![]() |
س و ج | قائمة الأعضاء | الروزناما | العاب و تسالي | مواضيع اليوم | بحبشة و نكوشة |
![]() ![]() |
|
أدوات الموضوع |
![]() |
#145 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 27 تموز إنّ الذين يكتبون في موضوع الأفكار الخاطئة يجمعون على أنّ تهديداً ما هو الذي يموّه الرؤية ويُحدث الانحرافات فيها . و مواجهة التهديد من شأنها أن تقلّص الرؤية . فعتدما أشعر أنّّني مهدّد , ألجأ بعفوية إلى اتخّاذ مواقف دفاعيّة , مّما يجعلني في الغالب عرضة لأن أتجاهل بعض الدلائل التي تُقدم إليّ ( إنّه إغفال مقصود و منتقى ) . فتلك الدلائل قد تدفع بي إلى تقويم رؤيتي و ربمّا إلى مواجهة أوهامي , و هي قد تشكّل تحدّياً لي لأبدأ في التفكير و التغيير , و لكن يحلو لي أن أدافع عن نفسي بدل أن أتبصّر في واقعي . من المستحبّ جداً أن يكرّس المرء بعض الوقت في آخر كلّ يوم ليسترخي و يستعرض و يقوّم . و لكنّنا في الغالب نعيش و كأنّ الزمن يحكم قبضته علينا . لكنَّ هنالك بعض أوقات كتلك التي نقضيها في السفر أو في الاسترخاء الذي يسبق الرقاد , أو في انتظار إنسان تأخّر مجيئه , إلى ما هنالك , في مثل تلك الأوقات يعيش الإنسان في جوٍّ يتضاءل فيه التهديد و تتّسع الرؤية فيُفسح المجال لخلق جديد و إبداع جديد . و مثل هذه الأوقات لا تثمَّن لأنّها المدى الذي يسمح للمرء أن ينمو و يهنأ في حياة طمأنينة و سلام . |
||||
![]() |
![]() |
#146 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 28 تموز ![]() أنت تعرف , و لا شكّ , أنّ مبادئ الإيروديناميّات ( ذلك العلم الذي يدرس حركة الهواء و القوى المؤثرة في الأجسام المتحرّكة عبر الهواء ...) تنكر على " النحلة الطنّانة " قدرتها على الطيران . فجناحاها الرقيقان النحيلان , يقول الاختصاصيون , لا يمكّنان تلك النحلة الضخمة من الارتفاع عن الأرض . و لكن من حسن حظها أنّها لاتعرف رأي الاختصاصيّين . فعندما تؤمن بأمر ما دون أن تتفحّص حقيقته , يصبح موقفك أداة لتثبيت حقيقة ما أنت مؤمن به . فما دمت تظنّ أنك غير قادر , فأنت غير قادر , لذا يجب ألا تدع احداً يقول لك , و فوق كلّ شيء لا تقول أنت لنفسك , أنّك لست بقادر . حاول فتختبر قدرتك من خلال ما تحقّق . أنا لست أعني هنا بالطبع أن تحاول الطيران , بل أن تتمرّس على التخلّص من كلّ الانحرافات القديمة و الأمور الكاذبة التي ما انفككت َ تهمس بها لنفسك من دون أن تتساءل يوماً حول صوابيّتها . |
||||
![]() |
![]() |
#147 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 29 تموز حدّثني صديق لي عن اختبار له في بلاد البهاماز , حيث رأى يوماً جموعاً من الناس تزدحم حول أحد المرافئ . سأل عن سبب ذلك الازدحام , فقيل له : " إنّ شاباً بنى لنفسه مركباً و هو على وشك الانطلاق فيه لوحده في رحلة حول العالم " . و كان الجمع كلّه , من دون استثناء , في حال من التشاؤم لم يحاول أحد إخفاءها , الكلّ كان يذكر البحَّار الطموح بكلّ ما يمكن أن يتعرّض له من مخاطر : " الشمس ستكويك ! ... و الخبز لن يكفيك !... و المركب