أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > أدب > القصة و القصة القصيرة

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 26/08/2008   #1
شب و شيخ الشباب أحمد الخميسي
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ أحمد الخميسي
أحمد الخميسي is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
مشاركات:
34

افتراضي الباب المغلق - قصة قصيرة - د. أحمد الخميسي


الباب المغلق

قصة قصيرة
د. أحمد الخميسي


الباب المغلق هو باب شقة صغيرة في الطابق الأول بعمارة في حي الظاهر يسكنها الأستاذ موريس المحاسب في أحد البنوك وزوجته مدام جانيت التي تعمل في مدرسة تعليم لغات أجنبية قرب المنزل . الإثنان تجاوزا سن الإنجاب دون أن ينجبا ، لكنهما قانعان بحياتهما التي تمضي في هدوء وتتخللها نزهات وزيارات يوم الإجازة . في العمارة محمود البواب الذي جاء من أسوان منذ زمن وسكن أسفل السلالم ، توفيت زوجته وتركت له ابنة وحيدة صغيرة هي هدى كانت تشتري للسكان وخاصة لمدام جانيت الحاجات من المحلات الواقعة أمام العمارة . موريس وجانيت – وهما المحرومان من الأولاد – أحسا بعطف على البنت الصغيرة التي لم تكن تطلب شيئا ، وتكتفي بابتسامة واهنة سعيدة بكل ما تتلقاه ، سواء أكان ورقة نقدية أم نصف رغيف خبز بداخله قطعة لحم . وكان يحدث أحيانا في أوقات المغرب أن تأتي بشاي أو خبز للأستاذ موريس ، وتكون الشقة خالية من الضيوف، فتقول لها مدام جانيت : اقعدي يا هدى استريحي وأنت طالعة نازلة طول النهار . فتجلس هدى على حافة فوتيه ، كأنها تخشى أن تجلس عليه كله ، تبحلق في التلفزيون بصمت ، وحين تقدم لها مدام جانيت قطعة كيك صغيرة ، تقضم منها من دون أن ترفع بصرها عن الشاشة ، وتظل هكذا إلي أن تسمع صوت والدها ينادي عليها لأن أحد السكان في الطابق الثالث أو الرابع يطلب شيئا من المحلات ، فتفز ، وتهرول ، وتغمغم من عند الباب وهي تنصرف بكلمات غير مفهومة . تنصرف هدى فينسل شيء ما من الجو ، ويحل شعور خفيف قاتم في الصالة ، وعلي كسوة المقاعد ، ويسري مثل الدخان في الحجرات الأخرى ، شعور بالوحدة والأسف ، ولا تتقاطع نظرات موريس وجانيت، إلي أن يقول هو جملة ما، بلا معنى ورأسه فوق الجريدة ، فتؤكد على كلماته التي لم تسمعها : طبعا . طبعا، وعيناها سارحتان . ثم تنهض وتقول : أعمل لك شاي ؟ . وينظر كل منهما إلي الآخر نظرة طويلة مذنبة، ومشبعة بالعرفان لأن كلاهما لا يشير إلي أن الحياة موحشة.
في يوم آخر تطرق هدى الباب ، وتجلس ، المسرحية طويلة ومضحكة ، تأكل مما هو موجود ، وتقيس عليها مدام جانيت فستان قديم ضاق على نجوى بنت أختها ، وتفرح به هدى ، وتنهض بعد ذلك وتساعد مدام جانيت في غسل الصحون ، ثم تنام على كنبة في الصالة . ولم يجد أبوها مشكلة في بياتها المتكرر، فشقة مدام جانيت في الطابق الأول بجوار السلم، ومدام جانيت تراجع معها القراءة والكتابة. كثر خيرها. أما الأستاذ موريس فرجل طيب وكبير في السن .
أبو هدى يقوم بغسيل كليته مرة كل أربعاء في مستشفى قصر العيني ، ويعود في ذلك اليوم منهكا أصفر الوجه ، هكذا رجع آخر مرة ، ورقد ساعتين على فرشته تحت السلم ، ثم توفي . وانتبه سكان العمارة فجأة إلي أنهم لا يعرفون لمحمود لا بلدة ولا أقارب ولا عناوين سوى ذلك الجحر المعتم تحت السلم ، ووجوه عابرة لأبناء بلدته الذين كانوا يترددون عليه ، يشربون معه كوب شاي على الدكة أمام مدخل العمارة ويرحلون . الحاج شفيق تولى جمع التبرعات من الشقق وقام مع الأستاذ موريس بإنهاء الإجراءات ودفن الرجل. وظلت هدى تبكي في صالة شقة مدام جانيت ، وهي لا تعي بالضبط ما حدث ، سوى أنه شيء فاجع ، لن ترى بعده أباها . يوما بعد يوم وهي في الشقة ، وموريس وجانيت يطيبان خاطرها بالكلمات وقطع الحلوى حتى بدأت تبكي بعين وتتابع لقطات من الأفلام بالعين الأخرى ، وخلال ذلك أصبحت إقامتها عند الأستاذ موريس أمرا مسلما به . واشترت جانيت فستانا وحذاء جديدين للبنت من ممر الراعي الصالح ، وأخذت تفكر – دون أن تصرح لموريس بشيء من ذلك – في وضع سرير لهدى في الغرفة الصغيرة ، وقالت لنفسها : سأعطيها الفستان والحذاء حين أنتهي من إعداد الغرفة لها . لا يعرف أحد من الذي نكش المسألة بكلمة ، أو ملاحظة عابرة ، أو سؤال ، لكن الكلام راح ينتقل شيئا فشيئا من محل المكوجي إلي البقال ، ومن صاحب البقالة إلي دكان العصير ثم إلي المقهى ومن رواده إلي الشقق والبيوت : الأستاذ موريس أخذ البنت الصغيرة وح يخليها نصرانية ! ح يعلمها على طريقتهم ! وحين مر الأستاذ موريس بالأمس على أجزخانة بركات ليشتري علبة أنسولين، غمزه الصيدلي بسؤال يبدو بريئا : أخبار البت هدى إيه يا أستاذ موريس ؟ مش الحمد لله بخير ؟ . ولم يتوقف موريس عند السؤال طويلا ، لكن حين تكرر السؤال ذاته على لسان صاحب المخبز، وفي محل البقالة ، أدرك موريس المقصود بالكلام ، فارتبك في المرتين قائلا : الحمد لله . وحكي موريس الحكاية لزميل مقرب له، فنصحه على الفور بأن يطرد البنت لكي لا يتسبب بقاؤها عنده في مشكلة في الشارع والحي وربما أبعد من ذلك النطاق ! استنكر موريس الكلمة : أطردها ؟! إزاي ؟ . قال زميله : سرحها ، شوف لها حد تقعد عنده غيرك . لكن البنت بتحبني أنا وجانيت ومستريحة عندنا .. كمان إحنا .. ؟! . سيبك من حكاية مستريحة دي ، مش ده الموضوع ، العملية أكبر من كده يا موريس .
يوما بعد يوم ، كانت العيون تلاحقه على امتداد الشارع بنظرات تترقب قراره ، وتحثه عليه ، ثم أصبحت النظرات تنطوي على وعيد مكتوم ، وأخذت الكلمات العابرة تصبح أكثر وضوحا وحدة .
يجلس موريس في الصالة ، ويسأل نفسه كيف يطرد طفلة صغيرة بلا أهل ولا سند، ويلقي بها إلي الشارع ؟ وماذا يقول لجانيت ؟ وللبنت ؟ . لكنه اتخذ قراره حين أخذ يسمع عبارات مباشرة مثل " ح تعمل إيه مع هدى يا أستاذ موريس؟ هي ح تفضل عندك على طول ؟ " . حكي لزوجته كل شيء ، فجلست على حافة السرير وبكت طويلا دون صوت ، ثم نهضت دون كلمة واتجهت إلي المطبخ . ونادى موريس هدى ، فهرولت نحوه " نعم يا عم موريس " ، فمط شفتيه وشبك أصابع يديه وظل فترة صامتا والبنت واقفة أمامه ، وأخيرا استجمع شجاعته وشرح لها أن عليها أن تغادر الشقة . البنت الصغيرة التي لم تظهر من قبل عنادا، أو قوة ، أو تشبثا بشيء ، بكت في البداية ، ثم قالت إنها لن تغادر . " أروح فين يا عم موريس ؟ أنا ما أعرفش حد غيركم ؟ ومدام جانيت قالت لي ح أوضب لك الأوضة الجوانية " ، وأعاد موريس ما قاله من قبل على أسماعها ، فهرولت إلي جانيت في المطبخ : " الحقي .. عم موريس بيطردني " . وأشاحت جانيت بوجهها المتصلب كأنها لم تسمعها . في اليوم الثاني ، والثالث ، والرابع ، كرر موريس ما قاله ، وهو يوضح لها إنه يحبها مثل ابنته بالضبط ، لكن البنت لم تعد تعير كلماته أي اهتمام . تسمع ما يقوله ، وتنصرف إلي الصالة تراجع ما علمته إياها مدام جانيت من حروف الكتابة . مرة وأخرى ، وأخيرا أخذ موريس يجذبها من ذراعها بقوة ووضعها خارج باب الشقة .
البنت ملتصقة بالباب المغلق ، تخمشه كالقطة وتبكي : أنا زعلتك في حاجة يا عم موريس ؟ ، والنبي دخلني . دخلني والنبي . وفرت دموع عم موريس وراء الباب المغلق يقول : ما أقدرش يا بنتي .. والعدرا ما أقدر . والنبي ، والعدرا ، والنبي ، والباب مغلق ، وخلف كل ناحية شخص وحيد بحاجة للآخر .


