![]() |
س و ج | قائمة الأعضاء | الروزناما | العاب و تسالي | بحبشة و نكوشة | مواضيع اليوم | أشرلي عالشغلات يلي قريانينها |
![]() ![]() |
|
أدوات الموضوع |
![]() |
#253 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 8 تشرين الثاني منذ نحو اثنتي عشرة سنة ، وقفت يوماً في الجامعة أُراقب طلابي يدخلون ، للمرة الأولى ، صف اللاهوت العقائدي . كان ذلك أول لقاء لي مع طمي ( الذي سأقص عليكم مسيرتي معه في الأيام المقبلة ) . رفَّت عيناي آنذاك و انتفض عقلي ، إذ رأيته يمشط شعره الشاحب المتدلي فوق كتفيه حتى ظهره . لم أرَ من قبل شاباً شعره طويل كشعر طمي . كان ذاك الزي قد بدأ ينتشر في تلك الفترة . أنا أعرف أن المهم ليس ما هو فوق الرأس ، بل ما في داخله ، و لكني ذلك اليوم ، لم أكن مهيأ لما شاهدت ، فانقلبت عواطفي ، و صنفت طمي حالاً في خانة ( غ ) خانة الصنف الغريب ... و الغريب جداً. و تبيَّن لي في وقت لاحق أن طمي كان الشخص المميز بإلحاده في صف اللاهوت العقائدي! فكان المعترض الدائم ، و الساخر الدائم ، و المثابر في نكران وجود إله محبّ ، لا شروط لحبه . تعايشنا في سلام نسبي طيلة فصل الدرس ، غير أن وجوده غالباً ما كان يُزعجني كثيراً . و عندما أتى ، في نهاية الفصل ، ليقدم الامتحان النهائي ، سألني بصوت فيه بعض الشك ، و لا يخلو تماماً من السخرية ، قائلاً : " أتراني سألتقي الرب يوماً ، في رأيك ؟ " قررت في الحال أن أحمل جوابي صدمة قوية ، فأجبته " لا " ، بكل تأكيد . فبدا متعجباً و قال لي : " ظننت أنك كنت تحاول دفعي إلى ذلك ! " تركته يبتعد بعض الخطوات ثم ناديته ، فالتفت إلي ، فقلت له آنذاك : " يا طمي أنا لا أظن أنك ستجد الله ، و لكني على يقين تام من أنه هو لن ينفك يبحث عنك حتى يلتقيك ! " فهز بكتفيه قليلاً ، و ترك صفي ، و خرج من حياتي ( إلى حين ) . و أحسست بشيء من الخيبة لعدم تجاوبه مع ما ظننت أنه كان جواباً ذكياً . |
||||
![]() |
![]() |
#254 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 9 تشرين الثاني
سمعت يوماً أن طمي تخرج . و شعرت ببعض الامتنان لسماعي الخبر . ثمّ بلغني خبر محزن : إنّ طمي مصاب بسرطان قاتل . و قبل أن أذهب إليه ، أتى هو إلي . و عندما دخل مكتبتي بدا منهمكاً ، و قد تساقط شعره الطويل نتيجة العلاج الكيميائي . و لكنّي أبصرت في عينيه بريقاً من النور ، و للمرة الأولى أحسست أن في صوته قوة خاصة . فبادرته بالقول ، دون أن أفكر مليّاً : " كنت غالباً أفكر فيك يا طمي ، و قد سمعت منذ قليل أنك مريض " . - " نعم ، قال لي ، أنا مريض و مرضي عضال . إن في رئتي سرطاناً ، و لم يبق لي في هذه الحياة سوى أسابيع معدودة " . - " هل بإمكانك أن تقول لي أكثر عن مرضك ؟ " - " أجل ، ماذا تريد أن تعرف ؟ " - " كيف تشعر و أنت ابن الرابعة و العشرين ، و مشرف على الموت ! " - " إنّ في الحياة أسوأ من ذلك " . - " ما الذي يمكن أن يكون أسوأ من ذلك ؟ " - " مثلاً أن أكون ابن الخمسين و لا قِيَم عندي و لا مُثُل . أن أكون ابن الخمسين و أفكّر أنّ السكر و النساء و الفلوس هي الأمور المهمة في الحياة " . |
