أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > مجتمع > المنتديات الروحية > اللاهوت المسيحي المعاصر

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 03/01/2006   #73
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي كان إنسان .. اسمه نيقوديموس


هناك وعد ماسوي آخر أفضى به المسيح ، في أورشليم أيضا ، بعد ذلك بزمن يسير ، إلى واحد من زعماء الأمة اليهودية ؛ من أولئك الشيوخ ، أعضاء السنهدرين ، الذي تجسمت فيهم السلطة والتقاليد القومية . ولا شك أن الرجل قد فقه معنى ذاك الوعد، ولكنه لم يجد من نفسه العزم على الخضوع لنداء المسيح ، وما يقتضيه من انقلاب في السيرة . ولكم من الناس ، من بعده ، سوف ينكصون مثله ، عن تلبية ذاك النداء ! . .
. لقد كان أمرا طيبا، على حد ما صوره إنجيل يوحنا (3 : 1 - 15 )، واحدا من أولئك الرجال الفاضلين الذين يملكون من رهافة الحس الخلقي ما يمكنهم من اكتشاف الطريق المفضية إلى الكمال ؛ بيد أنهم لا يقدمون على الخوض فيها، بقلب متيم ، بسبب ما يقيدهم من عادات ذهنية، وتهبب برجوازي ، وجبانة متأصلة . وكان نيقوديموس على جانب عظيم من الثراء ؛ وقد قال فيه التلمود، بشيء من التزيد، إنه كان بوسعه أن يقوت الشعب الإسرائيلي بأجمعه ، مدة عشرة أيام ! كان غنيا ومحترما

. ولذلك فهو، لما سمع بخبر النبي الجديد، ورغب في التحدث إليه ، آثر أن يوافيه ليلا : فالفطنة فضيلة يرتاح إليها الأناس " المحترمون " . فلما صار إليه ، طفق يستفسر ، بكل كياسة- والكياسة هي أيضا من قوانين بيئته - عن الأحداث المعجزة التي باتت تعزى إليه ، وعما يجب استنتاجه من تلك الأحداث ؟ : " يا معلم ، نعلم أنك قد أتيت من الله معلما . لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل، إن لم يكن الله معه ! " . هو السؤال الحاسم الذي كان كل يهودي ورع يضمره في قلبه : هل يسوع هو، بالحقيقة، ذاك المنتظر؟ . . وهل سيقيم ملكوت الله على الأرض ؟ .

. نفذ يسوع ، بنظرة واحدة، إلى قرارة تلك النفس -كما نفذ إلى أعماق غيرها من قبل - وكشف ما فيها، إلى جانب خلوص راهن ، من تقاليد متحجرة، وأراء موروثة، ووهن . . . فأجابه ، منتقلا بالمعضلة إلى نطاق جديد : " الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من فوق ، لا يقدر أن يرى ملكوت الله "

انسان بلا حدود
CHEGUEVARA
انني احس على وجهي بألم كل صفعة توجه الى مظلوم في هذه الدنيا ، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني.
EYE IN EYE MAKE THE WORLD EVIL
"أما أنا فقد تعلمت أن أنسى كثيرًا، وأطلب العفو كثيرًا"
الأنسان والأنسانية
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #74
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


لأول مرة نلقى المسيح ، ههنا، يعرض تعليمه في خطوطه المجملة. فالميلاد من فوق ، أو الميلاد الجديد ( وللفظة اليونانية، في الإنجيل ، هذان المعنيان ) ، إنما هو تحقيق الانقلاب الجذري ، والتجدد الكامل ، والبلوغ بهما إلى ذروة التوبة التي دعا إليها المعمدان . ولكن ما كان معنى تلك العبارة في نظر ذاك المتشدد قي حفظ الناموس ؟ سوف يذهب فيلون الفيلسوف إلى أن النفس ، إذا تجردت من الجسد ، صارت إلى أحضان خالقها ، وكان لها ذلك بمثابة " ميلاد جديد " . وقد استعملت تلك العبارة نفسها، في الديانات الباطنية، للدلالة على دخول المرء في أسرارها . بيد أن نيقوديموس لم يكن ليفكر في نظريات فلاسفة الإسكندرية، ولا في طقوس سيبل أوإيزيس(1)(Cybele) . فسأله ، بشيء من البلادة : " كيف يمكن الإنسان أن يولد، وهو شيخ ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟ " . فبين له يسوع أن الميلاد الذي يقتضيه ليس له علاقة بالمرأة . فالمولود من الجسد جسد هو. والروح فهي كالأم تلد الروح . والروح ، في الآرامية والعبرية، مؤنثة، وتعني " الريح " أيضاً . ولا غرابة أن الروح القدس ، يتصرف كالريح ، لا ندري من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. فهي تهب أنى تشاء، وتبقى مخفية عن الأنظار . ومع ذلك فما أعظم ما يبدو من مفاعيلها ! . . . كذلك الروح القدس هو الذي يغير دخيلة النفس ، ويفيض فيها حياة جديدة، ويفرغ فيها الصبر على خدمة الله . أو ليس هذا التعليم مرقوما في الكتب ؟ وهل بإمكان معلم في إسرائيل أن يجهله ؟

وإذا بالمسيح ، فجأة ، يتخطى ذاك السنهدريني ، وكأنى به يتوجه بكلامه إلى العالم الذي بات يترقب مكاشفاته. وانفسحت أمام ذاك الرجل الوجل الطيب ، آفاق لم يكن ليتوقعها . فهذا الذي بقربه يخاطبه ، إنما هو الرسول الذي بعثه الله ليلقن الناس ما هو من أمر ذاك " الميلاد الثاني " ؛ وهو نفسه يصارحه بذلك . أفيذعن للإيمان؟ ولكن ما كان أغرب ذاك المسيح ، في نظر يهودي ورع ! وكم كان بعيد الشبه بالصورة المترقبة ! وصمت نيقوديموس ، غير مقدم على فهم مثل ذاك الكلام . وذلك ما ألمع إليه المسيح ، في تلك اللحظة عينها : فإلذين أوثروا على غيرهم بتلك التعاليم ، سوف يتنكرون لها . وكيف لا يحجمون عن السماويات ، وهم من أبسط الخوارق يتزعزعون ! . . . ولكن إلى من تتوجه تلك الكلمات ، يا ترى ؟ أ إلى الإنسانية كلها أم إلى الشعب المصطفى ؟
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #75
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


