أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > أدب > القصة و القصة القصيرة

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 31/08/2008   #37
post[field7] على عبد اللطيف
مسجّل
-- اخ طازة --
 
الصورة الرمزية لـ على عبد اللطيف
على عبد اللطيف is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
مصر الجديدة ـ القاهرة ـ مصر
مشاركات:
9

افتراضي الغريب ـ قصة الأديب المصرى الراحل محمود البدوى


الغريب


قصة الأديب المصرى الراحل محمود البدوى


سمعت رقية الكلاب تنبح بشدة .. فأطلت من باب الكوخ وحدقت فى الظلام فوجدت أنها تحاصر رجلا يصعد التل وقد سدت عليه الطريق وأخذت تتوثب حوله وتتهارش فجرت تدفع الكلاب عن الرجل بصوتها ويديها .

ونظر إليها الرجل وهو يحاول أن يتحرك بصعوبة .. كانت الكلاب قد نهشته فى أكثر من موضع من جسمه .

ولما رأت رقية الدم على ساقه .. جرت وحملت المصباح من داخل الكوخ وسقط الضوء على وجه الرجل .. فعرفت أنه غريب عن العزبة وعن أهل القرية .. وكان وجهه أسمر .. نابت اللحية .. خفيف الشارب ..

وأخذ يرش على الجرح التراب الناعم .. ليوقف الدم ..

فقالت وهى تقرب المصباح ..
ـ عنـدنا قليـل من البن .. هل تستطيع أن تمشى إلى الكوخ ؟ ..
ـ أستطيع .. لقد خف الألم .. وأريد أن أشرب .
ـ تفضل ..

وقالت لما بلغا باب الكوخ واستراح الرجل الجريح ..
ـ لماذا مررت من هناك .. وهيجت عليك الكلب ؟ .. الطريق من شرق ..
ـ أنا غريب .. ولا أعرف طرقا .. فاتتنى المعدية .. وخرجت من الساحل فوجدت الظلام من حولى ولم أجد غير الضوء فى كوخكم .. فسرت إليه .. لماذا كل هذه الكلاب ..؟
ـ ليس عندنا سوى كلب واحد ..
ـ والباقى ..؟
تتجمع دائما على الغريب ..
ـ لقد نجوت منها .. لأنها انقسمت فريقين .. وأخذت تتهارش .. وتتقاتل .. أدرك بعضها أنى غريب وأحتاج للمساعدة .. حتى الكلاب فيها الأخيار والأشرار ..

وابتسمت المرأة ..
ـ ولكن لماذا تسير فى الليل .. وليس معك حتى عصا ؟
ـ هكذا تعودت .. لم أكن أقدر .. أنى سأتأخر .. ذهبت من الفجر إلى السوق لأشترى جاموسة ..
ـ ولماذا لم تشتر ..؟
ـ وجدتها غالية .. قالوا لى أن الجاموس فى جهات ملوى رخيص ولكنى وجدتها غالية بثمانين وتسعين .. ومائة جنيه .. وعندنا فى سوق الاثنين .. وسوق الحواتكة .. أرخص .. وأوفر المشوار ..

وخيم الصمت ..

وسألت وقد رأت الاعياء على وجهه ..
ـ جائع ..؟
ـ لم آكل منذ الصباح ..

ودخلت الكوخ .. وخرجت تحمل له الطعام ..

فقال وهو ينظر إلى وجهها الصبوح ..
ـ حتى الطعام نصيب ..

فابتسمت .. وأخذت تراقبه ـ وهو يأكل ـ صامتة .. كان وجهه وجه إنسان يتألم ..
وقالت ..
ـ لو رآك همام .. وأنت مار من تحت كان " طخك " ..
ـ هل فى أرضكم ذهب ؟..
ـ ليست الأرض هى السبب .. وإنما البهائم ترعى طول الليل .. منطلقة من العزبة دون أن يحرسها أحد .. وندر أن يمر من هنا الغريب .. ندر ..
ـ ولهذا كلابكم مسعورة ..
ـ إنها لاتحب الغريب ..
ـ وكيف أخرج من العزبة ..؟

وفكرت قليلا .. ثم قالت ..
ـ سيأتى همام .. بعد قليل .. ويمشى معك ..

