![]() |
س و ج | قائمة الأعضاء | الروزناما | العاب و تسالي | بحبشة و نكوشة | مواضيع اليوم | أشرلي عالشغلات يلي قريانينها |
![]() ![]() |
|
أدوات الموضوع |
![]() |
#163 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 13 آب ![]() كان والدي رجلاً طيّباً و لكن لم يكن في استطاعته أن يعرب عن مشاعره البتّة , بل كان يخفي كلّ شيئ وراء حاجز من الكلام يقطع فيه الطريق على الإعراب عن مشاعره . فمات و دُفنت معه جميع أسراره و مشاعره . و أحسست بشيئ من الفراغ لأنّ كلينا أخفى للأبد عن الآخر مشاعر عميقة مهمّة . قبل أن يموت أبي , ما كنت أقدّر و لا كنت أفهم قيمة الانفتاح العاطفيّ . و لكنّني عندما أدركت أنّه ما من علاقة حقيقية تنمو من دون ذلك , قرّرت أن أسلك مع والدتي سلوكاّ مغايراً . و منذ ذلك الحين و خلال سني شيخوختها , قضيت و إيّاها ساعات طوال يتحدّث فيها أحدنا إلى الآخر بصدق عمّا يشعر به . و عندما أغمضت عيناها للمرّة الأخيرة , أحسست و أنا أبكيها بأنّ أشياء جميلة من ذاتها باقية معي , و كان حزني يمتزج من جرّاء ذلك بشيئ من العزاء العتيق لما شعرت به حينما بكيت أبي . و ذكّرني هذا بأبٍ أسرّ إليّ يوماً أنّه فقد ابنه فجأة في حادث سير . و في الليلة التي سبقت دفن ابنه كتب رسالة قصيرة و أخفاها في زاوية نعش ابنه , هذا نصّها : و لدي العزيز, أنا ما قلت لك يوماً كم أنّني أحببتك , و كم لك من مكانة في قلبي . و ما أخبرتك أبداً عن الدور العظيم الذي قمتَ به في حياتي . ظننت أنّني سأجد الوقت المناسب لذلك ; ربّما عندما تتخرج من المدرسة أو الجامعة أو عندما تتزوج و تغادر المنزل . و الآن و قد عاجلتك المنية و لن يكون لنا معاً بعد من (( وقت مناسب )) أقول لك فيه ما أريد , ارتأيت أن أكتب هذه الرسالة آملاً أن يرسل الله أحد ملائكته فيقرأها عليك . أودّ الآن أن أقول لك كم إنّني أحبّك و كم أنا حزين لأنّني ما أعربت لك عن ذلك الحبّ عندما كنّا معاً . أبوك |
||||
![]() |
![]() |
#164 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 14آب ![]() إنّ أهمّ سبب يحول دون تعبيرنا عن عواطفنا هو الهروب من الإقرار بحقيقتها لسبب من الأسباب نحن نخشى سوء تفكير الآخرين فينا , و نخشى رفضهم لنا و عقابهم , بشكل من الأشكال , على الصراحة في التعبير عن عواطفنا . لقد تعودّنا أن نرفض بعض العواطف و كأنها ليست منّا , أو كأنّنا نخجل منها , و نحن الآن نبرّر موقفنا بالقول إننا لو فعلنا لما تفهّمنا أحد و لتسبّبت صراحتنا بمشاكل كثيرة في علاقاتنا بالآخرين . و لكن في كلّ هذه الأسباب بعض التحايل , و صمتنا يُدخل العلاقة على غير الانفتاح و الصدق هو كمَن يبني على الرمل . فمثل تلك العلاقة لن تصمد أمام عامل الوقت , و لن تعود بالنفع على أيّ من الفريقَين . |
||||
![]() |
![]() |