ما هـم ! . . أو لعل بذار الخلاص قد حصر في ذاك الشاهد الوحيد الذي بات سجين صممه المتعمد؟ لقد طفق يسوع يفصح عن فكره ، في حديث طويل مع نفسه ، جاء شبه خلاصة مسبقة عن الإنجيل . فابن الإنسان قد نزل إلى الأرض ، إلها متجسدا، وابنا وحيدا للعلي ؛ وقد أرسل " لا ليدين العالم ، بل ليخلص به العالم ". وكما أن موسى قديما، قد عصم الشعب ، في البرية، من لسعات الأفاعي المحرقة كذلك ينبغي للرسول الجديد أن يؤتي العالم فداء وخلاصا . ولسوف ينفصل به النور عن الظلمة، ويضيء الحق ؛ والذين يتبعونه ينالون الحياة الأبدية . ذاك هو " الميلاد الثاني "، والتغيير الذي يجريه الروح في سرائر النفوس
. لم يورد الإنجيل جواب نيقوديموس . ولكننا ندرك جيدا ، من كونه لم يلتحق بالرسل ، أنه لم يستسلم للمسيح . أجل ! لقد كان مثلنا جميعا، ذاك الرجل " المحترم " ، الذي بات راسفا في تقاليده المتحجرة ، تنفره القرارات الخطيرة . بيد أن ذاك المشهد الليلي قد رسخ في ذاكرته . ولا ريب أنه حفظ في قرارة قلبه المتنازع ، لذاك النبي ، تقدير ومحبة . وقد أقدم على الدفاع عنه ، يوم دبرت عليه المؤامرة (يوحنا 7 : 5. ) ؛ ويوم حمل جسد المصلوب ، جاء بمائة رطل من الطيب والحنوط . (يوحنا 19 : 39 ) . وقد سلمت إحدى التقاليد القديمة بخلوص نيته ، فذهبت إلى أنه قد تعمد على يد بطرس ، ومات شهيدا للمسيح . ومهما يكن من أمر، فقد قام بمهمة على جانب عظيم من الخطورة، إذ مهد ليسوع أن يأتي بخلاصة مجملة من تعليمه ورسالته
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #76
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي ينبغي أن ذلك يزيد وإني أنا أنقص


انقضت فترة التلميح والتحفظ في التبشير . فقد تجلى كيان المسيح في طبيعتيه الإلهية والإنسانية، وقدمت للناس باكورة تعاليمه ، وقامت الأدلة الأولى على القدرة التي سوف يستخدمها، واعتلنت تباشير موته وقيامته . هذا ، وقد جرت ، في ذات الفترة، أحداث عجلت وقوع الأقدار
. كان يوحنا المعمدان ، أثناء إقامة يسوع في أورشليم ، يواصل تعميد الجماهير. وكان -على ما جاء في الإنجيل (يوحنا3 : 22 - 3.) - " وكان يوحنا يعمد في عين نون ، بقرب ساليم ، لأنه كان هناك مياه كثيرة " . ويحدد لهذا الموقع ، عادة، منطقة من الينابيع لا تبعد كثيرا عن سكيتوبوليس ، وتقرب كل القرب من بقعة تعرف اليوم باسم " تل ساليم " . ولما كانت " عين نون "، في الآرامية ، تعني " الينبوع " ، و "ساليم " تعني " السلام " فقد كان اختيار الموضع موفقا، بسبب دلالته الرمزية . ولكن يسوع ، هو أيضا، كان قد غادر أورشليم ، وطفق يعمد ؛ أو، بالأحرى ( يوحنا 4 : 2 ) ، ترك لتلاميذه مهمة القيام بشعائر التعميد، في حضرته ، من غير أن يقوم بها بنفسه : ولا عجب ، فإن ساعة التعميد بالروح لم تكن بعد قد وافت . (يوحنا 7 : 39)، ولن تأزف إلا من بعد موت المسيح وتمجده

: ولا بد أن الجماعتين كانتا على تجاور، إذ أن أتباع يوحنا أوجسوا من نشاط يسوع غيرة . فقد نشأ شبه نزاع ، وانعقدت إحدى تلك السعايات التي تبرع فيها بطانات الأشخاص العظام ، وهي أبدا شديدة التمسك بامتيازات زعمائها . وذلك أن أحد اليهود، كان ربما قد قبل معمودية يسوع ، فأقبل إلى تلاميذ يوحنا يفاضل بين مفاعيل المعموديتين متمادياً في الثرثرة . فوافوا إلى معلمهم يشكون إليه الأمر . ولكن المعمدان ظل ،كما كان دائماً ، عظيما في تواضعه ، فأجاب

. " لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئا إن لم يكن قد أعطى من السماء . أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت : أني قلت لست أنا المسيح ، بل إني مرسل أمامه . من له العروس فهو العريس . أما صديق العريس الذي يقف ويسمع ، فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس . إذا فرحي هذا قد كمل . ينبغي أن ذلك يزيد وإني أنا أنقص " (يوحنا 3 : 27 - 3. )
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #77
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


كلام رائع خليق بذاك الرجل السامي الذي أجاد التطوع لتلك المهمة الشاقة التي أسندها الله إليه . كان قد صرح عن نفسه أنه لا يستحق أن يحل ، للمسيح المنتظر ، سيور حذائه . وها هوذا اليوم يشبه مهمته بمهمة " صديق العريس " (وكان ، في الأعراس اليهودية، يعنى بلوازم الحفلة، بتضحية وتجرد كاملين ) . بل راح ينبئ بأنه سوف يأفل نجمه ، لكي يتمكن الوافد الجديد من البلوغ إلى أوج سنائه . أجل ، لقد كان في ذلك ما يحمل على الخيبة أشد الناس حمية ؛ وإننا لنعجب بأولئك الذين ضلوا، مع ذلك ، ثابتين على ولائهم للمعمدان ، حتى في وسط ذاك الانهيار الذي أنبأ به . ونعلم أن بعضا منهم لبثوا، من بعد مصرعه ، متمسكين بتعاليمه ؛ منهم أولئك الذين سوف يقع عليهم بولس ، في أفسس (أعمال 19 : 1 -7)
. " ينبغي أن ذلك يزيد وإني أنا أنقص! " : كلمة كان لا بد أن تكتسب ، بعد فترة وجيزة ، معنىً حافلاً بالهول والأسى . . . فقد كان هيرودس أنتيباس ، والي الجليل ، يعيش في تصوره عيشة الملوك ، في بسطة من البذخ والترف ، ويعمل على تشييد عاصمته طبرية، عند ضفاف البحيرة الساحرة . وكان ، إلى ذلك ، قد طلق امرأته ، ابنة ملك الأنباط ، وتزوج بهروديا امرأة أخيه . فعظمت ، في فلسطين ، فضيحة ذاك الحب الحرام الذي كان يود ، في نظر الشرع ، سفاحا . (سفر اللاويين 18 : 16 ؛ 2. : 21) . فمثل المعمدان بين يديه ، جاريا على غرار الأنبياء من قبله ، وقال له : " لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك ! "

. إن داود لم يقدم على اعتقال ناثان ، قديما، يوم جاء يبكته بامرأة أوريا الحثي . ولكن أمير طبرية لم يكن من الشهامة بحيث ينصاع لضرورة التوبة ، فألقى عاذله في السجن ، تفاديا من سماع صوته . . . ذاك ما يورده الإنجيل ، في تعليل اعتقال المعمدان (لوقا 3 : 19 ، متى 14 : 3- ه ، مرقس 6 : 17 ) . بيد أن إفلافيوس يوسيفوس يرى، لذاك الاعتقال ، فضلا عما ذكره الإنجيل ، بعض الدوافع السياسية : وذلك أن الأمير " رأى الجموع تحتشد حول المعمدان ، وتغوى بتعاليمه ، فخشي أن يستخدم النبي نفوذه لاستنهاض الشعب إلى الفتنة ". ومهما يكن من أمر، فليس بين ذينك السببين من تعارض : فالشؤون الدينية ، في إسرائيل ، تلابسها حتما مداخلات سياسية ..
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #78
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


