أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > مجتمع > المنتديات الروحية > اللاهوت المسيحي المعاصر

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 06/06/2005   #1
شب و شيخ الشباب شكو زولو
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ شكو زولو
شكو زولو is offline
 
نورنا ب:
Sep 2004
المطرح:
لبنان
مشاركات:
1,071

إرسال خطاب MSN إلى شكو زولو إرسال خطاب Yahoo إلى شكو زولو
افتراضي العدالة البشريّة والعدالة الإلهية


العدالة البشريّة أساسها الحقوق والواجبات. غايتها تنظيم العلاقة بين الناس. مهمّتها الحدّ من عبثيّة أهواء الناس في الشأن العام. غرض العدالة البشريّة، بكلام آخر، الحؤول، بشكل مرتّب، دون أكل الناس بعضهم البعض. دورها الأول هو الردع وتأمين التعايش بين الناس. إذا تُرك الإنسان لذاته استحال وحشاً. العدالة البشريّة تهذيب وتأديب. لا قلب لها ولا تصيِّر الإنسان إنساناً. هي مجرّد مرحلة في اتجاه التفاعل الإنساني بين الناس. مجرّد مسعى إلى إخراج الإنسان من وحشيّته دون أن تُدخله، بالضرورة، في العِشرة الإنسانية الحقّ. بالعكس قد تُخرجه العدالة البشريّة من وحشيّته لتُقفل عليه في وحشته، في عزلة قاتلة. أليس هذا ما نلحظه اليوم في البلدان المعتبَرة متقدّمة؟ نظام وقانون وتقدّم يقترن بالصحراء الداخلية، في كل نفس، منفى. يا للمفارقة! قمّة العدالة البشريّة، اليوم، تتمثّل في حماية الإنسان مما يهدّد تقوقعه على ذاته(!) الإنسان، حاضراً، حرّ آمن في عزلته حتى الموت: هذا يبدو المشتهى(!) لذا العدالة البشريّة ليست قيمة في ذاتها. العدالة البشريّة تنظيم للحالة الناجمة عن سقوط الإنسان. القيمة هي في العدالة الإلهية. العدالة البشريّة قِبلتها العدالة الإلهية وإلاّ تَسقط وتُدمِّر.

ما نقصده بالعدالة الإلهية، في هذا المقام، العدالةُ بين الناس في منظور إلهي.

العدالة الإلهية أساسها المحبّة. غايتها ترويض الناس على حمل أثقال بعضهم البعض. دأبُها تنقية النفس من استعباد الأهواء لها التماساً للحرية الحقّ. غرض العدالة الإلهية، بكلام آخر، أن يَتّخذ الناس بعضهم البعض، مهما باعدت أحوالُهم وظروفُهم فيما بينهم، أقرباءَ بالمحبّة. "أعطني هذا الغريب". دور العدالة الإلهية الأول هو الفرح بالإخوة وبذل النفس عنهم تكريساً للإتحاد بهم. حتى من دون تفاعل حسّي أو نفسي يكون الجميع حاضراً كلٌّ في الآخر. العدالة الإلهية اتحاد بالله يُترجَم اتحاداً بالناس حتى بذل الذات. العدالة الإلهية تتويج لإنسانية الإنسان. تبلِّغه إلى المثال الإلهي. تحقّقه. تحوّله امتداداً لمحبّة الله، إيقونةً حيّةً لله. يصير اللهُ فيه مستوطِناً. يصير هيكلاً لله. العدالة الإلهية غربة عن أهواء الناس، وحشةٌ إرادية لعالم الناس ابتغاء العِشرة الإلهية الإنسانية الحقّ في كيان الناس. من هنا كونُ العدالةِ الإلهية هي القيمة.

صورة العلاقة بين العدالة البشريّة والعدالة الإلهيّة عندنا هي علاقة ناموس موسى بناموس المسيح. أما ناموس موسى فكان مؤدّبنا إلى المسيح. "ولكن بعدما جاء الإيمان [بالمسيح] لسنا بعد تحت مؤدِّب" (غلا 3: 25). وأما غاية الوصيّة في المسيح فهي "المحبّة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء" (1 تي 1: 5). هذا معناه أنّ المؤمن الحقّ ليس بعد في مستوى عدالة الناس. هم يحسبونه دونها أما هو فتخطّاها إلى مبتغاها. والمسيح مبتغاها حيث لا مسافة بين المسيح ومحبّة المسيح كون الله محبّة. المسيح هو الألف والياء. هو نفَس أنوفنا. هو الجامع الحقّ بين الناس ولا جمْع من دونه. لذا حقّ تصريح المسيحيّين، فيما بينهم: "المسيح معنا وفيما بيننا، كان وكائن ويكون".

السلام العالمي الذي يتحدّثون عنه ويأملون فيه سحابةُ صيف ووعدٌ أجوف ولا يعنينا ولو صلّينا من أجل سلام كل العالم. السلام الذي نرتجيه لهذا العالم ليس من دون سلام المسيح، من دون شخص المسيح سلامِنا. معلِّمنا، في شؤون هذا الدهر، لم يأت ليلقي سلاماً بل سيفاً. في العالم سيكون لكم اضطراب. همّنا أن ينبثّ سلام المسيح في العالم. همّنا "أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك وابنك يسوع المسيح".

ولا حقوقُ الإنسان، في ذاتها، تعنينا. نحن، لا حقّ لنا، في المسيح، على أحد لأنّه لا أحد يقدر أن يُنصفنا، أن يعطينا فوق ما عندنا، مسيحَ الربّ، بل حقُّ الجميع علينا أن نسهم في حمل أثقالهم إلى حقّ المسيح، إيقونةً وامتداداً وحملاً لسِماتِ مَن "أحزانَنا حملها وأوجاعنا تحمّلها... وهو مجروح لأجل معاصينا ومسحوق لأجل آثامنا" (إش 53). لذا لا نشاء أن نعرف شيئاً بين الناس إلاّ المسيح وإيّاه مصلوباً. اقتبالنا ثِقْلَ خطايا الآخرين علينا شركةٌ في مصلوبية المسيح، في معرفته مصلوباً إلى أن يقوم فيهم وفينا.

نستغرب ونستهجن أن يتهافت المسيحيون، أساقفة وكهنة ولاهوتيّين وعامة، على أنشطةٍ ولقاءاتٍ في شأن السلام العالمي وحقوق الإنسان كأن هذه قضيّتهم. نستغرب ونستهجن تلاقي الديانات وتجيير الصلوات لأغراض هذا الدهر. نستغرب لأنّ سلام المسيح ليس هو القِبلة. نستغرب لأنّ المسيح يُدرَج، على نحو متزايد، بين آلهة الأمم أو يُساوَى بها. كأنّ المطلوب هو استعباد المسيح لخدمة سلام أوهام العالمين. أخطاء المسيحيّين في الماضي وتجديفُ الأمم على الله بسببهم يعوِّضون عنه اليوم لا بالتوبة والتكفير، كما يُفترض، بل بإبداء الاستعداد المشبوه المتنامي للتخلّي عن الكرازة بالمسيح، وتالياً عن المسيح، والاعترافِ، محاباةً، بديانات أبطلها المسيح بدمه، واعتمادِ التلفيق (الخلطة) نهجَ حداثةٍ وتغييرٍ، يحسبونه مبارَكاً، في التعاطي معها! هكذا يمعنون في جسم العدالة الإلهية تمزيقاً وتفريطاً!





الأرشمندريت توما (بيطار)

رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 00:39 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.06032 seconds with 12 queries