أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > مجتمع > المنتديات الروحية > اللاهوت المسيحي المعاصر

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 03/01/2006   #1
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي حكاية يسوع المسيح


بسم الاب والابن والروح القدس اله واحد أمين
حكاية يسوع المسيح

انسان بلا حدود
CHEGUEVARA
انني احس على وجهي بألم كل صفعة توجه الى مظلوم في هذه الدنيا ، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني.
EYE IN EYE MAKE THE WORLD EVIL
"أما أنا فقد تعلمت أن أنسى كثيرًا، وأطلب العفو كثيرًا"
الأنسان والأنسانية
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #2
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي صوت صارخ في البرية


بيت عبرا

. على مقربة من مصبّ نهر الأردن في البحر الميّت ، يوجد معبراً سهل الاجتياز . معروفاً من القديم ، ألا وهو " بيت عبرا " أو " بيت العبور " . وهو أحد الأماكن العادية ، الواقعة في أطراف البادية . وهي تحتفظ بذكرى أولئك الرحل ، الذين اجتازوا مياهه الرقيقة منذ آلاف السنين ، فمما لا شك فيه أن يشوع قد عبر من هناك ( يشوع 2 ، 3 ) ، إلى تلك الحدود التي أباحها الله لغزوته . وبعده بألف ومئتي سنة ، وقف هناك رسول آخر من موفدي الله ، يدعو إلى غزوة من نوع جديد .. لغزوة من نوع جديد : كانت قد دَنَت الأيام التي يتحقق فيها وعد الله الذي وعد لشعبه،أرضاً يسود فيها الحبّ

. وما يميز هذه البقعة من بقاع الأرض ، هو انحدارها 35. متراً تحت سطح البحر. حتى أن المرء يتملكه شعور بالغرابة لهذا الوضع ، أيضاً مّا يهُيْمنِ على الوادي من ركود وقلق جمادي . فكل شيء فيه يبدو خاشعا ومُعدّ اً للتوحّد والتأمل . ويظهًر المشهد للناظر إليه من شفا التلال الوعرة، علىَ جانب عظيم من الروعة . فالبراح القائم وسط دائرة التلال الصهباء هو من الحراجة بحيثُ يخيّل إلى المرء أنه في هوّة سحيقة * : تلك الهوّة الجيولوجية التي فلقت الأرض ، كما تفلق الثمرة، ليس فقط في فلسطين بل من طورس حتى أواسط أفريقيا . وينتصب حرمون ، شمالاّ ، بهامته البعيدة المعتمرة بالثلوج ، ( وقد سمّاه العرب ، بسبب ذلك ، " جبل الشيخ " )، ويسدّ على الوادي ، بعارضته الضخمة، جميع منافذه . حتى ليخُيّلُ أن الأرض كلها محدودة بتلك المنحدرات الجافية، وتلك الآجام ، وذاك البياض ، وأنها تقبع كلها عند أقدام ذاك الطود الذي ألفه الله العليّ مقرّا . وينبسط البحر الميّت ، جنوبأ، بصفحته الجامدة، عند سفوح جبال موآب وتحت حفافيها البنفسجية الوعرة ، ويلتمع ، بلا انقطاع " تارة بزرقة الياقوت ، وتارة بتألّق القصدير ؛ وإنما يخامر روعته شيء من مخايل، البشرّ . . . ولا تستطيع الشمس ، مهما اشتدّت ، أن تبدّد تماماً الضباب العائم على صفحة مياهه الثقيلة . وكثيراً ما تشيع في الوادي ، بعيداً، رائحة من الزفت والكبريت ، - نفحة يأس وخطيئة - تعيد إلى الذهن ذكرى سدوم وعمورة ! .

. ان تلك البقعة( والتي تعرف الآن بـ "الغور " ) تنفرّ الإنسان عنها، أيام الصيف ، إذ يلتهب الجوّ فيها التهاباً لا يلين ، وتصبح درجة حرارتها المألوفة 45 درجة مئوية . وأمّا في الشتاء فريح الشمال تنحدر إليها من النهر، ثم تنقطع مساءً تاركة تلك البقعة في غيابة لياليها الساجية. إِذ ذاك تصبح تلك الأرض الموحشة، مدة شهرين ، قطعة من الفردوس ، لا تؤذيها الهواجر بلوافحها . بيد أن تلك الجنةّ، حتى في تلك الفترة، تظلّ كئيبة . وكل مسافر يتخلف فيها ليلا لا يخلو من أن يتملّكه شعور بالقلق . لذلك لم تقم مدينة واحدة في قعر الوادي . وأمّا عند منتصف السفوح فقد انتصبت أريحا شامخة بأبنيتها البيضاء وسط نخيل الواحة . وأمّا أورشليم فقد جثمت هنالك فوق مشارف جبالها، يفصلها عن بقعة الأردن مسيرة نصف نهار
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #3
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


لم يكن الأردن حاجزاً ممتنعاٌ بين سكّان ضفّتيه . بيد أن اجتياز النهر، عند سالفته ، لم يكن ممكناً إلاّ من خلال أربعة أو خمسة معابر معينة.وكان يقوم عند تلك المعابر بعض الفنادق الوضيعة للرحّل العابرين ؛ وكانت تلك الأبنية هي السكن الإنساني الوحيد في تلك المنطقة الموحشة .كذلك كان الوضع في "بيت عَبرا " . المعبر والجسر مثابة للناس يجتمعون إليهما لتبادل الأخبار . وهي بسبب ذلك من المناطق المفضّلة عند الراغبين في حشد الأتباع .. وكان ما بين الأدغال الشائكة، عند ضفة النهر، براح بسط عليه الشتاء الدافئ بعض العشيبات الخضراء . فكان الناس يحطون فيه ويتبادلون الحديث فترة من الزمن ، م يعودون إلى قوافلهم شاخصين . . إلى صهيون ، والبعض الآخر إلى بيرية والبيداء
. إلاّ أن كثير منهم ، في تلك الحقبة، كانوا يعرّجون في المكان . فكل أولئك الأقوام الذين كانوا يقصدون المعبر لاجتياز النهر، من عبرانيين أقحاح ، وعرب من شرقي الأردن ، وبابليين في أنوفهم خرصان ، وأحباش بلون النحاس، وزنوج من السودان ، كان ينفصل عنهم رجال فيقيمون في المعبر متخلفين عن أصحابهم . و هكذا تكونت أولى، جماعة من الأنصار، كما هي عادة أهل المشرق في تحليقهم حول عباقرة الفصاحة

: لم يلبث أن تضخّم عدد المستمعين ، ولم يعد المعبر ليعلل وحده تقاطر تلك الأرْسال الشعبيّة . فمنذ بضعة أسابيع كانت قد طارت كلمة في جميع أرجاء فلسطين ، محمولة " على جناح الطير "، أي على صوت الإشاعة الشعبيّة . . . فكفى بها حافزاً، لأولئك الذين ما فتئوا يذ كَرون المواثيق القديمة، على هجر بيوتهم وأشغالهم