إن الموضع الذي سجن فيه يوحنا المعمدان كان يقوم في أقصى تخوم ولاية أنتيباس . فماخيرونت هي اليوم حقل أثري في نجد متجعد . من جبال موآب ، يمتد شرقا، إلى ما لا نهاية له ، شطر البيداء العربية، بينما يشرف غربا، من شاهق عامودي مخيف ، على الهوة التي تهجع فيها مياه البحر اللعين . وأما المدينة التي كانت ترتزق قديما من تجارة القوافل ، فلم يبق منها سوى طريق مفككة الصفائح ، وقواعد هيكل الشمس . وأما الحصن الذي كان على يوحنا أن يسلخ فيها أخريات حياته ، فلا يزال كثير من بقاياه شاخصا فوق هضبة مجاورة، مخروطية الشكل ، عزيزة المنال . وكان للحصن ذؤابة يبلغ قطرها مائة متر، وتشرف على سائر أبنية القلعة من علو لا يقل عن مائة وخمسين مترا . ولا تزال ترى، حتى اليوم ، أساسات الأسوار الخارجية ؛ وأما في الداخل ، فلا يزال يوجد بئر سحيق القاع ، وصهريج ، وبرجان ، يشاهد، في أحدهما، ثغر صغيرة محفورة في حجارة البناء، كانت تثبت فيها ، قديما ، حلقات السلاسل التي كانوا يكبلون فيها المجرمين
. في ذاك السجن قضى ، المعمدان عشرة أشهر من حياته . وإنما يبدو أنه لم يكن فيه معنتا . فقد كان هيرودس أنتيباس يوجس ، بسببه ، شيئا من تبكيت الضمير . ونجد في إنجيل مرقس أن الوالي " كان يهاب يوحنا عالماً أنه رجل بار وقديس ، وكان يحفظه، وإذ سمعه فعل كثيراً وسمعه بسرور " ( 6 : . 2 ) . ولا غرو فهو لم يأمر باغتياله إلا نزولا على طلب هيروديا . وكان قد سمح لبعض من تلاميذ يوحنا في اللحاق بمعلمهم . .

. لقد كان بإمكان المعمدان أن يسرح الطرف ، من أعالي الأسوار، في ذاك المشهد الذي بات فيه البحر الميت ، على عمق 12.. متر، كأنه قطعة من السماء هوت في قاع سحيقة . ولا بد أنه كان يجيل النظر أيضأ، جهة الشمال ، ومن فوق الرمال العسجدية والفيافي الغبراء، في ذاك الجبل الذي بات ، برسمه البارز، كأنه غمامة فوق الأفق .. إنه جبل نيبو، حيث وقف موسى يوما، قبل أن يموت ، نظر نظرة أخيرة إلى الأرض الموعودة التي قضي عليه بألا يطأ تربتها. لقد كان المعمدان هو أيضا - مثل ذاك البشير الأول - قد رضي بأن يحل محله رجل آخر : " ينبغي أن ذلك يزيد وإني أنا أنقص. . . "؛ وفوض أمره لله خاضعا . .
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #79
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي السامرية والماء الحي


في إثر اعتقال يوحنا ، قرر يسوع أن يغادر اليهودية، ويعود إلى وطنه . وكان قد نمى إليه " أن الفريسيين قد سمعوا بأنه يصير ويعمد تلاميذ أكثر من يوحنا " (يوحنا 4 : 1) . فنحن نوجس ، من خلال هذه العبارة الصغيرة، الريب والمقاومات التي بدأت تتعرض لرسالة المسيح العلنية وهي بعد في المهد . ولم تكن بعد قد حانت ساعة التصدي لها بوجه مكشوف . . . هذا وكانت الشرطة، في ولاية أنتيباس ، تبدو أقل تريباً منها في مدينة الكهان . كل ذلك قد أهاب بيسوع إلى أن ينفصل عن أورشليم
. ولكن ، ما الذي دفعه إلى إيثار طريق الهضاب على طريق الغور، في إيابه إلى الجليل؟ لا شك أنه إنما أراد محايدة القيظ الشديد الذي يتراسب في الوادي المحصور، ابتداء من شهر أيار . على كل ، قد أدى اختياره لتلك الطريق إلى وقوع حادثة هي من أروع وأهم حوادث الإنجيل ، تكون شبه حلقة تمهيدية بين فترة الآيات الأولى، وحقبة البشارة العلنية

. إن الطريق من بيت إيل إلى شكيم فالسامرة فعين جنين ، تستمر في المناطق العالية من تلك البلاد . وهي تجتاز بكثير من العقبات والمواقع المشمسة الرمضاء ؛ ولكن الريح تهب فيها، عند المساء، هبوب ذاك النسيم العليل الذي كان بوعز يذري فيه القمح فوق البيدر . . . ولا شك أن الأغبرة الكثيفة كانت في أيام المسيح ، كاليوم ، تفرش تحت أقدام المسافر، بساطا وثيرا، وفي ذات الوقت ، تصيب حلقه بأوار بطئ . وكانت الرحلة من أورشليم إلى بحيرة طبرية، على تلك الطريق ، تدوم لا أقل من ثلاثة أيام

! بيد أن اختيار ذاك السبيل قد يحمل على الاستغراب .. فهو يمر بالسامرة ؛ ولم يكن اليهود ليقدموا على المرور بها إلا بعد روية وتفكير . لا شك أن الفصح كان قد انقضى على مروره ردح وأن السامريين كانوا قد غادروا مراصدهم على أول الطريق ، حيث كانوا يتربصون بالحجاج الوافدين إلى أورشليم ، في فترة العيد، ليلحقوا بهم عكس مظاهر الترحيب والتأهيل ! ولا غرابة في ذلك ، فقد كانت الخصومة القائمة بينهم وبين اليهود، قد تحولت ، منذ زمن بعيد، إلى كراهية راسخة . وذلك منذ عهد الانشقاق الذي حل في الشعب اليهودي سنة 935 ق . م . ، فور موت سليمان ، وتوزع الأمة إلى مملكة صغيرة قامت في الجنوب (مملكة يهوذا)، ومملكة كبيرة، في الشمال ، انضم إليها معظم القبائل (مملكة إسرائيل ) . وما عتمت المعضلات الدينية والسياسية أن أفسدت الصلات بين المملكتين . وفي سنة 88.ق. م . بنى عمري ، أحد ملوك إسرائيل ، مدينة السامرة، وجعلها عاصمة المملكة الشمالية،. فوق مشرف يطل على جميع تلك البقعة حتى البحر الذي يبدو لألاؤه ، عند المغيب ، من خلال فرجة فسيحة بين الهضاب . وعندما هدم سرجون الأشوري ، سنة 733 ق . م . ، عاصمة السامريين ، وشرد معظم أهليها في المنافي ،لم يكن ذلك ليلقي في قلوب إخوانهم من أهل الجنوب ، أقل عاطفة من الشفقة والرثاء .ثم إن الأشوريين ..أحلوا محل الإسرائليين المشردين ، خليطا من الشعوب الوثنية، مستقدما من أربعة أطراف الإمبراطورية الأشورية ؛ فطغت على عبادة الله الأحد، في أرض السامرة، عبادات وثنية مختلطة المصادر . وأما " اليهود "، سكان مملكة يهوذا، في الجنوب ، فقد ظلوا متشددين في إيمانهم ، وقطعوا كل علاقة بأولئك السامريين " الأنجاس "، وقد باتوا، منذ ذلك العهد، في نظرهم ، مثل الوثنيين وأقبح . . . وكان الرابيون يرددون في أقوالهم : " إن ماء السامريين أنجسن من دم الخنزير ! " . . . كان يجب إذن أن يكون اليهودي متلهبا من العطش ، لكي يطلب إلى السامريين من مائهم
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #80
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


