. بالنهار.. نسرق بَسكليتات ( دراجات) نركب عليها، لكن شي عن عمد وبوعي لأ..

أحمد علي الزين: نعم.. نعم.. يعني بين السلمية عام 1934 شباط 1934 ..

محمد الماغوط[مقاطعاً]: لأ 34..

أحمد علي الزين: 34 نعم سنة الولادة يعني, واليوم في دمشق عام 2004 سبعين سنة تقريباً.. يعني شو المحطة اللي مرّت بحياتك اللي كنت بتشعر فيها بشيء من الأمل؟

محمد الماغوط: أنا عمري ما يئست ولا عمري تفاءلت شفت كيف..؟

أحمد علي الزين[مقاطعاً]: متشائل يعني..مو متشائل.. يعني على طريقة إميل حبيبي..

لا أفكر وضد الفكر

محمد الماغوط[مقاطعاً]: لأ..أنا مو متشائل.. على طريقة إميل حبيبي..ما بفكر يعني.. بكره الفكر.. أنا ضد الفكر، لذلك كل شعري ومسرحي صورة.. شفت كيف..؟

أحمد علي الزين: نعم.. ولكن بشعرك وبمسرحك في مقدار من السخرية والألم يعني..

محمد الماغوط[مقاطعاً]: إي.. هيّ لَقِلَّك يعني شايف كيف..؟ السخرية وهيّه شعر.. وكل إنسان جدّي، جدّي على طول هوّ إنسان مريض.. أيوه..

أحمد علي الزين: نعم.. يعني بتقديرك الكتابة الساخرة هي أبلغ تعبير عن الألم.. عن الوجع؟

محمد الماغوط: هي ذروة الألم.. هي ذروة الألم..

أحمد علي الزين: وأنت تعيش ذروة الألم؟

محمد الماغوط: أنا أعيش ذروة الألم..ولن أصادق الألم..

أحمد علي الزين: طفولتي بعيدة..
وكهولتي بعيدة..
وطني بعيد..
ومنفاي بعيد..
أيها السائح أعطني منظارك المقرِّب
علَّني ألمح يداً أو محرمةً في هذا الكون تُوْمِئُ إليَّ
صوِّرني وأنا أبكي وأنا أقعي بأسمالي أمام عتبة الفندق
وأكتب على قفا الصورة هذا شاعرٌ من الشرق

في هذه المدينة (السَّلمية) ولد محمد الماغوط في شباط 1934، شأنه كشأن سائر أبناء فقراء ذلك الزمان, الذين لم تسعفهم الحال للتحصيل العلمي، لذا كانت طفولته على قدر من البؤس والحرمان, الذي تمرَّد عليه لاحقاً في القراءة وفي البحث عن أداته لمواجهة الظلم, وربما عثوره على تلك الأداة التي هي الكلمة فتحت أمامه درباً زرع على جنباتها شجره الباسق, شعراً ومسرحاً، وكانت تلك الكلمة كما تقول زوجته سنيّة صالح, هي بمقدار ما تكون في الحلم طريقاً نحو الحرية, نجدها في الواقع طريقاً إلى السجن، وهكذا عرف الماغوط مبكراً السجون, وخلف قضبانها بدأ يصوغ نصَّه بفرادةٍ جعلته واحداً من كبار شعراء الحداثة, وكتاب المسرح في عالمنا العربي، وإن كان كما يروي في بدايته لا يدرك أهمية ما يكتبه..

أحمد علي الزين: طيب لنعد إلى البدايات إلى.. إلى السلمية أنت حيث ولدت، يعني نحن كما نعلم أو كما تروي ورويت لنا لم تتعلم لم تدخل المدرسة.. يعني دخلت مدرسة..

محمد الماغوط[مقاطعاً]: أنا لقلَّك كنت حبّ القرآن كتير جداً.. أخذت(Sertefica) شفت كيف, وشهادة ابتدائية وبعدين دخلت بدّي كَفِّي أدرس زراعة.. الحقيقة أنا دخلت زراعة لأنو داخلي, وداخلي بكون الأكل مجاناً, نحن كنّا فقراء شفت كيف..؟ بعدين اكتشفت إنو..

أحمد علي الزين[مقاطعاً]: ما إلك علاقة بالزراعة..

محمد الماغوط[مقاطعاً]: لأ.. إنو..ما هدفي مكافحة.. مكافحة الحشرات الزراعية بالحشرات البشرية..

أحمد علي الزين: فلجأت إلى مكافحة الحشرات البشرية..

محمد الماغوط [مقاطعاً]: بطريقتي بقى..

أحمد علي الزين[مقاطعاً]: وتقديرك نجحت بهالمكافحة بهالمهمة؟

محمد الماغوط: يعني بتصوّر إلى حدٍّ ما.. ما فشلت.. لأنه الفشل مثل ما بيقول الإمام علي: "شكل من أشكال الموت" وأنا بعدني عايش..

أحمد علي الزين: ما فشلت طبعاً.. الله.. يعني من بداياتك كنت هيك منحاز لقضايا الناس وقضايا الوطن و..و..

محمد الماغوط [مقاطعاً]: إي.. إي.. يعني كل شيء شايف كيف؟ مش شايف كيف؟ كان في عندي إحساس فيه غلط، فيه غلط ما تاريخي لازم يتصلّح بين البشر، فيه خطأ وأنا مع القضايا الخاسرة حتى الموت.

سياسة بلا تفكير

أحمد علي الزين: بمن تأثرت يعني من أصحاب الأفكار آنذاك؟ يعني.. معروف عنَّك إنت كنت يعني هيك ميَّال للقوميين السوريين.

محمد الماغوط: هوّ الحقيقة يعني أنا مثلاً دخلت بالحزب القومي بس ما قريت مبادئه شفت كيف..؟

أحمد علي الزين[مقاطعاً]: بدون ما تقرأ المبادئ..؟

محمد الماغوط: بدون ما أقراها لأنه هي الأمور معروفة على صعيد كتير واسع إنّو كانت الدنيا شتا، وجاية حزب القومي وحزب البعث بدهم يفتحوا مكاتب ، حزب البعث مكتبهن بعيد وبرد على الطريق ووحل وكذا، وجنبي القوميين قريب من بيتنا وفي صوبة، فدخلت بتبع الصوبة، يعني المهم صار هيك ودخلت بسجن المزة ولهلأ لاحقتني هالقصة..