وبرغم خواطرها التى كانت تشغلها لم يمنع الأمر من أن تكرمه كضيف .. ففرشت له حراما ليتمدد .. حتى يأتى زوجها ..

واضطجع الرجل .. وجاء كلب ضخم وربض بجانبه ..
وغفا .. واستيقظ بعد منتصف الليل .. على زمجرة الكلب وهو يرحب بمقدم صاحبه .. وتحدثت رقية مع زوجها .. وأشارت إلى الرجل الغريب .. فتقدم همام اليه يفحصه ببصره .. ثم صافحه ..

وجلس الرجلان يتحدثان .. وعيونهما تبرق فى الظلام .. وكان السكون شاملا وكان همام جامد الملامح ولايعبر وجهه عن شىء ..


***


ووضع الرجل الغريب رأسه على الفراش .. ونام همام مثله خارج الكوخ والبندقية بجانبه .. وظلت رقية .. ساهرة .. ثم غلبها النعاس فنامت وهى جالسة .. فى مدخل الكوخ ..

ولما فتحت عينيها .. كان الرجل الغريب يصلى الفجر .. ثم سوى ملابسه وطوى الحرام ووضعه بجانبه ..

وسمع صوت رقية ..
ـ ذاهب .. هكذا .. فى البكور ؟
ـ أجـل .. يجب أن يرانى الأولاد قبل الشمس .. وإلا شغلوا ..
ـ مع السلامة .. سأحبس عنك الكلاب .. اتجه إلى الشرق .. واجعل غيط الأذرة على يمينك دائما ..

ولمـــا هم الرجـل بالانصراف .. سمعت رقية زوجها يقول ..
ـ سأرافقه .. حتى يخرج من العزبة ..

ونهض همام .. وتناول بندقيته .. ونظرت المرأة إلى زوجها .. ولم تنبس وسار الرجلان فى الطريق ..

***

وبعد ساعة .. رأت زوجها عائدا .. ودخل صامتا وعلق البندقية .. ووضع شيئا فى شق الحائط ..

فنظرت وذعرت ..
ـ ما هذا انه منديل الرجل .. و .. و .. نق .. ونقوده

فنظر اليها همام وقال بهدوء ..
ـ أعطانى .. ثمن الجاموسة .. سأشتريها له من سوق السبت ..

فحدقت فى وجهه دون أن تطرف .. ثم وضعت ماسورة البندقية عند أنفها .. وقالت بصوت مبحوح ..

ـ لقد قتلت الرجل .. الذى استجار بك من الظلام .. أى عار .. شرير .. قاتل ..

ـ أخرسى يا كلبة ..

ـ لقد غرق لك ابن .. وأكلت النار الثانى .. أما الثالث الذى فى بطنى .. فلن تراه .. لن تراه .. لن تراه ..
ـ ستخنقينه .. ؟
ـ لن تراه .. لن أجعله يرى وجه قاتل .. شرير ..
ـ أخرسى ..

وتركها وهو يلوح بيده وخرج ..

برغم كل ما سمعته عنه ولكنها كانت تكذب نفسها وتكذب الناس لم تكن تتصور قط أنه قاتل .. ولكن الآن كيف تخادع نفسها وقد لمست كل شىء ..

تبعته وركزت حواسها ورأته قد أخذ يدور ويهبط المنحدر .. وتناولت البندقية نفسها سريعا ..

