![]() |
س و ج | قائمة الأعضاء | الروزناما | العاب و تسالي | بحبشة و نكوشة | مواضيع اليوم | أشرلي عالشغلات يلي قريانينها |
![]() ![]() |
|
أدوات الموضوع |
![]() |
#217 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 3 تشرين الأول قصتي هذه ترقي إلى سنوات خلت , يوم كنت في ألمانيا , أحاول أن أتملك لغة أبنائها . كان لي الحظ أن أقيم , لفترة من الزمن , في دير للراهبات , في منطقة نائية من مقاطعة بافاريا , و كانت هناك راهبة نحيلة البنية , ابنة أربعة و ثمانين عاماً , تسهر على ترتيب غرفتي . و كنت كلما غادرت تلك الغرفة تأتي تنظفها , لا أعني تنظيفاً سطحياً , بل كانت تشمع خشب أرضها , و تلمع مفروشاتها , إلى آخر ما هنالك من أعمال . و حدث يوماً أني عدت إلى غرفتي , بعد نزهة قصيرة , لأجد الأخت " شوستر " على ركبتها . تُنهي تشميع الأرض و تلمعها . فقررت أن أُمازحها , فقلت ضاحكاً : " يا أُختي إنك تُرهقين نفسك في العمل ! " . فانتصبت تلك الأخت العزيزة المندفعة على ركبتها , و شخصت بنظرها إليّ و خاطبتني بجدية كادت أن تتحول إلى خطورة , قالت : ألا تعلم أن ثمن السماء ليس برخيص ؟!" . بارك الله فيها , فقد تدربت على الإيمان , و آمنت حقاً , من كل قلبها , أن ثمن الحياة الأبدية عيش على الأرض تظلله المشقة . علينا أن ندفع ثمن السماء , و أنه في الحقيقة لباهظ . فأنا على يقين من أن السماء الآن ملك لتلك الأخت الطيبة , فقد عاشت , بكل أمانة , بحسب معتقداتها . فما من شك أن في السماء قطعة سُجلت خصيصاً لأرواح كتلك التي للأخت شوستر . و لكن لا يسعني أن أصدق أن هذا السعي الدؤوب , الكثب , لنيل , مقام في السماء , هو في الحقيقة طريقة الحياة التي انتدبنا إليها الرب . كما أنّي لا أعتقد أن الله يريدنا أن نُدمي في الزحف رُكبنا و أيدينا لنحصل على قطعة في السماء عندما نقتطع من الأرض . فالله لا يفرض على المرء " قطعة من لحمه " ثمناً للحياة الأبدية . أنا أعتقد حقاً أن الحياة الأبدية قد بدأت فينا و هي تنمو في ظل أمانتنا لله الذي يحيا في داخلنا , و أن لنا في ذلك عيداً دائماً . نحن أغصان في كرمة المسيح ( يو 15 / 5 ) . |
||||
![]() |
![]() |
#218 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 4 تشرين الأول إننا ننمو و ننضج كأشخاص من خلالا طرق متعددة . و لكن النمو الشخصي يأتي بنوع خاص من خلال ممارسة اثنين من قدراتنا : العقل و الإرادة . يجب أن يُسمح لنا بأن نفكر و نقرر . و هذا يعني بالطبع أننا سنُخطئ أحيانا في التفكير و في التقرير . و هذا جزء من حياة كل انسان . فمن دون امكانية التقرير مع خطر الوقوع في الخطا , لا مجال لتحقيق النضج الذي يصبو كل منا اليه . هنالك طريق لن يقود الى النمو و هو أن أسير على هدي عقل آخر و بتوجيه إرادة غير إرادتي . أنا لن أكبر أبداً إذا تركت أحداً يفكر عني و يتخذ عني القرارات في حياتي , و بالتالي علي أن أحرص بدوري على ألا أفكر عن سواي مخافة أن أسيء إلى مسيرة نضجهم و لا أن أقوم مقام الآخر في اتخاذ القرار خشية أن أنمي فيه روح الاتكالية فأكون حجر عثرة في سبيل نموه . |