في اليوم التالي ، كان يسوع وتلاميذه قد قطعوا مسافة 5.كيلومترا، فأفضوا إلى ضواحي شكيم ، ذاك الموقع التاريخي القديم ، موطن الآباء والقضاة ، حيث كان يعقوب قد وهب ابنه يوسف أرضا آوى فيها ضريحه ، وحيث كان يشوع قد حشد الشعب المختار، في احتفال مهيب ، ليقطع وإياهم ، مع الله ، عهدا على الأمانة والوفاء . . . يا لها من ذكريات أمسى لها الآن في قلب كل يهودي وفي ، طعم العلقم
. في الموضع الذي كانت قائمة فوقه المدينة التاريخية القديمة، عند الشعب الواقع ، على ارتفاع 7. 5 مترا، بين جبلي عيبال وجرزيم ،لم يكن قد بقي ، إذ ذاك ، سوى قرية موات تدعى سيخار . وكان أهلوها، مع تراخي الزمن ، ما انفكوا ينزحون عنها التماسا للرزق في المنخفضات المجاورة حيث قامت مدينة جديدة، ازدهرت على أيام فسبسيانس، وأطلق عليها اسم " إفلافيا نيا بوليس " ؛ وهي ، اليوم ، نابلس ، ملاذ البقية الباقية من السامريين المنشقين ، يعيشون فيها طائفة صغيرة لا يتجاوز عدد أفرادها المائتين

. إن نص الإنجيل الرابع هو من الدقة في وصف المكان ، بحيث استطاع رينان أن يقول : " إنه ما تمكن أن يروي مثل هذا، سوى يهودي من فلسطين ، قد ألف التردد إلى مدخل وادي شكيم " . بمثل تلك الدقة تميز توقيت الرواية أيضا : فقد كانت الساعة السادسة عندما بلع الموكب إلى مدخل سيخار . وبين أن الذي خرج من أورشليم صباحا، مشيا على الأقدام ، لا بد أن يوافي المكان ، عند ظهر اليوم التالي

. هـي الهجيرة ! فالسهل المحصود كان ، ولا بد ، يضج ، في لظى الشمس ، بأصوات صراراته المتنادية ؛ وتحت القناطر القديمة، لم يبق ، في حفائر السيول الجافة، سوى ركامات من الحصباء، يتخللها، على غير توقع ، بعض الأشجار. وكان يسوع قد أعيا من المسير ، فجلس ريثما يذهب التلاميذ إلى القرية لشراء بعض القوت. وكان هناك بئر ، متقادمة العهد، ذات حرمة عظيمة، معروفة عند القوم باسم " بئر يعقوب " . عند موضع البئر، وفوق أنقاض كنيسة قسطنطينية، شرع في تشييد كنيسة، قبل سنة 1914 ، لم ينجز بناؤها حتى اليوم . ويضم البئر معبد جوفي، يوافيك فيه الكاهن المكلف بالحراسة، بشمعة مضاءة فوق طبق . فإذا أحدر الطبق في البئر، بواسطة حبل طويل ، تبين لك عمق تلك الحفرة السحيقة - 32 مترا - يلمع ، في قاعها، الماء الذي التمسه يسوع

إن للآبار شعرا طالما اهتزت له أفئدة الرحل في الأقطار المجدبة . ولا بدع ، فالشرقي ، في ساعات القيظ ، يحلم بقطرة الماء الزهيدة، ويحن حنينا إلى تلك الأكواز الناضجة، وما يتبرد فيها من سائل ثمين . فإذا ما فتح " صاحب العين " مغلاق الماء، هبطت النساء سريعا، والجرار فوق رؤوسهن . لواحدة من أولئك النساء، الواردات إلى بئر يعقوب ، قال المسيح : " أعطيني لأشرب ! "
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #81
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


طلب ليس فيه ما يثير العجب . ومع ذلك فقد بدا على جانب من الغرابة بل أوشك أن يكون مستهجناً ، بسبب الأعراف اليهودية، لذلك العهد . فلقد كان مستقبحاً عند معلمي الناموس ، أن يخاطب الرجل امرأة، في العلن .. ففي الشارع حتى وإن كانت زوجته ، أو أخته أو ابنته ، وذلك تفاديا من قالة الناس . ثم هل كان ليهودي صميم ، من أتباع العلي ، أن يخوض فى الحديث مع سامرية كافرة، فيبدو كأنه يضيف بذلك معثرة على معثرة؟ . . للمرة الأولى – ولن تكون الأخيرة- نرى المسيح يتصدى، مطمئنا ، لتقاليد وأعراف ومقتضيات لم تكن – على ما بات لها عند الناس من حرمة- سوى مظهر من مظاهر التعصب اليهودي الذميم
. وسرعان ما انعقد المشهد ؟ وقد أفرغ عليه البشير يوحنا، في روايته النابضة ، رونقا رائعاً من الحياة : " كيف تطلب مني لتشرب ، وأنت يهودي ، وأنا إمرأة سامرية ؟ " . جريئة، لعمري ، تلك المرأة ! تعرف كيف تجيب الرجال ، وفي الصوت ذرة من الوقاحة . ولكن يسوع لم يخدع بلهجتها : " لو كنت تعلمين عطية الله ،ومن هو هذا الذي يقول لك : أعطيني لأشرب ، لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيا ! ". وتلقى الدهشة في صوت السامرية مزيدا من الاحترام ، فتجبب : " يا سيد " – ولكنها تستسلم بعد- " لا دلو لك والبئر عميقة ، فمن أين لك الماء الحي! العلك أعظم من أبينا يعقوب ا الذي أعطانا البئر، وشرب منها هو وبنود ومواشيه ؟ " . لقد كان نيقوديموس ، هو أيضا، قد عمد إلى سؤال ، مثل هذا، عقلاني وترابي . فأجاب يسوع بهدوء، قائلا : "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا ؛ ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا ، فلن يعطش إلى الأبد ! ". الماء الحي ! ذاك الذي يبرد قلب الإنسان ، كلما جففته لوائح الشقاء والخطيئة ؛ ذاك الذي " ينبع إلى حياة الأبدية "، والذي كان يرتاح المسيحيون الأقدمون إلى إثبات رموزه على نواميسهم ، وكأنه الوعد بالسعادة . .

. ألعل السامرية أوجست معنى السر، أم أرادت أن تكفي نفسها بعض العناء؟ . . قالت : " يا سيد ، أعطني هذا الماء، لكي لا أعطش ، ولا آتي إلى هنا لأستقي " . إذ ذاك أسقط عنها المسيح ما كانت تتدرع به من أقنعة مزيفة، وانفتحت له سبل الظفر بها. نحن نتصور نظرته إليها، كما كان قد نظر، من قبل ، إلى نثنائيل ! قال لها : " اذهبي ، وادعي زوجك ، وتعالي إلى ههنا" . أجابت : " ليس لي زوج ! ". إنها توارب لتخفي خزيها . قال لها : " حسناً قلت : ليس لي زوج ! لأنه كان لك خمسة أزواج ، والذي لك الآن ليس زوجك . هذا قلت بالصدق !". حسبها ! لقد استسلمت ! وإذا بها تغمغم قائلة ! " يا سيد ! أرى أنك نبي "
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #82
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