. منذ مائة سنة لم تكن قد سُمعت تلك اللفظة التي بات لها نجب إسرائيل ، قديماً ، أصداء حافلة بالمعاني! منذ خمس مائة سنة والناس يردّ دون ، في أورشليم ، شكوى صاحب المزامير " أين مراحمك الأول يا رب التي حلفت لداود بأمانتك . اذكر عار عبيدك الذي احتملته في حضني من كثرة الأمم كلها . الذي به عير أعداؤك يا رب الذين عيروا آثار مسيحك " (مزمور 89 : 49 ، 5. ) " آياتنا لا نرى . لا نبي بعد . ولا بيننا من يعرف حتى متى " (مزمور 74 : 9)
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #4
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


لقد انقرضت سلالة الأنبياء ! ومع ذلك فقد كان هناك بريق أمل . أو لم يكن ملاخي ، آخر الأنبياء، قد تنبأ، قائلاً : " ها نذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكلة السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به ، هوذا يأتي . . . ومن يحتمل يوم مجيئه ومن يثبت عند ظهوره . . . فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور وكل المستكبرين وكل فاعلي الشر يكون قشاً ويحرقهم اليوم الآتي . .. " (ملاخي 3 و 4 ) فالقلق الذي كان يبعثه في النفوس احتباس كلام اللّه ، لم يكن ليقطع عليها كل رجاء. فما كانت سوى فترة انتظار.. . ولكنها كم كانت مشحونة بالقلق والآلام ! فعندما سرى الخبر بأن هناك نبّيً من الأنبياء ، يخطب في الناس على ضفاف النهر العريق ، حتى اهتزّت أمّة إسرائيل بأسرها
. لقد كان ذاك الشتاء- في اثر السنة السبتية التي كان يحرّم فيها الشرع جميع الأشغال الزراعية -موسم زحمة في العمل ومضاعفة للمجهود . ومع ذلك فقد كان عظيماً عدد الذين قصدوا الأردن لا يلوون على شيء : " أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن . " ( متى 3: 5 ) . وهكذا، فإلى المسافرين الذين كانوا يأنسون إلى ذاك الصوت العجيب ، ويحيدون عن الدروب الملْحيةّ البيضاء حيث كانت تستدرجهم المصالح ، انضمّ رجال آخرون ، كثيرون جدّ اً، كانوا يتقاطرون إلى ذاك المكان عينه بحافزٍ من أملهم بحلول يوم الربّ . . . وكانوا يصيبون كلهم في كلام أحد الرجال ، رعشةً تغمر قلوبهم
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #5
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي نبــي


وكان ذاك الرجل يدعى يوحنا- وهو من الأسماء التي كانت ذائعة جدّاً،آنذاك ، في اليهودية ومعناه
. " حنان لله " . وكان يلقب بالمعمدان بسبب المعمودية التي ، كان ينادى بها . وقد التصق به ذاك اللقب بحيث أصبح ، نوعاً ما ، اسمه الحقيقي

. ولا شك أن حنان الله كان قد اعتلن بوجه فريد، إذ جاء مولد يوحنا آية من تلك الآيات التي ألف الله إجراءها للتعريف بأوليائه الصالحين: نفس تلك الآية التي حظي بها إبراهيم يوم ولدت له سارة- وهي في التسعين من عمرها- إسحاق ابنه . . . فقد كان والداه ، زكريا وأليصابات ، يدلفان إلى الشيخوخة في ذاك الجوّ من الكمد والخزي الذي كان يسود، في إسرائيل ، الأسَرَ العقيمة، وإذا بنعمة الله قد استقرّت عليهما

. لقد كانا كلاهما من قبيلة الكُهّان ، من سبط لاوي . وكان الكهّان المنحدرون من ذرّية هارون ، موزّعين إلى أربعة وعشرين فرقة تضم كل منها من مائتين إلى ثلاث مائة فرد . وكان على كل فرقة، بالتناوب ، أن تقوم بخدمة الهيكل ، أسبوعاً كاملاً ، من السبت إلى السبت ، فتقدّ م البخور، وتنحر الذبائح ، وتزوّد السُّرُج بالزيت ، وتجدّ د خبز التقدمة ، وتنهض بجميع المهامّ المقدّسة المبيّنة في الفصل 24 من " سفر الاويين " . وكان زكريا من فرقة أبياّ، وهي الفرقة الثامنة

. وإذ حانت نوبة فرقته في تأمين خدمة الهيكل ، وقعت القرعة على زكريا لتقديم البخور- وكانوا يعمدون إلى القرعة دائما في تعيين مثل تلك الوظائف - فكان عليه أن يمثْلُ ، كل يوم ، مرّتين ، أمام مذبح البخور، في وحدة المحراب ، وراء حجاب يحجبه عن أنظار المصلّين في الخارج ، ويرفع إلى الحضرة الإلهية، مع دعائه ، البخور المقدس

. وإذ كان في أداء خدمته ، ظهر له ملاك الرب فجأة، واقفاً بالقرب منه ، إلى يمين المذبح . " فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف ، فقال له الملاك : لا تخف يا زكريا ، لأن طلبتك قد سمعت وامرأتك أليصابات ستلد لك ابناً وتسميه يوحنا، ويكون لك فرح وابتهاج ، وكثيرون سيفرحون بولادته ، لأنه بكون عظيماً أمام الرب ، وخمرا ومسكرا لا يشرب ، ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس " (لوقا 1 : 12- 15 )

ثم بّين له الملاك أن ذاك الولد المنذور لله يجب أن يخضع للفرائض التي كان يأخذ بها " المنذورون "، في ذاك العهد، فلا يشرب خمراً ولا مسكراً، وأنه " سيمتلئ من الروح القدُس و هو بعد في بطن أمهّ ، فيسير أمام الله بروح إيليّا ، ويهيئ للرب شعباً مستعداً " . لقد كان لتلك الكلمات ، على حدّ ما نطق بها الملاك ، في قلب يهوديّ متضلعّ من علم الكتاب المقدّس ، معانٍ أشدّ روعة منها في قلب أيّ إنسان آخر : "سوف يردّ قلوب الآباء إلى البنين . .. " أجل ! لقد استعاد زكريا ذكرى تلك الأقوال التي أنبأ فيها ملاخي النبي بمجيء سابق المسيح ، " إيليّا الجديد "، الذي كان لا بدّ أن يمهّد بحياته ، سبيلاً إلى " يوم الرب العظيم الهائل " (ملاخي 3،4)
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #6
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


بيد أن زكريا قي غمرة اضطرابه وتذبذبه في تصديق تلك البشرى، التمس من مخاطبه علامة : " كيف أعلم هذا ، لأني أنا شيخ وامرأتي متقدمة في أيامها . فأجاب الملاك وقال : أنا جبريل الواقف قدام الله وأرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا ، وهاأنت تكون صامتاً ولا تقدر أن تتكلم إلى اليوم الذي يكون فيه هذا لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته . . " لقد كان إبراهيم ( تكوين 5 1 : 8 ) ، وجدعون( قضاة 6 : 36 ) ، و حزقيال ( 2 ملوك 2. : ، هم أيضا قد التمسوا من العليّ آيات ولم يعاقبوا! ... كان ينبغي -ولا شك -أنُ يحوّط بالصمت الكامل ، السًر الذي بات وشيكاً
. ثم عاد زكريّا إلى قريته (وهي ، بحسب التقاليد، قرية عين كارم ، على مسافة 7 كيلومترات جنوبي غربيّ أورشليم ) ، وظلّ ينتظر فيها صامتاً . وبعد أيام حبلت امرأته ، فاختبأت خمسة أشهر، ثم إذ ظهر ما من اللّه به عليها ظهوراً بيّناً، خرجت تشيد بحمد اللّه