الذي بنيت لن يصمد في و جه العواصف ... و في كلّ حال لن تبلغ هدفك ! " . عندما سمع صديقي كلّ تلك التحذيرات المضنية توجَّه إلى الشابّ المغامر , أحسّ بدافع قويّ في نفسه يحثّه على أن يزوّده بشيء من التشجيع و التفاؤل . لمّا بدأ القارب يبتعد عن الرصيف أسرع صديقي نحوه ملوّحاً بيديه و كأنّ الثقة تتدفّق من يديه و كللّ جوارحه و أخذ يصرخ : " اتمنى لك سفرة موفّقة ! إنّك شخص غير عاديّ ! قلوبنا معك ! و نحن نفخر بشجاعتك ! وفّقك الله يا أخي ! " . يبدو لي أحياناً أنّ الناس ينقسمون إلى نوعين . نوع يبحث عن كلّ مكروه قد يحدث لنا و نحن نحاول أن نشقّ طريقنا الخاصة في الحياة , و يأخذ على عاتقه أن يذكّرنا دائماً بذلك : " انتظر كم ستعاني من البرد و الألم في عالم كلّه ظلم . إسأل مجرّب ... " . و نوع آخريقف على الرصيف و يلوّح , منه يستطيع الإيمان بنفسه و الثقة بنا , و من ملء فمه تنطلق الدعوة بالتوفيق . |
||||
![]() |
![]() |
#148 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 30 تموز في التزامي بحبّ غير مشروط , أعدك بأن أكون شخصاً , لا قطعة من المعجون يسهّل عليك أن، تقولبها كيفما تشاء . أن أكون شخصاً , فذلك يعني أنّ لي حقوقاً و عليّ مسؤوليّات . لي الحقّ مثلاً أن أعبّر عن أفكاري و مشاعري , أن يكون لدّي خيارات يمكنني تحقيقها . كما يعني ذلك أيضاً أنّ في حياتي مجالاً للحرّية الشخصيّة , و ألا يمسّ أحد ذلك المجال , و أنّ في صلب عمليّة نضجي الشخصيّ القدرة على اتخاذ قراراتي الخاصّة و تحمّل مسؤوليّاتها . انا لن أتّخذ , طبعاً , قرارات تلزمك أنت , بل تلك عليّ أنا اتّخاذها , لأنّها تخصّني و حدي , تلك هي بعض الحقوق التي تعود لي كشخص و التي أودّ أن أحافظ عليها , و آمل منك أن تحترمها . كن على استعداد أن تجد فيَّ شخصاً يمكنك ان تصطدم به . بالطبع . لك حقوقك المماثلة كلّها . و أنا سأحترمها بدقّة , و لن أحترمها فقط . بل سأنتظر منك أن تعيش دائماَ و تحافظ على حقوقك و تفرض احترامها , إذا كان ذلك ضروريّاً . و رجائي أن تكون عندك الشجاعة كي تُفصح لي دائماً , إذا شئت , عن أفكارك و شعورك . أنا لا قدرة لي على معرفة ما تفكّر فيه و ما به تُحسّ . و لا يمكنني أن أحزر ما هي خياراتك , فعليك أنت أن تقول لي كلّ ذلك . فأنا لا أريد أن أفترض شيئاً بشأنك : إنّ في ذلك خطراً كبيراً . لا تظنّ أنّك تحبّني إذا تقلّبت لتطابق ما أريد , أو أرهقت نفسك في تعقيدات ظنّاً منك أنّ ذلك سيسعدني . و إذا فعلت , فمن المرجّح أنّك ستُتعبني , و سوف أضجر منك , و سوف أفتقد التحدّي عندك و في علاقتنا . |
||||
![]() |
![]() |