أحمد علي الزين: طيب أستاذ محمد, بوقت ما أنت هربت من المدرسة الزراعية مبكراً, طبعاً وبدأت تكتب الشعر. يعني كيف؟

محمد الماغوط: بسجن المزة أنا بعرف من قراءتي لجبران أو المنفلوطي, أو مصطفى صادق الرافعي, أنه كل سنة بيكتبوا مذكراتهم, فكتبت مذكراتي, ما فينا نطلعها لأنه ممنوع, فكان بهديك الأيام في دخان اسمه بافرا ملفوف بورقة شفافة, فكتبت مذكراتي على هالورقة على علبتين, كنا ندبرهم بطريقة ما, بالرشوة وبِالْـهَيْ.. وأخدتهم معي, وأخدتهم بتيابي الداخلية خبيتهم, ورحت على بيروت.

أحمد علي الزين: وتروي أيضاً سنية صالح, تقول: قبل ذلك كان محمد الماغوط غريباً ووحيداً في بيروت, وعندما قدمه أدونيس في إحدى اجتماعات مجلة شعر المكتظة بالوافدين, وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب بصوت رخيم, دون أن يُعلن عن اسمه, وترك المستمعين يتخبطون من هذا؟ هل هذا الشعر لبودلير, أم لرامبو ولكن أدونيس لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول غير أنيق أشعث الشعر, وقال: هو الشاعر. لاشك أن تلك المفاجأة قد أدهشتهم, وانقلب فضولهم إلى تمتمات خفيفة. أما هو وكنت أراقبه بصمت فقد ارتبك واشتد لمعان عينيه, بلغة هذه التفاصيل, وفي هذا الضوء الشخصي نقرأ غربة محمد الماغوط, ومع الأيام لم يخرج من عزلته بل غيّر موقعها من عزلة الغريب, إلى عزلة الرافض.

أحمد علي الزين: بالـ (55) أنت التقيت بأدونيس بالسجن تعرّفت عليه, وهذا اللقاء أسّس لصداقة لاحقة.

محمد الماغوط: أدونيس بين القوميين اسم معروف, أنا نكرة ولا شي، عرفت كيف؟ بس أنا بتذكر من لما بالسجن كنت أعمل المسرحيات, ألّفها أنا يعني.

أحمد علي الزين: كنتوا تمثلوها بالسجن؟

محمد الماغوط: كانوا يمثلوها بالسجن.

أحمد علي الزين: نعم, نعم, يعني هيدي الموهبة كتابة المسرح من قديم يعني, يعني فينا نقول أن السجن أفادك ككاتب يعني.

محمد الماغوط: هو الحقيقة ما بدها عبقرية الكتابة، بدها تكون موهبة وصادق، الصدق هو..

أحمد علي الزين: الأساس..بتكون ابن الحياة..

محمد الماغوط: أيوه.. صادق أما إذا بتكون أفلاطون وكذاب بتنتهي.

أحمد علي الزين: طيب بعد مرحلة سجن المزة هربت..

محمد الماغوط: لك حاج تقلّي هربت.

أحمد علي الزين: هربت لبيروت..هربت لبيروت..؟

محمد الماغوط: إي هربت على بيروت

أحمد علي الزين: إي نعم..وتعرفت على الرحابنة..

محمد الماغوط: وتعرفت على مجلة شعر..

أحمد علي الزين: مجلة شعر نعم..

محمد الماغوط: الرحابنة فيما بعد، أما لما رحت على بيروت تعرفت على يوسف خان وسكنت ببيت أدونيس كمان استضافني، والله يعين يلّي بيستضيفني ما بطلع..

أحمد علي الزين: أديش أفادتك تجربة بيروت؟

محمد الماغوط: كتير.. كتير.. كتير.. لدرجة..

أحمد علي الزين: كتبت خلال إقامتك ببيروت؟..

محمد الماغوط: إيه معلوم..

أحمد علي الزين: يعني شو أهم الأشياء اللي كتبتها في بيروت؟

محمد الماغوط: كتبت يا سيدي..تقريباً معظم القصائد كتبتهم في الغربة تحت ضوء القمر، أما أهم قصيدة هي القتل، كتبتها بسجن المزة، وهي اللي هرَّبتها معي بتيابي الداخلية..

أحمد علي الزين: في السجن الأول..

محمد الماغوط: أيوة.. أيوة..

أحمد علي الزين: في بيروت عام 62 خلال الانقلاب اللي..

محمد الماغوط[مقاطعاً]: انقلاب القوميين..

أحمد علي الزين: كمان سُجنت في بيروت..

محمد الماغوط: سجنت كمان في بيروت، إي ورجعت لهون كمان عالسجن، يعني شايف كيف..؟

أحمد علي الزين: يعني مشوار حلو كان..؟

محمد الماغوط: لأ وبالسجن .. يعني أنا فوَّتوني عالسجن، وحتى يجرّموني حطّوني بجناح المحكومين بالإعدام، قواديس وما قواديس لمن قالوا لي شو مساوي؟ إلتلّن الصحافة احتقروني بعدين.. واللي محكومين إعدام طلعوا قبلي..وبعدين رحت على بكفيّا، أبوها لسهام بيشتغل لحام, وأنا عندي جوع مزمن للـ.. أفطر لحم، وأتغدى لحم، وأتعشى لحم، أتغدى وأتعشى، قالت لي سهام: خلصت حصتك روح يلاّ، قلت لها: لأ القصة إلها ذيول أنا بدّي ضلّني هون.

أحمد علي الزين: قصة إلها ذيول.. لأنّو اللحمة قائمة.. طيب لحتى نفلسف الأمور شوي أستاذ محمد..

محمد الماغوط: لأ أنا ما بحب فلسفها، أنا ما بدي.

أحمد علي الزين: عم بمزح أنا، من خلال إقامتك بالسجن، يعني شو الأسئلة اللي كنت تسأل.. تطرحها على نفسك؟

محمد الماغوط: ولا شي، أتذكر أمي وبَيِّي ورفقاتي، البقرة تبعنا والنعجة الحمامات.

أحمد علي الزين: ما في أسئلة كبيرة يعني.

محمد الماغوط: لا لا لا..كل شي بيطرحوه أسئلة كبيرة زلط، أعظم الأشياء بتنطرح بأبسط العبارات.

