أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > مجتمع > المنتديات الروحية > حوار الاديان

 
 
أدوات الموضوع
قديم 14/12/2004   #1
صبيّة و ست الصبايا Espaniol
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ Espaniol
Espaniol is offline
 
نورنا ب:
Sep 2004
المطرح:
FROM HEART OF FLAMINGO
مشاركات:
1,166

افتراضي هل تنبّأ الكتاب المقدّس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح؟2


هل تنبّأ الكتاب المقدّس
عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح؟

القس عـبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العـذراء الأثرية بمسطرد
مقـدمة

تكرّر كثيرًا في الأيام الأخيرة في الأفلام والمسلسلات الدينيّة استخدام آيات من الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد على أنها نبوات تدلّ على نبوّة نبي يأتي بعد المسيح! وتزعم أنَّ هذه النبوات يعرفها الرهبان والقسوس كما يعرفون أبناءهم وأنَّهم يخفونها ويكتمون الحق ابتغاء لمكاسب دنيويّة وقتيّة زانلة!! وتُصوّر هذه الأفلام والمسلسلات الكثير من الرهبان والقسوس وهم يهرولون مسرعين في تلبية دعوة هذا الداعي، الذي يجدونه مكتوبـًا عندهم في التوراة والإنجيل!!

ولكن ما جاء في هذه الأفلام والمسلسلات لم يأت من فراغ فأن هناك عشرات بلّ مئات المجلّدات والكتب، القديمة والحديثة، والعشرات من المواقع على الإنترنت، التي كتبت ولا تزال تكتب في هذا الموضوع وتشير إلى عشراث الآيات والنصوص من الكتاب المقدّس بعهديه، القديم والجديد، على أنّها نبوات عن نبي يأتي بعد المسيح، وتفسّرها بمفهوم يختلف عن مفهوم الكتاب المقدس وتستنطقها بما ليس فيها وتطلب منها أن تقول ما لا تعلم عنه شيئًا!! بل وتحذف منها بعض كلمات جوهريّة و تُضيف إليها كلمات وعبارات غير موجودة فيها!! و تأخذها بالشبهات!! سواء من جهة الأسماء أو الصفات أو من جهه المواقع الجغرافية!!

كما لا يتفق تفسيرها مع منطق الكتاب المقدّس ولا مع مضمونه ومحتواه وجوهره، بلّ ويتجاهل حقيقة هامّة وهي أنَّ نفس الكتاب المقدس تنبّأ، في أكثر من 400 نبوة، عن كل دقائق وتفصيلات حياة الرب يسوع المسيح بصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، حدّد فيها الأم التي سيولد منها والمكان الذي سيولد فيه والمناطق التي سيُكرز فيها والأعمال التي سيعملها...ألخ، بلّ وتنبّأ بأكثر من 35 نبوّة، واضحة وصريحة، تمّت بالحرف الواحد، وبصورة تفصيلية دقيقة، في يوم واحد من حياة المسيح على الأرض، هو يوم محاكمته وصلبه!!

هذه النبوات فهمها اليهوديّ صاحب العهد القديم وشرحها المسيح لتلاميذه، شرحوها هم بدورهم للعالم أجمع ودوّنوها في العهد الجديد. في حين أنَّ هؤلاء الذين أخرجوا آيات ونصوص من الكتاب المقدّس، وحاولوا تفسيرها على هواهم، وبما يتناسب مع أفكارهم، وراحوا يقتطفون كلمة من هنا وعبارة من هناك، ومن عبارات من عندهم ويحذفون كلمات لا تناسب فكرهم، لم يستطيعوا أنْ يدلّونا على آية واحدة صريحة تدلّ دلالة واضحة وصريحة ومباشرة على صدق تأويلاتهم، مثلما جاء في النبوات التي تنبأت عن كلّ تفاصيل حياة المسيح.