||||
![]() |
![]() |
#255 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 10 تشرين الثاني فأخذت أستعيد ذكرياتي ، و كيف أني صنفت طمي تحت حرف ( غ ) كشخص غريب . ( أنا أحلف أني ، كلما رفضت شخصاً بتصنيفي له ، يعيده الله إلى حياتي ليلقّنني درساً جديداً ) . و تابع طمي يقول : " إن الذي حملني على العودة إليك ، هو ما قلته لي آخر يوم التقيتك في الصف ( لقد تذكر ! ) سألتك هل تعتقد أني سألتقي الله يوماً ، فقلت " لا " ! فتعجبت من جوابك . و لكنك قلت لي بعد ذلك : " و لكنه هو لن ينفك يبحث عنك حتى يلتقيك " . فكرت مليّاً بذلك ، مع أن بحثي عن الله آنذاك كان يفتقر إلى الجدية . " و لكن عندما أخبرني الأطباء أنني مصاب بداء السرطان ، بدأت أبحث عن الله بكل جدية . و كلما تفشى المرض فيّ ، ضاعفت قرع باب السماء بقوة . و لكن الله لم يُخرج ، و لم يُحدث شيء أبداً . هل حدث لك أن جاهدت طويلاً ، بكل قواك ، و فشلت ؟ نشعر بالقنوط ، و نفقد إرادة المثابرة ، ثم نفقد كل أمل . إستيقظت ذات صباح ، و بدلاً من أن أرسل بعض صرخات جديدة اُلقي بها فوق حائط القرميد العالي ، نحو إله قد يكون هنالك أو لا يكون ، قررت أن أتوقف عن كل شيء . قررت ألاّ أهتم بعد اليوم بالله و بالحياة الأخرى أو بأي شيء يشبه ذلك . |
||||
![]() |
![]() |
#256 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 11 تشرين الثاني
" قررت أن أصرف ما تبقى لدي من وقت في أمور أكثر فائدة " . فكرت فيك و في صفك و تذكرت أنك قلت لنا ، فيما قلت : " الحزن كل الحزن في أن نعبر الحياة من غير أن نحب و هناك حزن آخر يكاد يساويه ، و هو أن نعبر الحياة و نترك الدنيا من غير أن نقول لمَن نحب أننا نحبهم " . " فبدأت بالشخص الأصعب : والدي ، كان يقرأ الصحيفة عندما اقتربت منه : - " يا أبي ..." - " نعم ، ماذا ؟ قال هذا و تابع القراءة ". - " أُريد أن أتكلم إليك " . -" تكلم ، قل لي ما تريد " - " ما أُريد هو غاية في الأهمية " . نزلت الصحيفة قليلاً : - " ماذا ؟" - " يا أبي ، إني أُحبك . أردتك أن تعرف ذلك " . ثم ابتسم طمي و مال بنظره نحوي و بدت البهجة في عينيه و كان دفء فرح كبير يفيض من قلبه : " سقطت الصحيفة فجأة إلى الأرض ، ، ثم حصل أمران ما عرفتهما عند والدي من قبل بكى ، ثم ضمني إليه و قبّلني . فتحدثنا طوال ذلك الليل ، مع أنه كان سيذهب إلى عمله في صباح الغد . و كم أحسست بارتياح عميق بقرب والدي ، برؤية دموعه و الإحساس بضمي إلى صدره و سماعه يقول لي إنه يحبني . |
||||
![]() |
![]() |
#257 | |||||||
مشرف متقاعد
|
![]() اقتباس:
![]()
انا بحبك وانت بتحبني ..وفخار يطبش بعضو
i miss you ....:sosad: الخطأ الوحيد الذي يرتكبه الانسان هو الخطأ الذي لايتعلم منه شيئاً. |
|||||||
![]() |
![]() |