||||
![]() |
![]() |
#219 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 5 تشرين الأول إن وعي تلك الحقيقة أضاف بعداً جديداً , لا إلى حياتي فقط , بل إلى تفكيري في الطبيعة البشرية أيضاً . كنت قد تيقّنت أن الحبّ هو الحلقة الأساسية في مسيرة العيش العميق الحيّ , و أنّ نجاحه رهن بإرادتي عل العمل لإنجاحه . بدا لي جلياً أن عمليّة الاتصال هي للحبّ نبع الحياة , و أن الخبرة و التعبير عن العواطف هما بمثابة اللبّ من عملية الاتصال . و وعيت أيضاً أنّ ما من أحد يمكنه أن يُحدث عواطف في شخص خر , بل جلّ ما يستطيع المرء تحقيقه , هو عملية توعية لتلك العواطف الراقدة في انتظار مَن يوقظها . و بعد أن انتقلت من تبصر إلى تبصر , و في كل تبصر عمق فهم جديد يكشف لي أرضاً جديدة , بقي يراودني سؤال واحد : ماذا لو قرر المرء أن يعمل بوحي كل تبصر , و يختبر الوحدة و الخوف و الغضب ... بعمق , و يعبر عنها بنضج , ماذا بعد ذلك ؟ فهل مجرد التعبير عن تلك العواطف السلبية المضنية يكفي لإحداث تغيير إيجابي في نمط ردّات الفعل عند المرء ؟؟ من علماء النفس مَن يجيب بالإيجاب عن هذا السؤال , و منهم مَن يرى عكس ذلك .أما خبرتي الخاصة ,مع نفسي و مع اخرين ,فتقودني إلى الاعتقاد بأن تغييراً في نمط شعور سلبي لا يحصل إلا من خلال التفكير الذي يبدل في النظرة إلى الواقع , يبدل في الرؤية . يبدو لي الآن بديهياً أن ردات أفعالنا العاطفية ليست قسماً ثابتاً من كياننا ,بل إنها تنبع من نظراتنا إلى أنفسنا ,إلى الآخرين و إلى الحياة و العالم و الله . هذه النظرة تتحول إلى محور للحياة ,في إطاره نعمل و نتحرك . و من خلال أفكارنا و مواقفنا ,تنبثق ردات أفعالنا العاطفية . فالعواطف السلبية , إذا كانت ثابتة ,تشير إلى أن هناك وهما في تفكيرنا و تقلبا في رؤيتنا . |
||||
![]() |
![]() |
#220 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 6 تشرين الأول " الإنسان الكامل " يستطيع الخروج من ذاته , و عنده القدرة على الالتزام . و هو في خروجه من ذاته و في التزامه دائماً حرّ . " الإنسان الكامل " بالطبع شخص حر . هناك العديد من " محبي الناس " بيننا . الذين يهبون من وقتهم و مما عندهم , و كأنهم مُدمنون " مرغمون " على العطاء . يبدو أن فيهم حاجة تدفع بهم إلى ذلك و تقض مضجعهم , و فكأن قلقاً أو شعوراً بالذنب تملكهم و هو يشدهم من أنفهم من عمل خير إلى عمل خير آخر . " فالإنسان الكامل " يخرج من ذاته نحو الآخرين و نحو الله نفسه , لا بدافع قسري قلق , بل بعمل حر , لمجرد أنه قرر أن يفعل ذلك . الفيلسوف مارتن هيدغير Martin Heidegger - , و في حديث عن الاتحاد في الحب , يحذر من خطرين يُخشى على النمو منهما : الارتياح المكتفي بذاته الذي يرضى بما هو , و النقيض لذلك , أي الحركة التي لا تعرف الهدوء , فتفتقر من إلهاء إلى إلهاء ,بحثاً عن شيء ما في الأفق . النتيجة في رأي هيدغير هي دائماً هجر للذات . في الحب , علينا أن نعتنق و نشغف بالذي هو , و نطمح في الوقت نفسه