وصوبت .. ثم أطلقت النار .. ورأته يتدحرج ثم يسقط فى الوحل .. ولما رفعت عينيها عن الماسورة .. رأت حمامة بيضاء .. تحلق فى الجو ثم رأتها تهبط لأول مرة على سطح الكوخ ..
============================
نشرت القصة فى صحيفة الشعب المصرية فى 9|10|1956 وأعيد نشرها بمجموعة حارس البستان 1961 لمحمود البدوى وفىكتاب قصص من القرية وفى المكتبة الإلكترونية المصرية
  رد مع اقتباس
قديم 31/08/2008   #38
post[field7] على عبد اللطيف
مسجّل
-- اخ طازة --
 
الصورة الرمزية لـ على عبد اللطيف
على عبد اللطيف is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
مصر الجديدة ـ القاهرة ـ مصر
مشاركات:
9

افتراضي


الأستاذة الناقدة اسبيرانزا

فى بداية مقالك بالتعريف بـ محمود البدوى ومشواره مع القصة القصيرة .. تقولين :

" اتهم فى بداية مشواره بالسطحية وضعف الاسلوب الا انه سرعان ما اثبت حضوره وجدارة اسلوبه "

وأقول :

حينما صدرت الرواية الوحيدة " الرحيل " عام 1935 والمجموعة القصصية " رجل " عام 1936 .. تناولتهما الصحف والمجلات بالنقد والدراسة والتقييم، رغم أن مؤلفهما يعد كاتبا صغير الحجم ــ فى ذلك الوقت ــ بجوار عمالقة الأدب الذين يشغلون الساحة الأدبية فى تلك الفترة .

* * *

حينما صدرت الرحيل ، كتب على دياب بجريدة السياسة اليومية :
" أول ما يمتدح فى القصة ولعلها آخرها ــ فالأمر سيان ــ هو أسلوبها الفخم الرائع ، الذى جمع بين بديع الأدب القديم وبلاغته وفصاحته ، وجزالة الجديد وبساطته وتعابيره ، وقد أدخل الكاتب فى قصته ألفاظا وتعابير غريبة ــ ولكنها مستحبة غير نابية ــ فسما بذلك بأسلوب القصة وجعلها شيئا جديدا فى القصص المصرى الحديث وأساليبها .

أما ما يستحق النقد من القصة فهو تفككها وعدم ارتباط أجزائها كل بالآخر وهذا ما يبعدها عن تعريف القصة اللفظى وهو ــ الاستطراد والمتابعة ــ ولعل هذا ناشئ من مراجعة موضوع القصة أثناء الطبع وحذف ما لا يجيز القانون والعرف والآداب العامة نشره منها " .

* * *

وكتبت صحيفة الأهرام فى 18/12/1935 :
" عنوان قصة لطيفة دبجتها براعة حضرة الأستاذ محمود البدوى ، وتدور حوادثها على رحلة شاب مصرى إلى إسطنبول وما وقع له من الوقائع الغرامية فى أثنائها ووصف بعض الأماكن التى زارها .

* * *

وكتبت جريدة الصباح فى 21/2/1936 عن المجموعة القصصية " رجل " :

"لقد قرأناها كلها لأن شيئا فيها كان يدفعنا إلى قراءتها ، ذلك هو الصدق الذى نبحث عنه فى كل شىء ، فطابع الصدق فى هذه القصص كان يعيننا على تذوقها والاستمتاع بما فيها ، ولعل هذا الطابع الذى نحبه ونسعى إليه كان ظاهرا جدا وواضحا كل الوضوح ، فى قصة " الأعمى " فهذه الصورة الريفية الإنسانية لا يمكن أن تكون منتزعة من الخيال ، فإذا كانت كذلك فإن صاحبها لبارع جدا وأنه لصاحب بصيرة نفاذه إلى الحقيقة دون أن يراها ، وثمة شىء آخر تتسم به هذه القصص ذلك هو أدب المؤلف ، أو بعبارة أخرى عدم ميله إلى ما هو مستقبح ، ولأفسر ذلك فأقول أنه تحاشى أن ينصر الرذيلة، بل عاملها بمنتهى الهوادة حتى انتزع منها روحها ، وفى قصة الأعمى ترك الرذيلة تؤدى مهمتها لكنه عاقب أصحابها عقابا نفسيا رائعا .. وفى القصص الأخرى كبح جماحها وجعلها تنسحب من الميدان .