#165 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 15 آب ![]() إن كنت أحبّك حقّاً , قد تسمع منّي أحياناً ما لا يرضيك . لأنّ الحبّ يتطلب منّي أن أواجهك ببعض الأمور و أن أتحدّاك , و هذا لن يكون سهلاً في نظرك و نظري . و لكن إذا كان الحبّ هو الهدف من العلاقة بيننا , فسأحاول أن أقول و أفعل ما من شأنه أن يعود عليك بالراحة و الفرح و الطمأنينة . و لكن أرجو أن تتحلّى بالصبر قليلاً , لأنّه قد يأتي يوم أجد فيه نفسي في حيرة آنذاك سأقدّم إليك و لكن بأيدٍ مرتجفة , ما أراه مناسباً آملاً أن يكون ذلك هو الأفضل لك حقاً . و آمل أنّك ستكون رحيمّاً و غفورّاً إذا ما حدث لي أن أخطأت الهدف أحياناً . فقد يأتي يوم تتغلب فيه آلامي و أنانيّتي على النوايا الطيّبة لديّ , فيصدر عنّي ما لا ترضى عنه أنت و ما لا أريده أنا .و لكن إذا كان الحبّ هو حقّاً المحرّك لما أقوم به , فسوف أحافظ دائماً على أمرَين مهمَّين في تعاملي معك :1_ سأكون صادقاً و صريحاً معك .2_ سأعمل على إبراز ما هو فريد عندك فتزداد إيجابية في نظرتك إلى نفسك . |
||||
![]() |
![]() |
#166 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 16 آب ![]() عندما أكون على استعداد أن أظهر لك ذاتي على حقيقتها في ضعفي كما في قوّتي , آنذاك يتمّ التواصل في ما بيننا . و عندما ينفتح المرء, لا بدّ و أن يكون لانفتاحه أثره الإيجابي في الآخرين . في الصدق عدوى و ذلك شأنه شأن كلّ ما هو إنساني . فعندما أخرج من عزلتي لأنفتح عليك بصدق , لا بدّ و أنّك ستبادلني الموقف نفسه .و عندما اتكلم بصدق عمّا هو إيجابي عندي و عمّا فيّ من ضعف , يشعر الآخر حالاً بشيء من الاطمئنان في نفسه لأنّه يعرف أنّني أُظهر له ذاتي على حقيقتها , و هذا ما يشجّعه على أن ينزع أقنعته هو أيضاً , و يُفصح بصدق عن حقيقة ذاته . فيختبر من خلال المخاطرة في الانفتاح , فرح الشفافيّة و نشوة الحرّية . |
||||
![]() |
![]() |
#167 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 17آب ![]() التواصل تبادل حرّ للهدايا , يقدم المتكلم الى المصغي بعضاً من ذاته حين يبادله الكلام بصدق , فيتسلّم المصغي تلك الهديّة بلطف و تفهّم , و يأتي هذا التجاوب بمثابة هديّة يقدّمها المصغي بدوره الى المتكلم . و من أجل هذا الموقف المشجّع و تلك الهديّة اللطيفة , أرى من البديهي أنّه عليّ أن أعرب عن تقديري و امتناني . عندما تصغي إليّ , عليك أولاً أن تنسى ذاتك لبعض الوقت كي تهبني الوقت الذي احتاج إليه . أنا أنظر إلى الإصغاء أحياناً و كأنه أمر يتعلّق (( بمساحة)) ما في الحياة . عندما أصغي أُعطي الآخر في حياتي مساحة يتحرك فيها , و فيها يجلس ويستريح و يكشف لي عن أوراقه التي يودّ أن يمعن النظر في فهمها . إنّ مَن يحسن الإصغاء ليس بالحمل الذي يقدّم ذاته ذبيحة في سبيل الآخر , بل هو إنسان يودّ أن يتعرّف إلى عمق حقيقة الآخر . نحن غالباً ما نتذمر (( لأن أحداً لا يصغي إلينا , و إلى المشاكل التي نعيشها , لأنّ أحداً لا يهمّه أمر ما يجول في نفوسنا)) . إلا أنّ مَن يحسن الإصغاء يهتمّ بما فيه الكفاية فيطرح جانباً ما هو مهمّ بالنسبة إليه ليواكبني في ما أنا فيه من متاعب و هموم . لذا عليّ أن أعرب له عن عرفاني و شكري لأنّه أفسح لي في المجال لأُشركه في المساحات الداخليّة التي أودّ أن أُدخله إليها . ![]() |
||||
![]() |
![]() |