. ولمّا تمّت أيام وضعها ، ولدت غلاماً ، فأخذ الجيران والأقارب يشاطرونها الفرح ، وقد علموا الرحمة الكبرى التي كان الفتى مصداقا لها . وفي اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبيّ . أوَ يسمّونه ، باسم أبيه زكريّا ؟ فأجابت أمه وقالت : " لا، بل يدعى يوحنا " . فقالوا لها : " ما من أحد، في عشيرتك ، يدعى بهذا الاسم " . وكانت العادة، في إسرائيل ، أن يسمىّ البكر باسم جدّه أو أحد أسلافه . وكان الوالد الأبكم ، ساعتها، في ركن من البيت ، يومئ بشيء يقوله . فأتوه بلوح ، فكتب : "اسمه يوحنا". وفي الحال انفتح فمه ، وانطلق لسانه ، وامتلٌأ من الروح القدس ، وأخذ يتنبّأ قائلاً : " مبارك الرب إله إسرائيل ، لأنه افتقد شعبه ، وصنع فداء لشعبه، وأقام لنا قرن خلاص ، في بيت داود فتاه ، كما تكلم بفم أنبيائه القديسين ،الذين هم منذ الدهر . . . وأنت أيها الصبيّ ، نبيّ العليّ تدعى، لأنك تتقدم أمام وجه الربّ ، لتعُدّ طرقه ، ولتعطي شعبه معرفة الخلاص ، بمغفرة خطاياهم . . . ليضيء للجالسين في الظلمة وظلال الموت " (لوقا ا: 75-8.)

. ذاك الرجل ا(ذ ي راحت الجموع تزدحم حوله ، عند المعبر، كان هو نفس ذاك الطفل المصطفى . ولا شك أنه كان قد نشأ في " القفر "، أي في إحدى تلك الجماعات الرهبانية التي كانت تقيم في بجوار البحر الميّت ، والتي كانت ، في الواقع ، تعنى بتنشئة بعض الفتيان . ثم إنه لبث بعد ذلك ، في القفر، ناسكاً أكثر منه راهباً على ما يبدو. وببضعة أشهر قبل بدء الأحداث التي يرويها الإنجيل - وكان له من العمر زهاء ثلاثين سنة - ترك العزلة والصمت وراح يكرز بكلمة اللّه . وصادف كلامه ، قي الناس ، إقبالاً سريعاً. ولا غرابة في ذلك، فقد كان الشعب اليهودي بأقصى الشوق إلى استماع أقوال كانت قد غربت عن ذهنه
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #7
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


ليس من العسير أن نتمثل ذاك الرسول وقد هبّ ينذر بالعدالة الإلهية وينادي بالتوبة . إنه يبدو، ولا شك ، مستغرقاً في سني المسيح ، لا يحتلّ ، من الكتاب المقدّس ، سوى محلّ عابر. بيد أنه مع ذلك ، يوحي بحقيقة واقعة إيحاء فريداً . فإن وجوده ورسالته هما من الصحة التاريخية بحيث لا يرقى إليهما أي شك . وقد شهد لهما افلافيُوس يوسيفوس ( المؤرخ اليهودي الشهير) نفسه ، فضلاً عن الروايات الأربعة للإنجيل
. أجل ، لم يكن ممن نالوا الإعجاب ، فالمقرّعون ما كانوا من أهل الإعجاب إلا نادراً . كما أنه لم يكن ليملك شيئاً من الظرف ، فذاك النبيّ المجلجل ، وذاك النذير العنيف الناطق بوعيد اللّه وسخطه . ولكنه كان من الرجال الرجال : له عزم لا ينثني ، وشغف بالمطلق يسمو به فوق ذاته ، نار في قلبه لن يوفّق أحد في إخمادها، ولن ينجع في حبس لسانه إلاّ قطع رأسه . لا! لم يكن " قصبة في مهبّ الريح ! " . ولسوف يشهد له المسيح نفسه أن " لم يقم ، في مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمدان "

. هوذا الرجل ، بعظامه الناتئة ، وإهابه الملطعّ بالأصوام ولسعات الشمس .. إنه لا يني عن الكلام ، تدفعه إليه قوّة الروح القدس . وأماّ ما يقوله فهو أقلّ ما يحب الناس سماعه : " التوبة ! . . التوبة ! . . " . ينبئ بالكوارث المروّعة، غير مكترث لما تقتضيه الأعراف والأوضاع . وكان يقول للجموع الآتية لسماعه : " من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي ، فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة . ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أباً . لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم . والآن وضعت الفأس على أصل الشجر . فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار " ( لوقا 3 : 7-9 ) حتى الملك هيرودس أنتيباس - وكاد المعمدان مقيماً في ولايته - لم ينجُ من تقريعه . وقد بكَّته المعمدان جهراً بامرأة أخيه التي كان قد تزوّجها سفاحاً . ألم يكن أشعياء وإرمياء قد أنذرا، قديماً، بأيّام الغضب ؟ أو لم يكن ناثان النبي قد تجرّأ على المثول أمام داود الملك وفضح جريمته ؟ أو لم يكن إيليا قد جابه آخاب وسخط إيزابيل الهائل ؟
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #8
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


كان لباس يوحنا-على ما جاء في إنجيلي مرقس ومتى - من وبر الإبل ، وعلى حقويه منطقة من جلد . وكان طعامه الجراد وعسل البرّ " . هذا الوصف الخارجي يكمّل ما نعرفه عن الرجل . وهو أقلّ غرابة مما يبدو لأوّل وهلة . فأمّا العسل - وهو من نتاج النحل البرّي - فإنه كثير في وادي الأردن ، ونجد ذكره مراراً في صفحات العهد القديم . وأمّا أكل الجراد فما هو بأكثر غرابة من أكل الضفادع والبزّاق في كثير من البلدان . وكان " سفر الاويين " يبيح أربعة من أصنافه المأكولة (لاويين 11 : 22 ) ؛ وفرائض الرهبان الأسينيين ، في قمران ، تأمر بأكله مشوياً . وهناك بدو يتخذون ، حتى اليوم ، من الجراد، أصنافا مكتنزةً ، صفراء بنفسجيّة، يجففونها في الشمس كالزبيب ، أو يسحقونها دقيقا لتتبيل الأطعمة . وهناك من يحفظونها في الخلّ . . . وأمّا لباس المعمدان ، فكفى به دلالة على مهمّة صاحبه . أوَ لم يكن إيليا قد ظهر بنفس اللباس ؟ " رجلٌ عليه شعر متنطّق . ممنطقة من جلد على حقويه " (2 ملوك ا:

! لقد كان المعمدان إذن نبيأَ، واحداً من ذرّية أولئك الملهمين العظام الذين حافظوا، مدة خمسة قرون ، على شعلة المحبة الإلهية في قلوب بني إسرائيل . ولذلك فقد كانت الأمة اليهودية متأهبة لأن تستمع إلى كلامه ، وتأنس فيه صوتا جديداً وأليفاً في آن واحد . وأمّا أن تنقاد لكلامه فذلك شأن آخر . ولكم من مثل شهود الله هؤلاء قد قضوا بحد السيف

! فالمعمدان ، باستشهاده أيضاً ، سوف ينضم إلى تلك السلالة النبوية الحقة ، على حد ما صرح به المسيح يوم قال : " كان الناموس والأنبياء إلى يوحنا " ( لوقا 16 : 16 ). أجل ! لقد كان ذاك الرجل الذي راح يكلم الناس ، عند ضفاف الأردن ، رسولاً من رسل الله الصادقين ، وحلقه في تلك السلسلة المقدسة ، سلالة الشاهدين لله ، في إسرائيل . وكانت تلك الحلقة هي الأخيرة
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #9
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي تعليم المعمدان


لكي نسبر عمق النشوة التي استحوذت على يهود تلك الحقبة ، من جرى اعتلان ذاك النبي في ظهرانيهم ، ينبغي أن نشعر بما كانوا يشعرون به من لجاجة وجوى وحمية في ذاك الارتقاب الذي يحفل به صدر أصغر فرد من أفرادهم . فإنه لم يكن لهم من فكرة أو يقين أشد تلهباً من فكرتهم ويقينهم بتلك الرسالة العلوية التي أسندها الله إلى أمتهم منذ ألفي سنة . ولقد استمد اليهود من كونهم شعب الله المختار ، والأمة التي أخرجت للناس شهيدة للتوحيد ، عزماً تمكنوا معه ، في أعصب ساعات تاريخهم ، من تحدي جميع المكاره ، والذود عن رجائهم وأمانتهم . وتلك العقيدة التي ما فتئت الأحداث تكذبها كانت لم تزل راسخة في نفوسهم ، أكثر من أي يوم مضى : وهي أن يوم الفوز سوف يعود فيثأرون لأنفسهم من القدر الغاشم
. تلك كانت نفسية الشعب اليهودي في الأيام التي كان فيها المعمدان يعلم الجموع : نفسية حافلة بالإيمان ، زاخرة بالترقب . وكان ذاك الترقب ، يوماً بعد يوم ، يزداد تأزماً وقلقاً . لقد كانوا ، ولابد ، يتلون النصوص التوراتية ، حيث أنبأ دانيال " بالستة والتسعين أسبوعا من السنين " التي سوف تزول في إثرها الخطيئة ويكفرّ الإثم ويؤتى بالبرّ الأبدي ، وتختتم النبوءة، ويمسح قدوس القديسين " ( دانيال 9 : 4 2 - 26 )

فهل انتهت أسابيع السنين هذه ؟ وهل أوفت الآجال على نهاياتها؟

! لقد خرج الله عن صمته أخيراً، وبات في إمكان الشعب المختار أن يسمع من جديد أحد تلك الأصوات الأليفة الرهيبة ! ومن يدري ؟ لعلّ المعمدان هو المسيح بالذات

. ولذلك فمنذ أن شاع في أورشليم نبأ تلك الكرازة الغريبة ، أرسل زعماء الأمةّ - أو رؤساء الكهنة، كما كانوا يقولون - وفداً رسمياً يتحقق الأمر ؛ وكان مؤلفاً من بعض ثقات الكهنة واللاويين . فسألوه : " من أنت ؟ " . فأجاب يوحنا يصراحته المعهودة عن هذا السؤال الأول الذي وُجّه إليه : " إني لست المسيح ! " أجل ! بيد أن كل يهوديّ مثقّف يعلم ، منذ أيام عاموس ، " أن السيّد الرّب لا ينُفْذ كلمةً إلاّ أن يكشف سرّه لعبيده الأنبياء (عاموس 3 : 7 - 8 ) ويعلمَ أيضاً أن ملاخي قد أنبأ بأن المسيح سوف يتقدمه بشير يبشر بمجيئه . فهل كان يوحنا، أقلّه ، بشير تلك الأمجاد الإلهية، " إيليا الجديد " الذي وُعد به العالم ؟ - "أإيليا أنت ؟ " فقال : " لست إياه ! " . لقد كانت له قدَرة إيليا، وروح إيليّا، ولكنه لم يكن هو النبيّ العتيق الذي باتوا يترقّبون رجعته . -" فمن أنت إذن ؟ " - " أنا صوت صارخ في البرّية : قوموا طريق الرّب ، كما قال أشعياء النبي " (يوحنا ا : 23)، " إنه يأتي من هو أقوى مني ، الذي لست اهلاً أن أحلّ سيور حذائه . . .الذي رفشه بيده وسينقيّ بيدره ويجمع القمح إلى مخزنه ، وأمّا التبن فيحرقه بنار لا تطفأ . . . " (لوقا 3 : 16)
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #10
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


هل كان الشعب اليهودي أهلاً لأن يعَيَ التعليم الذي راح المعمدان يوزّعه على الشعب عند المعبر؟ أجل ! إلى حدّ واسع . فهو عندما كان يطبقّ على ذاته الآية الواردة في سفر أشعياء (4. : 3)، كان يلتحق بتقليد راسخ : وهو أن نبياً سوف يظهر في البرّية " ويعدّ طريق الربّ " . وعندما كان ينادي بضرورة الإنابة إلى الله ، وحاجة الناس إلى " ثمار توبة لائقة "، وعندما كان يفرض على . تلاميذه " الإكثار من الصوم والمواظبة على الصلاة " (لوقا5: 33)، كان يندمج كل الاندماج في التقاليد النبوية : من عهد اشعياء، إلى إرمياء، إلى عاموس ، وسائر الأنبياء الذين تكلموا بمثل ذاك الكلام
. ولا غرْوَ فقد بات العالم قريباً من يوم حسابه : " ولسوف ينقيّ اللّه ، بصدقه ، جميع أعمال البشر، ويطهّرها بروحه "، على حدّ ما جاء في كتابات رهبان البحر الميتّ . فكيف السبيل إذن إلى توقيّ العقاب في يوم الدين ؟ - بالمحبة والعدالة والوداعة . وكان الجموع يسألونه قائلين : "ماذا نصنع إذن ؟ " فيجيبهم قائلاً : " من له ثوبان فليعط من ليس له ومن له طعام فليفعل هكذا " . وكان يقول للعشارين وسائر أضرابهم من الجباة " لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم "، وللجنود: " لا تظلموا أحداً ولا تشوا بأحد، واكتفوا بعلائفكم " . مثل هذه النصائح ، كان بإمكان كل يهودي فاضل أن يستسيغها