لنبلغ ما هو أكمل . ذاك هو الاتزان الذي يبلغه " الإنسان الكامل " بين " ما هو " و ما " سوف يكون " . "الإنسان الكامل " لا يعتبر نفسه ملتصقاً بمن أو ما يحب , و كأنهم ملحقات لذاته . كبريال مارسل - Gabriel Marcel في كتابه " ما أنا و ما أملك ". يأسف كيف أن حضارتنا تعلمنا أن نملك الأشياء , بينما عليها أن تعلمنا كيف نتجرد منها . فالإنسان لا يستطيع أن يعيش حياة حقيقية , و لا يمكنه أن يكون حراً من دون أن يتمرس على التجرد . |
||||
![]() |
![]() |
#221 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 7 تشرين الأول " الإنسان الكامل " شخص فاعل لا راد فعل . يخبر الصحافي سدني هاريس - Sydney Harris - قصة حدثت لصديق له مع بائع صحف " سلم صديقه على بائع الصحف بكل تهذيب , فبادره بائع الصحف برد قاسٍ دافعاً بالصحيفة في وجهه . أخذ صديق هاريس الصحيفة بكل تهذيب و ابتسم متمنياً لبائع الصحف وقتاً طيباً . و تابع الصديقان طريقهما , و دار بينهما في الطريق الحديث التالي : ![]() - هل يتعامل معك بهذه الوقاحة دائماً ؟ - نعم بكل أسف . - و هل أنت تبادله بالتهذيب نفسه ؟؟ - نعم . - لِمَ أنت لطيف معه إلى هذا الحد , مع أنه يعاملك عكس ذلك تماماً ؟ - لأني لا أريده هو أن يقرر عني كيف سأتصرف أنا . |
||||
![]() |
![]() |
#222 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 8 تشرين الأول كلما تمرست على الإتكالية ألفتها , و قد تجعلني أشعر بأن فيك حاجة دائمة إلي , فتسر أنت بأنني أخفف من عنائك , و أشعر أنا ببعض النشوة من جراء إعرابك لي عن شكرك العميق , فأطرب لذلك و قد أوهم نفسي بأنني أقدم إليك خدمة هامة . و لكن سرعان ما تجد أنك تقوم باستمرار بدور " المحتاج إلى مساعد " و أقوم أنا بدور " المساعد " . و هكذا أشجعك على الاتكالية و أحول دون بلوغك النضج الذي أنت قادر على تحقيقه . فماذا تفعل إذا عندما يأتيك شخص هو في صدد اتخاذ قرار مستقبلي بعد أن أُرغم عل ترك عمله لأنه رفض الانصياع إلى أوامر رئيسه ؟ أجد نفسي عادة , في مثل هذه الحال , أحول دون اتباعي ميلاً فيّ إلى الإسدال بالنصح و الإفراط بالشروحات , فأجيب عن طلبه بسؤال أوجهه إليه : " ليس لدي الحل لما تطلب , و لكن ما رأيك أنت في الأمر؟ ما هي إمكانيات الحل في نظرك ؟؟ " و قد أضيف , بعد أن أفسح له في المجال كي يفكر بعض الشيء : هل خطر ببالك أن تتدرب في الكلية على عمل آخر في سوق العمل حاجة إليه ؟ أتظن أن موقفك ممن يمثلون السلطة تأثر بالعلاقة القائمة بينك و بين والدك ؟ عندما يأتي شخص يبحث عن بعض المعلومات , من الطبيعي أن أقدمها إليه إذا ما كانت لدي . و لكن عندما يحاول الإفادة من المعلومات ليتخذ قراراً ما , فذلك , يقع , في الأساس , على عاتقه هو . |
||||
![]() |
![]() |