#168 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 18آب و مَن يصغي إليّ بإمعان يُفسح لي في المجال لأكون ذاتي . أنا أعرف حقّ المعرفة أنّ أحدنا يختلف عن الآخر , فأفكارك ليست أفكاري و لا مخاوفك مخاوفي . و أنّ ما يشكّل عبئاّ عليّ قد لا يتسبّب لك بأيّ همّ . و ما يؤلمني و يُغضبني قد يمّر بك من دون أن يترك أيّ أثر في نفسك . و مع ذلك كلّه فأنت تسمح لي بأن أختلف عنك من دون أن نقيم الحواجز بيننا . إنّ مَن يحسن الإصغاء لا يقبلني فقط كما أنا , بل يعمل جاهداً ليرى الأمور من خلال عيني و يشعر بمخاوفي كما أحسّ أنا بها . و عندما يقول لي إنّه (( يُدرك ما أنا عليه )) أحسّ في عمق ذاتي بأنّه حقّاً يفهمني . أنا على يقين من أنّه لا بدّ و أن حدث لك , كما حدث لي مراراً , أن قلت لمَن كان يصغي إليك : (( إنّني لا أبغي منك أن توافقني في كلّ ما أقول , بل أن تتعرف إلى الطريق الذي أسلك , فلا أشعر بأنّني وحيد في مسيرتي )) . و في مثل هذه الحال لا بدّ و أن يشعر المرء بالعرفان و التقدير . |
||||
![]() |
![]() |
#169 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 19 آب و عندما أشكرك لأنّك أصغيت إليّ فذلك يعني أنّني ما طلبت إليك سوى الإصغاء , و لم أسألك أن تحلّ مشاكلي مثلاً و لا أنا حاولت التلاعب بمشاعرك أو امتحان قدرتك على القيام بأي شيء . طلبت إليك أن تتخلى , و لو إلى حين , عن برنامجك الخاص لتشاطرني بعض المتاعب التي تُقلقني , لتقبلني كما انا , كشخص مختلف عنك . و شكري لك هو إقرار بكلّ ما قدّمت إليّ و تأكيد لك لشعوري بعرفان الجميل . ![]() |
||||
![]() |
![]() |
#170 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 20 آب الفائدة الأولى من العلاقة الحميمة العميقة تبدو و اضحة :إنها "لقاء" صادق بين شخصين . و هذا لا يعني فقط مشاركة في غنى الخبرات الشخصية , بل تعمّقاً في فهم الذات ووضوحاً في النظرة إلى الهوية الشخصية لكل من طرفي اللقاء . يتساءل العديد منّا اليوم حول هويتهم , هذا يعني أنني في الواقع لا أعرف نفسي بوضوح كإنسان . إن ما يميزني كشخص هو ما أفكر فيه و ما أحكم فيه و ما أشعر به .. إلخ . فإذا عبرت عن تلك الأمور بحرية و انفتاح , و بالوضوح و الصراحة المطلوبة , فسوف أعي هويتي بشكل أوضح , و أتعرف إلى الآخر بشكل أعمق و أصدق . من حقائق علم النفس التي لم يعد هناك من خلاف في شأنها , أنني كإنسان أفهم حقاً من ذاتي ما أتمكن أن أعبر عنه لشخص آخر . |
||||
![]() |
![]() |
#171 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 21 آب العلاقة الصادقة ستُحدث تجاوباً صادقاً و منفتحاً عند الآخر . و هذا التجاوب ضرورة إذا كان للعلاقة أن تصبح حقيقة متبادلة . إن عالِم النفس كولد برونو Gold brunner يدّعي , بشيئ من التباهي , أن في إمكانه التوصّل بمدة قصيرة جداً , لا تتعدى بضع دقائق , إلى الوقوف على عمق ما يجول في خاطر الإنسان . طريقته لا تركز على طرح الأسئلة , إذ إن الاستفسار قد يُحدث شيئاً من الخوف عند الآخر فيضعه في موقف دفاع , بل إنّ أساسها قناعه راسخة عنده و هي أنه إذا أردنا أن نجعل الشخص الآخر يتعامل معنا بانفتاح و صدق , و علينا أن نبدأ و ننفتح عليه و نعبر له بصدق عن مشاعرنا . إنّ الشخص يرجع صدى الشخص الآخر قال إذا كنت أريد أن أخرج من ظلمة سجني , و أبوح بأعمق ما عندي لشخص آخر , فالنتيجة دائماُ حتمية وفورية : يشعر الشخص الآخر بالقدرة على التحدث إلي عن نفسه بانفتاح و صراحة . و بعد أن يكون قد أصغى إلى سرّ عواطفي و عمقها , تنمو لديه الشجاعة على التعبير عن عمق عواطفه هو . هذا , في نهاية المطاف , ما نعني عندما نتكلم عن " اللقاء " . |