ما أقربها إلى الإنسانية وإلى الحقيقة هذه الخاطئة التي تنكشف لنا طويتها انكشافا تاما، من خلال هذا الحوار القصير ! وقاحة ثم اضطراب ، ثم ، في أعماق قلبها - شأن كل النساء - ذاك الخضوع ، وذاك الانصياع لا للبراهين ، بل لما انكشف من قصة حياتها، ثم ذاك الانقلاب الباطن الناجم من شعورها بأن هناك نظرا قد اخترق سريرتها. ولقد اصطفاها المسيح - هي المرأة المنحطة ، نوعا ما- لكي يفضي إليها ببعض من أخطر أسرار الرسالة التي باتت تترقبه . فلقد بدت كأنها تفصح له عما يراودها من تلبية دعوته ، والانضمام إلى دين إسرائيل ، وتأدية فرائض العبادة، ليس فوث جبل جريزيم ، بل في أورشليم . إذ ذاك أجابها المسيح بتصريح جوهري : " أجل ؟ إن الخلاص من اليهود يأتي لا، لأنه من ذريتهم يولد المسيح .ولكنها قد أتت الساعة التي ينبغي أن تتقلص فيها ديانتهم القومية، وتحل محلها ديانة عالمية، يعبد فيها الآب بالروح والحق . . . هل استوعبت حاملة الماء الآتية من سيخار، ذاك الدرس الذي استوت فيه رسالة المسيح دفعة واحدة على الصعيد الذي سوف تتحقق فيه . لا بد أنها فهمت شيئاً من ذلك . فلقد أجابت أن تلك الأشياء سوف تكشف للعالم ، عند مجئ المسيح . أجل ! إنها لا تجهل هذا. إذ ذاك أسر إليها المسيح ، هي الخاطئة والغريبة، بما لم يكن قد باح به ، حتى ذاك ، بأسلوب جازم : " المسيح ؟. . أنا الذي يكلمك هو!"

وانتهى المشهد عند هذا الحد، وما بقي من شئ إلا وقد قيل . وعاد التلاميذ بما تيسر لهم من خبز وزيتون وجبن . ماذا ؟ أفالمعلم يخاطب هذه المخلوقة ؟ لقد فكروا بذلك في أنفسهم ، وإن لم يجرؤوا على الجهر به . أما يسوع فقد كان لم يزل بعد تحت تأثير ذاك اللقاء. . . إنه لجميل الظفر في معركة النفوس . والنعجة الضالة غالية على قلب الراعي . وعندما قدم له الطعام ، قال : " أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم . . طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله . . . "

. واقبل أهل سيخار على يسوع يحوطونه ، متعطشين إلى كلامه ، وقد نادت بهم المرأة ؛ فاستلفت المسيح أنظار تلاميذه إلى أولئك الذين جاءوا ينتظرون الكلمة ..أجل ، سوف ينمو حصاد النفوس ، كما تنمو الحنطة أوان الربيع ، في السهل المجاور . وهؤلاء التلاميذ –وكلهم من أهل الريف الجليلي- هم أدرى الناس بمواسم الزرع ومواقيت نضوجه ؛ أفلم يدركوا أن الساعة قد اقتربت لإعمال المنجل في تلك الحصائد البشرية

. بعد أن مكث يسوع يومين عند السامريين ، تابع سيره شطر الشمال
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #83
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي بدء الحياة العلنية


مع عودة يسوع إلى الجليل ، ابتدأت فترة حياته العلنية . فالأناجيل الثلاثة (لوقا ومتى ومرقس ) ، قد استأنفت ، منذ تلك الساعة، رواية أحداث بعثته العلنية ؛ وأما يوحنا فقد تفرد بنهج مستقل توخى به الدلالة على أن ابن الله الحامل في ذاته قدرة العلي ، أراد أن يبقى ، مع ذلك ، خاضعا لنواميس طبيعته الأخرى ، فيعبر المراحل الإعدادية الغامضة التي يعبرها كل إنسان تسيره بغية عظيمة (لوقا 4 : 14؛ مرقس 1 :14؛ متى 4 : 17 ؛ يوحنا 4 : 45 ) . كان ، حتى تلك الساعة ، قد حمل الرسالة إلى بعض الأتباع ، إلى يهودي في مجالسة سرية، إلى امرأة غريبة في قرية على طريق الصد ف . وأما الآن فقد حان له أن يتوجه إلى الجماهير، ويسطع بما أكرمه به الآب من مواهب ، ويعلم ، ويصنع المعجزات ، ويستدعي إليه القلوب
ولا بد ، منذ الآن ، أن نواجه معضلة، كان بالإمكان تأجيل البحث فيها، طالما كان الإنجيل الرابع رائدنا الوحيد . تلك المعضلة هي معضلة التوقيت .. فكم دامت رسالة المسيح العلنية؟ ومهما بدا وجه الغرابة في ذلك ، فتلك واحدة من المعضلات التي يجد التاريخ نفسه ، حيالها ، على جانب عظيم من الارتباك. ويخف العجب إذا تذكرنا أن الغاية التي توخاها الإنجيليون لم تكن غاية تاريخية، وأن العناية ، المفروضة في المؤرخ ، بتوقيت الأحداث المثبتة وربطها بعضها ببعض، كانت بعيدة عن مراميها . فالقديس مرقس ، مثلا، يجتزئ بالقول : " وكان يبشر في مجامع الجليل . . . "، أو " وذهب من هناك إلى مدينة صور . . . " . وأما المدة التي كانت تستغرقها تلك التنقلات ، فلا يأتي البتة على ذكرها . والبشير يوحنا نفسه الذي يعتبر ،

. إجمالا ، أكثر عناية بالدقة، فإنه يظل ، في روايته ، دون المقتضى التاريخي الذي يكفي الباحث مؤونة الافتراض ؛ لا سيما وأن الإنجيل الذي كتبه لا يخلو من أن يستلهم ، صراحة، أغراضا ما ورائية لاهوتية حتى إن بعض النقاد قد اشتبهوا برغبة صاحبه في التلميح إلى أحداث العهد القديم ، بل في الانقياد لأساليب الرمزية العددية ، المألوفة عند اليهود

. فلكي نتمكن من توقيت سيرة المسيح ، لا مفر من أن نلتمس ، في الأناجيل الأربعة، تلميحات نهتدي بها، بطريق الاستنتاج ، إلى بعض المعالم .فهناك إشارات واضحة : عندما يذكر الإنجيليون ، مثلا ، عيدا من أعياد اليهود السنوية، فإذا جيء ثلاث مرات على ذكره ، فلا بد من التسليم بفترة لا تقل عن سنتين . هناك ملاحظات أخرى تسوغ كل لنا من النتائج ما يبدو حصيلة استدلالات حاسمة : فنحن نقرأ، مثلا ، في إنجيل البشير مرقس ( 4 : 39)، أن الشعب ، يوم تكثير الخبز ، كان متكئا على العشب الأخضر، بينما نرى التلاميذ، من قبل ، يقطفون السنابل في حقول الحنطة .فإذا ثبت أن الحنطة،في فلسطين ، تحصد قي أواخر نيسان ، وأن العشب ، إذ ذاك ، يكون قد اصفر في الشمس ، فالخلاصة أن بين هذين الحدثين فترة من الزمن لا تقل عن عشرة أشهر أو أحد عشر شهرا
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #84
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