نترك محمد الماغوط في هذه الحلقة في عزلته مع تبغه وكأسه وأحزانه وسخريته لنعود إليه في الحلقة القادمة حيث سنتعرف على الوجه الآخر للشاعر، على الكاتب المسرحي الذي حقق العديد من الأعمال نذكر منها: غربة، وضيعة تشرين، وكاسك يا وطن لدريد لحام، والمهرّج والمرسلياز العربي، وهذين العملين من إخراج يعقوب الشدراوي، إضافة إلى عشرات الأعمال الأخرى الموزعة بين الشعر والمقالة والكتابة السينمائية والتلفزيونية، وسوف نتعرف أكثر على هذه التجربة من خلال ما يقوله دريد لحام، وما يقوله المخرج يعقوب الشدراوي في تجربتهما مع محمد الماغوط الذي نردد معه في ليله: هناك نحل وهناك أزهار ومع ذلك فالعلقم يملأ فمي هناك طرب وأعراس ومهرجون ومع ذلك فالنحيب يملأ قلبي.


يتبع بالجزء التاني من الحوار
  رد مع اقتباس
قديم 17/03/2009   #70
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


اسم البرنامج: روافد (الجزء الثاني)،
مقدم البرنامج:
أحمد علي الزين
تاريخ الحلقة: الجمعة 30/7/2004


أحمد علي الزين
: ثانية إلى عزلة

محمد الماغوط
، هنا في هذه الحارة الدمشقية يزاول هذا الشقي المتمرد احتجاجه بالصمت حيناً, وبالكتابة حيناً آخر، ولمن نسي صورته القديمة يمكن أن يعيد تشكيل ملامحها حينما يسمع صوته التبغي الأجش، أو ضحكته المشحونة بألم خفي، ولمن لا يعرفه يمكن أن يستخلص حكمة المتمرد الذي لم يحنِ رأسه إلا لجلال الحرية, ولوطأة السنين لا بأس من منادمته كأس العزلة في نصف ساعة أخرى من الزمن، والتأمل في نَصِّه وعالمه القائم على المفارقات المتوحدة تحت رايته الخفاقة على قمم جباله البعيدة، هكذا غادرته متّكئاً على عمره تسعفه موسيقى باخ لاحتمال وحشة العالم، وصوت فيروز لتخفيف الرعب, والعتابا لمعانقة الجروح القديمة، وهكذا حين عدت إليه.

في السجن بدأت الكتابة
أحمد علي الزين : مثل ما ذكرت حضرتك أن محاولاتك الأولى بكتابة المسرح كانت بسجن المزة.

محمد الماغوط
: إي بالمزة لأ يعني كنا ..


أحمد علي الزين
: محاولات صغيرة..

محمد الماغوط
: محاولات..بحب الحوار أنا، شايف كيف؟ ومشان هيك بشكّ بأصولي العربية. العربي ما بحب الحوار، شفت كيف؟


أحمد علي الزين
: بيحكي لحاله.

محمد الماغوط
: بيحكي لحاله.. آه ممنوع يحكي، واحد بيحكي, وواحد بيسمع، أنا بحب الحوار، أنا ما بقول هناك شعب, وهناك مسرح, وهناك صحافة, هناك نص جميل..


أحمد علي الزين
: بغض النظر عن نوعه.

محمد الماغوط
: بغض النظر.


أحمد علي الزين
: عن نوعه.. طيب، يعني لمن قرأت بالمسرح؟ قبل ما تكتب ما قرأت لأحد بيكتب مسرح؟

محمد الماغوط
: والله ما قرأت.


أحمد علي الزين
: ما قرأت؟

محمد الماغوط : لا والله.


أحمد علي الزين
: عجيب، عجيب أمرك..

محمد الماغوط : حتى مثلاً أنا بعد 8 آذار لوحقت قضائياً من أكثر من جهة، فتخبيت ببيت، فكانت تعرف فيه سنية زوجتي، وزكريا تامر صديق عمر هذا، فإجا على بالي بدي أكتب يعني قلت بدي أكتب قصيدة يعني شغلة هيك: العصفور الأحدب، بعدين حسيت وأنا عم بكتب إنه فيه أصوات تانية بدها تحكي, يعني بداخلي أنا، وكفّيت تابعت، وكان السقف واطي كتير هونيك، فظلني أكتب وأنا محني شايف كيف؟ فسمّيتها العصفور الأحدب.


أحمد علي الزين
: (لقد حطمتني يا رجل, ونثرت الملح القاتل في أكثر جراحي عمقاً وكبرياء, لا أستطيع أن أصغي إلى شرذمة العصافير المرذولة تغني, طالما هناك عصافير حمراء وخضراء تمزقها القنابل وهي على أهبة التحليق، وعذارى نحيلات وسعيدات ينتظرن عشاقهن عند المنعطفات يحضرن الكلمة الجميلة والنظرة الساحرة ليقلنها بين لحظة وأخرى، وعشاقهن ممزقو الرؤوس في الدهاليز, وتحت الأضواء البربرية، لقد جاؤوا إليك من قرى بعيدة لا يعلم إلا الله أين تقع بالسنابل المحطمة، لا لتعيدها خضراء أو حمراء ولكن لتقول لهم فقط: "حسناً أيها الرفاق القدامى عودوا إلى منازلكم لقد رأيتها"، وكما يقول: لقد أفادته تجربة بيروت كثيراً، في هذه المدينة حلّق الماغوط في مجلة شعر, وألف قصائد, وألّف أصدقاء كُثُر منهم يوسف الخال، الأخوين رحباني، ويعقوب الشدراوي، الذي أخرج له عملين: "المرسلياز العربي", و"المهرج".

أحمد علي الزين
: كيف علاقتك بيعقوب؟

محمد الماغوط
: من بعد ما اختلفنا يوم "المهرج" شايف كيف؟ ما عاد حكيت معه، ما عاد شفته ما تسألني عنه، أنا إذا أنا عندي نص, وبدّي أعطيه لمخرج رغم هالشّي بعطيه ليعقوب.


