رفعت الأسد ضابط الارتباط السابق بين الدنيا والآخرة

[أبو النسيم]

رفعت الأسد التلفزيوني لوك جديد لضابط الارتباط السابق بين الدنيا والآخرة
ربما لعن قائد سرايا الدفاع السورية السابق رفعت الأسد في سرّه كثيراً الزمن، الذي اضطره لاستبدال الانزالات العسكرية التي كان يجريها في أيام عزّه الثورية،

بالمروحيات والحوامات (التي كان لمرورها شكل وهيبة ونتائج الموكب الرسمي لملاك الموت عزرائيل)، والجنود (الذين كان لمرأى بدلاتهم المموهة مفعول المعجزات، كونها تدفع الأشد إلحاداً إلى الايمان، والاسراع بنطق الشهادتين، موقناً أن أجله قد دنى، وساعته قد حلّت، وهو على بعد خطوتين من ملاقاة وجه ربه)، والرصاص الحي (الذي يعيد توصيف الانسان من كونه كائناً يمشي على قدمين، إلى نوع من الزواحف، أو كائنٍ يمشي على أربع في أحسن الأحوال).. ربما لعن قائد سرايا الدفاع السابق في سرّه كثيراً الزمن الذي اضطره لاستبدال كل ذلك، بعملية إنزال إعلامية كل آلياتها لاتزيد عن عدة ميكرفونات وكاميرات من تلك التي يتشارك في استخدامها بكل أسف مع الفنانين والمطربين، وجنودها مجموعة مذيعين ومذيعات يرتعبون من منظر سكين لتقشير الفاكهة، وسلاحها بضع كلمات ووعود وتأكيدات، أكثر إقناعاً منها تأكيدات بائعي البطيخ وهم ينادون معلنين بأن بطيخهم حلو وأحمر.



وربما لعن قائد سرايا الدفاع السابق أكثر الزمن الذي حجّم كل انجازاته العسكرية السابقة، بفوز هزيل تمثل في الاستيلاء على الخبر الأول في نشرات الأخبار لبعض المحطات الفضائية العربية خلال الأسبوع الماضي، ويمكن لأبو مصعب الزرقاوي أن يسرقه منه بتفجير واحد، بعد أن كان قائد سرايا الدفاع السابق في زمن مضى يستطيع أن يحتل ليس فقط نشرات أخبار بكاملها، بل ويغيّر أخبار الطقس في النشرات الجوية، فيجعل الثلج يندف في حزيران، ودرجة الحرارة ترتفع إلى الخمسين في شباط، لو اقتضت مصلحة الثورة التي اختصرها بشخصه ذلك.



للأسباب السابقة ولغيرها، لا أظن أن كسب قائد سرايا الدفاع السابق لمعركته التلفزيونية بظهوره على الشاشات خلال الأسبوع الماضي بكامله أقنعه، فقائد سرايا الدفاع السابق يفضل الطريقة التي كسب بها حملاته العسكرية في الجبهة الداخلية في سورية (والتي كان يجريها كبروفات تمهيداً لمعاركه الكبرى التي لم يتسن له خوضها على الجبهة الخارجية)، على ظهور تلفزيوني يمكن أن يغطي عليه خبر عاجل مفاجئ عن تحرش جنسي جديد يقوم به مايكل جاكسون مثلاً.



وقائد سرايا الدفاع السابق واضع الخطة الإعجازية الثنائية المنفعة التي تهدف إلى تنظيف البيئة والحد من البطالة في نفس الوقت، والذي نجح في تقديم تجربة عملية لها في مدينة حماه السورية، حين تمكن من تخفيف تلوث الأوكسجين، باعتماده على نظرية غير مكلفة مادياً، تقوم على انقاص عدد الذين يستهلكون الأوكسجين النظيف بشهيقهم، ويلوثون الجو بثاني أوكسيد الكربون بزفيرهم، وبتنفيذه لهذه الخطة البارعة أوجد فرص عمل كثيرة في مهن رواجها مرتبط بالعالم الأخر، كحفاري القبور، وموظفي دفن الموتى، وقراء القرآن الكريم، ومؤجري الكراسي، ومتعهدي تقديم القهوة لوازم التعازي.. قائد سرايا الدفاع السابق هذا لن يقنعه أن يصبح مجرد خبر بعد أن كان صانع الأخبار؟



وقائد سرايا الدفاع السابق الذي ابتكر الأسلوب الأقل تكلفة لحل أزمة السكن، وقام بإجراء تجربة ناجحة له في سجن تدمر، امتدت فوائدها من الحياة الأرضية، لتشمل الدار الآخرة، فزاد في ضغط وأوقات عمل ملكيي الحساب أنكر ونكير، وخلق إزدحاماً مرورياً خانقاً على الأتوستراد الذي يصل الأرض بالسماء.. قائد سرايا الدفاع السابق هذا لن يقبل أن تختصر فتوحاته بمجرد خبر تلفزيوني لاتزيد مدته عن دقيقة في أحسن الأحوال؟!



وقائد سرايا الدفاع السابق الذي نبش دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة، ونفذها فوراً في شوارع دمشق الرئيسية، حين قامت مظلياته بنزع حجاب النساء، فجعل أفكار قاسم أمين التي ناضل من أجلها سنين طويلة، أمراً واقعاً خلال ساعة واحدة.. قائد سرايا الدفاع السابق هذا لن يتحمل جحوداً من نوع خروج معلقين أو محللين سياسيين لينظّروا أو يعارضوا موضوع عودته إلى سورية، وهو الذي طالما اعتبر أن المقابر هي المكان المثالي لسكن معارضيه؟!