#149 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 31 تموز لا يمكنني أن أدعك تستعملني أو تحاول , بحيلة منك , أن تغيّر حياتي ,. علينا أن نحبّ الأشخاص و نستعمل الأشياء .و إنّني شخص و لست شيئاً .إذا تركتك تستعملني فذلك ليس بفعل حبّ لا لك و لا لنفسي .و إنّني أرجو أن تكون على يقين من أنّي لن أسمح لنفسي أن أُدينك أبداً , فليس باستطاعتي , لا الآن و لا في المستقبل , أن أعرف ما في نواياك . و الطريق الوحيد إلى معرفة ما تُضمر هو أن أسألك أنت , و أنّي لن أسمح , لا لدموعك و لا لهبّات غضبك أن تثنيني عن جهودي للتفهم معك . و إذا ما أحسست بشكّ في أمرك , فسوف أواجهك بشعوري . و إذا حدث أن جرحتني بموقف منك أو كلمة , فسوف تسمع صرخة ألمي . و عندما تثبّتني أو تعزّيني أو تهنّئني , فسوف أكُنّ لك الشكر مدى الحياة . " الأنا " الذي سيكون على اتّصال بك لن يكون طبعة مختصرة عنّي و لا منقّحة . إنّني فاعل , لا رادّ فعل . لذا عليّ أن أقرّر أنا دائماً كيف أتصرّف . لا يمكنني أن ألقي بهذه المسؤوليّة على عاتقك . و سوف أحاول أن أوافّق , بقدر المستطاع , بين اللباقة و العطف من جهة , و الصراحة و الانفتاح من جهة أخرى , و لكن لا حقّ لي أن أساوم , لا في سلوكي و لا في علاقتي معك . فلا أفكاري برسم الإيجار و لا مشاعري , و لن أسمح أن يستعملني أحد . و مهما فرض علينا الحبّ , فهو لن يتطلّب منّا أن نكون " مماسح " كتلك التي توضع أمام باب المدخل , و لا أن نعمل دوماً لإرضاء الآخرين , و لا أن نبحث عن السلام بأيّ ثمن . فأثمن ما يمكن لحبّي أن يقدّم لك هو خلاصة ذاتٍ صادقة , من خلال انفتاح هو قمّة في الصدق . |
||||
![]() |
![]() |
#150 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 1 آب من المهمّ أن يواكب الحبّ بعض الشعور , و لكنّ الحبّ نفسه ليس بشعور . و لو كان كذلك , لغدا عرضة لتقلّبات كثيرة , و الذين يحسبونه هكذا , يعيشون في حال من التقلّب المستمرّ. الحبّ قرار و التزام , و أنا مدعوّ , كمسيحيّ , إلى أن أحبّ جميع الناس . و هذا يعني أنّه عليّ أن أحترم كلّ شخص ألتقيه , على قدر المستطاع , فينمو و يحقّق السعادة التي بحث عنها . و لكن من غير الممكن أن أدخل في علاقة حبّ مع كلّ الناس . لذا عليّ أن أقرّر , و أن أقرّر بكلّ تأنٍّ , إلى مَن , و على أيّ مستوى من الالتزام , أود أن أقدّم حبّي . عندما أتّخذ مثل هذا القرار , و ألقى التجاوب الذي اتمنى , أُصبح , بملء حرّيّتي , ملتزماً بسعادة مَن أحبّ و سلامته و ارتياحه . و يصبح من واجبي أن أعمل , بكلّ قواي , على مساعدة هذا الشخص كي يحقّق ما يراوده من أحلام نبيلة . هذا هو الالتزام في الحبّ . و عندما أسأل نفسي عن دور الحبّ في حياتي , عليّ أن أسأل بالتالي هل في حياتي شخص يهمنّي أمر سعادته و نموّه , أقلّه كما يهمنّي أمر سعادتي أنا و نموّي . فإذا أجبت بالإيجاب عرفت آنذاك أنّ الحبّ قد دخل حياتي . و يمكنني أن أسأل نفسي أيضاً هل أنا على استعداد لأن أبذل حياتي في سبيل شخص أو قضيّة . لقد قال لنا يسوع إنّه ما من حبّ أعظم من ذاك الحبّ : " ليس لأحد حبّ أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبّائه " ( يو 15/13) . |
||||
![]() |
![]() |