أحمد علي الزين
: ليعقوب..أحمد علي الزين : ولمن لا يعرفه, أو لمن يرغب أن يتذكّر هذا الشاعر هو الذي كتب للمسرح والسينما روائع هامة، كالمهرج, والتقرير, والحدود, غربة, وضيعة تشرين, وكاسك يا وطن, وسوى ذلك من الأعمال، وقد جمعته بعض تلك الأعمال بدريد لحام لسنوات طويلة، وجمعت حولهما جمهوراً كبيراً في أكثر من مكان عربي، وللذين تسنَّى لهم أن يشاهدوا تلك الأعمال أعتقد أنه من الصعب أن تخبو ومضاتها في باله.


الماغوط ودريد لحام

أحمد علي الزين : كيف كانت.. يعني كيف بلّشت العلاقة مع دريد؟ وكيف انتهت؟

محمد الماغوط
: هي ما انتهت الحقيقة..


أحمد علي الزين
[مقاطعاً]: بس مرت فترة هيك فتور ومشاكل.

محمد الماغوط
: هي المهرّج كانت إلو، أول شيء كنت عم بكتبها إلو، بعدين بدّو يتدخّل هوّ قلتلّه لأ..


أحمد علي الزين
[مقاطعاً]: يتدخل في كتابة النص؟

محمد الماغوط
: يعني أيوة بالشخصيات والهي، بعدين بحرب حزيران.. بحرب تشرين عملنا ضيعة تشرين, وبعدها غربة, وبعدها كاسك يا وطن, وبعدها شقائق النعمان، وعملتلّه للتلفزيون: وادي المسك، ووين الغرام؟ وبالسينما: الحدود والتقرير.


أحمد علي الزين
: طيب شو سبب الخلاف لاحقاً؟

محمد الماغوط
: الخلاف يعني كان عنده غرور، وفيه ناس دخلوا عالخط، شايف كيف؟


أحمد علي الزين
: في تخريب العلاقة.

محمد الماغوط
: إي.. إي..ليه يعني؟ لشو النص .. أنت بتطلع عالمسرح بتكفّي.[مشهد من مسرحية"غربة"] دريد لحام (مسرحي):

محمد الماغوط
أنا بعتبره خزان فرح, وخزان وجع، خزان ألم وأمل بنفس الوقت، وبسبب شاعرية كلمته بخليك غصباً عنك تكون شريكه بكل هدول، فـ.. بقولوا إنه المحبة بالمحبة بتُوْسَع المطارح, بتصير المطارح أوسع, مشان هيك قلب الماغوط واسع الوطن كله بكل فرحه وبكل حزنه. تجربتي معه كانت تجربه كتير.. كتير غنيّة، طبعاً جاءت فترة اختلفنا أنا وإياه بس حتى لما اختلفنا بالرأي ظل حبيبي, وظل صديقي, وظلّ بالنسبة إلي الشاعر الأهم, والكاتب الأهم. [فاصل إعلاني]

أحمد علي الزين
: يقول بدون النظر إلى ساعة الحائط أو إلى مفكرة الجيب أعرف مواعيد صراخي، لا شيء تغيّر أيها الشاعر البري منذ صرختك الأولى يوم ولدت في شتاء يبعد عن صرختك الآن سبعين سنة، لا شيء تغيَّر سوى أن الجدران تعلو بين صراخك وآذان العالم، وسخريتك تعلو والطفل الذي فيك يشاغب ويحاول تسلق تلك الجدران، لا شيء تغيَّر سوى أن احتجاجات محمد الماغوط أخذت أشكالاً أخرى على فظاعة الظلم والهوان.

مصادر العيش في الشيخوخة
أحمد علي الزين : طيب، هلأ كيف بتعيش حياتك أستاذ محمد حالياً يعني أنه شو مصادر عيشك مصادر مصادرك المالية؟ الكتابات بتكفي؟

محمد الماغوط : إي يعني أولاً .. يعني هيّ لأ ما بتكفي، لك ممكن يعني الواحد هيّ شايف كيف، عندي تقاعدي..

أحمد علي الزين : كنت موظفاً..

محمد الماغوط
: إي متعاقد أنا مع .. وانحلت عالتقاعد بعدين الرئيس بشار الأسد خصصلي راتباً مدى الحياة.


أحمد علي الزين
: حلو..

محمد الماغوط
: هي شغلة.. وكتبي بتطلّعلي.. وهيك مناسبات متل مناسبتكن مناسبة كذا..


أحمد علي الزين
: نحن مناخذ منك. طيب أستاذ محمد مين من اللّي هيك تعاملت معهم على مستوى النص المسرحي وأضافوا للنص شيئاً, يعني أضافوا له بعداً جمالياً آخر..

محمد الماغوط
: ما حدا لأ ما حدا.


أحمد علي الزين
: يعني المخرجين ما كانوا لهم أبعاد جمالية؟

محمد الماغوط : لأ وأنا مثلاً ما بحط توقيعي عالنص إلا ما بكون شربان 200 لتر ويسكي, ومدخن 20 ألف كروز دخان.. ما بعطيه هيك يعني أنا..


أحمد علي الزين
: يعني بتصرف بنزين منيح عليه؟

محمد الماغوط
: مهما كان يكون مثلاً, يعني لذلك أنا .. هاي المهرج مثلاً دريد.. يعقوب حرف ما شالوا ولا رقم.. أبداً


أحمد علي الزين
: ما بشيلوا..يعقوب الشدراوي (مخرج مسرحي): الماغوط أنا أخرجت له مسرحية ثانية هي المرسيلياز العربي, والمرسيلياز العربي اللّي اليوم الماغوط ما شافها, ولا حدا لعبها غيرنا لأنه مكتوبة على الدفتر, والدفتر يمكن كان مع انطوان كرباج بعده.

طقوس الكتابة ومصادرها
أحمد علي الزين : بالشخصيات اللّي هيك كنا نشوفها بهالأعمال أنت يعني كيف كنت تركّبها, من وين بتستوحيها..

محمد الماغوط
: من الحياة..‌


أحمد علي الزين
: بتضيف من هذه الشخصية إلى تلك.

محمد الماغوط
: إي إي.. بطوّر عليها.. ما بكتب شي أنا .. ما فيه شيء كاتبه إلا إلو في ظل بالواقع

أحمد علي الزين : يعني إنت مثلاً بتراقب الحياة اليومية في الشارع؟

محمد الماغوط
: ايه عايشها.


أحمد علي الزين
: كنت تعطي وقت؟

محمد الماغوط
: أوه كل حياتي للحياة.