صحيح أن قائد سرايا الدفاع السورية السابق تغيّر (كما يحاول أن يوحي) بعد أكثر من عشرين عاماً قضاها في منفاه الاسباني من فئة العشر نجوم، لم يضعها في التقلب بين مناعم ومغانم الثروة فقط (كما يحاول أن يوحي أيضاً)، بل انشغل فيهم بتعلّم مبادئ الثورة الفرنسية، بدلاً من المنطلقات النظرية للتجربة الكورية الشمالية، وتمثّل تجربة روبسبير بدلاً من تجربة كيم إيل سونغ، وقراءة كتب جان جاك روسو وفولتير، بدلاً من قراءة مغامرات طرزان وماوكلي، ومشاهدة أفلام (تمرد على السفينة بونتي، وزد، و ج.ف.ك)، بدلاً من أفلام (العراب، و رامبو، و الرجل الوطواط)، ومتابعة جولات المعارك الانتخابية حول صناديق الاقتراع، بدلاً من جولات مباريات المصارعة الحرّة، ولكن تغيّر قائد سرايا الدفاع السابق لاينبغي من وجهة نظره، أن يقابل بجحود تجاهل تاريخه المشوّق السابق، وتحويله إلى مجرد خبر تلفزيوني، يمكن لأي أفّاق أن ينافسه على مكان الخبر وشكله ومدته في النشرة.



فكل ما بث تلفزيونياً من أخبار وتقارير وصور عن نية قائد سرايا الدفاع السابق العودة إلى سورية بـ(لوك) جديد، حاول فيه ما أمكنه الابتعاد عن صورته القديمة كضابط الارتباط الأساسي لفترات طويلة في سورية بين الدنيا والآخرة، وآمر المركز الحدودي

الذي يسهّل انتقال البشر بدون أية تعقيدات روتينية من سطح الأرض إلى باطنها، وكل ما بذله قائد سرايا الدفاع السابق من جهود لتقديم نفسه عبر الصورة التلفزيونية كمؤمن خاشع بلباس الاحرام أمام الكعبة مرة، ورجل دولة يوزع الابتسامات الدبلوماسية مع زعماء عرب مرة أخرى، وعبر خطاب ديمقراطي صوتي مرافق للصورة يظهره مناضلاً لاقامة مجتمع العدل والحرية والسلام، معتبراً بأن أمواله هي ملك للشعب السوري، كل ذلك بداغير مقنع للمشاهدين السوريين الذي يتوجه إليهم قائد سرايا الدفاع السابق عبر)لوك)ـه وخطابه الجديدين، فملابس الاحرام البيضاء التي يرتديها لاتذكر السوريين إلاّ بأكفان موتاهم، وابتساماته الدبلوماسية لاتذكرهم إلاّ ببيت المتنبي (إذا رأيت نيوب الليث بارزة/فلا تظنن أن الليث يبتسم)، وكلامه عن مجتمع العدل والحرية والسلام الذي يتحدث عنه لايذكرهم إلاّ بالعدالة الكاملة في توزيع الموت ، والحرية التامة في اختيار طريقة الموت، والسلام الشامل الذي يشعر به الميت، لكن الكلام الوحيد والمفيد الذي يمكن أن يصدقه السوريون فعلاً من خطاب قائد سرايا الدفاع السابق، هو قوله بأن أمواله هي ملك للشعب السوري، لأنهم متأكدون من يده التي امتدت إلى جيوبهم وأفواههم وخزائنهم وبيوتهم.



وإذا كان رفعت الأسد قد سأم من هدوء ورغد العيش في الأجواء الرومانسية لمنفاه الاسباني في ماربيا، وقرر العودة لعالم (الأكشن) الذي كان أحد أهم نجومه، فأظن أن اختياره لدولة في أمريكا اللاتينية سيكون أكثر إقناعاً من عودته لسورية لعدة أسباب، منها أن أي شعب في أمريكا اللاتينية لاتوجد لديه ذاكرة سابقة مشتركة مع قائد سرايا الدفاع السابق ، ومنها أيضاً أن لتلك الشعوب تجارب في وصول أشخاص من أصول عربية ككارلوس منعم وغيره لسدة الرئاسة فيها، ومنها أنها بلاد لايزال (الأكشن) فيها مستمراً بين الحكومات ومافيات المخدرات، ومنها أنه لاتزال في تلك البلاد ثروات لم تنهب ونساء لم تسب، وهذه الأسباب جميعاً تجعل حظوظ نجاح قائد سرايا الدفاع السابق في دول أمريكا اللاتينية أكبر بما لايقاس من فرص نجاحه في سورية، فإن فعل وتوجه من منفاه الاسباني غرباً، بدل توجهه شرقاً، فإن السوريين سيحفظون له بكل طيبة خاطر هذا الجميل، لأن وجوده في أمريكا اللاتينية هو أكبر خدمة للسوريين، إن كان هدفه خدمتهم حقاً.



وربما من المفيد أن يعرف قائد سرايا الدفاع السابق في (لوك)ـه التلفزيوني الجديد أن مشكلته، هي نفس مشكلة أغلب النجمات العربيات اللواتي بلغن الستين من العمر، ولازلن مصرات على أداء دور طالبات الجامعة في الأفلام والمسلسلات، ظانات أن الماكيير والكوافير ومصمم الأزياء ومدير الاضاءة بفلاتره، ومصور الكاميرا بعداسته،يستطيعون إلغاء ذاكرة المشاهد الطويلة معهن، ومتجاهلات أن عدسة الكاميرا هي لوح من الزجاج يفضح ماخلفه، وليست قصائد مدح لشاعر متسول!


الكاتب حكم البابا