وبعد .. فقد لا ينقص هذه القصص إلا قليل من المراجعة ليصبح أسلوبها يستحق ما يحمله من فكر صادق ورأى صائب وأدب رصين .

* * *

قالت الجريدة السورية اللبنانية 17 أيلول 1936 عن هذين الكتابين :
"مكتوبه بأسلوب سهل بليغ وفيها تحليل لشتيت من الخوالج النفسية ، أما حوادثها فتسترعى انتباه المطالع لتناسقها وارتباطها ووصفها البيئة المصرية ، وقد أعجبتنا بصفة خاصة قصة الأعمى ، فهى والحق من أروع القصص القصيرة التى طالعناها .

والكتابان جميلا الطبع وهما حلقتان من سلسلة كتب يعدها حضرة المؤلف تحت عنوان "مكتبة الجيب" فبينما نثنى على أدبه نتمنى أن يصدر فى القريب بقية المؤلفات التى أعلن عنها ، فإن الأدب العربى بحاجة إلى مثل هذه الجهود المنتجة " .

* * *

وكتبت مجلة الشباب فى 10/6/1936:
"قصص تبلغ فى بعض الأحيان مبلغا غير يسير من الإجادة والاقتراب من الكمال الفنى ، أما الكتيب الأول فقد أسماه مؤلفه الأديب محمود البدوى "الرحيل" وهو كذلك قصة جميلة محبوكة ضمنها مؤلفها الشاب خطرات نفسه ولواعج صدره ، وجمع إلى هذا جمالاً فى أسلوبه ، ودقة فيما يرسمه من التصاوير حتى لتعد بعض صفحاتها مثالاً طيبا لجهود الأدباء الشبان ..

..... وعندنا أن مثل هذه الجهود المبارك عليها فى الأدب التى يبذلها بعض الأدباء الشبان كالأديب البدوى هى التى يصح أن تتوجه إليها عناية القارئين وتشجيعهم ، فهى تبشر بمستقبل بسام فى الأدب وفى القصة .

* * *

وكتب هلال شتا فى جريدة السياسة الأسبوعية 1/6/1936 عن المجموعة القصصية " رجل " :
" أول ما فتننى من الكتاب أنه ــ كسابقه ــ يدفع بالقصة المصرية إلى الأمام دفعا ويرتفع بها شيئا فشيئا إلى حيث يجب أن تكون ، ذلك أن فن القصة فى مصر لم تمض على ولادته إلا بضع سنوات ، ولم يجد من يتعهده من الكتاب ويقف عليه جهوده وفنه اللهم إلا طائفة قليلة لا تعدو أصابع اليد الواحدة عدًا .. يتزعمها المازنى وهيكل وتيمور وطه وأبو حديد والحكيم .. ، فقد نزع البدوى إلى القصة النفسانية التحليلية وفتن بالأدب الواقعى ومحاكاة الطبيعة فى البساطة التى تفيض على أحداثها ثم فتن بالعنف كذلك ومحاكاة النفس البشرية فى فورانها وانفعالاتها .. الكتاب فى مصر والشرق قد اصطلحوا منذ عهد بعيد على أن يبدأوا كتاباتهم " بسم الله الرحمن الرحيم " وخلو الكتاب من هذه السنة الطيبة يحملنا على سوء الظن بالمؤلف وإن كان فى قصته " الأعمى " يدافع عن التشريع الإسلامى فى الجريمة الجنسية دفاعًا فنيا مجيدًا .

وأخيرا نرجو للمؤلف والشبان الذين يكتبون فن القصة بمثل توفيقه نجاحًا وذيوعًا ورقيا مطردًا .

* * *

وكتبت مجلة المصور فى 12/6/1936 :

"أصدرت مكتبة الجيب كتابها الثانى " رجل " وهو مجموعة من القصص المصرية كتبها الأديب محمود البدوى بأسلوب تحليلى رشيق ، واستقى موضوعاتها من صميم الحياة ، فصور الحب والبغض والصفاء والغيرة والسعادة والشقاء تصويرا حسنا ، ولا شك أن هذا الكتاب يعتبر خطوة موفقه فى عالم القصة المصرية .