#258 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 12 تشرين الثاني " توجُّهي إلى أمي و أخي الصغير كان أقل صعوبة . بكيا معي هما أيضاً ، و تعانقنا طويلاً ، و رحنا نقول بعضنا لبعض أموراً جميلة جداً و حقيقية . أشركنا بعضنا في أمور كان كل منا يحتفظ بها سراً في نفسه منذ سنوات كثيرة . و إني أسفت لأمر واحد : و هو أني انتظرت هذا الوقت كله . فها أنا مشرف على الموت ، و قد بدأت الآن فقط أنفتح حقاً على الأشخاص الذين أحببت . " ثم التفت يوماً و إذا الله إلى جانبي . لم يأتِ إليّ عندما توسلت إليه . كنت ، على ما أعتقد ، كمدرب حيوانات يحمل طوقاً كبيراً و يدعو الحيوان إلى المرور فيه ... هيا ... إقفز ... إني أعطيك ثلاثة أيام ... ثلاثة أسابيع ...و يبدو أن الله يحقق ما يريد كيفما يشاء و ساعة يشاء . " و لكن المهم أنه كان هناك ، إنه لقيني . لقد كنت على حق . إنه لقيني بعد أن توقفتُ عن البحث عنه " . أ<بت و في صوتي ارتجاف مَن كاد يبكي : " يا طمي ، إنك تنطق بأمور هي غاية في أهميتها و شموليتها . في نظري ، ما تقوله هنا يعني أن أفضل سبيل إلى لقاء الله ، هو ألا نحاول امتلاكه ، و ألا نقيمه منقذاً لنا من المصاعب ، يسكب في قلوبنا العزاء ساعة نحتاج إليه ، بل إن أفضل السُبُل إليه انفتاح على الحب . أنت تعرف أن هذا من قول القديس يوحنا . إنه قال : " الله محبة . مَن أقام في المحبة أقام في الله و أقام الله فيه " . |
||||
![]() |
![]() |
#259 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() |
||||
![]() |
![]() |
#260 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 13 تشرين الثاني " يا طمي ، هل لي أن أطلب إليك خدمة ؟ أنت تعرف أنك امّا كنت في صفي كنت تشكل إزعاجاً حقيقياً . و لكن بإمكانك أن تعوض عليّ الآن و تزيد . هل بوسعك أن تأتي إلى صفي و تقول لطلاب اللاهوت العقائدي ما قلته لي الآن ؟ فلو قلتُ لهم ذلك أنا ، لما كان لكلامي الوقع الذي سيتركه فيهم كلامك أنت " . - " في الحقيقة ، شعرت أنه بإمكاني التكلم إليك بما أحسست ، و لكني لا أعرف هل لدي الاستعداد الكافي للتحدث في الشيء نفسه مع طلابك " . - " فكِّر في الأمر ، يا طمي . و إذا شعرت أن لديك مثل هذا الاستعداد ، فسأكون في انتظارك وقت ما تشاء " . بعد بضعة أيام ، كلمني طمي ليقول إنه مستعد ، و سوف يتحدث إلأى صفي ، إكراماً لله و لي . حددنا الزمان ، و لكنه لم يأتِ . إنه كان على موعد أهم بكثير من موعدي . إن حياته بالطبع ، لم تنتهِ بالموت ، بل هي تبدلت . لقد خطا خطواته الكبرى من الإيمان إلى الرؤيا ، ليجد هناك ما لم تره عين و لم تسمع به أذن و لا خطر على قلب بشر . قبل أن يموت ، تحدثنا مرة أخيرة فقال لي : - " لن أتمكن من المجيء إلى صفك " . - " أعرف ذلك يا طمي " . - " فهلا قلت لهم عني ما كنت أود أن أقوله لهم أنا ؟ أرجوك . . . أخبرهم . . . بل أخبر العالم كله " . - " سأفعل يا طمي ، سوف أحاول ، سوف أعمل جاهداً كي أنجح في ذلك " . فإلى كل منكم ، أنتم الذين تكرمتم عليَّ بسماع هذه الشهادة في الحب ، إليكم جميعاً خالص شكري . و أنت يا طمي ، حيث أنت في بهجة رحاب السماء الجميلة ، أطمئنك : " لقد قلت لهم . . . و بكل ما أعطاني الله من قوة و عون أخبرتهم " . |