ومن الطبيعي أن تفسح طريقة البحث هذه مجالا عريضا للافتراض والتخمين ، وأن يلجأ غير واحد من المفسرين إلى تأويل النص بما ليس فيه من إيضاحات توقيتية . فعندما يصرح يسوع لتلاميذه ، في حادثة السامرية، أن حصاد النفوس، قد اقترب ، يعمد إلى هذا التشبيه : " أما تقولون : إنه يكون أربعة أشهر ، ثم يأتي الحصاد؟. . . ". (يوحنا 4 :35) : هناك من ؟ أراد أن يستنتج من تلك العبارة -التي تبدو مجرد قول مأثور- إيضاحا توقيتيا يسوغ تحديد تاريخ تلك الحادثة ، أربعة أشهر قبل موسم الحصاد ! وعندما يورد المسيح ، في مثل التينة، قول صاحب الكرم ، إلى كرامه : " ها إن لي ثلاث سنين ، آتي وأطلب ثمرا على هذه التينة ولا أجد .. . "، فمن المجازفة أن نستنتج ، من ذلك ، أن رسالة المسيح العلنية قد استمرت ثلاث سنوات . .
. اليوم ، بين نظرية القائلين بفترة لا تقل عن أربعين شهرا، ونظرية الذين يزعمون حصر أحداث السيرة كلها في بضعة أسابيع (بحجة أن الشرطة الرومانية لم تكن لتطيق نشاط ذاك المشاغب ، مدة أطول ) تتوسط نظرية الذين يقترحون مدة سنتين وبضعة أشهر ؛ وهي أكثرها شيوعا

. فهذه النظرية المعقولة، إذا أسند ت إلى الملاحظات التي اقترحناها في شأن مطلع الرسالة العلنية، تسمح للباحث بأن يضع جميع أحداث السيرة في مواضعها، من غير أن يلجأ إلى حشرها ضمن فتره ضيقة، ولا إلى توزيعها على آماد لا داعي لها : وإليك خلاصتها : اعتمد يسوع في كانون الثاني سنة 28، وتوجه إلى أورشليم في شهر آذار من السنة عينها . وفي منتصف آيار غادر المدينة المقدسة، عابراً بالسامرة، ليشرع في رسالته العلنية . وتقع "عظة الجبل " حوالي شهر حزيران، و تحتل معجزة"تسكين العاصفة " محلها الطبيعي في شهر كانون الأول . وفي السنة التالية، أي سنة 29، عيد المسيح عيد الفصح ، في الجليل ، وذلك بضعة أيام قبل معجزة "تكثير الخبز. " للمرة الأولى ؛ وأما التجلي فقد تم في يوم من أيام آب المرمضة . وفي خريف هذه السنة الثانية، شخص المسيح إلى اليهودية، ولن يرجع منها أبدا إلى الجليل ، حتى موته. ويكون نيسان سنة 3. هو الشهر الذي تم فيه صلب المسيح وموته
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #85
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


هناك أمر يبدو ظهيرا لنظرية القائلين بأن الرسالة العلنية قد استغرقت فترة غير يسيرة: وهو الأسلوب الذي اعتمده المسيح لإبلاغ رسالته . فهو، بلا مراء، أسلوب تدريجي ، وذلك وجه من أوجه التقارب القائم بين العهدين ، القديم والجديد . . . فقد أراد المسيح أن يفهم سامعيه أن ملكوت الله الحقيقي يستأنف في اختلاجة النفس ، والرغبة في الكمال ، وأنه لا بد لمريديه من أن يحسبوا حسابا لما سيصادفونه ، عند الآخرين ، من تنكر وخبث ومواربة وحقد، وأن يحققوا مصائرهم مواجهين كل يوم عقبات أعظم . وهكذا فقد سار المسيح قدما. ، شأن الرجل الذي يلاحق عزيمة نضجت إلى أبعد ما يكون النضوج . فهو، مدة خمسة عشر يوما، سوف يعلن للعالم المقومات الأساسية التي يرتكز عليها تعليمه وأسلوبه ، حتى إذا ما جاهره خصومه بالمقاومة، راح يعمد إلى الوسائل الكبرى
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #86
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي تعليم يسوع


شرع يسوع في التعليم رسميا، فور رجوعه إلى الجليل ، فصادف في تلك المنطقة أكثر مستمعيه عددا وولعا . فلقد كانوا أناسا طيبين ، أولئك الجليليون من أهل الريف أو البحر، رجالا أشداء، خلقا وجسما، نفوسا سليمة وقلوبا مستقيمة . وكانوا قد اشتهروا، في إسرائيل ، بنخوتهم وبشاشة أخلاقهم . وخلافا لما كان عليه جيرانهم في السامرة، فقد كانوا، من يوم ارتدت بلادهم إلى حكم المكابيين ، من أنصار الدين القويم ، لقد كانوا أخشن طباعا من أهل اليهودية آ ولكنهم كانوا أكثر استعدادا للمروءة . لم يكونوا من المتحذلقين في الفقه أو في علم الكلام ، ولكنهم كانوا يحبون الله حباً صراحاً
لقد بدأ المسيح كرازته في المجامع ، . وذلك مما تجدر الإشارة إليه . فإن هناك صورة، أمست مألوفة في عالم الفن ، قد توهم بأن المسيح ما كان يخاطب الجموع إلا في الهواء الطلق ، فوق منحدرات الهضاب الوادعة المطيفة ببحيرة طبرية، أو منتصبا في صدر زورق ، والجموع محتشدة عند الشاطئ تسمع كلامه . فالبشير لوقا الذي توقف على أحداث هذه الفترة (لوقا4 : 4 1 -2 2، و 1 3 : 32) قد أبرز، بوضوح ، الطابع الذي تميز به تعليم المسيح ، في صيغته الأولى : فالمجمع ، لذلك العهد، هو الموضع القانوني الذي كان لا بد أن يعمد إليه اليهودي ، إذا رام نشر رسالة دينية . وهل كان بالإمكان العثور على ما هو أفضل من ذاك المكان المقدس ، الذي كان ، في آن واحد، بيت صلاة ومعهدا دينيا ، يتنادى إ ليه المؤمنون كل سبت . ولم يكن في جميع أنحاء فلسطين ، عهد المسيح ، من قرية، مهما رق حالها، إلا وكانت تعتز بامتلاك واحد من مثل تلك الأبنية . وحتى الجماعات اليهودية ، التي كانت مبددة في جميع أطراف الامبراطورية، كانت قد بنت لها مجامع ، وكان في روما لا أقل من ثلاثة عشر مجمعا . وكان المجمع يتألف من بعض الأبنية البسيطة : قاعة متوسطة الحجم – 24×18 مترا في كفرناحوم – يزخرفها على غير تأنق ، رسوم من الفسيفساء تمثل سعفا ونجوما ، وباحة تزينها بركة الوضوء؛ وبعض حجر للضيوف

. من عابري السبيل ، وقاعات للتدريس . وقد عثر علماء الآثار على بقايا الكثير من تلك المجامع . وكان يتولى إدارتها " رئيس مجمع " يعاونه مساعد، كان يعهد إليه بوظائف السدانة والتعليم والخزانة

.. بيد أن المجامع لم تكن لتستخدم في تأدية شعائر العبادة : فالعبادة لا تجدر تأديتها إلا في هيكل أورشليم . ولذا فقد كان استعمالها محصورا في تعليم الحقائق الدينية والتقاليد الإسرائيلية ؛ يشرف عليها أولو الأمر من الكتبة أو علماء الناموس .
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #87
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