* * *

وكتب الأديب محمد شوكت التونى المحامى فى جريدة المقطم 23 يونيه 1936 وقال عن هذين الكتابين :
" باكورتان مباركتان انبثق عنهما ربيع الشباب عن عمر هذا المؤلف الأديب ، وثمرتان طيبتان هما القطف الأول من جنى دراسته فى الكتب والحياة ..

لو أنه كان من ذوى الجاه المادى الكبير أو من أصحاب المناصب الحكومية العالية ، أو من ذوى النفوذ فى دور الصحف ووجد من يحرق البخور بين يديه ويغرس له أوراق الورد بين أنهر الصحف والمجلات ويطلق له أناشيد المديح وأهازيج الثناء لكان لكتابيه اليوم شأن أى شأن .

ولكنه شاب مغمور هادئ ينتج كى يرضى رغبته الفنية سواء صاح حوله الصائحون أم أحس بأنه يعمل فى وسط قبور يخيم عليها جلال الصمت ووحشة السكون .

" محمود البدوى كمؤلف يعتبر ظاهرة نفسية تستحق الدراسة فقد خرج من وسط أغرم أفراده بالكتابه القصصية ، فمنذ ثلاثين عاما أخرج شاب اسمه إسماعيل عبد المنعم هو اليوم كهل أو شيخ منزو فى إحدى وظائف وزارة المعارف ــ عدة كتب قصصية كان لها دوى وكان لبعضها فضل السبق فى مضمارها ، فقد لخص شكسبير وكان أول من فعل فى كتاب سماه " على مسرح التمثيل " ولخص موليير وألف قصصا مصرية منها " على سفح الجبل " و" عقد اللآلئ " وغيرهما ، وهذا الشاب منذ ثلاثين عاما هو خال الشاب المؤلف الحديث ، كما أن له خالاً آخر اتخذ المحاماة وتفرغ لها وانزوى عن الاشتغال بالأدب جهرا وإن كان يتعاطاه كمدمن الرحيق سرا ، كان له شغف بالأدب القصصى منذ أكثر من عشرة أعوام ، أخرج فيها عددًا كبيرا من القصص المصرية ، ومنها كتاب سماه " فى ظلال الدموع " وروايات مسرحية أخرى .

وله أقارب آخرون كل ميلهم منصب على الأدب القصصى ، ومع أن " البدوى " لم ينشأ بينهم نشأة جوار ومخالطة ، فقد نما النبت فى أعماقه دون وعى منه واشتعلت الجمرة واتقد لهيبها دون أن يوقدها بإرادته .

وتلك ظاهرة إن دلت على شىء فإنما تدل على أن هذا الوسط قصصى بطبيعته ، يرسل القصة وحى فنه الغريزى وسجية نفسه وفيض خياله لا يتعملها ولا يتصنعها .

هذا الطراز من الكتابة جديد فى مصر ، ولقد أراد بعض الكتاب المصريين الذين لم ينضج فيهم الذوق الفنى ولم يسعفهم الإلهام المواتى أن يقلدوا بعض هؤلاء الكتاب فشطوا وسيطرت عليهم العواطف المكبوتة وبرزت غريزتهم الجنسية فجاءت كتاباتهم عبارة عن تحريض وإثارة للغريزة الجنسية ، وسموا هذا النوع من الكتابة " أدبا مكشوفا " فكان جهلا مكشوفا .

أما الإنتاج الجديد الذى نحن بصدده وهو أدب القصصى الناشئ محمود البدوى فأدب تحليلى سام فى فنه ، عال فى خياله ، مهذب اللفظ ، مغطى المعنى بطبقات من الذوق .

أما قصته الثالثة " الأعمى " فقطعة بديعة جدا من الأدب لو أنها ترجمت إلى الأدب الروسى لحسبته من روائع إنتاج " تشيكوف " .