أحمد علي الزين
: بتعطي وقت بتراقب الناس في الشارع, طيب على سيرة الكتاب أنت.. أين ومتى تكتب؟

محمد الماغوط
: ما لي أوقات, وما بكتب على طاولة, بحياتي ما كتبت على طاولة, بكتب على ركبتي.


أحمد علي الزين
: دفتر وقلم رصاص؟

محمد الماغوط
: مو رصاص القلم العادي, بحب القلم يكون جميل, والدفتر أنيق, وعلى ركبتي بكتب, كل شي كتبته بعمري علي ركبتي.


أحمد علي الزين
: وبس تاكل وإنت وصغير كنت تحط الرغيف على ركبتك؟

محمد الماغوط
: إي طبعاً.


أحمد علي الزين
: يعني مثل الأكل الكتابة يعني.

محمد الماغوط
: إي طبعاً..


أحمد علي الزين
: بدنا ننتقل لموضوع هيك شراكة الحياة, إنت فقدت شريكة حياتك..

محمد الماغوط
: إي سنية صالح..


أحمد علي الزين
: سنية صالح, كانت شاعرة وناقدة.

محمد الماغوط
: شاعرة وإنسانة عظيمة.


أحمد علي الزين
: يعني فينا نقول هي كانت آخر الأصدقاء الذين كنت تبوح لهم بهمك وبفرحك وبأسرارك.

محمد الماغوط : إي هي هية..


أحمد علي الزين
: بعد منها ما عاد فيه أصدقاء.

محمد الماغوط
: صار علاقات هيك عابرة وكذا, لكن متل بقلّها بسياف الزهور: كلهم نجوم عابرة في السماء.


أحمد علي الزين
: طيب مسافة طويلة هيك بالحياة سبعين سنة ممَّ كنت تخاف؟ وعلى ماذا كنت تخاف؟

محمد الماغوط
: ليك عمري ما كرهت حدا كراهية..


أحمد علي الزين
: مش على الكراهية على الخوف. مم كنت تخاف؟

محمد الماغوط
: من كل شي.

أحمد علي الزين : كنت تخاف من كل شي، يعني عندك حذر تجاه الآخرين.

محمد الماغوط
: بخاف من العصفور.


أحمد علي الزين
: وبتحبه للعصفور.

محمد الماغوط
: بحب الزهرة, وبخاف من الزهرة، دائماً أمامي سؤال: نسر خائف، نسر خائف، أم فأر مطمئن؟

أحمد علي الزين : طيب عندما ترى الآن يعني بعين اليوم إلى السلمية أمس وقت كنت صغيراً يعني لمين بتحن؟ لمين بيجرفك الحنين؟ لأي شخص؟ لأي مكان..

محمد الماغوط : كتار يعني كتار اللّي.. رفقات الطفولة هدول.

أحمد علي الزين : بتشتقلهن

محمد الماغوط : إي بشتقلن كتير, بس هلأ يعني اللّي هاجر, اللّي مات, اللّي انسجن, اللّي..


أحمد علي الزين
: طيب على مستوى السياسة مين هيك مرق بعالمنا العربي من نجوم سياسية أعجبت فيها بتجربتها بفكرها.

محمد الماغوط
: ما.. ما حبيت السؤال.

أحمد علي الزين : ما حبيت السؤال؟ وأنا ما حبيت الجواب..[يضحكان] طيب بسياف الزهور أيضاً مثل ما بلّشنا بالبداية تحب الشيء ونقيضه, ليه؟

محمد الماغوط : بحب المفارقات بالحياة بتلفت نظري, شفت كيف؟ النسر – الفأر, القمة الحضيض شفت كيف؟ الربيع الخريف, يعني.. وأمثالها..

أحمد علي الزين : وأنت..

محمد الماغوط
: وأنا باعتبار مالي مثقف, ما مُطَّلع، ما عندي لغات, ما عندي كذا, فشايف كيف؟ بحب الصورة. يعني أنا بكل شعري هيّ الصورة اللّي بتلفت النظر.

أحمد علي الزين : وأنت يعني في هذه المفارقات وين بتعيش؟

محمد الماغوط
: نعم.


أحمد علي الزين
: وين بتعيش بهالمفارقات؟

محمد الماغوط
: شخصية وحدة, أنا إذا كنت عاشقاً, أو حاقداً, أو طفراناً, أو ممتلئاً, أو شي, أنا ما بغيّر, ما بغيّر ولا ببدّل.


أحمد علي الزين
: طيب إذا بدي أسألك سؤال إله علاقة بالسياسة هيك إذا بدنا نعمل قراءة للمشهد العربي اليوم بتقديرك شو هي الأسباب اللّي أوصلتنا لهذا الـ..؟

محمد الماغوط
: هو مو ببكّي وهديك الكلمة كمان..


أحمد علي الزين
: ليه صار فينا هيك؟

محمد الماغوط
: نعم


أحمد علي الزين
[بصوت أعلي]: ليش صار فينا هيك؟

محمد الماغوط
: ما فيه حرية عنا, الإنسان العربي عمره ما عرف وين هي الحرية.

أحمد علي الزين : عمره تاريخياً!!

محمد الماغوط
: بتاريخ حياته ما عرفها, دائماً هناك من يتكلم وعلى الآخر عليه أن يسكت ما في نقاش.


أحمد علي الزين
: من أجل ذلك أنت كتبت الحوار..

محمد الماغوط
: أبداً.. أبداً..

أحمد علي الزين : لجأت للحوار.

محمد الماغوط
: يعني هلأ يعني أهمية المسيحية كلها, بداية لما بطرس قلّن قال الرب أو قال المسيح ما بعرف مين قلّوا، بطرس يمكن اللّي قلّو، قلّو أنا بدي قول كمان.

أحمد علي الزين
: أنا بدي قول كمان!

محمد الماغوط
: بدون حوار, أسوأ.. أسوأ.. أسوأ ديمقراطية في الدنيا أهم من أعدل دكتاتور.