#151 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 2 آب الالتزام بالحبّ يحتّم عليّ الكثير من الإصغاء بكلّ اهتمام . إنّي أريد حقاّ أن أكون حيث فيك حاجة إليّ , و أن أساهم في إتمام ما يقودك إلى سعادة حقيقية و إلى سلام و ارتياح . و لكي أستكشف حاجاتك , عليّ أن أنتبه , و أهتمّ و أصغي إلى ما تقول و إلى ما لا يمكنك قوله . و مع هذا كلّه , فالقرار النهائيّ في مبادرة الحبّ يبقى قراري أنا . و هذا يعني أنّ حبّي قد يكون حبّاً قاسياً , و لن تجده دائماً رقيقاً و ناعماً . فقد طلب إليّ أن أسايرك بكأس أخرى , و قد بدأت آثارالخمرة تظهر على وجهك , و قد تدعوني إلى مشاركتك في عمل هدّام ... طبعاً , إذا كنت أحبّك حقاً , عليَّ أن أقابل مثل هذه المطالب برفض قاطع . و إذا رأيتك تتّجه نحو تدمير ذاتك , عن طريق الإدمان مثلاً ستجد حبّي عنيفاّ في المجابهة , و لكن , عند الحاجة , سيكون حبّي لطيفاً . فإذا حاولتَ مثلاً و فشلت , و وجدت نفسك , و انت في ظلمة الخيبة , و فيك حاجة إلى يد في يدك , فهنالك سوف أكون بانتظارك . و قد أُخطئ في فهمي إيَّاك أحياناً , و في فهم حاجاتك . لقد حدث لي ذلك مع الكثيرين في الماضي . و لكنّي أريدك أن تتذكّر دائماً أنّ قراري هو أن أحبك , و أنّ التزامي التزام بسعادتك الحقيقيّة الدائمة . و لقد أخذت على نفسي أن أعمل دوماً في سبيل نموّك و اكتمالك الذاتيّ . و إذا حدث لي أن فشلت لقلّة حكمة عندي , أو لكثرة من الضعف فيَّ أرجو أن تسامحني , و تتذكّر طيب نيّتي . و كن على يقين من أنّي سأحاول أن أحسّن أمري . |
||||
![]() |
![]() |
#152 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 3 آب في كلّ منّا حاجة إلى أن يسمع رسالتين تتردّدان في أعماق نفسه و أن يسجّلهما في وجدانه : أولاً إنّه إنسان مسؤول و إنّه ثانياً يتمتّع بتقدير الآخرين و ثقتهم . فرسالة الثقة قد تكون كالآتي : " إنّك شخص فريد و خليقة كوّنها الله على صورته و مثاله و إنسان يتحلّى بقيمة شخصيّة مميّزة " . أمّا رسالة المسؤوليّة فقد تترجم شعوراً بأنّي شخص ناضج أتحمّل مسؤولية حياتي و مشاعري و مواقفي . و ما سوف أحقّقه في الحياة هو في متناول يدي , و عندما أنظر في الصباح إلى المرآة , أعي أنّني أمام الشخص الذي يتحمّل مسؤوليّة سعادتي . لقد قيل في هاتين الرسالتين إنّهما " الجذور و الأجنحة " . علينا أن نهب الآخرين جذوراً و أجنحة , فجذور الإنسان تكمن في الشعور بالقيمة الشخصيّة , و في الثقة بالنفس و في الإيمان بأنّه شخص فريد , هذا هو الحبّ الحقيقيّ ذلك الذي لا شروط له . أمّا الأجنحة فهي الإحساس في أعماق نفسي بأنّني أمتلك القدرة على أن أطير و أحلّق , و أغرّد حيث أشاء , و كيفما أشاء , فأضفي على الوجود دفئاً جديداً . أنا أعشق الحياة بكلّ قواي فلا أوجّه الملامة إلى أحد من جرّاء فشل اختباره , بل أواجه كلّ شيء بروح المسؤولية الكاملة إلى ما حدث أو قد يحدث في حياتي . أن يُحسّ المرء بجذوره فذلك يعني أنّه راسخ في كيانه و يعرف ما يريد من الحياة , و أن يشعر بأنّ له أجنحة فذلك يعني أنّه على أهبة الاستعداد ليحقّق ما تدعوه الحياة إلى القيام به . |
||||
![]() |
![]() |
#153 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() |
||||
![]() |
![]() |
#154 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 4 آب ![]() الحبّ نوعان : مشروط أو غير مشروط . إمّا أن أضع شروطاً لحبّي لك و إمّا أن لا أفعل . و بقدر ما أضع من الشروط , أحبس عنك حبّي . أن لا أقدم إليك هديّة , بل شيئاً مقابل شيء , بينما الحبّ الحقيقيّ يكون دائماً هديّة مجانية . إنّ ما تعني هديّة حبّي لك هو أنّي أريد أن أشاطرك ما هو خيّر عندي . إنّك لم تَفُز بسباق و لا برهنت لي أنّك أهل لذلك . فالقضية ليست قضيّة ليست قضيّة استحقاق لحبّي . و أنا لا أتوهم أنّ أيّاً منّا هو أفضل إنسان في الدنيا . حتّى إنّي لاأفترض أنّنا أفضل الناس تجانساً , بل أنا على يقين من أنّه , في مكان ما من الدنيا , يوجد شخص قد يكون " أفضل" لك منّي , أو آخر " أفضل " لي منك . و لكن ليست هذه هي القضية . القضيّة هي أنّي انتقيك و وهبتك حبّي , و أنت انتقيتني و وهبتني حبّك . هذه هي التربة الوحيدة التي فيها يخصب الحبّ . " أنت و أنا نوّد أن نقتحم الحياة معاً " . الرسالة الأساسية للحبّ غير المشروط هي رسالة تحرير الآخر: باستطاعتك أن تكون ذاتك , و أن تعبّر بكلّ ثقة عمّا تفكّر فيه و تشعر به , من دون أن تخشى الحرمان من ذلك الحبّ . إنّك لن تعاقب على صراحتك و انفتاحك . فإنّ حبّي لا يفرض عليك , لا ثمن دخول و لا بدل إيجار , و ليس هنالك من حاجة إلى دفعة في الحساب ... و قد يأتي يوم تختلف فيه آراؤنا , و نُحسّ بمشاعر مقلقة فيما بيننا . و قد يأتي يوم تفضل فيه بيننا مسافات نفسيّة أو جسديّة . و لكنّي عاهدتك الالتزام بك . هذا خطّ حياتي و لن أحيد عنه أبداً . لذا بإمكانك أن تكون حراً و تعبّر لي عن الإيجابي في ردّات فعلك و السلبيّ أيضاً , و عن الحار في عواطفك و سواه . أنا لا يمكنني أن أستبق ردّات فعلي , و لا أن أضمن قوّتي , و لكن أمراً واحداً أعرفه , و هذا ما أريدك أنت أن تعرفه : " إنّني لن أرذلك أبداً!" لقد ألزمت نفسي بنموّك و سعادتك , و وعدتك بدوام حبّي . |
||||
![]() |
![]() |
#155 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 5 آب ![]() في السنيين العشر الأخيرة من حياة أمّي دارت بيني و بينها أحاديث كثيرة و تبادلنا الكثير من الأسرار . فقلت لها يوماً إنّني أشعر في قرارة نفسي بخوف من الموت . فأمالت رأسها ببطء على الوسادة و نظرت إليّ بعطف كبير و تفهّم عميق و همست لي بصوتها الخافت : " منذ أن بلغ كلّ من أولادي قسطاً وافراً من الاستقلالية , ما عدت أخشى الموت . كان همّي ألا أغادركم أطفالاً . و لكن هل تعلم ممّا أخاف اليوم ؟ أنا أخاف من الألم . أراني عاجزة عن أن أواجه ميتة مؤلمة . واحدة سألت المسيح و قلت له : " عندما تأتي لتأخذني إليك أرجو أن تدخل بيتي على " رؤوس أصابع رجليلك " و أنا في نومي فتطبع على ثغري قبلة لطيفة تحملني إليك . إنّني لا أريد أن أذهب إليك متألمة " . ماتت والدتي عن عمر يناهز الثمانية و الثمانين ... و كانت طبعاً في رقاد عميق . فأتاها السيّد و كأنّه يتسلل نحو سريرها و طبع على ثغرها قبلة لطيفة تماماً كما سألته : ذلك أنّه ما كان ليردّ لها طلباً . و طوال و العشرين الأخيرة , و قد غرقت في غيبوبة عميقة , جلست بقربها محتضناً يداها بين كفّي و رحت أستعيد ذكريات طفولتي و أيّام الصبى , و كم كانت يداها تشفيان بلمستهما اللطيفة , و كم أخاطت لي من ثياب و كم من وجبات طعام هيأت ؟