||||
![]() |
![]() |
#261 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 14 تشرين الثاني الإنسان الذي قرر أن يكون صادقاً في تعاطيه مع الآخرين يوفر على نفسه الجهد المضني الذي تفرضه عملية كبت مستمرة ، و هو لا يشعر أن فيه حاجة إلى أن يرتدي دائماً أقنعة مزيفة ، أو يرى نفسه مرغماً على اللجوء إلى حيل الوجدان المضللة . إنه يقوم بما يسميه " داغ همرشلد " : " أطول رحلة في الحياة ، الرحلة إلى داخل الذات" . و لا يخشى أن يعرب للآخرين عما يكتشفه في تلك الرحلة و لسان حاله يقول : " هذه حقيقة ما أنا عليه ، لا أكثر و لا أقل . إذا كان بإمكانك أن تأتي و تفرح معي فذلك حسن . أنا لن أجهد لأظهر لك ما تود أن تراه ، بل سوف أكون ذاتي و أظهر لك حقيقة ما أنا عليه " . |
||||
![]() |
![]() |
#262 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 15 تشرين الثاني ![]() إذا كان في الشخص المريض حاجة إلى الطبيب المختص ففي كلنا حاجة إلى ذلك العلاج المقوي الذي نسميه الصداقة . كل منا مجموعة حاجات و دوافع عجيبة و متشعبة ، تريد أن تتفاعل و تظهر . نحن نريد أن نعبر عما في أنفسنا ، و لكن من دون أن نتعرض لرفض الآخرين لنا . فالمشاكل التي تنطوي في أعماقنا تبقى في ظلمتنا الداخلية ، غير واضحة ، و بالتالي مضرة , و نحن لا نفطن جيداً لتلك الأمور التي تُقلقنا ، إلى أن نحدد أبعادها من خلال التحدث عنها إلى صديق . و هي تبقى ضبابية و أشبه بالدخان ما دامت منطوية فينا . و لكننا ، عندما ننفتح لنشارك الآخرين في ما نحن عليه ، آنذاك تأخذ الأمور في الانقشاع ، فننمو و تنمو فينا القدرة على قبول ذواتنا . و لكن أقنعتنا و الحواجز التي نحيط بها ذواتنا قد تجعل ذلك صعباً . فنحن نُقنع أنفسنا بأن ما من أحد حولنا يمكن أن يؤتَمن على ما في ذواتنا . و لكن هذه لا تتعدى كونها أعذاراً تعودنا تردادها . إننا في الواقع خائفون من الآخرين ، من عدم تفهُّمهم لما نود أن نسركهم فيه . لذا ننتظر طويلاً ، و نحن متقوقعون خلفَ حواجزنا ، نُطل على العالم من نافذة برجنا ، علَّ حبيباً يمر ، فينشلنا حبه لنا ، و تريحنا قوة الاطمئنان عنده . |
||||
![]() |
![]() |
#263 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 16 تشرين الثاني هناك نوعان من التواصل يختلف أحدهما عن الآخر في مضمونه . الأول هو المشاركة في المشاعر أو العواطف و نسميه حواراً . أما الثاني فهو المشاركة في الأفكار و القِيَم و التخطيط و التقرير ، و كلها أمور يطغى عليها الطابع العقلاني . و أود أن أسمي ذلك جدالاً . قد لا يوافقني بعضهم في هذا التمييز ، و هو قد ينطوي في الواقع على شيء من المزاجية . و لكن ما يهمني حقاً هو أن أوضح ما أنا في صدده و هو في نظري بالغ الأهمية . ما أود أن أقول هو