أحمد علي الزين
: قولوا لوطني الصغير والجارح كالنمر, أنني أرفع سبابتي كتلميذ طالباً الموت أو الرحيل, ولكن لي بذمته بضعة أناشيد عتيقة من أيام الطفولة وأريدها الآن, لن أصعد قطاراً, ولن أقول وداعاً ما لم يعدها إلي حرفاً حرفاً ونقطةً نقطة, وإذا كان لا يريد أن يراني أو يأنف من مجادلتي أمام المارة فليخاطبني من وراء جدار ليضعها في صرة عتيقة أمام عتبة ما, أو وراء شجرة ما, وأنا أهرع لالتقاطها ما دامت كلمة الحرية في لعبتي على هيئة كرسي صغير للإعدام..يعقوب الشدراوي (مخرج مسرحي): يا محمد الماغوط بيقولوا لي بعدك شبّ, صار زمان ما شفتك .. من السبعينات, أنا ما بقيت شب ما بعدني شبّ, يمكن منشان هيك بعده عقلي ظاهر بمسرحية المهرج, [يقبل يده] طيري على الشام والزقي بجبهة محمد الماغوط .

أحمد علي الزين
: هذا الشاعر البري, هذا المتسكّع, والشريد في بداياته, هذا الصعلوك النبيل أو الفطري الصادق, الفريد في نصه لكأنه يحمل في جسده السبعيني كل شقاء السنين, وصخب الأطفال, وفي عينيه كل الدموع, وكل الفرح وفي صوته الأجش الذي جعله التبغ أكثر جرشاً يحمل كل صراخ أطلقه الإنسان من جوع أو تعذيب أو ظلم, في غرفته في عزلته يبقى مشحوناً برغبة الحياة يردد ساخراً: أيها المارة أخلوا الشوارع من العذارى والنساء سأخرج من بيتي عارياً وأعود إلى غابتي.
  رد مع اقتباس
قديم 17/03/2009   #71
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


* حوار عبدالكريم العفنان
* تصوير محمد فندي
* الإثنين 13 أيلول 2004


رحب الماغوط بفكرة إعداد ملف يتعرض لتجربته حياةً وشعراً، وحدد لنا موعداً على مرحلتين، فطلب منا الاتصال به هاتفياً مرة ثانية، ليحدد لنا إمكانية اللقاء به في بيته الواقع في حي المزرعة، وكان ذلك. وصلنا إلى المكان المحدد قبل خمس دقائق من الموعد، فتباطأنا قليلاً حتى تعلن الساعة الثانية عشرة ظهراً، وكان ذلك أحد ضيوفه فتح الباب، ورحب بنا (أنا والمصور) وقادنا عبر المدخل المظلم، إلى يسارنا المكتبة، وطاولة تتناثر عليها الكتب في فوضى طبيعية، وإلى أمامنا كان الماغوط يجلس ويرقد، معاً، وأقرب شيء إليه آلة تسجيل (ريكوردر) تبث صوت فيروز في غرفة مكتظة الجدران بعشرات الصور واللوحات بأحجام مختلفة، تناهض الماغوط ملاقياً انحناءنا بسلام ممتن لقامة إنسانية مُسنة، ولقامة شعرية كبيرة.
جلسنا، فأوحى لمضيفنا بما يمكن أن يقدمه لنا كضيافة من شراب أو شوكلاتة.
كنا أمام تحدّ! فقد أتينا بقصد إجراء حوار مع الماغوط، لكننا نعلم برأيه الغريب في رفضه الإجابة عن أي سؤال مباشر، لكون ذلك يضعه في وضع المتهم أمام المحقق، ولذلك لم نحضّر أي سؤال، ورأينا ان نستدرجه بحديث من هنا، وملاحظة من هناك، لكن استخدام آلة التسجيل ممنوع أيضاً في قوانين مزاج الماغوط الخاص جداً!
كنا في وضع لا نحسد عليه، على الرغم من محاولته لعب المضيف. تلك قوانينه، لكن عملنا لن يتم تحت هذه الشروط التعسفية المسبقة،.. قررت أن أغش، فوضعت المسجل على حالة التشغيل، وكان شكله غريباً، فمرت الخدعة، لكن من أين لي أن أجبر الماغوط على الحديث، والتباسط، والانشراح، فكنت أتكلم لمدة دقيقة أو دقيقتين ليرد مجيباً، أو محدثاً، لخمس ثوان، او عشر.
استمر اللقاء نصف ساعة تماماً، وقد أنهاه الماغوط بنفسه: (يكفي.. تعبت)!
فاتني أن أذكر أن أول سؤال، وكان مباشراً، عن رأيه بمبادرة جريدة (الجزيرة) حول نشر ملف عن الماغوط كان جوابه (مو غلط.. شي منيح).
بعد أيام كان اللقاء الثاني، وهذه المرة بدعوة من الماغوط نفسه، بعد أن اتفقنا على إمكانية تكرار المقابلة بعد أيام، حين ودّعنا في المرة الأولى. ولا جديد نذكره، أو نضيفه، مما جرى في المقابلة الثانية، سوى أنني ذهبت إليه وحيداً.
الآن، سنحاول تقديم الحوار، كما جرى:

* من هو المثقف؟
المثقف ابن الشارع. ابن البلوعة، وابن القمل. مش ابن الزهر والنبيذ.

* العرب يعيشون العصر الذهبي لما هو قادم، هذه المقولة لك، كيف تفسرها لنا؟
القادم أخطر بكل المقاييس.

* بعد عام على احتلال أمريكا، وحليفاتها للعراق ماذا تقول؟
صدام حسين رجع بالأمة العربية عقوداً طويلة إلى الوراء.
كنت في حرب الخليج الثانية مع صدام، على الرغم من رفضي لاحتلال دولة الكويت، بمعنى أنني كنت ضد تدمير العراق في تلك الحرب.
في هذه الحرب تلقيت نبأ سقوط بغداد، فانكسر الكأس في يدي، وسال الدم بين بين أصابعي دون أن أشعر بأني جرحت يدي، كانت الصدمة كبيرة، وتأكدت حينها، من حقيقة النظام العراقي السابق الذي لا أتمناه لأي بلد.

* كيف تقضي أوقاتك؟
أحب أن أعيش الوحدة لأن مزاجي صعب..مازحاً (آمل ألا تنتقل إليك حالتي).

* هل هذه الحالة بسبب وفاة زوجتك الشاعرة سنية صالح؟
سنية حمّلتني مسؤولية تربية ابنتينا (شام وسلاف) بعد وفاتها. سنية شاعرة كبيرة لكن اسمي أساء إليها! وكانت تُواجه كلما كتبت شيئاً بالقول: (زوجة الماغوط). لقد كانت معلمتي ومرضعتي، ومصدر قوتي وعطائي، لا تزال سنية المعنى الكبير في حياتي.