وفي هذا الكتاب نقدّم دراسة علميّة لاهوتيّة منطقيّة نوضّح فيها حقيقة إيماننا ونردّ على تساؤلات أولاد الكنيسة التي تنهال علينا لمعرفة حقيقة هذه الآيات المذكورة وصحة تفسيرها وتأويلها الصحيح، مستعينين ومسترشدين بما سبق أنْ شرحه الرب يسوع المسيح نفسه لهذه النبوّات، وما سجّله تلاميذه بالروح القدس واضعين في الاعتبار، أيضًا، فهم اليهود، خاصّة في الفترة السابقة والتالية مباشرة لتجسّد الرب يسوع المسيح، لهذه النبوّات. وموضّحين موقف كنيستنا المبني على صخرة الإيمان الذي علّمه لنا الرب يسوع المسيح الذي قال " على هذه الصضرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها ".

كما نؤكّد أنّنا لا نقصد الإساءة إلى عقيدة ما أو إلى أشخاص بعينهم وإنّما فقط نشرح آيات الكتاب المقدّس الذي هو كتابنا نحن بمبدأ "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل43). باعتبارنا أهل الذكر الذي يجب الرجوع إلينا فيما يختص بآيات كتابنا المقدّس، وأيضا" مُسْتَعِدِّينَ دَائِماً لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ بِوَدَاعَةٍ" (1بطرس3/15).



عيد الميلاد المجيد

29كيهك سنة 1720 ش .

7و8يناير سنة 2004.

القس عبد المسيح بسيط أبو الخير
الفصل الأول‏
هل تنبأ الكتاب المقدس‏
عن نبي يأتى بعد المسيح؟


زعم البعض أنَّ هناك نبوّات كثيرة تنبّأ بها الكتاب المقدّس بعهديه، القديم والجديد، عن نبي المسلمين، بلّ وحاولوا تصوير أنَّ جوهر رسالة المسيح هي البشارة بمجيئه!! وكتبوا في ذلك عشرات بل مئات المجلدات والكتب والمقالات عبر مئات السنين، وكلها تكرّر نفسها وتقتبس من بعضها البعض نفس النصوص ونفس الإدعاءات. كما وضعوها على لسان أبطال المسلسلات التلفزيونية حتى يحفظها ويردّدها العامّة من الناس. والأمر الغريب في ذلك أنهم يستشهدون بآيات الكتاب المقدّس ويحاولون تفسير كل كلمة فيها، بلّ وفي أحيان كثيرة يرجعون إلى لغات الكتاب المقدّس الأصلية، العبرانيّة واليونانيّة، لا ليستشهدوا بمعناها ومغزاها اللغويّ، بل يؤوّلونها ويفسّرونها حسب ظاهرها، بما يخدم أغراضهم، وليس بحسب جوهرها ومعناها الحقيقي!! في الوقت الذي يدّعون فيه أنَّ الكتاب المقدس، هو كتاب محرّف ولا يجوز الاعتماد عليه، كما يقولون أيضًا أنَّه نُسخ وأُلْغي بما جاء بعده!! بل ويرفضون بصورة مطلقة أنْ يضعوه مع كتابهم في مجلد واحد.

وعندما نسألهم لماذا تستشهدون بنصوص كتاب لا تؤمنون به وتدّعون أنّه مُحَرّف ومنسوخ؟! تكون الإجابة هي: أنه ما يزال يحتوي في داخله على بعض الحق برغم ما وقع به من تحريف!! قال أحدهم " ليس ثمّة من يقول بأن جميع ما في الأديان السابقة مُحَرّف، بلّ أن من المتفق عليه بين المسلمين وقوع التحريف في بعضها وليس في كلها. لذلك فأن ما صدقته النصوص الشرعية الإسلامية – قرآنا وسنة - مما في الكتب السابقة محكوم بالصحة وعدم تطرق التحريف إليه ". فهم يبدؤون في قراءة الكتاب المقدس بفرضية مُسلّم بها بالنسبة لهم، وهى إذا أتفق الكتاب المقدّس مع الفكر الإسلامي في شيء ما يكون صحيحًا في هذا الشئ فقط وإذا تعارض معه في ‏شيء آخر يكون محرفـًا!! أي أنه يكون محرفـًا عندما لا تتفق آياته معهم!! وتكون بعض آياته على حق عندما يتصورون أو يرون الآيات تتفق مع ما يقولون!!.‏