أنه من الضروري أن تحدث بين شريكين في الحب عميلة " غسل قلوب " ( الحوار ) قبل أن يتمكنا من الدخول في التفكير معاً ( الجدال ) حول مخططات و قرارات و قِيَم فالفرضية التي تكمن وراء هذا التمييز ، و إعطاء الأولية للحوار هما أن المشاكل التي تخرب علاقة الحب إنما هي دائماً عاطفية . يمكن علاقة الحب أن تستمر و تنمو بين شخصين و أن يكون بينهما تباين في وجهات النظر حول أمور متعددة . فالتباين في القناعات العقلانية لا يشكل عائقاً في وجه علاقة الحب إلا إذا بدأ أحد الطرفين يشعر بأنه مهدد عاطفياً . |
||||
![]() |
![]() |
#264 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 17 تشرين الثاني ![]() إنه لمن الضروري جداً أن نفهم أنه لا شيء في كل ما قيل يدفعني إلى الحكم على الآخرين أو يعذرني إذا ما فعلت ذلك . يمكنني أن أقول لك مَن أنا ، أن أعبر عن عواطفي بصدق و صراحة ، و هذه أفضل خدمة أستطيع تأديتها لك و لنفسي ، حتى و لو كانت أفكاري و عواطفي لا تروق لك . و سوف أسلك هذا السبيل بلا انقطاع ما دام ذلك رهن إرادتي . و خلاف ذلك هو بمثابة تنصيبي لنفسي كحاكم على أوهامك ، إنه قيام بدور الإله . و إنه ليس من واجبي أن أكون كفيل صدقك و نزاهتك ، فهذا شأنك أنت . جلّ أملي أن يعطيك صدقي معك و مع نفسي دفعاً جديداً يساعدك على سلوك الطريق عينه . و إذا كان بإمكاني أن أجابه خطإي ، و أن أقر لك بغروري و خوفي ، و أن أبوح لك بأسراري المخجلة ، فلربما تمكنت من أن تقبل تلك الأمور في نفسك و تبوح بها لي إذا شئت ذلك . إنه لطريق ثنائي الاتجاه . إذا كنت صادقاً معي تشاركني في انتصاراتك و مآسيك ، في مرارة آلامك و نشوة ابتهاجك ، تساعدني على مجابهة تلك الأمور في نفسي و النمو بثبات نحو وحدتي مع ذاتي . إنني في حاجة إلى صدقك و انفتاحك ، كما أنك أنت في حاجة إلى صدقي و انفتاحي . فهل لك أن تساعدني ؟ أنا أعدك بأني سأحاول مساعدتك ، سأحاول أن أقول لك حقاً مَن أنا . |
||||
![]() |
![]() |
#265 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 18 تشرين الثاني نحن في غالبيتنا ننشأ في جو يميل إلى الإلقاء باللائمة على الآخرين من جراء ما يحدث من سلبيات في حياتنا . فأروح أشكو مثلاً من أن " الآخر يُغضبني " . و أحاول أن أجد أسباباً لبعض ردات فعلي في مواقف الآخرين أو سلوكهم ، فكأن مسؤولية سلوكي تقع على عاتقهم ، و أن لا حول لي و لا قوة في ما يصدر عليّ من ردات فعل . يبدو من الصعب عليّ أن أنظر إلى الوراء و أعترف بأن مسؤولية ما صدر عني من كلام أو تصرف تقع على عاتقي أنا و ما هي من مسؤولية الآخرين . فإذا ماتمكنت من عبور الخط الذي يفصل بين الذين يلقون اللائمة على الآخرين في كل شيء ، و الذين قرروا أن يتحملوا مسؤولية أقوالهم و أفعالهم . آنذاك أكون قد أصبحت من مصاف الناضجين . فمواجهة الواقع على حقيقته بصدق و شجاعة يبقى السبيل الوحيد إلى النمو الشخصي و النضج الإنساني . |
||||
![]() |
![]() |