. ولكن ، من جهة أخرى، كم كان خيّابا ذاك النبم يّ الجديد ! فإنه لم يعلن ولا مرة واحدة أن ذاك المسيح الذي راح يعلن نفسه بشيراً به ، سوف يعيد إلى إسرائيل سالف مجده وسطوته . وهو ، إلى ذلك ، لم يحصر تعليمه في العبرانيين الخُلّص ، وأهل الفضيلة من المواظبين على التأمّل في الشريعة، بل راح يقبل بين يديه أقواماً من العشارين الذين بات إثمهم في الناس أمراٌ مكشوفا، وجماعات من الجنود وحتى من الوثنيين . وأمّا الشعب المختار فكان المعمدان يتجرّأ عليه بقوله : " لا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أباً (أي إننا متيقنون من الفوز لأننا من ذرية شعب الموعد ! ) ، لأني أقول لكم : إن اللّه قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم ! " ( لوقا 3: . أجل ! لقد قام في إسرائيل بعض الاتجاهات الداعية إلى الشمول ، بيد أن القوميّة اليهوديةّ الطناّنة التي تميّزت بها الحقب الأخيرة من تاريخهم ، لم تكن لتقبل تلك الكلمات إلا وتوجس منها حنقا وغيظاً

. وكان يوحنا، إلى هذا كله ، يقوم بشعائر التعميد، على طريقته الخاصة . ولا يعني ذلك أن التعميد كان غريباً عن التقاليد القديمة، ولاسيّما التقاليد الإسرائيلية . فلقد كانت شعائر الوضوء شائعة عند اليهود، ومفروضة في سفرين من كتبهم المقدسة . (سفر الاويين، سفر العدد ) . وكان الأسينيوّن يمارسونها على أوجه كثيرة، منها الاغتسال اليومي . ويرُى اليوم أتباع بعض المذاهب القديمة ( الصابئة ) يعمدون إلى ذاك الاغتسال ، كل نهار، في ضفاف نهر الأردن
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #11
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


ولكن العماد، قبل يوحنا، لم يكن سوى لون من الشعائر الخارجية . ولا جرَم أن غسل الجسد بالماء يوحي ، بطريقة عفوية، بتطهرّ النفس من أوزارها . أوَ لم يرد في العهد القديم : " اغتسلوا وتنقوا اعزلوا شرّ أفعالكم من أمام عينيّ ، كفّوا عن فعل " (أشعياء 16:1 ) " وأرش عليكم ماء طاهراً فتطهرون من جميع نجاستكم ، ومن كل أصنامكم اطهروا" ( حزقيال 36 : 25 ) بيد أن معمودية يوحنا كانت تختلف عن ذلك اختلافاً كبيرا . وذلك أنها كانت " معمودية توبة "، أي أنها كانت تدلّ ، بدلالة خارجية، على الرغبة الصريحة في الإنابة إلى اللّه . فالوضوء الموسوي لم يكن سوى اغتسال ضروري ، قبل القيام بعمل ديني . " والمعمودية "، عند الأسينيين ، لم تكن سوى حفلة لقبول المريد، بعد سنة من التدريب ، ضمن الجماعة الرهبانية، والترخيص له في ممارسة الغسلات (الوضوء )اليومية . وأمّا المعمودية التي كان ينادي بها المعمدان فكانت مشروطة بتبدّ ل كامل في السلوك . فالدخول في الماء كان ، في نظر يوحنا، دليل التوبة إلى الله ، والتوبة عن المعاصي . ومن ثمّ فلم تكن تلك المعمودية، لتُمْنحَ - على ما يبدو- إلاّ مرّة في العمر، كبداية لحياة جديدة .
والواخ أن يوحنا ، في ذلك أيضاً، لم يخرج عن نطاق مهمته . فهو قد أرشد إلى الطريق ، ولكنه لمَ يجْرِ فيها حتى النهاية . فمعموديته هي غير المعمودية المسيحيّة، حيث الماء هو أكثر من هذا الرمز ( قيمةً ) ، بل أكثر هي أكثر من ذلك ، إذ تستمد رمزها من عمل المسيح نفسه كموت وقيامة في حياة جديدة مملؤة بالروح القدس . وذلك الفرق الجوهري قد أشار إَليه المعمدان نفسه ، يوم صرّح ، في تواضعه السامي : " أنا أعمّدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى مني . .هو يعمدكم بالروح القدس ونار " (لوقا 16:3)

: كل هذا ، قد لخّصه يوحنّا الإنجيلي ، في أربع فقرات حاسمة

"كان إنسان مرسل من الله ، اسمه يوحنا

هذا جاء للشهادة ، ليشهد للنور، لكي يؤمن الكل بواسطته

لم يكن هو النور ، بل ليشهد للنور

كان النور الحقيقي ، الذي ينير كل إنسان ، آتياً إلى العالم "

( يوحنا 1 : 6 - 9 )
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #12
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي معمودية يسوع على يد يوحنا


في الحشد المزدحم حول النبيّ لسماعه ، احتجب إنسان لم يكن أحد ليعيره انتباهاً . وكيف يسترعي الانتباه ، ولم يكن في قدّ ه ، ولا في تقاسيم وجهه ، أي ملمح خارق . إسرائيلي من بين الإسرائيليين ، لا هو عضو في السنهدرين ، ولا هو بكاهن ، بل ولا حتى من اللاويين . ولم يكن من علية القوم ولا من علمائهم . وكان يرتدي ، على حسب الشرع ، قميصاً من كتّان بأكمامٍ مسترسلة، وعباءة من صوف تزينها الأهداب المقرّرة في أسفار الشريعة . ولا شك أنه كان يعتمر " الكوفيةّ " وهي المنديل الذي لا يزال يعتمر به عرب فلسطين
. وأمّا اسمه فكان من عامة الأسماء : يسوع . وهو من تلك الألفاظ القديمة المتواترة في اللغة العبرية، والمشتقة من اسم الجلالة، والتي رجع اليهود إلى تعزيزها إثر عودتهم من السبي . وهناك أشخاص كثيرون قد عُرفوا باسم " يشوع " أو " يسوع " . وقد ذكر يوسيفوس ، في تاريخه ، بهذا الاسم ، زهاء اثني عشر شخصا : منهم الفلاحّ ، والزعيم ، والمتمرّد، والكاهن . .