#223 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 9 تشرين الأول ![]() إننا , في غالبيتنا , نشعر مع الأسف و كأننا مركب يتيه بين الأمواج , نفقد الاتزان عند هبوب الرياح و اهتياج الأمواج . نتفوه بعبارات كهذه : " لقد جعلتني أحنق بكل عنف " . " أنت في الحقيقة تُزعجني كثيراً " . " ملاحظتها أحرجتني جداً " . " هذا الطقس يُتعب أعصابي " . " مجرد مشاهدته تُحزنني ". لاحظ أن الأمور التي ذكرناها " تؤثر بطريقة ما في وفي عواطفي ". ليس عندي ما أقوله عن غضبي و حزني و تعب أعصابي ... و كسائر الناس ,أكتفي بإلقاء اللوم عل آخرين , و على الظروف و سوء الحظ . " الإنسان الكامل " يعرف , كما قال شكسبير في يوليوس قيصر : " إن المشكلة , يا عزيزي بروتس , ليست في نجمنا , بل فينا ... " يمكننا أن نرتفع فوق غبار المعركة اليومية التي تخنق العديد منّا و تُعمي عيوننا . و هذا بالضبط ما هو مطلوب في مسيرة نمو كل شخص . |
||||
![]() |
![]() |
#224 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 10 تشرين الأول يدعو الله كلاً منّا إلى أن نعيش الحياة بملئها , فننعم من لدنه بسلام عميق . و عندما يعكر صفو ذلك السلام ألم , أجسدياً كان أم عاطفياً أو روحياً , ففي ذلك دعوة إلى وقفة تأمل تقود بي إلى داخل ذاتي , أسئل نفسي عمّا هو في . إنه لمن الضرورة بمكان أن أطرح هذا السؤال على نفسي بشجاعة و صدق . أنا لست مسؤولاً عن أن أغير الآخر , و لا العالم من حولي و لا أيضاً موقع النجوم التي فوق . و لكنه بإمكاني أن أغير ذاتي . ففي وقفة تأمل و صلاة , يمكنني أن أعود بالألم الذي فيّ إلى حقيقة موقفي من الحياة و من الآخر و من الله . قد يكون ذلك الموقف سليماً و لكنه مؤلم في آن , و لكن إذا كان بين حياتك و حياتي وجه شبه , فلا بد و أن نكتشف , كما يحدث لي غالباً , أن ، موقفي لا يمّت إلى مبادئي المسيحية بصلة و أن ذلك البعد عن الحقيقة التي تحررني هو السبب الكامن وراء ألمي . فرجوعي إلى ذاتي و وقوفي على حقيقة الحال التي أنا فيها بداية طريق العودة إلى ذلك السلام الذي من شأنه أن يبدد من نفسي كل ألم . |
||||
![]() |
![]() |
#225 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 11 تشرين الأول إن مسيرة النضج رهن بطريقة تعاملنا مع المصاعب و التحديات . الإنسان غير الناضج لا يرى إلا المصاعب : إنها تصدم بصره فيتعذر عليه تخطيها . و اهم من ذلك ,فإنه يحجم عن التبصر في موقفه منها . المصاعب تمر و لكن موقفنا منها يبقى . يذكرنا هذا يقول وليم جيمس William James : " في السماء إله يغفر لنا سيئاتنا , أما الطبيعة البشرية فهي لا تنسى " . مواقفنا من المصاعب محفورة في نفوسنا و أجسادنا .فكل ردة فعل , أياً كانت درحة نضجها , تتفاعل لتكون بداية عادة جديدة فينا . و من خلال المواقف وردات الفعل الناضجة , نتمرس على النضج الذي يحدد كياننا . و كذلك المواقف المتتالية التي تفتقر إلى النضج , فهي أيضاً تلقي بدورها في أرضنا . على المسيحي أن يقبل ذاته دائماً كإنسان في سفر , و يعي أنه لا بد للمسافر من أن يعرف الفشل . و من الضروري أن تخضع المثل دائماً لامتحان الخبرة . و هكذا , فمُثُلنا التي تبدو لنا في الغالب جميلة جداً , سرعان ما تتحول إلى صراع , إلى نكران للذات , إلى معركة لضبط النفس , إلى إرادة مجدداً على أثر فشل و إلى قبول واعٍ لسر الصليب . المشكلة في العمق لا تكمن في حادث فشل ظرفي , بل في ردة الفعل عندنا على هذا الفشل . إن ردة فعل الإنسان المسيحي يجب أن تأتي دائماً محصنة بثقة عميقة , مبنية على قناعة راسخة بأن الله يقف دائماً إلى جانبه , و أن حب الله أقوى من أي ضعف عند الإنسان , و لا بد لمسيرة النضج من أن تصطدم ببعض العقبات , و تتعرض لبعض الكبوات . و لكن الفشل الوحيد الحقيقي يكمن في الانهزام . عندما تقوى المتاعب , على المسيحي أن يصبح أقوى , عليه أن يكون دائماً أكبر من المشكلة . و في النهاية سيُفضي به تصميمه على الحب إلى أمام صليب الحب المتجسد , و هناك , في المسيح المنتصر , يجد لنفسه الغلبة . |
||||
![]() |
![]() |
#226 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 12 تشرين الأول إنني غالباً ما أفكر في رجال و نساء كبار و كيف أفهم , في تخطيهم ذواتهم تركوا بصماتهم في التاريخ , و منهم مَن احدث تغييراً كبيراً في وجه الدنيا .ما كان حدث لو أن كريستفوفر كولومبوس قال في نفسه : " هل من الممكن أن يكون الكل مخطء و أنا وحدي على حق ؟ و ماذا لو فشلت محاولتي وضعت في عرض البحار ؟ ماذا سيقول الناس عني ؟ " . و ماذا لو أن توماس جيفرسن استسلم لمخاوفه و قال : " أن أكتب إعلان الاستقلال لدولة جديدة ؟هل بإمكاني أن أفعل ذلك ؟ ما حدث لي لو فعلت ذلك من قبل ! " . قد تقول في نفسك : " هذا صحيح , و لكنني لست بكريستوفر كولومبوس و لا أنا توماس جبفرسن " . في هذه الحال اسمح لي أن أجيبك " صحيح , و لكن أحدهما لم يكن نا هو عليه قبل أن يجاذف في محاولة تخطي ذاته " . |
||||
![]() |
![]() |
#227 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 13 تشرين الأول نحن غالباً من ننسى أن كل إنسان يحمل في ذاته ميلاً طبيعياً إلى النمو الشخصي يشبه النمو الفيزيولوجي إلى حد ما . فعندما ننظر إلى جسد طفل . نعرف أنه , إذا ما توفر له الوقت و الاهتمام اللازمان , سوف ينمو إلى ملء قامته . و كذلك هي الحال في النمو الشخصي فالإنسان , الذي بلغ مرحلة ما في مسيرة نموه هذه , لا بد و أن يكمل المسيرة نحو النضج , إذا ما توفرت له المساحة الزمنية و الاهتمام الشخصي الذي يحتاج إليهما . و الغذاء الضروري للنمو الشخصي هو قبول الآخرين لنا و تشجيعهم فالإنسان لا يمكنه أن ينمو في جو يرفضه . إذ إن المجال الطبيعي لنموه الشخصي إنما هو احتضان المحيط البشري له , و قبوله هو لذاته . الحقيقة أننا عندما نجابه بالرفض و عدم الرضى , يتكون لدينا , أنت و أنا , موقف يحملنا على التوقف حيث نحن لأننا نفتقر إلى الحاجة أو القدرة على التقدم و النمو , و كأن قوة قد انتُزعت منّا .... إن بي حاجة إلى أن أُقبل كما أنا فتكون لدي القدرة على السير قدماً نحو ما يمكنني أن أكون . قبولك لي و احترمك لمسيرتي أنجح بكثير من أية نصائح يمكنك أن تقدمها لي . |
||||
![]() |
![]() |