في واحد من تلك المجامع تكلم المسيح يوما في الناصرة عك حد ما وصفه لنا البشير لوقا، في لوحة نابضة بالحياة ( لوقا 4 : 16 – 21 ) ؛ فإذا به ينهض ، ويعلو المنبر، ثم ينشر صحيفة الرق الطويلة، حيث أثبت نص . أشعياء ، ويقع على بعض الآيات فيقرأها، ثم يعيد السفر إلى الخادم ، ويندفع في تفسير الآيات " بينما عيون الذين في الجمع تشخص إليه بأجمعها " : " روح الرب علي ، لأنه مسحني لأبشر المساكين ، وأرسلني لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر ، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة " ( أشعياء 61 )
. هل أوجس السامعون ما انطوى عليه ذاك النص المنتقى ، من انطباق على الأوضاع الراهنة ؟ وهل ارتاب أولئك القرويون ، قاطنو الهضاب الجليلية، أن الذي يخاطبهم إذا هو عمانوئيل الذي ذكره النبي ، وأن السعادة التي باتت تترقبهم هي أحلي من الرخاء المعهود في سنوات " القبول "، تلك " السنوات السبتية " التي أمر اليهود بإقامتها كل خمسين سنة ، فتظل الأرض ، أثناءها، بلا فلاحة ، وتعتق رقاب العبيد ، وترد الأراضي المرهونة إلى أصحابها؟ . . أجل ، لقد أشار المسيح ، في خطابه ، إلى تحقق ذلك كله : "إنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم ". ولكنهم هل أدركوا ؟ . . إن الموقف الذي سوف يقفونه من المسيح ، بعد زمن يسير، يشير إلى أنهم قلما فهموه

. وانحدر يسوع ، في إثر ذلك ، إلى كفرناحوم . ولفظة " الانحدار " هذه على جانب من الدقة. فإنه ، من الممكن ، حتى اليوم ، سلوك تلك الطريق الذاهبة توا من الناصرة إلى ضفة البحيرة. فبعد مسيرة عشر ساعات تقريبأ، تنكشف البحيرة فجأة، بكاملها، في إطار من الصخور النسفية الكالحة، تطيف بزرقتها الشديدة شطآن بلون النحاس الكامد . فإذا ما اجتاز المسافر شعب أربيل ، تبدلت المناظر، وامتدت الطريق متمشية مع شاطىء ضيق في معظمه ، تشرف عليه أجرف شاهـقة . بيد أن قرقرة المياه الصافية، وانسياب الزوارق الوادعة، وخضرة أشجار الليمون والدفلى ، تؤلف لوحة أقل وحشة وجفاء . وكلما اقترب من البحيرة، اشتدت الحرارة، وخيل للمرء أنه والج في دفئه . ولابد أن المسيح قد شاهد، في البعد، ومن جهة الجنوب ، أبراج طبرية البيضاء، وأسطحه أنتيباس المتوهجة بالذهـب . . . ثم تنفرج الأرض شيئاً فشيئا، وينبسط سهل جنيسارت ، بمربعاته الحمراء والصفراء . وكانت كفر ناحوم ، أيام المسيح ، أعظم المدن القائمة عليه . وأما أهل المنطقة فكانوا يتعاطون التجارة والزراعة وصيد الأسماك
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #88
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


ولم تكن كفرناحوم، كجارتيها طبرية ويوليادا، حاضرة هلينية، بل مدينة يهودية . إلا أنها كانت كثيرة الحفاوة بالوثنيين المنحدرين إليها من سهول حوران الثرية، أو الوافدين إليها من الشواطئ الفينيقية . في أزقتها الضيقة كان يفوح شذا الليمون والورد، فيختلط بالروائح المنبعثة من حراشف السمك المهملة فوق الحضيض . . . وكانت المنازل مبنية فيها بالحجارة النسفية، ما خلا المجمع -الذي كان قد أنجز بناؤه من زمن يسير - فقد كان مرتفعا، في وسطها، بحجارته الكلسية البيضاء . وكان أهل كفرناحوم يعتزون بمجمعهم هذا . وكان قائد الموقع قد تبرع من ماله الخاص ، للمساهمة في بنائه ، (لوقا 7 : 5 ) ، ولا شك أن أنتيباس قد اشترك هو أيضا في تمويل البناء، بدليل، النخلة التي يتميز بها شعاره ، والتي يشاهد رسمها في ما بقي من المجمع ، حتى اليوم " من آثار جميلة
. لقد علم يسوع أيضا في مجمع كفرناحوم . ولكن ما كان موضوع تعليمه ؟ إن أكثر الإنجيليين دقة يبقى، في ذلك ، على جانب من الغموض . هناك فقط خلاصة وجيزة نقع عليها في إنجيل البشير مرقس : " قد كمل الزمان ، واقترب ملكوت الله ، فتوبوا، وآمنوا بالإنجيل " ( 1 : 15 ). التوبة والإيمان : هما، في الواقع ، الركيزتان اللتان سوف . تقوم عليهما رسالة الإنجيل . بيد أن يسوع ، كان ، ولا بد ، يتوسع في أكثر من ذلك ، بدليل ما نجده في النجيل مرقس أيضا من أن الحاضرين " بهتوا من تعليمه "، لأنه كان يعلم كمن له سلطان ، وليس كالكتبة " (مرقس 1 : 22 ) . إشارة بعيدة المعنى ! فهذا السطر، وحده، يصور لنا المسيح ، في رسالته الخطابية ، صورة دونها كل تعليق مسهب ! لقد كان الكتبة يتمحكون في النصوص ، ويكثرون من الإسنادات والمراجع ، ولا يقد مون على قول ، مهما كان بديهيا، إلا وكأنهم يستوحون رأيهم من الناموس أو من الأنبياء، متذرعين بتأويلات بهلوانية في معظمها . وأما المسيح فكان على النقيض من ذلك كله ، وبعيداً أقصى البعد عما ألفه الفريسيون من التحذلق والتصنيع ، يستند، في تعليمه ، إلى مبادئ تلك الشريعة الإلهية التي يمكن كل قلب سليم أن يستوعبها من غير عناء. فهو، منذ تلك اللحظة، ذاك الذي سوف يقول يوما: "ليكن كلامكم : نعم نعم أو لا لا إ. . ". إنه يتكلم بملء السلطة، لأن السلطة العليا متركزة فيه . فهو لا يفتقر إلى الاستشهاد برابي هليل أو برابي شمعي أو برابي غمالئيل ، ولا بأي معلم آخر . . . ولأنه كان مخلصاً للشريعة، فقد كان أهلا لأن يسمو فوق مقتضياتها ويجعلها في متناول الإنسان . وذلك ما حمل الكتبة وأضرابهم من أهل الفقه على ملاحقته بالسخط حتى النهاية
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #89
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي أشفية يسوع