, و كم من " السندويشات " حضّرت لي كلّ صباح و كانت تلفّها بتلك الأوراق المشمّعة كي أتغذّى منها في مدرستي . و تلك اليدان أيضاً ربطتا شريط أوّل حذاء انتعلته ... و كم من مرّة غسلتا جسمي و على جبيني وضعتا الخرقات المبلّلة الباردة عندما كانت الحمَّى تنتابني . و هي هي تلك اليدان صفعتا مؤخرّتي عندما استوجب الأمر ذلك , كما أنّها لاطفت محيَّاي عندما كانت فيَّ إلى لطفها حاجة . |
||||
![]() |
![]() |
#156 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 6 آب ![]() عندما نفكّر في حبّ الآخرين لنا نتمنّى , بل نجزم . أنّنا نريده حبّاً من دون شروط . أنا لا أريدك أن تحبّني بسبب ما يمكنني أن أقدّم إليك , أو لأنّني أتجاوب مع ما تبتغيه منّي . أنا لا أودّ أن أسير على وقع خطاك أنت , بل أريدك أن تحبّني كما أنا , في كبرى و في ضعفي , في صحّتي و في المرض , في غناي و في فقري , و في الظروف السيّئة كما في الظروف الحسنة . أريدك أن تحبّني من دون شروط . فأنا لا يمكنني أن أبيعك نفسي لأشتري حبّك . و لكن عندما نفكّر في الحبّ الذي نودّ أن نعطي , قد لا تتجلّى لنا الأمور في الوضوح نفسه . غالبيّتنا نؤثر التريّث و لو قليلاً , مخافة ألا تسير الأمور كما نشاء . أن أعد بأمانة غير مشروطة , فذلك التزام مخيف جداً . نودّ أن نبقي الباب الخلفيّ مفتوحاً ليكون هنالك مجالات للإفلات . كم هو سهل أن يكون الإنسان طليقاً كالفراشة , ينتقل من زهرة إلى زهرة ! و كم هو صعب أن يخاطر المرء في التزام غير مشروط فكأنّنا نأبى الالتصاق في مكان واحد , و نؤثر العيش كرحّالة , نتنقل من خيمة إلى خيمة . ![]() |
||||
![]() |
![]() |
#157 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 7 آب ![]() في الفيلم " الفراشات أيضاً حرّة " , تقول الحوريّة من حبيبها الأعمى : ... " إنّك لا تبصر إذا أنت مقعد !" فيجيب الشابّ , في لحظة من أعمق ما جاء في حوار ذلك الفيلم , قائلاً : " لا لست بمقعد , بل أنا لا أبصر . إنّك أنت المقعدة لأنّ لا قدرة لك على الالتزام بشخص , لا قدرة لك على الانتماء " . إنّ الالتزام بالحبّ , أيّاً كان مستواه , يجب أن يستمّر : إنّه رهان الحياة . إذا كنتُ حقاً صديقك , فلا يمكنني أن أكون صديقك " ما دمت ..." أو " إلى أن ..." , بل أبقى في صداقتك ما بقيت الحياة و استمرّت . لا قيمة لحبّ عندي إلا لذاك الحبّ الذي لا ينتهي . و يجب أن أعرف هل حبّك لي حقيقيّ قبل أن أتخلى عن " حمايتي الذاتيّة " و أنزع البرقع عن وجهي و أقرّر أن أتوقّف عن التمثيل و اللجوء إلى الألاعيب المضلّلة . أنا لا أستطيع أن أخرج من ذاتي إلى حبّ مؤقّت و تجريبيّ , إلى علاقة تتحكّم فيها شروط طُبعت بأحرف صغيرة كتلك التي في أسفل العقود , علّها تشكّل مخرجّاً يتمكّن المرء من خلاله أن يفسح العقد متى يشاء . |
||||
![]() |
![]() |