#266 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 19 تشرين الثاني لقد أسر إلي صديق لي ، طبيب ، بحاجة في نفسه قال : " كم أود أن أقف يوماً على شرفة تطل على العالم بأسره لأول للبشرية جمعاء حقيقة ما أنا عليه ، بل كل تلك الحقيقة من دون زيادة أو نقصان ، و أسأل العالم هل هنالك مَن يقبل حقاً ما أنا عليه " . فأجبته أن في كل منا حاجة إلى أن نلقي بالأقنعة جانباً و نظهر للآخر تماماً كما نحن . كلنا يود لو كان بإمكانه أن يعيش حقيقة ذاته . فعدم الصدق مُتعب ، و عندما تبدأ في التلاعب يصبح من الصعب علينا أن نعود إلى الشفافية التي نتوق إليها . و لكن كم هو جميل أن يتمكن المرء من أن يكون ذاته و أن يتقبله الآخرون كما هو ، فيختبر الشعور بالحرية و الاطمئنان و نشوة الحقيقة في آن . إن مثل هذا الواقع من شأنه أن يدفع بي إلى قبول تحديات جديدة تجعلني أخطو خارج المناطق التي ألفت العيش فيها . إن ثمن الصدق يبدو باهظاً و صعب المنال جداً إلى أن أبدأ في التمرس عليه . فعندما أواجه ضعفي و أتعرف عن كثب إلى الجراح التي في نفسي و لا أخاف الإفصاح عن هذا و تلك ، آنذاك أختبر جرعة من الحياة جديدة ، فالحقيقة و الحرية توأمان ، و فيهما يتجلى ما هو فريد في ذواتنا . |
||||
![]() |
![]() |
#267 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 20 تشرين الثاني اللقاء ضرورة حتمية للنمو الشخصي ، فهو يتعدى هم الأشخاص و المشاكل و حلولها ، إلى شراكة ، بل إلى اتحاد . أنا أفتح نفسي و عالمي لك كي تدخل إليّ ، و أنت تفتح لي شخصك و عالمك لأدخل أنا أيضاً إليك . لقد اختبرتني في العمق ، كشخص ، و هكذا اختبارك ، و ذلك لأنك قلت لي مَن أنت و قلت لك مَن أنا . فمثل هذه العلاقة هي الطريق الأوحد إلى اللقاء الحميم . هذا النوع من التواصل هو السبيل الأوحد إلى عمق عين العلاقة الإنسانية . فالشراكة العميقة و الحقيقية مع صديق لي ضرورية لنمو كل منّا . و نحن في علاقتنا غالباً ما ننشغل في الأمور العادية لحل المشاكل اليومية و التخطيط للمستقبل . . . بيد أن الأهم في علاقتنا هي تلك الشراكة العميقة في ما بيننا ، إنفتاح أحدنا على الآخر بصدق و شفافية . |
||||
![]() |
![]() |
#268 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 21 تشرين الثاني نحن غالباً ما نعيش في خشية من أن نكون ذواتنا و نغرق في كثير من الألم الذي نشعر به عندما نقدم على ذلك . أنا قد أعيش في طريقي إلى طبيب الأسنان آلاماً أعمق من تلك التي أختبرها و أنا في الكرسي أمامه ! " إن همّ المشكلة غالباً ما يكون أكبر منها " . أن أواجه ما فيّ من ضعف و ما في نفسي من جراح ، و أن أقف بصدق أمام المخاوف التي تنتابني و ما تمرست عليه من سلوك يفتقر إلى النضج ، فذلك يُكسبني شعوراً عميقاً بنشوة من الحياة الجديدة و الفريدة في آن . فإذا ما أدخلتك إلى " قدس أقداس نفسي " و بادلتني الصدق في التواصل ، تعرفت أنت إليّ و اختبرتك أنا على حقيقتك ، فتسود الشفافية في ما بيننا و ينتصر فينا النهج