وقد كان ولا شك ، يحمل فوق أذنه قلامة خشب رمزية، إشارة إلى حرفة النجارة التي كان يمارسها، كما أن الصبّاغين كانوا يحملون قصاصة من قماش ملوّن ، والكتبة ريشة . ولاشك أيضاً أن لهجته كانت تدلّ على منبته الجليلي . . . بيد أن النجّارين كانوا ولا ريب ، كثيرون بين الشعب المزدحم حول المعمدان . وأما أن يكون يسوع من الجليل ، فما كان ذلك من الميّزات الخارقة ؛ ولا شك أنه . لم يكن أوّل رجل يقبل إلى المعبر من تلك المنطقة الناثية، بعد مشقة أربعة أو خمسة أيام سفَرَ

. ومع ذلك فأي إحساس اخترق نفس يوحنا ساعة اقترب منه يسوع ؟ .
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #13
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


لقد طفق يمانع ويعتذر . وأيقن أن تلك المعمودية التي فرضها على الجميع تطهيراً لهم من الأوزار، لم تكن لتليق بذاك الرجل : " أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ ! " . فأجاب يسوع وقال له : " اسمح الآن ، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمّل كل برّ" (متى 3 : 4 ا- 15). في هذه اللحظة التيّ اعتلن فيها المسيح ، نراه - كما سيكون سحابة حياته كلها- غير مكترث لكل ما هو من أمجاد العالم الزائفة، بل متابعاً، في يقين رسالته الإلهية، هدفاً بات مطوياً في سرّه
. امتثل المعمدان لأمر المسيح ، وطفق يقوم بمراسيم تعميده . وإذا به يرى الروح ينزل عليه ، على شبه حمامة من السماء ، و يَحلّ على يسوع فور خروجه من الماء ؛ فعرف إذ ذاك أن ما أنبأه به الله يوماً قد تحقق في تلك اللحظة، وفهم ذاك المعمِّد بالماء أن المعمِّد بالروح القدس قد ظهر للناس . يا لها لحظة مجد وإعجاز ! " فقد انفتحت السماوات ، سمع صوت من العلاء يقول : هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ! " (متى 3 : 17؛ يوحنا ا:32) بيد أن مهمةّ يوحنا لم تنته مع معمودية يسوع . فلئن كان آخرون - ولا سيما رهبان قمران - قد أنبأوا بقرب مجيء المسيح ، ودنوّ رحمة الله ، فقد كان عليه - يوحنا - أن يشهد أن تلك الرحمة قد تحققت ، وأنّ الروح قد أفيض ر على البشر . وعلى كلّ فقد كان المعمدان قد أنبئ، سلفاً، بتلك المهمة ؛ والذي أرسله كان قد أوعز إليه قائلاً : " إن الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه ، فهذا هو الذي يعمّد بالروح القدس " (يوحنا ا:33) . ولذلك ، فإذ أبصره ، في اليوم التالي ، مقبلاً إليه ، صاح قائلاً : " هوذا حمل اللّه الذي يرفع خطيئة العالم . . . ". إن لفظة الحمل وحدها كانت تبعث في نفس كل يهوديّ صورة الأضحيّة المبذولة كفّارة عن المأثم ، والحمل الوديع الذي بات منذ الخروج من مصر، ومنذ عهد موسى، يفتدي إسرائيل بدمه . ولا شك أن بعض الذين طرقت آذانهم تلك الكلمات ، قد ذكروا النصوص النبويّة المتضمنة في سفِرْ أشعياء : " أما هو ، فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه . . . " (أشعياء 53 : 7 ) ذكروا تلك النصوص التي أنبأ فيها الرائي العظيم ، بالمسيح المتعذب، والأضحية المبذولة فدية عن الناس ، كل الناس

. وهكذا تحقق في الأردن سرّ عميق . فلم يعد بالإمكان أن تُفْصل عن صورة ابن اللّه الموفد من السماء، صورة ، الضحيّة المعدّ ة للفداء الدامي
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #14
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي الأم الـعــذراء


الطفل – الإله

"ابن العلي يدعى … ( لوقا 1 : 32 )

. ألف ذكرى تنهال على الذهن كلّ مرّة نستعيد فيها الأحداث التي يرويها الإنجيل عن منابت يسوع الأرضية . فتلك الأسرة الصغيرة الآوية إلى كهف من كهوف البهائم ، وتلك الأمّ الفتية الحانية على صغيرها، تقمّطه وتضجعه ، وذلك الطفل الإلهي الراقد فوق حفنة من تبن المزود، يدفئه الحمار والثور بأنفاسهما

. أي مسيحيّ لا يحمل ، حتى يومنا هذا، مثل تلك الصور في ذاك الركن الدفين من وجدانه ، حيث تصمد، في وجه الشك وسورته ، بتلك المملكة من السحر والحنان . لقد حلمنا كلّنا بتلك الليلة الشفافة التي انطلقت فيها جوقة من الملائكة، تسبحّ الله وتعد العالم بالسلام والرحمة من العلاء . .

. أجل ليس من عيد، في المسيحيّة، أوسع شعبيّة من عيد الميلاد. فلقد كتب له دون سواه ، أن يجمع في غمرة واحدة من الحبور، أولئك الذين يستعيدون به ذكرى ميلاد اللّه ، وأيضاً الذين لا يحفلون بمعناه . . .أمّا الوثائق التي نستمد منها معرفة تلك الأحداث ، فهي زهيدة . فالرسولين مرقس ويوحنّا لم يأتيا على ذكرها في إنجيليهْما، ولا الرسول بولس في رسائله . وأمّا الرسولين متى و لوقا، فقد خصّاها، وحدهما، ببعض الفصول ، على سبيل التمهيد والتقديم . ويُذهب اليوم إلى أن هذه الأجزاء من كلا الإنجيلين ، لا ترقى إلى مجموعة التعاليم المتضمنة في الكرازة البدائية، بل أضافها الكاتبان استناداً إلى مصادر خاصة . .

. ما هي تلك المصادر ؟ هي ، ولا شك ، تلك الأوساط التي عاش فيها المسيح . فالقديس لوقا قد صرّح ، مرتين ، أن مريم "كانت تحفظ جميع هذا الكلام ، متفكرة به في قلبها " (لوقا 2 : 19 ، 51) . وأما الفروق التي وقعت بين روايتي لوقا ومتى، فيعللها أن الكاتبين قد استقلاّ أحدهما عن الآخر، في تقصي الأحداث واستقاء الأخبار . وعلى كلّ فليس من شكّ في أن تلك الأحداث لم تكن وليدة المخيلة الشعبية ، وذاك الاستنباط القومي الذي لا يقوى إلاّ أن يهوى سريعاً في السخافة . حسبنا ، للتيقنّ من ذلك ، أن نقارن بين مؤديات الإنجيلين القانونيين ، ومحتويات الأناجيل المنحولة : فمن جهة ، نجد الاعتدال والترصّن ، حتى فَي رواية الأحداث المعجزة، ومن جهة أخرى ، نجد التمحلّ والتزيّد والإسفاف . أجل ، نحن لا ننكر أن الأحداث التي تروي طفولة المسيح قد تتشح ، أحيانا، بوشاحٍ من الشعر والمثاليّة . بيد أن ذلك لا يمنع ، البتّة، من الاعتقاد بأنها تنتسب إلى التاريخ انتساباً لا يرقى إليه ريب
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #15
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي "مدينة داود التي تدعى بيت لحم " ( لوقا 2 : 4 )