بل ويتعاملون بنفس الطريقة مع الآيات القرآنية الخاصة بالتوراة والإنجيل، فعندما تكون الآية في صالح ‏التوراة والإنجيل يقال أنهما حُرفا بعد ذلك وعند يقول القرآن " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ " (الأعراف:157). ببحثون فيه عمّا يتصوّرون أنَّه أيات صحيحة لم تُحرّف بعد!! ولكنا نقول لهم إذا كان القرآن يقول " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ. إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء "(المائدة:42،43)، وأيضًا " وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "(المائدة46). فهذا يؤكّد صحّة كلّ ما جاء في التوراة والإنجيل اللذين كانا موجودين أيّام نبي المسلمين لسبب بسيط جدًا وهو أننا نملك مخطوطات للتوراة ترجع لما قبل المسيح بـ 200 سنة ولما قبل نبي المسلمين بأكثر من 800 سنة، كما نملك مخطوطات لأجزاء من العهد الجديد ونسخ كاملة من الأناجيل ترجع لما بين سنة 68م و 250م ومخطوطات كاملة لكل العهد الجديد ترجع لسنة 325م وترجع لما قبل الإسلام بأكثر من 300 سنة!! وكلّها مطابقة تمامًا لما ‏معنا الآن لأنَّه مترجم عنها. ومن ثمَّ عليهم أن يقبلوا كلّ ما جاء فيهما بمنطقهما وفكرهما ومنهجهما في تطبيق ما جاء بهما من نبوّات أو يرفضونهما بكلّ ما ‏جاء فيهما. لا مفرّ من ذلك ولا يمكن أنْ نعتبر أنَّ أجزاء منهما صحيحة وأخرى محرّفة!!

وعلي الرغم من اعتقاد بعضهم أنَّ الكتاب المقدّس نُسخ وأُلغي، إلا أنَّه لا مانع لديهم من الاستشهاد بآياته ما دام في ذلك مصلحة، بمبدأ الغاية تبرّر الوسيلة، والضرورات تبيح المحظورات!!

وكذلك نري في أسلوب مناقشاتهم وحواراتهم في هذا الموضوع أنَّهم يتجاهلون حقائق جوهريّة مثل: عقيدة التجسّد في المسيحيّة وعقيدة المسيح في الإسلام، والمفهوم اليهودى لهذه النبوّات.



1- عقيدة التجسّد في المسيحيّة: بالرغم من الإيمان بلاهوت المسيح كابن الله كلمة الله الذي من ذات الله والواحد مع الآب في الذات الإلهية لله الواحد، فقد تجسّد، وأتخذ صورة ‏الإنسانية الكاملة " وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا‏ "(يوحنا1/14). " ‏الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اَللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ.‏لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ اَلنَّاسِ.‏ وَإِذْ وُجِدَ فِي اَلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى اَلْمَوْتَ مَوْتَ اَلصَّلِيبِ." (فيليبي2/6-8‏) . ولأنه أتّخذ الإنسانيّة الكاملة فقد كان كما يقول الكناب " مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ " (عبرانيين4/15). أي أنَّ المسيح هو ابن الله وكلمته وصوره جوهره ولكنه تجسّد وصار بشرًا، " ابن الإنسان "، صار إنسانـًا وقال عن نفسه لليهود " وَلَكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ " (يوحنا8/40). وكإنسان مُسح كاهنًا وملكًا ونبيًا بالروح القدس كقول القدّيس بطرس بالروح " يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ ‏الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ لأَنَّ اللهَ ‏كَانَ مَعَهُ " (أعمال الرسل10/38). ومارس عمل النبوة ودعي بالنبي " فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: هَذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ "‏ (متّي21/11)، وبعد معجزة إقامة ابن أرملة نايين قالوا " قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ وَاِفْتَقَدَ اَللهُ شَعْبَهُ ‏" (لوقا7/16). وقالت له المرأة السامريّة " يَا سَيِّدُ أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ!‏ " (يوحنا4/19) وبعد معجزة إشباع الجموع بخمسة أرغفة وسمكتين " إِنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ اَلنَّبِيُّ الآتِي إِلَى اَلْعَالَمِ "(يوحنا6/14)، وقال عنه المولود أعمي الذي فتح المسيح عينيه " إنَّه نَبيّ‏ " (يوحنا9/17). بل وقال عنه تلاميذه " ‏ ِيَسُوعَ اَلنَّاصِرِيِّ اَلَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي اَلْفِعْلِ وَاَلْقَوْلِ أَمَامَ اَللهِ وَجَمِيعِ اَلشَّعْبِ " (لوقا24/19).