***



أحمد الخميسي . كاتب مصري

آخر تعديل achelious يوم 29/08/2008 في 14:21. السبب: تكبير الخط..
  رد مع اقتباس
قديم 26/08/2008   #2
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


شكرا لمشاركتك القديرة.. ياريت تبقى تنورنا على طول

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات
  رد مع اقتباس
قديم 26/08/2008   #3
شب و شيخ الشباب أحمد الخميسي
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ أحمد الخميسي
أحمد الخميسي is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
مشاركات:
34

افتراضي


أسعدتني كلماتك ، نحن معا باستمرار ، تحياتي
أحمد الخميسي
  رد مع اقتباس
قديم 29/08/2008   #4
شب و شيخ الشباب suryoyo
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ suryoyo
suryoyo is offline
 
نورنا ب:
Dec 2005
المطرح:
اطلال المدينة الفاضلة
مشاركات:
5,118

افتراضي


كثير مؤثرة ... نتمنى تشاركنا بكتاباتك بشكل مستمر
  رد مع اقتباس
قديم 29/08/2008   #5
شب و شيخ الشباب ارسلان
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ ارسلان
ارسلان is offline
 
نورنا ب:
Aug 2007
المطرح:
حيث أجدني
مشاركات:
3,170

إرسال خطاب ICQ إلى ارسلان إرسال خطاب AIM إلى ارسلان إرسال خطاب Yahoo إلى ارسلان
افتراضي


مرحبا بوجودك العطر بيننا

ألم يكن هناك من سبيل لإنقاذ الطفلة وابقائها لدى الاستاز موريس
رغم انسداد الباب فللمنزل اكثر من نافذة

جرائم حماس على صفيح ساخن
http://hamasgaza.wordpress.com/
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 13:08 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.07334 seconds with 12 queries