قبل ظهور يوحنا المعمدان في الأردن بثلاثين سنة ، تقريباً ، جرى إحصاء في بلاد فلسطين . والواقع أن اليهود لم يكونوا ليأنسوا كثيراً إلى مثل تلك الإجراءات الإحصائية ، حيث يمسي الإنسان - وهو الكائن الفذّ - رقماًُ يعدّ كالدواب بالمئات والألوف . وكان موسى قد تعنّت كثيراً في أنُ يخضع لها القبائل اليهودية . أمّا روما فكانت تفرض على جميع سكان الأقاليم أن يدونوا في سجلاتها الرسمية، بأسمائهم ، وحِرفهم ، وكميةّ ثرواتهم . وهكذا كان يسهل عليها وضع قاعدة للضرائب ، وتقدير الطاقات العسكرية في أزمنة الحرب . فمن المحتمل أن تكون روما قد فرضت تلك الفريضة على المملكة اليهودية الصغيرة التي كانت عائشة في ظلّها، إلاّ إذا افترضنا أن هيرودس ، في مسارعته الدائمة إلى مداهنة السلطة الحامية، قد تبرعّ بتنفيذ القرار في بلده . وكانت عمليّة الإحصاء، في فلسطين ، تستتبع مشكلة خاصة : فالتسجيل لم يكن يتمّ في محلّ الإقامة، بل في المنشأ الأصلي الذي كانت تنتمي إليه كل أسرة . ولا غرو، فقد كانت التقاليد العائلية راسخة في إسرائيل ، منذ أقدم العصور، وازدادت رسوخاً من بعد الجلاء، من يوم أخذت الأمّة اليهودية تعمل على صيانة العنصر العبراني ، وتحريم الزواج بالأغراب
. " ففي تلك الأيّام صدر أمر من أوغسطس قيصر، بإحصاء جميع المسكونة : فأخذ الجميع ينطلقون ، كل واحد إلى مدينته ، لكي يكتتبوا . وصعد يوسف أيضاً من الجليل ، من مدينة الناصرة، إلى اليهودية، إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم - فإنه كان من بيت داود، ومن عشيرته - لكي يكتتب مع مريم امرأته التي كانت حبلى " (لوقا 2: 1 – 5 )

. من كان هذان الزوجان اللذان نراهما، من خلال رواية الإنجيل ، وقد ذهبا في الدروب ، امتثالاً لأوامر القيصر؟ أسرة مترابطة بروابط الزواج المقدس ، وبأواصر التعاطف ، على حدّ سواء ! وإلاّ فهل كان من الضروري أن تجابه تلك المرأة الفتيّة-وهي في حالها- وعورة السفر، مع العلم بأن الرجال وحدهم ملتزمون بفريضة الإحصاء، لولا أن الزوجين قد وَطّنا العزم على التكافل فى تحمّل تلك السخرة؟. . لقد كانا، ولا شك ، من الفقراء، رجلاً وامرأةً من الشعب الكادح ، من أولئك المتواضعين الذين لهم من شهامتهم ثروةٌ دونهَا ثروة مالهم ، والذين تجدهم السلطات ، دوما، على أهبة الانقياد والخضوع

. أمّا الرجل ، فكان عاملاً ، نجّاراً ، واحداً من أولئك المهَنيين الريفيين الذين كانوا يولّفون السواد الأعظم من أهل فلسطين ، والذين كان لهم من الورع والنظام والجدّ في العمل ، ما مكنّ الأمّة اليهودية، بعد رجوعها من بابل ، من أن تتأصل من جديد في تربة الأجداد . وكان اسم الرجل يوسف . وهو اسم عريق جدّ اً في إسرائيل ، سميّ به ، من بين أبناء يعقوب ، ذاك الذي سجّل له التاريخ ، في مصر، أمجاداً باتت مدوّنة في الكتاب المقدّس . وأمّا يوسف هذا، فقد حوّط الإنجيل ذكره بالخفاء والتواضع والصمت ، فلا ترى له فيه صورة بارزة، بل ملامح يشتم منها رجل قد بلغ شأواً من النضوج وتلقن من خبرة الحياة حكمة ورزانة
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #16
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


أمّا الزوجة فكانت ، ولا شك ، أحدث منه سنا . فقد كانت العادة تقضي بتزويج الفتيات فور بلوغهن ، بينما كان الرجال يتريّثون حتى الخامسة والعشرين وأكثر . والواقع أن الفتاة اليهودية، منذ سنهّا الرابعة عشرة، كانت تبدو عليها مظاهر المرأة المكتملة . وكان اسم الزوجة مريم . وهو أيضاً من الأسماء التي كانت شائعة في فلسطين ؛ ورّبما رجع أصله إلى عهد الهجرة إلى مصر . وهو قريب ، لغةً ، من معنى " السيّدة "

. كانا فقيران ، بلا أدنى شك ! ولكن ، هل كانا، يقينا، من نسل داود؟ ليس في الأمر ما يحمل على الاستغراب ، فقد كانت ذرّية داود وسليمان ابنه على جانب من الكثرة، وإن لم يكن جميع أفرادها قد لزموا المناصب العالية، والمراكًز الوجيهة . . . أمّا انتساب يوسف إلى بيت داود، فقد أثبته اثنان من الإنجيليين : القديس متى، في مستهلّ كتابه ( 1 : 1 –17 )، والقديس لوقا ، في مطلع أحداث سيرة المسيح العلنية (23:3-3 . ولا شك أن قضية الانتساب هذه ، كانت على جانب من الخطورة ، إذ كان شائعاً، في الناس ، أن المسيح سوف يكون من نسلً الملك الأعظم ، " وغصنا من جذع يسّى " ، على حدّ ما ورد في نبوءة أشعياء . فأمّا الفروق التي وقعت بين نصّي متى ولوقا ، في إثبات لائحة النسب ، فليس فيها كبير شأن ؛ فإنّ جوهر النصّين واحد : وهو إثبات حقيقة ذاك الانتساب ، على ما هنالك من تباين -رّبما كان متعمّداً - في التفاصيل

. وأمّا انتساب مريم إلى ذريّة داود، فهو من التعاليم التقليدية . وقد أشار إليه القديس بولس - على ما يبدو - في رسالته إلى كنيسة روما ( 1 :3 ) ، وأثبته آباء الكنيسة منذ القرن الثاني ، ويدعمه أن اليهود كانت لهم عادة شائعة جدا في زفاف الفتاة إلى أحد أقاربها الأدنيين ، وذلك لأسباب شرعية ، في أغلب الأحيان . .

. لقد توجّها إذن إلى بيت لحم : وهي المدينة التي ورد عنها في الكتاب المقدّس ، أنها مسقط رأس الملك العظيم ( 1صموئيل 6:2. ، 2 . فإنه في حقول بيت لحم ، وفي إحدى ليالي الحبّ - ألفَ سنة قبل المسيح - كانت راعوث ( راجع سفر راعوث بالعهد القديم )المؤابية قد استهوت قلب بوعز سيّد تلك الحقول . ومن زواج ذاك السيد الكريم بتلك الغريبة الفقيرة التي جاءت تلتقط السنابل في أرضه ،ولدَ عوبيد، ومنه وُلد يسى ذاك الجذع المتين الذي كان داود أجمل فروعه
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #17
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