فقد كان المسيح ابن الله وكلمة الله وصورة جوهره، بلاهوته، كما كان إنسانًا بتجسّده، وصار كاهنًا وملكًا ونبيًا بمسحه بالروح القدس. وعندما تنبأ أنبياء العهد القديم عنه تنبئوا عنه باعتباره ابن داود ووارث عرشه والذي سيولد كإنسان من‏ اليهود ومن بيت لحم مدينة داود، وكالملك الذي سيدخل أورشليم راكبًا على أتان وجحش ابن أتان، والكاهن الذي جاء على رتبة ملكي صادق، وفي نفس الوقت تنبئوا عنه كالإله القدير الأزليّ الجالس عن يمين العظمة في الأعالي.



‏2- عقيدة المسيح فى الإسلام: لا يؤمن المسلمون أساسًا بلاهوت المسيح، وبالرغم من أنَّه موصوف في القرآن بكلمة الله وروح منه(1)، وأنه عِلْم ليوم الساعة(2)، وأنّه كان يخلق ويعلم الغيب ويشفي المرضى ويقيم الموتى ويطهر البرص(3)، وأنه أنزل على تلاميذه مائدة من السماء(4)، وأنه كان معجزة في ميلاده وفي حياته وأعماله(5)، وفي رفعه إلى السماء(6)، هذا فضلاً عن عدم مس الشيطان له (7)...إلخ إلا أن الاعتقاد الإسلامي الأساسي في المسيح هو أنَّه بشر ونبيّ وعبد لله وأنَّه ‏مثل آدم خُلق من تراب.



3- كما يجب أن لا نتجاهل التفسر اليهودي لنبوات العهد القديم فهو كتابهم‏ ولهم قواعدهم في تفسيره وفهمه، مع مراعاة التفسير الصحيح لهذه النبوّات كما شرحها وفسّرها الرب ‏يسوع المسيح نفسه، سواء لليهود، في عصره، أو لتلاميذه، وكما فسّرها وشرحها تلاميذه، بالروح القدس، لمستمعيهم الذين كانوا أولاً من اليهود، ثمّ من اليهود والأمم.‏

‏وقد آمن اليهود عبر تاريخهم وعصورهم بمجيء المسيح(8) نسل إبراهيم واسحق ويعقوب وكوكب يعقوب والقضيب الذي من سبط يهوذا (تكوين49/10) وابن داود الذي سيجلس على كرسيه ‏(أشعيا9/6و7)، كما تكلمت كتبهم التي كُتبت فى فترة ما بين ‏العهدين كثيرًا عنه كالملك الذي يفوق البشر والذي سيقود إسرائيل للسيادة على العالم، ومن ثمّ فقد كان اليهود ‏في وقت ميلاد الرب يسوع المسيح يتوقّعون مجيئه بناء على نبوة دانيال النبي الثي حسبت زمن مجيئه من إعادة ثجديد وبناء أورشليم سنة 457 ق م حتى ظهوره سنة 26م، وكذلك نبوة يعقوب عنه كالقضيب الذي يأتي من سبط يهوذا في أعقاب زوال الحكم من يهوذا مباشرة. ولذلك يقول الإنجيل أنه لما دخلث العذراء ويوسف النجار بالطفل يسوع لختانه في الهيكل في اليوم الثامن لولادته وقفت حنة النبية " تُسَبِّحُ اَلرَّبَّ وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ اَلْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ "(لوقا2/38). وقال كثير من العلماء ‏اليهود والربّيين في العصور الوسطى والحالية أنَّ الزمن الذي كان يجب أنْ يأتي فيه المسيح المنتظر هو القرن الأوّل الميلادى!!‏



ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

‏(1) " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ"(النساء 171) .‏

‏(2) " وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا" (الزخرف 21) .‏

‏(3) " وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " (آل عمران:49) .‏

‏(4) " قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" (المائده :114). " قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ" (المائده :115).‏