#158 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 8 آب ![]() قد يكون الخوف الأكبر من الالتزام بلا شروط عائداً إلى الخشية من أنّ ذلك سوف يُنقص من استقلاليّتي الشخصية و هويّتي الخاصة . أخشى أن أُرغّم على التخلّي عمّا يميّزني عن سواي و يخدم مصالحي الشخصيّة . في الواقع , إذا تحقّقت تلك المخاوف , فلن يكون هنالك علاقة حبّ , لأنّ العلاقة تحتّم وجود شخصين . في كتاب " النبيّ" , يؤكّد جيران خليل جبران أنّ الحبّ غير المشروط لا يعني التصاق جزيرتَين في أرض واحدة . إنّ علاقة الحبّ في رأيه أشبه بجزيرتين منفصلتين تغسل مياه الحبّ الواحدة شاطئيهما . و في كلمات رينير ماريّا رالك : Rainer Maria Rilke " الحبّ أشبه بشخصين , كلّ منهما في وحدة , قرّرا أن يتقابلا فيحمي أحدهما الآخر و يلتقيان في عمق ذواتهما " . قد يتخلّى أحد الشخصين عن هويّته للآخر , ربمّا لقلّة احترامه لنفسه , أو لحاجة عميقة فيه إلى حماية الآخر , و لكن هذا لا يكون أبداً باسم الحبّ الحقيقيّ . |
||||
![]() |
![]() |
#159 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 9 آب يُحكى أنًه في حقبة ما من الزمن , كانت إيرلندا مملكة و لم يكن للملك الحاكم أولاد . فطلب من معاونيه أن يعلّقوا على الأشجار في كافّة أنحاء المملكة إعلانات تدعو مَن يرى نفسه أهلاً لأن يكون وليّ عهد الملك أن يحضر لمقابلة الملك - و لكن على كلّ مَن يتقدّم أن يتحلّى بصفتين أساسيّتين : أن يكون محبّاً لله و محبّاً لإخوته البشر . رأى شابّ ذلك الإعلان و شعر أنّه يتحلى بالصفتين اللتين ذكرهما الملك . و لكنّه كان فقيراً لا يملك الثياب التي تليق بالملك و غير قادر على شراء ما يلزم من زاد للسفر . فقرّر أن يستعطي و يقترض إلى أن يوفّر لنفسه تلك الحاجيات . و ما أن توفّر كلّ شيء لديه حتّى سار نحو القصر , و لمّا أصبح على مقربة منه رأى إلى جانب الطريق فقيراً يستعطي و هو يرتجف من البرد و لا يرتدي سوى بعض الثياب الرثّة . فامتدّت يداه نحو ذلك الشابّ و بصوت مرتجف قال : " أنا جائع و البرد يلفحني فهل لك أن تساعدني ؟ " فرقّ قلب الشابّ فخلع ثوبه الجديد و بدّله بالخرق التي كان الفقير يرتديها . و بكلّ عفويّة و كرم أعطى الزاد الذي كان يحمله للفقير . إنّه كان حقّاً محبّاً لله و لإخوته البشر . |
||||
![]() |
![]() |
#160 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 10 آب تابع ذلك الشابّ الذي تكلّمت عنه الأسطورة الإيرلنديّة ( في قراءة يوم أمس ) سيره نحو القصر و هو يرتدي تلك الثياب و في نفسه يعض التردّد و قد أعطى ذلك الفقير زاده بأكمله . و لمّا بلغ القصر استقبله البوّاب و أتى به إلى غرفة الانتظار . و بعد وقت ليس بقصير أحضر إلى ديوان الملك , فانحنى بكلّ احترام و لمّا وقعت عيناه على الملك امتلأ عجباً و قال بكلّ عفويّة : - " أنت ... أنت الفقير الذي كان يستعطي في الطريق " - أجاب الملك : " نعم , أنا كنت ذلك الفقير . - و لكنك لست بفقير حقاً , بل أنت الملك . - نعم أنا الملك . سأله الشابّ : و لماذا صنعت ذلك ؟ - لأنّي أردت أن أتيقّن من أنّك في الحقيقة تحبّ الله و تحبّ إخوتك البشر . و كنت أعلم أنّني لو أتيتك بحلّة الملك و بالتاج المرصّع , لقمت بكلّ ما طلبته منك من دون تردّد , و بقيت قدرتك الحقيقة على الحبّ خافية عليّ . أتيتك فقيراً لأختبر حقيقة الحبّ الذي في قلبك فتيقّنت أنّك تحبّ الله و إخوتك البشر , لذلك أنت أهل لترث ملكي . |
