سلسلة : حديث الراعي

[نيقولا]

[SIZE="3"]التأبين[/size]

في اللغة أبّنه أثنى عليه بعد موته وذآره بالخير. ويقال عن العظة في المآتم. وهذا نوع من الكلام استعمله الآباء
القديسون ولكنهم آانوا يؤبنون العظام منهم المعروفين بقداستهم ولم يترآوا لنا تأبينا في آل انسان.
وقد انتشر هذا النوع في بلادنا لما أخذوا يدعون المطارنة الى المآتم، وآان هذا نادرا جدا منذ مئة سنة او قبل. وما
آانوا ينتظرون من الكهنة ممارسة هذا الصنف من الكلام لاعتبارهم ان المطران آان الأقدر على الخطابة. ثم اخذ بعض الكهنة يتعلمون اللاهوت والبلاغة وصاروا يتكلمون. واحيانا يتكلم الذي يعرف والذي لا يعرف، والخطابة علم من علوم اللغة صعب.

غير ان الصعوبة الكبرى ان الميت لا يكون دائما مستأهلا المديح ولا يقال عنه الا انه "آدمي". آيف تأتي بعظة والميت اقل من عادي بفضائله فتضطر ان تقول انه ربى اولاده حسنا. من يعرف، حقيقة، ذلك؟ ينجر عند ذاك المؤبن ان يقول اشياء عن التربية بصورة عامة وآثيرا ما تأتي تافهة، ويلاحظ المؤمنون ان الواعظ يكرر اقولا له سابقة. غير ان الصعوبة الكبرى في الكلام على الناس ان المطارنة قلما عرفوهم ويتّكلون للعلم بهم على آاهن الرعية الذي لا يعرف آل ابناء رعيته بدقة، ويستند هو بدوره على ما سمعه من ناس يعرفون الراحل. بسبب من هذا يقول بعض الخطباء اليوم فلنتكلم على قيامة المخلص وعلى الملكوت والقيامة العامة في حين ان اهل الميت يتوقعون آلاما عنه.

عندي ان الحقيقة في هذا الشأن متوسطة. الكلام نسيج يجمع بين الأساس الذي هو الكلام الديني المتعلق بموت المسيح وقيامته وما هو ثانوي الكلام على المتوفى، على ان ربط الواعظ بين الأمرين بترجيح آفة الكلام اللاهوتي، اذ المهم ان يتعزى الناس بإحسانات الله الى المتوفى (الرحمة) آما يتعزون هم بالحديث الإلهي اي بذآر المسيح. لا بد من آلمات قليلة او آثيرة عن الذي رقد بالرب حسب الفضائل التي تزين بها. ولكن حتى اذا لم تبرز عنده حسنات واضحة يذآر منها الحد الأدنى (آان مؤمنا، آان يأتي الى الكنيسة، معاملاته حسنة، سهره على عائلته) على ان يأتي آل هذا بصدق ولا مبالغة. من الناحية الفنية انك في معظم الأحوال عليك ان ترتجل لأن الدفن سريع في بلادنا الا في بعض الحالات (عندما يؤتى بالجثة من المهجر او يكون انتظار اقرباء له آتين من بعيد)، ولا يستطيع آل آاهن ان يرتجل.

الأمر الثاني هو اللغة. في هذه المناسبة لا بد ان نستعمل اللغة الفصحى لأن اللغة العامية لا تحتمل البلاغة u1575 الحقيقية او الدائمة ما لا يمنع الخطيب ان يستعمل احيانا عبارات قليلة من اللغة الدارجة. اذا آان الرثاء آله عاميا لا اظن انه يبلغ القلوب. مع ذلك هناك حالات معينة (بساطة الحضور) حيث يمكن استعمال اللغة العامية.
هناك ايضا موضوع الوقت. الناس لا يتحملون الوقت الطويل ( ١٠ دقائق على الأآثر) ما لم يكن المتوفى انسانا عظيما فيتقبل المؤمنون وقتا اطول. من لا يعرف نفسه بليغا لا ينبغي ان يُتعب الناس. هم دائما يتأففون اذا آرر الكاهن اقواله مأتما بعد مأتم. التأبين من أصعب انواع الوعظ ويحتاج صاحبه الى تمرين آبير على معرفة الكتاب المقدس وباقي ابواب اللاهوت، آما يحتاج الى ما امكن من الفصاحة. مع ذلك اذا آان الكاهن ذا نَفَس روحي حقيقي فلا يخف، واذا عنده روح يسوع فهذا الروح يصل الى المؤمنين.


جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).