‏(5) " وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ"(آل عمران :46) " وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ" (المؤمنون : 50) .‏

‏(6) " إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" (آل عمران :55) .‏

(7) جاء فى كتاب ( الدر المنثور للتفسير المأثور ) للإمام جلال الدين السيوطي " أخرج عـبد الرازق وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عـن أبى هريرة قال:" قال رسول الله ـ ص ـ ما من مولود يولد إلاّ والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخًا من مسّ الشيطان إيّاه، إلاّ مريم وابنها" ثم قال أبو هريرة :" وإقرأوا إنْ شئتم " وإنّي أعيذها بك وبذرّيتها من الشيطان الرجيم".

‏(8) ويلخّص الدكنور عـبد الوهاب المسيري في موسوعـته اليهود واليهودية والصهيونية فكرة المسيح ‏عـند اليهود بقوله " ماشيَّح" كلمة عـبرية تعـني " المسيح المخلص" ومنها " مشيحيوت " أي " المشيحانية ‏" وهي الاعـتقاد بمجيء الماشيّح، والكلمة مشتقة من الكلمة العـبرية " مشح " أي " مسح " بالزيت المقدس. وكان ‏اليهود، عـلى عادة الشعـوب القديمة، يمسحون رأس الملك والكاهن بالزيت قبل تنصبيهما، علامة عـلى المكانة الخاصة الجديدة ‏وعلامة عـلى أنّ الروح الإلهية أصبحت تحلّ وتسري فيهما. وكما يحدث دائمًا مع الدوال في الإطار اليهودي الحلولي، ‏نجد أنّ المجال الدلالي لكلمة " ماشيّح " يتّسع تدربجـيًا إلى أن يضم عـددًا كبيرًا من المدلـولات تتعايش كلها جنبًا إلي جنب داخل التركيب الجيولوجي التراكميّ اليهوديّ. فكلمة " الماشيّح " تشير إلى كلّ ملوك اليهود وأنيبائهم...وهناك أيضًا المعـنى المحدد الذي اكتسبته الكلمة في نهاية الأمر إذ أصبحت تشير إلى شخص مُرسل من الإله يتمتّع ‏بقـداسة خاصة، إنسان سماويّ وكائن مُعْـجِز خلقه الله قبل الدهور يبقي في السماء حتى تحين ساعة إرساله. ‏وهو يُسمّى " ابن الإنسان " لأنَّه سيظهر في صورة الإنسان وإن كانت طـبيعـته تجمع بين الله والإنسان، فهو ‏تجسّد الإله في التاريخ، وهـو نقطة الحلول الإلهي المكثف الكامل في إنسان فرد. وهـو ملك من نسل داود، سيأتي بعـد ‏ظهور النبى إيليا ليعـدّل مسار التاريخ اليهودي، بلّ البشري، فينهي عـذاب اليهود ويأتيهم بالخلاص ويجمع شتات ‏المنفـيّين ويعـود بهم إلى صهيون ويحطم أعـداء جماعة يسرائيل، ويتخذ أورشليم ( القـدس ) عاصمة له، ويعـيد ‏بناء الهيكل، ويحكم بالشريعـتين المكتوبة والشفـوية ويعـيد كل مؤسسات اليهود القديمة مثل السنهدرين، ثم يبدأ ‏الفردوس الأرضي الذي سيدوم ألف عام، ومن هنا كانت تسمية " الأحلام الألفية " و" العـقيدة الاسترجاعـية ".





وعندما يناقش هؤلاء النبوّات الخاصّة بالمسيح كنبي وكإنسان يتجاهلون الإيمان الإسلاميّ باعتباره نبي من البشر، والإيمان المسيحيّ بتجسّده وصيروته إنسانـًا ونبيًّـا، ويتكلّمون فقط عن الإيمان المسيحيّ بلاهوته!! لكي ينسبوا ما يختصّ به من نبوات لنبي المسلمين!! كما يتجاهل هؤلاء أو يجهلون الفكر اليهودي وتفسيره لهذه النبوات في معظم كتب تراثهم وعبر كل عصورهم!! وكذلك تفسير الرب يسوع المسيح وتلاميذه لها!! في حين أن المنطق والعقل والدراسة العلمية والبحث العلمي النزيه يتطلب مراعاة كل هذه الحقائق.