#228 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 14 تشرين الأول ![]() الإنسان الذي يعيش ملء الحياة يفيد كلّ الإفادة من كافة مؤهلاته و قواه . فهو ينمّي قواه الداخلية و يفيد منها كما أنّه يعمل جاهداً ليكون فاعلاً حيث هو .إنه يعيش بسلام مع ذاته , و هو منفتح على كامل الخبرة البشرية و يعبر عن حقيقته ببساطة و شفافية . إن مثل هؤلاء الأشخاص أناس تنبض الحياة في قلوبهم , و العقل عندهم و الإرادة في يقظة دائمة . في العديد منّا خشية تكاد أن تكون طبيعية من الاندفاع في الحياة بملء قوانا . نحن نفضل , باسم الإيمان , أن نغب من الحياة ما نحن متيقنون من هضمه . أما الإنسان الذي يعيش ملء الحياة , فهو ينخرط في الحياة بقوة , و اثقاً بأن مَن يوظف كل طاقاته بجدية يحصد نمواً متزناً لا يعرف الضياع و لا الفوضى . الإنسان الذي يعيش ملء الحياة حي في جميع حواشه ، يرى جمال العالم و يطرب للموسيقى و الشعر . هو ينعم بأريج كل يوم جديد ، و يتذوق عذوبة كل ساعة من حياته ، و القبح من حوله يُحزنه و يؤذيه .إن في تسلق الجبل صراعاً و لكنّ المنظر من رأس الجبل رائع .الإنسان الذي يعيش ملء الحياة فسيح المخيلة ، مرح المزاج ، مرهف الشعور ، و هو يعرف كيف يواجه الألم كما أنه يتقن التنعم بالفرح .إنه لم يفقد بهجة الدهشة و في قلبه رقة لطف و دفء حنان . |
||||
![]() |
![]() |
#229 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 15 تشرين الأول الإنسان الذي يعيش ملء الحياة حيّ في عقله . هو يعي أهمية قول سقراط و حكمته : " الحياة التي لم تُفهم لا تستحق أن تعاش " . و هو بفكر باستمرار , و بتساءل عن معنى الحياة ، و يصغي إلى ما تطرح عليه الحياة من أسئلة . فيه قلب يخفق بقوة و له إرادة لا تخشى الصعاب . يحبّ كثيراً و في حبه صدق . إنه يحترم نفسه ، و على هذا الاحترام يبدأ بناء الحبّ . الإنسان الذي يعيش ملء الحياة إنسان يقدر نعمة الحياة و ما وضع فيه الله من قدرات . و يقدر نِعمَ الآخرين و يقلق عليهم . فسعادتهم و نجاحهم و سلامة عيشهم في صلب همومه . إنه ملتزم بالأمانة الصادقة لمَن يحب . إنّ لأمثال هؤلاء الناس فرح الحياة ، و لهم فيها دائماً بهجة عيد . فحياتهم ليست مسيرة جنائزية مستمرة ، بل إنهم في كل غد على موعد جديد مع الحياة . للحياة عندهم معناها و للموت أيضاً معناه . و ساعة يأتي يجد فيهم قلوباً مفعمة بالامتنان لكل ما كان ، و لما كانوا هم عليه ، و لخبرة حياتهم الجميلة . فكأن ابتسامة تعمّ كيانهم بأكمله و هم يستعرضون حياتهم . و العالم من بعدهم سيبقى مكاناً تحلو فيه الحياة ، و يعمه الفرح و روح الإنسانية ، لأنهم هنا عاشوا و هنا ضحكوا و أحبوا . |
||||
![]() |
![]() |
#230 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 16 تشرين الأول الإنسان الذي يعيش ملء الحياة ، و لأنه يفعل ، يختبر الفشل كما يختبر النجاح ، و يتعرض للألم كما يعيش الفرح . لديه أسئلة متعددة و قلة من الأجوبة . هو يبكي و يضحك ، يحلم و يأمل . و لكن الخبرة الوحيدة التي تبقى غريبة عن حياته هي خبرة السلبية و الامبارلاة . إنه يقول " نعم " للحياة بكل قواه ، و يستجيب لدعوة الحب من دون تردد . يحس بنبضات الحياة و النمو تدفع به نحو التجدد ، و هو يعمل باستمرار ، فعقله متيقظ و في قلبه شوق إلى التطور . كيف السبيل إلى مثل هذه الحال ؟ غن الحكمة المعاصرة تشير إلى مراحل خمس تسيير بالإنسان نحو طريقة الحياة تلك . كل مرحلة تُبنى على سابقتها ، و لكن من دون أن يتوقف النمو تماماً في أية مرحلة من المراحل . فكل مرحلة ، في حد ذاتها ، تبقى هدفاً لا ننفك نصبو إليه . و في كل مرحلة ، خطوة جديدة في صلب الرؤية و دخول أعمق في محور الحياة ، و وعي أوضح أو نفاذ بصيرة . و بقدر ما يتعلق المرء في وعيه ، يمكنه أن يحقق ملء الحياة في ذاته . المراحل الخمس هي : 1- أن يقبل الإنسان نفسه . 2- أن يعيش ذاته . 3- أن ينسى ذاته في الحب . 4- أن يكون مؤمناً . 5- أن يشعر بالانتماء . ما من شك أن كل نمو يبدأ بقبولٍ فرحٍ للذات . و إلا بقي الإنسان رهنية ألم دائم و حرب داخلية متواصلة . و بقدر ما نقبل أنفسنا ، نتحرر من الخوف ، من عدم قبول الآخرين لنا ، نتحرر فتنمو ثقتنا بأنفسنا . و لكننا ، إذا ما عشنا فقط لأنفسنا ، فسرعان ما تتحول حياتنا كلها إلى سجن صغير . علينا أن نتلعم كيف نخرج من ذواتنا لندخل في علاقات مع الآخرين ، و العلاقات هي دوماً رهن بمستوى الصدق و الشفافية عند الإنسان . و إذا ما خرج الإنسان من ذاته ليكون في صلة حب . عليه أن يطور تلك الصلة ليعيش اختبار إيمان بشخص أو بقضية . و ذلك الاختبار يعطي حياته معنى و يفعمها بهاجس رسالة . و بقدر ما تمتلئ الحياة برسالة و معنى ، يتطور عند المرء شعور بالانتماء ، و تصبح الجماعة حقيقية و واقعاً لننظر في الأيام المقبلة عن كثب في كل من تلك المراحل الخمس . |
||||
![]() |
![]() |
#231 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 17 تشرين الأول الإنسان الذي يعيش ملء الحياة يقبل نفسه و يحب ذاته كما هو . هو لا يعيش في انتظار غد قد لا يأتي ، يظهر هو فيه كما يود ان يكون . إنه يشعر ، كما أنت و أنا أشعر ، عندما نلتقي شخصاً نقدر و نحب . يرى ما هو حسن في حياته ، و يقدر حتى صغائر الأمور من قدراته على الابتسامة ، إلى أكبر القدرات عنده ، يقدر ما هو في أساس طبعه و ما حققه هو بتعبه . و عندما تصدر عنه الصغائر يتعامل مع ذاته بعطف و وداعة . يحاول أن يفهم من دون أن يدين . يفرض على نفسه نظاماً قاسياً و لكن بوداعة . إن النبع الذي منه يستقي المرء ملء الحياة إنما ينبت في الداخل . و يعلمنا علم النفس أن قبول الذات و النظرة الإيجابية إلى النفس و الفرح الداخلي في الحياة ، كلها تشكل الأساس الذي عليه تُبنى الحياة الحقيقية و النبع الذي فيه يبدأ كمال الإنسان . |
||||
![]() |
![]() |
#232 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 18 تشرين الأول الإنسان الذي يحاول أن يعيش ملء الحياة شخص تحرر عندما قبل ذاته ، فأصبح بإمكانه أن يعيش حقيقته بشفافية ، إذ إنه ما من إنسان يمكن أن يخاطر في تحمل مسؤولية العيش بشفافية إلا إذا عرف كيف يقبل ذاته بفرح . في الإنسان توق إلى أن يكون ذاته . و لكن ارتداء الأقنعة أمر قد يُغري ، لأنه يسهل الحياة و يبني من حولنا سياجات توفر