الذي ينمي . آنذاك يتبدد الخوف الذي فيك منّي فلا تشعر بعد الآن أن فيك حاجة إلىأن تصورني على غير ما أنا عليه . ستعرف أنني من مصاف الذيم يخطئون و أنه لا حاجة بي إلى أن أخفي عنك ما في نفسي من ضعف . إن بعضاً منّي يؤمن و بعضي الآخر يعيش في شكّ . أعيش في الحب حيناً و في الأنانية أحياناً ، أثق بنفسي و لكن ينتابني أيضاً شعور بالاضطراب . أفخر بما أنا عليه و لكنني أعي أن التواضع يبقى ضرورة في حياتي . |
||||
![]() |
![]() |
#269 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 22 تشرين الثاني ![]() إن الصداقة و الثقة المتبادلة تغذّي الصراحة المتبادلة و تحمل كل يوم شيئاً جديداً ، لأن الإنسان , في طبعه , يتجدد كل يوم و ينمو . صديقي و أنا نكبر ، فتتضح الفروقات بيننا ، لأننا لا نكبر لنصبح شخصاً واحداً ، بل كل منّا يكبر ليصبح شخصاً واحداً ، بل كل منّا يكبر ليصبح ذاته الخاصة . أكتشف أن صديقي يتذوق أموراً مختلفة ، و له عواطف و تطلعات وردات فعل و خبرات ، تختلف كلها عمّا فيَّ . أكتشف أني لا أستطيع أن أقول له مَن أنا مرة واحدة و انتهي . فانفتاح أحدنا على الآخر بصدق عملٌ متواصل ، لأن كلاًّ منا يتغير من دون توقُّف . |
||||
![]() |
![]() |
#270 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 23 تشرين الثاني ![]() قد تكون الأشياء التي شدَّتني إليك في بادئ الأمر هي نفسها تعمل اليوم على تعكير التواصل بيننا . في البداية بدت نزعتكَ العاطفية و كأنها تخلق اتزاناً في توجهاتي العقلانية ، و سلوكك المرح المنفتح كان يعوض عن سلوكي المنكمش ، و واقعيتك كانت تروض نفحة الفن فيَّ . و هكذا بدت صداقتنا مثالية ، فكأننا التقينا نصفَيْن كان يبحث أحدهما عن الآخر ليكتمل . و لكني الآن ، عندما أريدك أن تشاركني في تطلعاتي الفكرية ، يُزعجني كونك لا تعير حججي الموضوعية أهميتها . و عندما أُظهر لك قلة المنطق في عواطفك ، لا تعير كلامي أية أهمية . في البداية كان أحدنا يكمل الآخر جيداً . أما الآن ، فرغبتك في التوجه نحو الآخرين ، و الازدياد في توجهاتي الداخلية التي تبحث عن شيء من الخلوة ، تبدو و كأنها تباعد في ما بيننا . سنحافظ على صداقتنا بالطبع ، ففي متناول يدنا ما هو غاية في الجمال ، و هو يحمل في طياته مكافأة من أبهى ما يصبو إليه الإنسان . علينا ألا نغير الآن . فأحدنا ما زال يستطيع مشاركة الآخر في كل الأمور التي التقينا حولها ، عندما قلت لك مَن أنا و قلت لي مَن أنت ، مع فارق واحد و هو أن مشاركتنا الآن أعمق لأن كلاً منا قد اكتسب عمقاً جديداً في ذاته . و إذا تابعت الاستماع إليك بالدهشة و الفرح عينهما ، كما في البداية ، و كذلك أنت ، فصداقتنا ستزيد رسوخاً و جذورها ستتعمق كل يوم . فالخيوط المعدنية لشراكتنا الأولى ستتحول إلى سبائك ذهبية ، فنصبح على يقين من أنه ما من حاجة إلى أن يُخفي أحدنا شيئاً عن الآخر ، لأننا قد تشاركنا في كل شيئ .... |
||||
![]() |
![]() ![]() |
أدوات الموضوع | |
|
|