" فإنى أنصح الأديب البدوى بكثرة الإنتاج ومراسلة الصحف حتى يسخو تعبيره وتصقل عبارته ، ولو أن ذلك لا يمنع كون أسلوبه من أرقى الأساليب العربية فى إنتاج الشباب "

* * *

وكتب محرر مجلة الهلال فى عددها الصادر فى الأول من يولية 1936 :

" صاحب هذين الكتابين له ولع كبير بالقصة دفعه إلى إصدار هاتين القصتين .

والقصة الأولى " الرحيل " وصف حياة شاب عاشق بأسلوب مؤثر ، أما القصة الثانية أو الكتاب الثانى " رجل " فهو يحوى أربع قصص صغيرة ، الأولى قصة " رجل " التى اختار أن يعنون الكتاب باسمها ، والثانية " النجم البعيد " والثالثة " الأعمى " والرابعة " فى الظلام " .

وقد أجاد المؤلف فى تأليف هذه القصص ، ووفق فى محاولاته الأولية ، ونال من النجاح فى بدايته ما يبشر بأنه إذا استمر على العناية بهذا الفن فسوف يصل إلى درجة مرفوعة من الإجادة والإبداع .

* * *

وكتب محمد على غريب فى مجلة الرسالة 6/7/1936 :
" القصة المصرية عندنا ما تزال فى مهدها اليوم ، وأكبر الظن أنها سوف تبقى فى لفافات الطفولة إلى مدى طويل ، وأن يفقد الأدب العربى عندنا هذه الثروة الضخمة التى انحصرت فى القصة ومنحت الآداب الغربية ما لها اليوم من تفوق ونجاح " .

" لست أثنى على صديقى لأن بينى وبينه هذه الصلة ، فإن من الخير لى وله أن أجاهره بالرأى الصريح ولو كان فيه ما يؤلمه ، فإننى أعرف فيه حسن تقبله للنقد ، ولم تصلح الصداقة يوما ما رشوة بين صديقين يحب كلاهما صاحبه ويخلص له ، فالواقع أن هذين الكتابين اللذين أخرجهما الأستاذ البدوى لقراء العربية من خير المحاولات المفيدة الناجحة فى سبيل بعث القصة المصرية ووجودها ".

واستطرد غريب قائلا عن رواية " الرحيل " :
إنه يرسم صورة من نفسه ، ونفسه ترسف فى أغلال قوية وتحاول الخروج منها ، فإذا عجزت عن المحاولة ترنمت بالإيمان ، وإذا نجحت فى التنفيس عن كرباتها فرحت بهذه الأضواء الباهرة التى يجد فيها حياته كلها وجميع أمانيه " .
ويقول عن قصة " الأعمى " :
" إنها صورة صادقة من أبلغ ما كتب الأدباء المصريون ، وقد امتزج فيها الفن بالواقع ، فترى أمامك مزيجا منها يلزمك أن تعاود قراءتها " .

* * *

وكتب عبد المعطى المسيرى فى جريدة السياسة الأسبوعية 20 يوليه 1936 :
" اختلفت آراء المستشرقين فى الأدب العربى الحديث كما اختلفت أحكام قادة الأدب وشيوخه على إنتاج الشباب ، فمن المستشرقين من يرى أن الأدب العربى لن تكون له مكانة بين الآداب الأخرى إلا إذا استقام له حظ وافر من الفن القصصى ".

" إن المطبعة تغمرنا بالكثير من القصص الركيك ، وأن تهريج الصحف قد شوه جمال نهضتنا الأدبية ولكنا بين الفترة والفترة نستخلص من هذه الوفرة قصة تنسينا الألم وتبعث فينا الرجاء والأمل .

بعد هذه المقدمة نستطيع أن نمضى فى دراسة قصة " الأعمى " للأستاذ البدوى وقد اخترناها بالذات لإعجاب النقاد والقراء بها . يعيش قارئ هذه القصة فى جو خاص هيأه المؤلف فحشد له تجاريبه فجاء محكم التمثيل متماسك الأطراف تصافحه الأطياف ، كأن المؤلف يعنيه بالذات ، فهذه آلامه وآماله وتلك مطامحه وغاياته " .