هناك مآثر أخرى كانت تتجلى من خلالها، في ذات الوقت ، قدرة ذاك النبي المحدث ، فتبعث على القلق والتساؤل . فإن وقع كلامه ، في المجامع ، لم يكن للناس مصدر يقين وحسب ، بل كان يبدو كأنه يملك طاقات أخرى من عالم الغيب، و ليس من المستبعد أن يكون نبأ المعجزة التي صنعها في قانا، قبل شهرين ، قد انتشر في جميع تلك الأنحاء. . . وكان هناك قائد من قواد أنتيباس الوالي ، له ابن في كفرناحوم قد أشرف على الموت . فخطر له أن يستنجد بيسوع . وكان يسوع ، يوم ذاك ، في قانا. ميمما ضفاف البحيرة . فصعد القائد للقائه . ولا بد أنه ذهب باكرا، فوق جواده ، متحديا الهواجر، فوصل، في الساعة السابعة إلى القرية الجاثمة فوق الهضاب . ودنا إلى النبي ملتمسا منه أن " ينز ل ويشفي الغلام " . ولكن هل كان من الضروري أن ينزل ؟. . أو ليس لقدرة الله أن تنفذ من مسافة سبعة أميال ؟. . ولسوف يستغيث بالمسيح ، وفي نفس الأوضاع ، قائد. آخر، أعظم إيماناً من قائد المائة هذا، ويصيح قائلا : " قل كلمة فقط فيبرأ فتاي ! " . وكشف يسوع لسائله هزال إيمانه ، قائلا : " أو لا تؤمنون ما لم تعاينوا العجائب والآيات ؟. . . " ولكن المسيح شفوق ، والوقت قصير. وألح الوالد متوسلا : " انزل يا سيدي قبل أن يموت ولدي ! " فقال له يسوع : " اذهب ، فإن ابنك حي !". بأية لهجة نطق المسيح بهذه الكلمات ؟. . مهما يكن من أمر، فقد حل الإيمان بغتة في قلب ذاك الرجل الذي إنما جاء إلى يسوع كإلى ملاذ أخير . فامتطى جواده ثانية وعاد أدراجه . ووافى الليل ، وبموافاته ابتدأ يوم جديد . ( لأن النهار، عند اليهود، يبدأ في مساء اليوم الفائت ) ، وإذا به يصادف في الطريق ، عند ضفة البحيرة أو في أحد الشعاب ، رجاله ، وقد هرعوا لملاقاته : " الولد في قيد الحياة ! " . فاستخبرهم عن الساعة التي تماثل فيها، فقالوا: " أمس ، الساعة السابعة فارقته الحمى ! " . أجل ! هي الساعة التي قال له فيها يسوع : " ابنك حي ! " (يوحنا 4 : 45-54)
إن السلطة التي أقرها الناس ليسوع في تعليمه ، كان إذن يمارسها في أعماله أيضاً . وكانت تسمو بفعلها عن مألوف الناس . فالأمراض المستحوذة على الأجسام كانت تخضع له ، كما كان يعنو له - وهو أشد دهاء من المرض - ذاك الشر الآخر الذي يفترس النفوس . . . ففي غضون السبت الذي قضاه في كفرناحوم - والذي يتيح لنا الإنجيل استبناءه بوجه دقيق - نرى المسيح ، في مشهد صاعق ، يواجه ثانية ذاك العدو الذي كان قد أبلى به ، في عزلة جبل الأربعين . فالمسيح كان قد انتهى من تفسير آيات الكتاب وكان يخيم على الحاضرين انتباه صامت ، إذ انفجرت فجأة جلبة صراخ بددت الخشوع . . . إنه إنسان يصيح ! . . من مألوف قوات الظلام إنها تهوى الحضور في الأماكن المقدسة، وكأنها تجد في توتر القوى النفسية ما يوافق أغراضها . وكان الرابيون يعلمون أن الأبالسة تهرع في السبوت إلى المجامع ، وتجثم على ركب المؤمنين . ثم أليست الديورة، على توالي الأجيال ، هي الأمكنة التي كثرت فيها وساوس الشيطان ؟
  رد مع اقتباس
قديم 03/01/2006   #90
شب و شيخ الشباب MR.SAMO
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ MR.SAMO
MR.SAMO is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
المطرح:
طريق النحل .......
مشاركات:
5,049

إرسال خطاب AIM إلى MR.SAMO إرسال خطاب MSN إلى MR.SAMO إرسال خطاب Yahoo إلى MR.SAMO
افتراضي


مس من الشيطان ! ما هي ، يا ترى، تلك الظاهرة التي أورد لنا البشيران لوقا ومرقس أحداثها، بأسلوب شديد الوقع ؟ ( لوقا 4 : 33-37 ؛ مرقس 1 : 23-2. إنه لم يحن الوقت لتحليل مقوماتها. كل ما هنالك أن وصف ذاك المشهد الإنجيلي القصير، يبعث في النفس إحساسا قويا بالحقيقة . فهو، بلا مراء، صراع ناشب بين القوة الروحية التي راحت تخبط الممسوس أرضا، وتصيح بحنجرته ، والإله الإنسان الذي وقف وقفة المعاند الغلاب ، في منتهى السكينة والجلال ! وزفر الشيطان بصوت المعترى، قائلا : "آه ، مالنا ولك يا يسوع الناصري ؟ أو جئت لتهلكنا ؟ لقد عرفت من أنت . إنك قدوس الله !" . لقد أطلقها عثارا تلك اللفظة الأخيرة ! أو يتلفظ بأسم الجلالة . . . وداخل المجمع أيضا ؟ لا بد أن التقاة، من بين الحاضرين ، اندفعوا يمزقون ثيابهم ، وقد كلحت . من الذعر وجوهـهم . وأما المسيح فما كان إلا أن نطق ببضع كلمات ، فعاد كل شيء إلى نصابه . فزجره قائلا : " صه ! واخرج من الرجل " ؛ فصرع الرجل صرعة أخيرة، وتداعى إلى الأرض في صرخة عظيمة . وانتهى كل شيء بتقهقر الروح النجس . وأما الحضور فقد استحوذ عليهم الذعر وطفقوا يتساءلون: " ما هـذا الكلام ؟ . . إنه يأمر الأرواح النجسة بسلطان وقدرة، فتطيعه ! " هناك أحداث أخرى جرت أيضا في " يوم كفرناحوم " ( متى 8 : 14 -17 ؛ مرقس 9:1 2-34 ؛ لوقا 4 : 38-41). وقد أثبتها البشير مرقس خصوصا ، فكان ، في وصفها ، من الدقة، بحيث يخيل إلى القارىء أنه يطالع ذكرى مباشرة من ذكريات سمعان بطرس معلمه ؛ وهو الذي أوحى، ولاشك ، إلى مرقس بمضمون إنجيله . فقد صادف المسيح ، على ضفاف البحيرة ، التلاميذ الثلاثة الآخرين ، الذين كان قد استهوى قلبهم ، عند المعبر . وإذ انتهى يسوع من تناول الفرائض الدينية، في مجمع كفرناحوم ، دعي إلى تناول الطعام في بيت أحدهم ؛ وهو بطرس الذي كان قد أنبأه ، بأسلوب خفي ، أنه سوف يصبح " صفا " أي الصخرة . وقبل الشروع في صلوات البركة الطقسية التي كان يقدس بها كل طعام ، جاء بطرس وهمس في أذن يسوع : إن حماته طريحة الفراش ، فهل بالإمكان إسعافها ؟ لم يكن ذلك طلبا صريحا بل تلميحا لطيفا . . . ما كانت تلك الحمى التي أخذت ببردائها حماة بطرس ؟ لقد كانت الملاريا من الأمراض السارية في وادي الأردن ، يساعد على انتشارها تفاقم البعوض في غدران كفرناحوم . وكانت الحمى المالطية كثيرة التفشي أيضا في الشرق ، تتميز بسوراتها الحادة ، وانحنى يسوع فوق البسط التي كانت المرأة ملقاة عليها، وأخذ بيدها، وأمر الحمى ففارقتها منصاعة ، فنهضت في الحال ، وطفقت تخدم ضيف صهرها، ذاك الذي عافاها من مرضها . .
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 13:09 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.20215 seconds with 12 queries