||||
![]() |
![]() |
#172 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 22 آب ![]() لن يكون حبك فاعلاً إلاّ بقدر ما لديّ من الاستعداد كي أبوح لك بما في نفسي . و عندما تقول لي , بطريقة من الطرق , إنك تحبّني , فذاك يعني أنّك تعرفني , لأنّ حبّك لي يتضاءل بقدر ما أخفي عنك ذاتي . فباستطاعتك أن تحبّني حقاّ بقدر ما تتعرف إلى حقيقتي فقط . إنهّ لحقيقة أنّ كلّ عمليّة اتّصال , يكثر فيها اللطف و يتضاءل الصدق , تقع في الإفراط العاطفيّ , و لكن في الصدق من دون لطف إفراط في القسوة . إنه لمن قواعد الحوار الأساسية أن يعبّر المرء عن عواطفه عندما يشعر بها و أن يوجّه التعبير إلى الشخص المعنيّ بها. و لكن , في كلّ حال , يبقى تأثير اللطف كبيراً من خلال الطريقة التي يتمّ بها الاتّصال . |
||||
![]() |
![]() |
#173 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 23آب ![]() يلا حظ روجيرز أنّ كلاًّ منّا غالباً ما يشبه في حياته ذاك الرجل الذي سقط في البئر و سُجن فيها , فنحسن بالوحدة و تفاهة الحياة أحياناً . و في و حدتنا نشعر بالقنوط و فقدان الأمل , و كأن البديل هو أن يموت كلّ منّا وحيداّ من دون أن يدري بوجوده أحد . و لكنّه يأبى ذلك فيعود يخبط بكفيه الداميتين جدران الناس الذي لجأ كلّ منهم إلى عالمه الخاص و أقفل الباب على نفسه , علّه يخترق جدار ذلك السجن فيصل عالمه بعالم آخر . آنذاك لا بدّ و أنّ أحداّ سوف يصغي . و عندما يكون الإصغاء حقيقياً لا يكتفي مَن يصغي إليّ بأن يسمع ما أقول , بل هو يؤكّد لي أنّه يفهمني كشخص , أنّه يفهم ما أقوله و يعي بالأخصّ ما يجول في فكري و ما يخالجني من مشاعر . آنذاك أُحسّو كأنّ نسمة من الحياة جديدة سرت في عروقي لأنّ أحداً قد تعرّف إلى ما قاسيته و وقف على حقيقة وجودي و عمق مشاعري . إنّ كلاّ منّا , كما قال أحدهم , هو أشبه بكائن مركّب تختلط في ذاته تأثيرات الأماكن التي لجأ إليها و الاختبارات الشخصية التي عاشها . و كلّ منّا في ذلك أشبه بكمبيوتر جبّار سُجِّلت فيه ملايين الرسائل , و هذا ما حدث في عقلنا و في جهازنا العصبيّ , و بسبب من اللاوعي عندنا تزيد الأمور تعقيداً , إذ إنّ اللاوعي أشبه بمخزن كبير تراكمت فيه معطيات لا ندري وجودها فينا و هي لا تنفكّ تؤثّر في سلوكنا تأثيراً بالغاً يخيّل إليّ أحياناً أنّ " الإصغاء و التعلّم " الذين نتكلم عنهما هما أشبه بقطع مفقودة من صورة مركّبة . عندما أصغي بصدق و اهتمام و يبوح الآخر لي بحقيقة ما من ذاته , قد لا أفهم من تلك الحقيقة إلاَّ القليل . و لكن إذا ما تابعت الإصغاء و استمرّ هو في البوح , تروح القطع تتركّز شيئاً فشيئاً أوضح و أكمل . طبعاً نحن لن نتمكن يوماً من الولوج إلى سرّ إنسان آخر لنفهمه فهماً كاملاً , و إنّنا في الحقيقة لعاجزون حتّى عن فهم أنفسنا على كامل حقيقتها . و لكن إذا ما أحسّ الإنسان في اعماق نفسه بأنّ شخصاً آخر قام بجهد خاص ليفهمه و يقبله , فلا بدّ و أن يُحدث ذلك الجهد تغييراً عميقاً في شخصيّته . إنها في الحقيقة لهدية ثمينة جداً . |