" إن غاية ما أعبر به عن هذه القصة أنها نموذج للقصة المصرية الحديثة ، إنها القصة المثالية التى يجب أن يطالعها بإمعان كل من تحدثه نفسه بكتابة القصة ، كما أن صاحبها قدوة للشباب الطامحين " .

* * *

وكتب أ . ع . أ . ى فى الصاعقة الأسبوعية 8/8/1936:

"لا غرو فالأستاذ البدوى جدير بأن يكون مبتدعًا ومجددًا فى فن القصة ، فلقد قرأنا للأستاذ كتابه " الرحيل " الذى كان من خير ما أنتج الشباب فى ميدان الثقافة والأدب .

وسوف يراه الأدباء وعشاق القصة فى كتابه "رجل" أديبا بارعا" وقصصيا قديرا على أن يخلع على القصة نسجا من الجمال وقوة من البراعة ، فلا تكاد تنتهى من قراءة إحدى قصصه حتى تشعر بميل شديد وقوة نزاعة إلى مراجعتها مرة ومرات .

فنهنئ المؤلف على هذا المجهود المشكور ، ونتمنى له النجاح المطرد فى ميادين الثقافة والأدب ".

* * *

وكتب على كامل بمجلة الجامعة 23/7/1937:
" لا ريب أن الفترة التى تعبرها مصر فى معتركها الأدبى الحالى على أعظم جانب من الأهمية والخطورة ، وهى لذلك أجدر من غيرها وأحق بالانتباه والتيقظ ، فنحن الآن نتجه تدريجيا نحو خلق أدبى قومى صميم بعد أن مكثنا عشرات السنين فى الترجمة والنقل . وهذا الأدب القومى الجديد الذى تحتل القصة الصف الأول منه لا يعتمد على ماض وتراث سابقين "

" إن القارئ يشعر خلال السطور بشخصية المؤلف بارزة جلية ، وهى الصفة الأولى التى يجب أن يمتاز بها العمل الفنى سواء أكان قصصا أو شعرا أو موسيقى أو تصويرا أو غير ذلك ، كذلك كان المؤلف فى كتابيه دقيق التعبير ، بارع الوصف . ففى قصة " الرحيل " مثلا نراه يصف لنا إحساسات الشاب محمود وهو إلى جانب الفتاة التى أحبها ، فيجيد الوصف راسما العواطف المتضاربة التى تتنازع كلا من الفتى والفتاة بطريقه أرى أنه وفق فيها كثيرا .

وفى قصة " الأعمى " من كتابه الثانى " رجل " تراه يصف لنا شخصية الأعمى بطريقة تطغى فيها النزعة العلمية الحديثة فى معالجة القصة فى أوربا ، وهو ما يبشر المؤلف بمستقبل قصصى قد يحسد عليه إذا عرفنا أن هذه المميزات قد حصل عليها فى أول أعماله الأدبية " .

* * *

وسأكتفى بهذا القدر مما نشرته الصحف والمجلات عن رواية الرحيل ، والمجموعة القصصية رجل فى الثلاثينات من القرن العشرين ، وهدفى من وراء السرد السابق أن أبين مدى ما كانت عليه العناية الجدية بالنقد والتشجيع على جميع المستويات للثقافة والأدب ، وما لاقته أعمال البدوى الأدبية الأولى من احتفاء وتكريم .
================================
  رد مع اقتباس
قديم 02/09/2008   #39
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


استاذ على ...تسمح؟

متى بدأ محمود البدوى نشر اعماله ؟ هل الرحيل هى ظهوره الاول؟

برر محفوظ الصد عن ادب البدوى لانه لم يكن له حزب ادبى يناصره ويدافع عنه ....هل علق البدوى على هذا الرأى؟

البدوى دائما مشغول بالمسير والمصير الانسانى ...هل كان شغوفا بقراءه الفلسفة او علم النفس ام هى محض تأملات فى الحياة