والسؤال الآن؛ هل ما يدّعيه ويزعمه هؤلاء صحيح ؟ وهل يصلح مثل هؤلاء الذين حكموا على الكتاب المقدس بأنَّه مُحَرّف وقضوا بنسخه وإلغائه، لتفسير آياته ونبواته وإخراج ما يزعمون أنه الصحيح منه؟!! وهل يتفق تفسيرهم للآيات التي استخرجوها مع قواعد التفسير الصحيح وقواعد المنطق والعقل والبحث العلميّ النزيه؟!!

والإجابة: يقول الواقع " لا " لأنَّهم تعاملوا مع النصوص بمنطق الغاية تبرّر الوسيلة والضرورات تبيح المحظورات!! وحاولوا تصوير بعض آيات الكتاب المقدّس ونبواته على أنَّها نبوّات عن " نبيّ آخر " يأتي بعد المسيح، وهذه الغاية أو الضرورة! وكانت ‏الوسيلة هي إخراج هذه الآيات والنبوّات من سياق الكلام وبعيدًا عن القرينة وعزلها عمّا بعدها وما قبلها وإبعادها عن مضمونها الأصلي واقتطاعها من النصّ، أي أخذ جزء من الآية وترك بقيّة أجزائها، كما أخذوا بالتشابه اللفظي الذي لا صلة له بالمعنى علي الإطلاق. بل واستنطقوا بعض جهلاء المسيحيّة وبعض المرتدّين عنها بما لا يفهمون فيه!!



4- تطبيق المسيح وتلاميذه لهذه النبوّات: وهنا حقيقة هامّة وجوهريّة وهي أنَّ الربّ يسوع المسيح نفسه وتلاميذه من بعده أكّدوا على حقيقة أنَّ جميع النبوّات التي وردت في العهد القديم ( التوراة ) عن النسل الآتي بكل أوصافه كنسل إبراهيم الذي تتبارك به جميع الأمم والشعوب والألسنة أو كمشتهى الأجيال أو كالنبيّ الذي سيكون مثل موسي أو المسيح الذي سيأتي من نسل داود والذي سيُولَد من عذراء في بيت لحم أو الذي سيأتي بالبر الأبديّ ويكون ختام النبوّة والذي يأتي بإعلان الله النهائيّ للبشريّة... إلخ قد تمّت جميعها فيه.‏

وقد استشهد بها لليهود وشرحها لتلاميذه الذين فسّروها هم أيضًا لليهود ولكل‏ البشريّة في العالم أجمع. كما كان دائمًا يُشير إلى ما جاء فيها وكان يستخدم تعبيرات " المكتوب " و " ليتمّ الكتاب " و " كما هو مكتوب " للتأكيد على أنَّ كلّ ما كان يفعله كان مكتوبًا سابقًا عنه، وعلى سبيل المثال يقول عمّا جاء فيها عن آلامه وموته وقيامته " كَيْفَ هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِ اِبْنِ اَلإِنْسَانِ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً وَيُرْذَلَ " (مرقس9/12)‏

‏" وَأَخَذَ اَلاِثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَنِ ‏اِبْنِ اَلإِنْسَانِ " (لوقا18/31)، " لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضاً هَذَا اَلْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ ‏اِنْقِضَاءٌ ‏" ‏(لوقا22/37)، " وَقَالَ لَهُمْ: هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ " (لوقا24/46).‏



وعن خيانة يهوذا له قال لتلاميذه، في ليلة العشاء الربّانيّ مشيرًا إلى نبوّة المزامير عنه " لَكِنْ لِيَتِمَّ اَلْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي اَلْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ" (يوحنا13/18)، وقال ليهوذا " إِنَّ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ اَلرَّجُلِ اَلَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ اِبْنُ اَلإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ ‏اَلرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!‏" (مرقس14/21)، وقال مخاطبا الآب " حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي اَلْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ فِي اِسْمِكَ. اَلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ‏اِبْنُ اَلْهلاَكِ لِيَتِمَّ اَلْكِتَابُ " (يوحنا17/12).‏

وبعد قيامته من الأموات وقبل صعوده شرح وفسّر لتلاميذه كلّ ما يختصّ به من‏ في العهد القديم وقال لهم: " وَقَالَ لَهُمْ: هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي ‏فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ" (لوقا24/44، 45). " فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي اَلطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا اَلْكُتُبَ‏" (لوقا24/32).