||||
![]() |
![]() |
#174 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 24 آب إذا كان لديّ النضج الكافي لكي أقلع عن إصدار الأحكام , فسلوكي هذا سيظهر جليّاً . و إذا أردت أن أعرف نيّة شخص أو أعمق دوافعه أو ردّة فعله فالطريق واحد , عليّ أن أسأله هو ( أرجو ألاَّ تمرّ يهذا القول مرور الكرام , لأنك أنت أيضاً لا تملك عيوناً تُخفي و راءها آلة تصوير بالأشعة ). و ربّما كان من المفيد هنا ان نذكر بالفرق بين الحكم على الشخص و الحكم على عمله . فإذا رأيت شخصاً يسرق فلوساً , بإمكاني أن أحكم أنّ هذا العمل خطأ أدبي , و لكني لا أستطيع أن أحكم على الشخص نفسه . الله و حده يمكنه أن يحكم و يحدّد المسؤولية . و لكن إذا تعذّر الحكم , في المقابل , بصوابية العمل أو عدم صوابيته , استحال الكلام عن الموضوعية في علم الأخلاق . نحن لا نريد أن نقع في المقولة التي تّعي بأنّ الحقيقة تكمن فقط في نظرة الشخص إلى الشيء , و أنّه لا وجود لأمر صحيح أو غير صحيح بشكل موضوعي . و لكن , في كلّ حال , يبقى الحكم في مسؤولية الأشخاص من نطاق عمل الله . |
||||
![]() |
![]() |
#175 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 25 آب ما أشد افكارنا و مشاعرنا تشعُّباً , و كأنَّ كلاًّ منّا عالم في ذاته , يختلف عن سواه حتى إنّه يجعل و لوج أحدنا إلى عالم الآخر غاية الصعوبة , لا سيّما عندما نحاول أن نقف على حقيقة ما يجول في خاطر الآخر من مشاعر و أفكار . لا يمكنني أن أنفذ لحقيقة ما أنت عليه من خلال ما هو ظاهر على وجههك . لقد قدمنا مرة ( نحن جان و لوريتّا ) سلسلة من الأحاديث في أوستراليا . على مدى ثلاثة أيّأم متتالية . و غالباً ما تحدثنا معاً خلال هذه الفترة عن رجل جلس في مؤخرة الغرفة من دون أن تظهر على محياه أيّة علامة و لا هو ابتسم لما كنّا نظنها نكات مضحكة جداً . فظنّنا أنّ شيئاً من أحاديثنا لم يصله و لا أثّرنا فيه بشيء. و عند نهاية اللقاءات أتى إلينا , و بعد أن عرّف نفسه بالاسم و العمل ( و هو كان طبيباً ) لآراح يبكي : و بعد أن استعاد بعضاً من هدوئه قال لنا كم كان سعيداً و هو يصغي إلينا و كم أنّ أحاديثنا فتحت أمامه آفاقاً جديدة , و أنّه سوف يشرك بعضاً ممَّن يحب بتلك الأفكار و المشاعر التي تركت في نفسه أطيب الآثار . نظر أحدما إلى الآخر و كلّ منّا يردّد في اعماق نفسه : " لا يمكنك أن تعرف ما يجول في ذذهن الإنسان و لا أن تحكي على نواياه , و إن حاولت فسوف تجد نفسك مخطئاً و سيكون خطأك في الغالب فادحاً " . |
||||
![]() |
![]() |