علينا الكثير من الأذى ، و لكنها تقيم حاجزاً بين الواقع و بيننا ، فتشوه رؤية الواقع عندنا ، و تخفف من قدرتنا على الحياة . إذا كان بإمكاني أن أعيش ذاتي فهذا يعني أني أصبحت حراً أُفصح عمّا أشعر به و أفكر فيه . و الشخص الصادق ينحو إلى الاستقلالية في التفكير و القرار . و قد تخطى الحاجة الملحة إلى موافقة الآخرين على ما هو و على ما يعمل . لا يبيع نفسه إلى أحد ، و ليست عواطفه و أفكاره و قراراته برسم الإيجار . شعاره في طريقة عيشه : " كن صادقاً مع نفسك " . |
||||
![]() |
![]() |
#233 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 19 تشرين الأول ينسى الإنسان ذاته في الحب بعد أن يقبل الإنسان نفسه و يعيش ذاته بصدق ، ينطلق في محاولته أن يعيش ملء الحياة ، نحو التمرس على نسيان الذات و إتقان فن الحب . يتعلم كيف يخرج من ذاته كي يشاطر الآخرين همهم بصدق . إن حجم عالم المرء بحجم قلبه . و نحن نشعر بارتياح في واقعنا بقدر ما تعلمنا أن نحبه . فالمرأة أو الرجل الذي يعيش بصدق ، يخرج من عالم الأنانية الضعيف الظالم الذي لا يتسع إلا لشخص واحد . هم يعايشون الآخرين عن قرب و يشاطرونهم آلامهم و أفراحهم بكل عفوية . و في ولوجهم إلى عالم الآخرين بصدق و عفوية ، يكبر عالمهم ، و مدى خبرتهم الإنسانية يتسع . إنهم يعيشون خبرة لا يستحقها سوى أولئك الذين التزموا بالآخرين و أحبوهم حباً " لا أعظم منه " ، حب مَن هو مستعد لأن يبذل نفسه في سبيل من يحب . أن يكون الإنسان محباً ، فهذا لا يعني أنه يدور يعمل الخير و يدوّن ذلك ليفتخر به ، و كأنه يستعمل الآخرين كمطية لأنانيّته . الإنسان الذي يحب حقاً ، يتعلم كيف يجعل و يأبى الظهور على المسرح ، بل يبقى دائماً وراء الكواليس . فإذا لم يكن اهتماماتنا بالآخر صادقاً ، فحبنا لا يعني شيئاً . و ما من إنسان يمكنه أن يتعلم كيف يعيش ، إن لم يتعلم كيف يحبّ . |
||||
![]() |
![]() |
#234 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 20 تشرين الأول بعد أن يكون الإنسان قد تعلم كيف يتخطى ذاته ، آنذاك يبدأ يكتشف معنى لحياته . هذا المعنى هو ما سماه فيكتور فونكل Victor Frankl " دعوة خاصة أو رسالة حياة " . إنها قضية التزام بشخص يؤمن به أو بقضية يجند في سبيلها قواه . هذا الإيمان - الالتزام هو الذي يعطي حياة الإنسان نهجها ، فيأخذ كل جهد معناه و قيمته الخاصة . و إذا ما كرس الإنسان نفسه لمثل تلك المهمة ، فلا بد و أن يرتفع فوق تفاهة صغائر الأمور التي تنهش معنى الحياة فتشوهه . و إذا ما خلت حياة امرئ من المعنى ، تحول همه من خدمة الآخرين إلى ذر الرماد في عيونهم . و قد يلجأ إلى اختبارات متعددة ، يبحث دائماً من خلالها عما يحطم التراتبية الفارغة المقلقة في حياته . و لربما بلغ به الأمر إلى ضياع في أدغال أوهام خلقها فيه مخدر أو مسكر . الطبيعة البشرية تمقت الفراغ . فأما أن يكون لنا قضية نؤمن بها ، و أما أن نقضي ما تبقى من العمر في محاولة تعوبض عن فشل نعيشه في عمق أعماقنا . |
||||
![]() |
![]() ![]() |
أدوات الموضوع | |
|
|