* هنا حاولنا أن نستجره للحديث عن الشعر، ففهم كلامنا أننا نريد أن نسمع منه شعراً، فاعتذر أن مزاجه حالياً غير مهيأ لذلك، وعندما حاولنا أن نفهمه أننا نريد الحديث عن شعره عموماً، وليس سماع الشعر، أجاب:
الحب. الحرية. الشعر مصطلحات لا تعريف لها في قاموسي، لكن يمكننا أن نعرف الماء، أو البحر، أو الصحراء.. والشعر ليس له قانون. وأرى أن أي أمة لا تتنفس الحرية سوف تموت، ومن ضمن ذلك حرية الرأي، فهي أكسجين الأمة.

* وما رأيك في تكريم المبدعين في وسائل الإعلام كما نحاول الآن مع الماغوط؟
ليس من الخطأ أن يُكرّم الأديب طالما أنه على يقين أن التكريم لن يحيده من مشروعه الذي ارتضاه لنفسه، كما أن الأديب الحقيقي لا يبيع موقفه من أجل حفنة من المال

* وما هي آخر أعمالك المسرحية؟
انتهيت من كتابة مسرحية سيخرجها الفنان زهير عبدالكريم.
كانت تجاربي القديمة مع دريد لحام، وجهاد سعد فاشلة، لأنهما تعاملا مع النصوص تجارياً، ونسيا أن الفن رسالة صادقة. من سوء حظي أن اسمي خدمهما تجارياً، فقد أعطيت مسرحية (خارج السرب) إلى جهاد سعد، لكنه خذلني وسرقني، وهذا ما عزّز اتجاهي نحو العزلة.
دريد لحام أشبه بأنثى تراها دوماً في ثوب ملتزم، وفجأة تجدها...، وهنا لا أستطيع أن أستعيد الصورة الأولى، دريد لحام (زعبور رهيب)، وقد خسر محبة الناس، ولو كتب له اليوم شكسبير، فلن يجد جمهوراً يثق بما يقدمه.

* يقال: إن السجن هو الذي فجر موهبة الشعر في محمد الماغوط؟
من الطبيعي أن يؤثر السجن في أدبي، لأني تعذبت كثيراً داخل سجن المزة.

* المشترك الأكبر في شعرك هو السوداوية؟
أنا سودواي في طبعي، كنت أتمنى أن أكون غير ذلك، لكن الإنسان يمر بتجارب تكون لديه فكرة عن الواقع تطبعه بالصورة الحقيقية للواقع. وواقعنا ليس أحسن حالاً من سوداويتي.

* وهل تصل سوداويتك إلى حد التشاؤم؟
أنا متشائم، ولكنني لست بيائس. وحتى نتخلص من اليأس لابد من زمن طويل، لقد ارتكبت أخطاء لا يمكن تجاوزها بسهولة من خلال أغنية أو مسرحية.

* التشرد والتسكع مفردتان تتكرران في قصائدك، هل لذلك علاقة بأيام شبابك ونشأتك؟
الإنسان كتلة من الذكريات والأحلام، وأنا نتاج بيئة قاسية لا تفارقني.. الصحراء في قلبي (وبألم شديد): الخراب في قلبي.

* هل ننتظر قريباً كتاباً جديداً للماغوط.
قريباً سيصدر لي كتاب فيه مجموعة من النصوص، وأنا لا أسمي ما أكتبه مسرحية أو مقالاً او قصيدة،.. أسميه نصاً.

* في رأيك، ما الذي صنع اسم الماغوط؟
أنا دائماً خارج السرب، لأني أعتبر نفسي جملة معترضة في الثقافة العربية

* وما هو الوطن في وجدان الماغوط؟
الوطن أنا وأنت وبقية الناس، الوطن يبقى والسلطة تذهب، الوطن ليس له علاقة بالطارئين والزعران.

* والصدق؟
الكذب أساس الفشل، والصدق أقصر الطرق للنجاح.

* وعلاقتك بالموسيقى؟
أستمع دائماً إلى فيروز، أو صباح فخري، أو محمد عبدالوهاب، وفريد الأطرش، وفي عزلتي أشعر دائماً بالحاجة إلى سماع فيروز.
وفيما يلي مقتطفات من حوارات وردت في كتاب الماغوط (اغتصاب كان وأخواتها) الذي حرره الزميل خليل صويلح، ونشرها وفقاً لرغبة الماغوط

* ما هي أول صورة تتذكرها في طفولتك في سلمية؟
ربما كان عمري خمس سنوات، وأنا أتشبث بحضن أمين أتذكر صورة سماء شاحبة، وسحب ورمال، وحين كنت في السابعة من عمري، أطلقتني أمي لأول مرة خارج باحة البيت لأرعى الخراف في ما تبقى من المروج النامية مصادفة بين المخافر، عند الأصيل عادت الخراف، ولكن الراعي لم يعد.

* في روايتك الوحيدة (الأرجوحة)،تتذكر أمك بحنان، على عكس علاقتك بوالدك؟
والدتي كانت امرأة قوية وصلبة، علمتها الحياة أن تعتمد على نفسها في تربية أبنائها، وقد أصيبت ركبتها وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وإثر ذلك لم تعد تستطيع طيها إطلاقاً، وكانت كثيرة الحركة.
واذكر أنها زارتني في أيامها الأخيرة، هنا في دمشق، وكان عمرها يتجاوز الثمانين، لكن شعرها ظل يصل إلى أسفل ظهرها، وكان الجواهري في زيارتي، فأصيب بالذهول من حديثها وفهمها للحياة.
حتى إنه كتب خمسة أبيات فيها، لكنني أضعت هذه الأبيات، ولا أعلم شيئاً عن مصيرها.
أما والدي فكان رجلاً مسالماً وفقيراً، قضى حياته في الحصاد والعمل في أراضي الآخرين كأجير، وهذا ما جعل والدتي تفرض سطوتها على المنزل.
أمي كانت امرأة جميلة وشاعرية في طبعها، وتحب الزهور، لكن حنانها وحبها لنا لم يمنعها من أن تكون صارمة حين يتطلب الأمر ذلك.. أمي أعطتني الحس الساخر، الصدق والسذاجة، رؤية العالم كحلم قابل للتحقيق.
تصور! حين سُجنت لأول مرة (سجن المزة)، جاءت من السلمية للبحث عني والاطمئنان على حياتي، وهي لم تزر دمشق من قبل، ركبت البوسطة وجاءت إلى دمشق.