#176 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 26 آب كلّنا يعرف أهميّة " الحضور " الشخصيّ أهميّة مجالسة شخص آخر . و هذا لا يشير إلى مجرد " المجاورة " , بل يعني تلاقياً في العمق و يحتم وعياً خاصاً و تركيزاً على ما يشرك فيه أحدنا الآخر . و لكنّه من الصعب جداّ أن أُوهم الآخر بأنّني أصغي إليه و أنا منشغل عنه في أمور أخرى . إنّه يُحس في أعماق نفسه أنّني لست حاضراً . الحدث يدرك مالا تبصره العين . فإذا كنت تتساءل في نفسك كم سيطول حديثي , لا بدّ و أن أشعر بذلك . و إذا كنت تفضل القيام بعمل ما بدل أنّ تصغيّ إليّ فلن يخفى ذلك عليّ أنا لن أخاطر في الانفتاح إذا ما شعرت بأنك منشغل عنّي في أمور أخرى و لن أبادر في البوح لك بما في قرارة نفسي و أنت تراقب الوقت أو تحاول التطرّق إلى موضوع آخر . و لن أشركك في فرحي أو نجاحي إذا كنت غير مستعدّ لأن تشاطرني بهجة العيد . التأهب المستمر لأن أكون فيما هو للآخر ! هذا في الحقيقة ما حاولنا الإشارة إليه . كلّنا اختبرنا الشعور بالخيبة عندما نطرق باباً و لا نلقى جواباً . عندما أهتف إلى صديق , و في النفس حاجة ماسّة إليه , فأجده منشغلاً , و أعيد الكرّة مراراً فأسأم الصوت الذي يردّد صدى الانشغال عنّي و في نفسي توق عميق إلى أن أشرك ذاك الصديق بما يجول في نفسي . و بعد أن أكرّر محاولة الاتّصال و ألقى تكراراً الانشغال , أصرف النظر عن المشاركة و أحتفظ بما في نفسي لنفسي . |
||||
![]() |
![]() |
#177 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 27 آب هنالك مثل هنديّ يذكرنا بأنّنا , إذا شئنا أن نفهم إنساناً آخر , علينا أن ننتعل حذاءه و نسير فيه مسافة ميل . و نحن نود ان نذكر , إضافة الى هذا المثل , أنّه لا يمكنني أن أنتعل حذاء شخص آخر من دون أن أخلع حذائي أولاً . عليّ أن أقوم بجهد حثيث كي أتحرر من ذاتي لأتمكن من الإصغاء إلى الآخر ,و من الولوج الى عمق ذاته و الوعي لما يجول في نفسه . إن هذا الأمر في غاية الصعوبة ,و لكن التمرس على الإصغاء بعمق يمكنّني , في نهاية المطاف , من تحقيق نجاحات ما كنت لأحلم بها في مواكبة الآخرين و الولوج إلى عمق همومهم و متاعبهم . و هذه من الأمور التي يقدرها الأهل و الأصدقاء و الغرباء على السواء . تعال إذاً نتبادل الأحذية و نسير معاً و لو ميلاً واحداً!. |
||||
![]() |
![]() |
#178 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 28 آب الإصغاء وحده غير كاف , بل يجب أن تترسّخ عندي الإرادة على التعلّم . و هذا ليس بالأمرالسهل لأنّه يحتّم عليّ أن أخرج من ذاتي , أن أضع جانباً , لبعض الوقت , ما أنا عليه , لأسير نحوك و أحاول بصدق أن أدخل في صميم العالم الذي هو عالمك و أعرب بصدق عن تفهّمي إيَّأك . آنذاك ستشعر بالارتياح و الامتنان , ذلك لأنّني أصغيت إليك لألج إلى عمق حقيقة ذاتك . و لم يقتصر إصغائي على الحاجة إلى الإجابة بسطحيّة عمّا أوحى به إليّ للوهلة الأولى ما تلفظت به من كلمات أو أعربت عنه من مشاعر . يقول كارل روجرز Carl Rogers , أحد أهمّ علماء النفس الأميركيين في القرن العشرين , إنّنا نحن البشر العاديّين أشبه بشخص سقط في بئر عميقة لا ماء فيها . و في عمق البئر أخذ يعيش حالات من القلق العميق و اليأس لشعوره بأنّه لن يتمكن من النجاة ... فراح يضرب بكفيه جدار البئر علَّ أحداً في الخارج يسمع . بدا له أن كلّ محاولاته لا بدّ فاشلة ... و أنّ أحداً سيكتشف يوماً أنّ إنساناً سقط في هذه البئر وقضى و لم يدر بوجوده أحد !و لكنه عاد يطرق الجدران و يداه تدميان ... إلى أن سمع في آخر المطاف صوتاً من خارج جدران البئر , فأحسّ و كأنّ فرحاً كبيراً قد تفجر في نفسه و خالجه شعور بالارتياح لأنّ أحداً أخذ علماً بوجوده حيث هو , و لسان حاله يقول : الشكر لله على أنّ أحداً أحسّ بوجودي . |