وبعد صعوده عوده إلى السموات وحلول الروح القدس أدرك التلاميذ والرسل فحوى هذه النبوّات ومغزاها " فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ تَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ" (يوحنا2/22). وكانوا يشيرون إلي هذه النبوّات في مناسباتها في الإنجيل، مثل دخوله إلى أورشليم علي جحش " وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشاً فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ " (يوحنا12/14) " وَهَذِهِ الأُمُورُ لَمْ يَفْهَمْهَا تلاَمِيذُهُ أَوَّلاً وَلَكِنْ لَمَّا تَمَجَّدَ يَسُوعُ حِينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ مَكْتُوبَةً ‏عَنْهُ وَأَنَّهُمْ صَنَعُوا هَذِهِ لَهُ " ‏(يوحنا12/16). وعن صلبه بين لصين " فَتَمَّ اَلْكِتَابُ اَلْقَائِلُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ " (مرقس15/28 وأشعيا53/12)، وعن اقتسام ثيابه وإلقاء قرعة عليها " اِقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً. هَذَا فَعَلَهُ اَلْعَسْكَرُ.‏" (يوحنا19/24 مع مزمور22/18)، وعن حفظ ‏عظامه وعدم كسرها " لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ اَلْكِتَابُ اَلْقَائِلُ: عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ " (يوحنا19/36 مع خروج12/46؛ مزمور34/20) » وعن طعن جنبه بالحربة " وَأَيْضاً يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: سَيَنْظُرُونَ إِلَى اَلَّذِي طَعَنُوهُ " (يوحنا19/37 مع زكريا9/9).



وكانت هذه النبوات مدخلهم الدائم لتقديم ‏البشارة بالخلاص لليهود والأمم والإعلان عن أنَّ يسوع الناصريّ هو المسيح المنتظر الذي تنبّأ عنه جميع الأنبياء في جميع هذه الكتب أو الأسفار المقدّسة. وفسّروا بالروح القدس ما علّمه لهم الرب من نبوّات كُتبت عنه. وكان القدّيس بولس " بِاشْتِدَادٍ يُفْحِمُ الْيَهُودَ جَهْراً مُبَيِّناً بِالْكُتُبِ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ‏الْمَسِيحُ " (أعمال الرسل18/28)، " فَدَخَلَ بُولُسُ إِلَيْهِمْ حَسَبَ عَادَتِهِ وَكَانَ يُحَاجُّهُمْ ثَلاَثَةَ سُبُوتٍ مِنَ ‏الْكُتُبِ " (أع17/2). ويقول الكتاب عن بعض هؤلاء " فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الأُمُورُ ‏هَكَذَا؟ ‏" (أع17/11). كما بدأ رسالته إلى رومية بحديثه عن إنجيل المسيح " ‏الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي اَلْكُتُبِ اَلْمُقَدَّسَةِ " (رومية1/2). أكّد بالروح أنَّ كل ما تمّ مع المسيح تمّ كما سبق أنْ تنبّأ عنه الأنبياء في الكتب " ‏فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، ‏وَأَنَّهُ دُفِنَ وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ " ‏(1كورونثوس15/3،4).‏

وعندما دون الإنجيليون الإنجيل بالروح القدس كانوا غالبًا ما يذكرون ما سبق أنْ تنبّأ به عنه جميع الأنبياء فقالوا عن صلبه بين لصين " وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ" (مرقس15/27)، وعن اقتسام الجنود لثيابه "اِقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً. هَذَا فَعَلَهُ اَلْعَسْكَرُ"(يوحنا19/24)، وعن موته على الصليب " بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ فَلِكَيْ يَتِمَّ اَلْكِتَابُ قَالَ: أَنَا عَطْشَانُ" (يوحنا19/28)، وعن حفظ عظامه سليمة بعد موته يقول " لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ اَلْكِتَابُ اَلْقَائِلُ: عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ"(يوحنا 19/36)‏‏. ومن أشهر العبارات التي استخدمها الإنجيل للقديس متّي عن ما تنبأ به الأنبياء عن الرب يسوع المسيح هي عبارة " وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ" فعن ميلاده من عذراء يقول " هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا‏" (متي1/22،23).