||||
![]() |
![]() |
#161 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 11 آب في الفصل الخامس و العشرين من إنجيل القدّيس متّى , يصف يسوع الدينونة العظمى : " ... يقول الملك للذين عن يمينه : " تعالوا يا مَن باركهم أبي , فرثوا الملكوت المعد لكم منذ إنشاء العالم : لأنّي جعت فأطعمتموني , و عطشت فسقيتموني ..." فيجيبه الأبرار : " يا ربّ متى رأيناك جائعاً فأطعمناك , و عطشاناً فسقيناك ؟ " . أمّا جواب يسوع فهو في الواقع هكذا : " أنا كنت المتسوّل القابع على جانب طريق حياتك . ما أتيتك بعظمة الله و بهاه , بل كمتسوّل فقير جئت إليك . كنت أبحث عن الحبّ في قلبك و كنت أودّ أن أعرف هل بإمكانك أن تفتح يديك و قلبك للحاجات التي في جارك . فحيث يكون كنزك , يكون قلبك , و أنا كنت أودّ أن أعرف أين هو قلبك . لقد وجدت في قلبك الكثير من الحبّ . لذلك سيكون لك مكان في ملكوتي للأبد . سوف تملك السعادة التي لم ترها عين و لا سمعت بها أذن و لا خطرت على قلب بشر . تعالى إلى بيت أبيك حيث أعددت لك مكاناً خاصّاً بك أنت " . في النهاية , في تلك البرهة العظمى , سيسألني الله عن أمر واحد , ألا و هو الحبّ الذي في قلبي . |
||||
![]() |
![]() |
#162 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 12 آب ![]() إن ما قاله عالم النفس هاري ستاك سولفن Harry Stack Sullivan في علاقة الحب الحقيقية يمكن أن نتبناه كتحديد جيد للموضوع : (( عندما تصبح سعادة الآخر و طمأنينته مهمة في نظرك تماماً كسعادتك أنت و طمأنينتك , آنذاك أنت حقاً تحبه )). و همي أن أراك مرتاحاً و فرحاً و مطمئناً ليس هو مجرد شعور . فالمشاعر آنية و عابرة و متغيرة . أما الحب فهو قرار ( أنا سأحبك ) و التزام ( سوف أقول و أفعل ما بوسعي لتكون أنت مرتاحاً و فرحاً و مطمئناً) . و بكلام آخر أنا أقرر أن أحبك كحبي لنفسي , و سأعمل ما بوسعي كي أحقق ذلك . هذا هو الحب . و هذا هو الحب الذي يجيب ان يكون المحرك لكل عملية تواصل , و ما يكمن وراء أعمالنا يظهر في نتائجها . و (( من ثمارهم تعرفونهم )) . و إذا كان الهدف مما أقوم به هو الحب فأول ما يتوجّب عليّ هو أن أنظر إليك بعين الحبّ . و الحبّ ليس بأعمى , بل هو ثاقب النظر جدّأً . فالإنسان الذي يحبّ يبصر في الآخر أشياء تبقى خفيّة على عيون لا يسكنها الحبّ . أنا أحدق في عينيك لأكون على بيّنة من الحاجات التي فيك . فقد تكون بك حاجة يوماً إلى أن أفرح معك بنجاح أحرزته . و في يوم آخر , أرى من واجبي أن أجالسك في غرفة مظلمة و أصغي إلى متاعبك و آلامك . و في مناسبة أخرى , ألبي حاجة فيك إلى العطف و الحنان أو إلى القساوة و التطلّب .. و مهما كانت فيك الحاجات , سأكون حاضراً لتلبية ما بوسعي أن ألبّي . |
||||
![]() |
![]() ![]() |
|
|