||||
![]() |
![]() |
#179 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 29 آب غالبا ًما نقارن بين الشعور الصادق مع الآخر من جهة , و الشفقة أو الامبالاة من جهة أخرى ففي الشفقة أشارك الآخر في شعوره و آلامه و لكن مع شيء من نظرة فوقيّة . لذلك نجد أنّ الشفقة موقف مرفوض في غالبيّة الأحيان . و اللامبالاة أيضاً أشبه بالباب المغلوق , فكأنّك تقول للآخر : " ما أنت عليه لا يهمّني " . و هذا الموقف غالباً ما يكون جارحاً و مؤلماً . أمّا في الشعور الصادق مع الآخر فإنّني أشاركه في عمق خبرته الشخصيّة و أفكاره و مشاعره و مواقفه , و أحاول أن أضع نفسي في مكانه . فمن خلال قدرتي على التفكير و استعمال المخيّلة , التقي الآخر في أفكاره و تطلّعاته , و أشاطره مشاعره . إنّني أحاول أن أعيش الخبرة التي يمّر هو فيها . إنّه الولوج إلى عمق كيان الآخر , حيث يصبح لهذا الكيان صدى حقيقيّ في نفسي . و إنّ هذه القدرة , ككلّ تلك القدرات التي تشدّ أوصال التواصل بين الناس , فهي تخضع لسنّة التطوّر و النموّ . و أهمّ ما يحول دون ذلك الشعور الصادق مع الآخر هو اعتقادي بأنّه صورة عنّي , يرى الأمور كما أراها و يفكّر كما أفكّر أنا , و يواجه الحياة تماماً على طريقتي . لذلك وجب عليّ , إذا ما أردت أن أطوّر قدرتي على ذلك الشعور , أن أعي تماماً غيريّة الآخر و فرادة كلّ إنسان , و أن أدع جانباً غرائزي الشخصيّة و المقياس الذي أقيس به الأمور , لأعي ما يدور في فلك الآخر و ما يجول في نفسه . فهذا الشعور الصادق يشكلّ القدرة الأهمّ التي ترتكز إليها عمليّة الإصغاء إلى الآخر . |
||||
![]() |
![]() |
#180 | ||||
عضو
-- أخ لهلوب --
|
![]() 30 آب مخاوف متعدّدة تبقينا في غربة شجننا المنفرد . عند بعضنا خوف من الانهيار و الإجهاش بالبكاء كالطفل . و عند بعضنا الاخر تردّد و خشية من أن الآخر لن يقدّر أهميّة سرّي . نحن نتصوّر عادة كم يكون ألمنا عميقاً إذا ما قوبل سرّ بُحنا به باللامبالاة , بعد التفهمّ , بالصدمة , بالغضب أو الاستهزاء . قد يحنق الشخص الذي ائتمنته على سرّي فيبوح به لمَن لا يجوز أن ينكشف لهم . ربَّما حدث لي يوماً أن أخرجت بعضاً منّي من العتمة إلى الضوء لتراه عين شخص آخر . و ربمَّا تعذّر على ذلك الشخص تفهّمي , فأفلت مسرعاً , و كلّي ندم و ألم , عائداً إلى عزلتي العاطفية الخانقة . و ربمَّا حدث , في لحظات أخرى , أنّ أحداً سمع بسرّي فتقبّله بيدين وديعتين و احتضنه , و ما زلت أذكر ما قاله لي مشجّعاً و في صوته نغمة المحبّ , و في عينيه نظرة المتفهّم . أنا ما زلت أذكر ذلك البريق في عينيه , و كيف احتضن يدي بين يديه ضاغظاً عليها بلطف ليقول لي إنّه قد تفهّمني . كان ذلك اختباراً عظيماً شعرت على أثره بحريّة كبيرة و دفقة من الحياة جديدة . أن يصغي إليّ إنسان و يحترمني بجدّية و يفهمني , فذاك يلّبي حاجة هائلة عندي . |
||||
![]() |
![]() ![]() |
أدوات الموضوع | |
|
|