قال القعيد رحم الله البدوى ظلمناه حيا وميتا ؟؟هل ما زال ادب البدوى مظلوم؟ حتى بعد حصول على جوائز الدولة التقديرية واحتفاء النقاد مؤخرا به

كان محمود البدوى خلوقا ملتزما من البيت للعمل والعكس الا ترى ان هذا حرمه من خبرات وماذا كان رايه فى الادب غير الملتزم ؟

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
قديم 02/09/2008   #40
post[field7] على عبد اللطيف
مسجّل
-- اخ طازة --
 
الصورة الرمزية لـ على عبد اللطيف
على عبد اللطيف is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
مصر الجديدة ـ القاهرة ـ مصر
مشاركات:
9

افتراضي


الأستاذة الناقدة اسبيرانزا

كل ما دار من تساؤلات تجدينها فى كتاب " سيرة محمود البدوى " لكاتبيه على عبد اللطيف و ليلى محمود البدوى وقد قمت بنشره كاملا فى العنوان :


المكتبة الإلكترونية المصرية ـ السيرة الذاتية ـ سيرة حياة الأديب المصرى الراحل محمود البدوى



آخر تعديل achelious يوم 06/09/2008 في 23:55. السبب: حذف رابط لمدونة شخصية!
  رد مع اقتباس
قديم 06/09/2008   #41
post[field7] على عبد اللطيف
مسجّل
-- اخ طازة --
 
الصورة الرمزية لـ على عبد اللطيف
على عبد اللطيف is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
مصر الجديدة ـ القاهرة ـ مصر
مشاركات:
9

افتراضي


كان محمود البدوى خلوقا ملتزما من البيت للعمل والعكس الا ترى ان هذا حرمه من خبرات وماذا كان رايه فى الادب غير الملتزم ؟

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ

يقول الأديب والروائى الكبير يوسف القعيد فى جريدة الدستور الصادرة يوم الاربعاء 3 سبتمبر 2008 تحت عنوان :
يوسف القعيد يكتب:
" أشهد أني عشت.. كتابة الإملاء.. كتابة المحو "

(2) محمود البدوي: كتابة المقاهي
كان يسكن في آخر مصر الجديدة. ومع هذا كان ينزل يومياً من بيته. حتي مقهى مقابل لمسرح توفيق الحكيم في شارع عماد الدين. وله ركن يخصه. يجلس فيه ويكتب. حوله الزحام ودوشة المقاهي والزخم الموجود والضوضاء التي لا مفر منها. ومع هذا كان ينصرف إلي ورقه وقلمه ويكتب. لم تكن لديه سيارة .

سألته عن حضوره وعودته يومياً. هزكتفه اليمين وتلك كانت عادة عنده. وقال لي إنه يركب مواصلات عامة. ويعاني الأمرين كل يوم. وكان الرجل في سن متقدم. حتي يصل إلي الجو الذى يمكنه الكتابة فيه. قلت له:
- ربما بجوار البيت مقاهي. تعفيك من هذه الرحلة.
قال لى :
- مقاهي الأماكن الجديدة. جديدة مثلها. لا روح فيها. تشرب فيهامشروبك وتجرى . تهرب من الإحساس بالوحدة. فيها صمت القبور. لكن هنا الحياة التي لايأتينى الإلهام إلا إذا جلست فيها. بل وفي نفس المكان. لو تغير المكان. تعثرت الأمور.
كان يجلس بجوار عامود عليه مرايا من الجهات الأربع. ذهبت إليه مرة. لأجري معه حواراً. وبين السؤال والجواب كنت أراه في المرآة المجاورة له. فهل كان ينظر في المرآة قبل الكتابة وبعدها ..؟ رغم أنه كان في المقهي. فقد كانت معه أوراقه وأقلامه. وكل أدوات الكتابة بالنسبة له. حسدته علي احتمال كل هذا الضجيج. والكتابةفيه.
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 20:45 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.18478 seconds with 14 queries