كانت الشقة بعيدة بين الناصرة وبيت لحم : 15. كيلومتراً تقريبا. وكانت الطرق لم تزل وعرة، إذ لم تكن روما قد تفرّغت بعد لتعبيدها، بمقتضى أساليبها الخاصة . فكان يجب ، لقطع تلك المسافة، أربعة أيّام كاملة، على ظهر الحمار - تلك الدابّة الشائعة التي كان أفقر الناس يملكونها . فبعد اجتياز سهل عزر يلون ( هو السهل المعروف اليوم بمرج أم عامر ) ، كان المسافر يوغل جنوباً، من قرية إلى قرية، يستعيد، في كل منها، ذكرى الأحداث السالفة، والأبطال العظام الذين حفل بهم تاريخ إسرائيل . ثم كان يفضي إلى السامرة، فينقبض لمرأى تلك الأرض الطاهرة التي كانت محتفظة بصريح يوسف وبئر يعقوب ، والتي أمست أرض كفر وشقاق . ثم كان ينتهي ، أخيرا، إلى بلاد اليهودية ، بأرضها الجافية الحمراء المتموّجة إلى أقصى ما يمدّ إليه النظر. .. ولكن ، عندما كانت تبرز أورشليم ، فجأة، من منفذ أحد الشعاب ، بقمم أبراجها ، كان كل إسرائيلي ينعصر قلبه من التحنان ، وتلتمس عيناه الهيكل ، وينطلق لسانه بنشيد مزمورٍ من مزامير " المراقي "، يصعّد فيه شكره للّه ، وفرحه المتوثّب
! بعد مسيرة ساعتين من أورشليم ، وبعد الترحّم - في الطريق – على قبر راحيل - تلك الأمّ الثاكل - كان يُبلْغَ أخيراً إلى بيت لحم . . .تلك المدينة البيضاء الجاثمة، على علو 8.. متر، فوق منحدرات هضبتين توأمتين ، ما كان أبهج منظرها، بعد تلك الوعورة الموحشة التي لم يكن فيها ما يذكّر بالحياة سوى بعض الشجيرات ، وبعض البراوق والشقائق الحمراء


هناك ، في الأفق البعيد، كانت الصحراء تمتدّ ، تارة أخرى ، موغلةً حتى شواطئ البحر الميّت ، محدّبة كأنها ذوب رصاص قد تجمد فجأةً . وأمّا ما حول القرية، فكان كلّه رياض وحقول شقراء، وزيتون فضّي ! لقد كانت خليقة باسمها ، قرية بيت لحم ، أي : بيت الخبز، بحسب المدلول الشعبي ؛ وكانتُ تعرف أيضاً باسم "أفراتة " أي " الكثيرة الفواكه " . لقد كانت ، ولا شك ، على عهد المسيح ، أصغر منها اليوم ؛ بيد أنها لم تكن حقيرة، بل كانت تعي ، حق الوعي ، محتدها القديم الحافل بالأمجاد . أو لم يكن ميخا النبي قد أنبأ، يوماً، بمصيرها السنيّ ، حيث قال : " وأنت يا بيت لحم ، أفراتة وأنت صغيرة بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ، ومخارجه منذ القديم ، منذ أيام الأزل " (ميخا 5: 2)

. فهل كان بالإمكان أن تغرب تلك النبوءة عن ذهن يوسف ومريم ، وقد كانا من نسل داود، وعلى علم ، خصوصاً ، بالمعجزة الكبرى التي كان جنين مريم مصداقها ؟ لقد كان يدعمهما رجاء عظيم ؛ وربما كان يراود قلبيهما أن قيصر لم يوقعّ على قراره ، ولم يجيّش موظفّيه وكتبته ، إلاّ لكي يتحقق ، على يده ، ما كان مكتوباً منذ الأبد . ولا غرابة في ذلك ، فإن نوايا الله تبقى مطويةّ عن البشر، وأكثر الناس سلطاناً إنما هم ، بين يدي الله ، آلات طيّعات
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #18
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي الأم – العــــذراء


كان ذلك قد جرى، من قبل سنة ، في الناصرة ، تلك القرية التائهة ما بين هضاب الجليل النائي ، موطن ذينك المسافرين . وكانت مريم ، يوم ذاك ، مخطوبة ليوسف . فجاءها ملاك وقال : " سلام لك ،أيتها الممتلئة نعمة ، الربّ معك ! . " فاضطربت مريم لمرآه ، وفكرّت ما عسى أن يكون ذاك السلام . فقال لها الملاك : " لا تخافي يا مريم ، لأنك قد وجدت نعمة عند الله . وها أنت تحبلين ، وتلدين ابنا ، وتسمّينه يسوع . هذا يكون عظيما ، وابن العليّ يدعى . ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية " . فأجابت مريم قائلة : " كيف يكون هذا ، وأنا لست أعرف رجلاً ؟ " . فقال الملاك : " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العليّ تظلّلك ! فلذلك أيضاً القدّوس المولود منك يدعى ابن الله " ( لوقا 1 : 29 - 35 )
. لقد حاول الفن أن يمثّل ذاك المشهد الرائع بصور زاهية، وضمن إطارات خلاّبة . إلاّ أن عالم الآثار قد جاءنا ، عن الناصرة، بتفاصيل أقلّ فخامة وأبّهة . فقد كشف لنا عن مساكن متواضعة جداً أشبه بالكهوف ، مكونة ، في أغلب الأحيان ، من غرفة واحدة، مشطورة نصفين : نصفٍ للبهائم ، ونصف للأسرة ؛ أو عن بيوت من لَبنٍِ منخفضة ، مربعّة، منثورة ما بين كرومً الزيتون

. !ن الكنيسة الحديثة المبنية ، على اسم " البشارة "، في الموضع الذي قامت فيه ، على ما يظن ، كنيسة قديمة ، من عهد قسطنطين تحضن ، تحت مذبحها الرئيسي ، معبداً أرضيا ضيقاً ، يذهب التقليد إلى أنه الغرفة التي كانت تقيم فيها العذراء ، ساعة حضر إليها الملاك

. وأمّا الكلام الذي توجّه به الملاك إلى مريم فكان من شأنه أن يغمر نفس تلك الفتاة ذهولاً وتواضعاً. بيد أنه لم يكن بحيث يستغلق عليها استغلاقاً تاماً . فقد كان قلب كل فتاة يهودية ، وإن لم تكن قد أكملت ربيعها الخامس عشر، حافلا بترقب المسيح ، كقلب كل فرد من أفراد تلك الأمّة . وإذا كانت تلك الفتاة من ذرية داود، أفما كان يحق لها أن تأنس إلى الأمل بأن تكون هي الغصن الذي قد تتفتحّ عليه ، " من أصل يسّى "، زهرة المنتهى ؟ على كلٍ ، كان الوعد الذي نطق به الملاك منسجماً ، في صيغته ، انسجاماً تاماً وما كان مأنوسا عن فكرة المسيح . فهو لم يبشّر العذراء بالمسيح المتألم ، والضحية المقدسة ( ولسوف تنبأ به ، فيما بعد، يوم تقدمة يسوع إلى الهيكل ) ، بل أعلن لها أن الله سوف يهب ابنها عرش داود، وصولجان بيت يعقوب إلى الأبد . ولذلك ، فقد اكتفت العذراء بطرح سؤال بسيط جدّاً، بديهي
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 13:50 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.22837 seconds with 12 queries