* متى غادرت السلمية أول مرة؟
في سن الرابعة عشرة، كنت سأدرس الزراعة في مدرسة (خرابو) في الغوطة.. كنت متفوقاً، لكنني أحسست فجأة أن ليس اختصاصي الحشرات الزراعية، بل الحشرات البشرية.
كان والدي، كما قلت فقيراً، ووجد في هذه المدرسة حلاً لمشكلتي، لأنها مدرسة داخلية، تقدم الطعام والشراب مجاناً، لم يستمر الأمر طويلاً، إذ هربت منها ومشيت 15 كيلو متراً على قدمي، ولم أكن أعرف أحداً في دمشق.
أما مغادرتي النهائية للسلمية فكانت بين عام 1955 و1956، عندما اعتقلت لأول مرة، وكان المكان الأول الذي أزوره خارج السلمية سجن المزة.

* السجن صنع منك كاتباً؟
نعم أول حرف متوهج كتبته كان في ظلام السجن البارد، وفي منتصف الخمسينيات.

* ما سبب اعتقالك في تلك السنة المبكرة؟
كنت عضواً في الحزب السوري القومي الاجتماعي، حصل الأمر دون قناعة تُذكر، ربما كان الفقر سبباً في ذلك، فبالنسبة لفتى يافع وفقير مثلي كنت بحاجة إلى انتماء ما.. وصراحة إلى الآن لم أقرأ صفحتين من مبادئه، ولم أحضر له اجتماعاً، ولم أقم بأي نشاط لصالحه على الإطلاق، باستثناء مرة واحدة كلفوني فيها بجمع تبرعات من إحدى القرى التي كنت أعمل في بساتينها، فجمعت التبرعات والاشتراكات، واشتريت بها (بنطلوناً) وذاك وجه الضيف، لكنني سجنت بسبب انتمائي للحزب أكثر من مرة.

* في السجن تعرفت إلى أدونيس.
نعم لكننا كنا في زنزانتين منفصلتين، وكنت أراه من بعيد.

* في السجن، تعلمت التدخين؟
لا كنت أدخن قبل أن أدخل إلى السجن، لكن بشكل معتدل، خمس لفافات في اليوم تقريباً، في السجن كان التدخين ممنوعاً، وكان ثمن اللفافة يصل إلى ثلاث ليرات سورية تقريباً، وهو مبلغ خطير آنذاك.

* والخوف؟
إنه الشيء الوحيد الذي أملكه من
المحيط الى الخليج! ولدي في أعماقي (احتياطي) من الخوف أكثر مما عند السعودية وفنزويلا من احتياطي النفط.

* هل كنت تقرأ في السجن؟
نعم قرأت أكثر من خمس وعشرين ألف صفحة، كانت سنية صالح وزكريا وتامر يزوداني بالكتب.

* هل تذكر أول قصيدة كتبتها؟
أذكر أول قصيدة نشرتها كانت بعنوان (غادة يافا)، وقد نُشرت في مجلة (الآداب) البيروتية.
ولأن هذه المجلة لم تنشر لأحد إلا إذا كان اسمه مسبوقاً بلقب كبير، فإنني استعرت لقب دكتور ووضعته أمام اسمي، على الرغم من أنني لم أحصل إلا على الشهادة الابتدائية فقط، من مدرسة داخلية.
وحين نُشرت القصيدة على صفحات (الآداب) صُعق مأمور البلدية، وهو شاعر أيضاً، إذ إنه منذ سنوات كان يرسل قصائده إلى المجلة دون أن تنشر له بيتاً واحداً، ولما سأل عمّن يكون (الدكتور محمد الماغوط)، قال له وجهاء البلدة: إنه (لا دكتور ولا من يحزنون)، بل هو مجرد فلاح تشققت كعوب قدميه من العمل في الأرض فازداد الرجل عجباً واستغراباً.

* ما هو مفهومك للشعر؟
الشعر نوع من الحيوان البري، الوزن والقافية والتفعيلة تدجنه، وأنا رفضت تدجين الشعر، تركته كما هو حراً، ولذلك يخافه البعض، وأعتقد أن (قصيدة النثر) هي أول بادرة حنان وتواضع في مضمار الشعر العربي الذي كان قائماً على القسوة والغطرسة اللفظية، كما أن القصيدة مرنة، وتستوعب التجارب المعاصرة بكل غزارتها وتعقيداتها.
وهي تضع الشاعر وجهاً لوجه أمام التجربة، وتضطره إلى مواجهة الأشياء دون لف وراء البحور، أو دوران على القوافي، ليس لدي (خُلق) لأبحث عن قافية وبيت، ووقتها كنت مهموماً بالبحث عن بيت أنام فيه، بدلاً من تشردي على الأرصفة، وربما كتبت قصيدة من ضيق (الخلق)، لا أكثر.

* كيف ترى هؤلاء:

يوسف الخال؟
هو كإنسان أهم من شعره بكثير.

* أنسي الحاج؟
أنسي رجل موقف لا مواقف. شعره ساقية صافية، وليس نهراً مسموماً. أحبه شاعراً وإنساناً صامتاً.

* نزار قباني؟
مأساة نزار تتمثل في أنه لا يحب ولا يكره، لذلك تبث الإذاعات معظم أشعاره، مرة قال لي: (أنت أصدقنا).

* محمود درويش؟
شاعر موهوب جداً، لكنه غير صادق.

كمال خيربك؟
بطل قتلته الشعارات.

* انطون سعادة؟
شاعر أخطأ الطريق.

* بدر شاكر السياب؟
كان السياب صديقي الحميم، وهو يشبهني في جانب من مسيرته، لأنه كان بسيطاً وصادقاً مثلي، كان يبيع الصدق ولا يشتري إلا الأكاذيب، لم أنس كيف كنا نتسكع في بيروت، وكان أشبه بحطام بشري يغني بحزن نادر، وقد رثيته بقصيدة:

أيها التعس في حياته وفي موته
قبرك البطيء كالسلحفاة
وأعتقد أن أكبر خطأ ارتكبته هو أنني تقدمت في العمر، ولم أمت باكراً، كما فعل السياب
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد


أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 20:49 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.51941 seconds with 12 queries