وعن عودته من مصر يقول " لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي" (متي2/15)، وعن سكناه في الناصرة يقول " وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيّاً" (متي2/23)، وعن شفانه للمرضى يقول " لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا" (متي8/17)، وعن وداعته يقول " لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ اَلنَّبِيِّ:‏ هُوَذَا فَتَايَ اَلَّذِي اِخْتَرْتُهُ حَبِيبِي اَلَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ اَلأُمَمَ بِالْحَقِّ " (متي12/17،18)، وعن حديثه بأمثال يقول " لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ: سَأَفْتَحُ بِأَمْثَالٍ فَمِي وَأَنْطِقُ بِمَكْتُومَاتٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ "(متي13/35) وعن دخوله أورشليم يقول " ‏فَكَانَ هَذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ:‏ قُولُوا لاِبْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعاً رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ ‏" (متي21/4،5). وعن بيع يهوذا له بثلاثين من الفضة يقول " ‏حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ: وَأَخَذُوا الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ ثَمَنَ الْمُثَمَّنِ الَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَنِي ‏إِسْرَائِيلَ" (متي27/9). وعن اقتسام ثيابه يقول " وَلَمَّا صَلَبُوهُ اِقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ: اِقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى ‏لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً " ‏(متي27/35).‏

فقد كانت جميع نبوات العهد القديم عن المسيح المنتظر وتمّت جميعها في شخص وعمل الرب يسوع ‏المسيح تفصيلاً وبكلّ دقّة، ولم يتنبأ الكتاب مطلقـًا عن أي شخص آخر يأتي بعد المسيح. وقبل الدخول في هذه الدراسة نسأل الأسئلة التالية: ما هي هذه النبوات التي استشهد بها هؤلاء الكتّاب الذين قالوا أنَّها تتنبأ عن نبي آخر يأتي بعد المسيح؟ وكيف فسّروها؟ وهل تتضمن هذه النبوات، في محتواها وجوهرها، ما يفيد ‏الحديث عن نبي آخر يأتي بعد المسيح من خارج بني إسرائيل، سواء بلفظ " النبي الأمي " أي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، أو " النبي الأممي " أى الذي من خارج بني إسرائيل؟.






الفصل الثاني
الموعد باسحق أم بإسماعيل ؟‏


بعد أنْ زاغت البشريّة واتّجهت لعبادة الأصنام، سواء مع الله، أي أشركوا به، أو من دون الله، أي عبدوها كآلهة أو كما يقول الكتاب المقدّس " الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اَلْلَّهِ بِالْكَذِبِ وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا اَلْمَخْلُوقَ دُونَ اَلْخَالِقِ اَلَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى اَلأَبَدِ " (رومية1/25).‏ كان الله قد رتب، بحسب مشورته الإلهيّة وعلمه السابق، أنْ يحفظ لنفسه شعبًا مختارًا يؤمن به ولا يحيد عن عبادته لكي يأتي منه، بحسب ما سبق أن عينت ورتبت مشورته الإلهيّة، نسل تتبارك به جمع القبائل والأمم والشعوب في وقت سبق أن عينه أسماه " ملء الزمان "(غلاطية4/4).



1- وعد الله لإبراهيم:

ومن ثم طلب الله من إبراهيم أبي الآباء أن يترك أرضه وعشيرته، في أور الكلدانيين فيما بين النهرين، ويذهب إلى أرض كنعان ليكوّن فيها أمّة ويأتي منه نسل تتبارك به جميع الأمم ويرد العالم إلى عبادة الله الحي ويعود به إلى الفردوس‏ الذي سبق أن خرج منه "‏ وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ ‏أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ "‏ (تكوين12/1-3). فأتى وسكن في حاران، وفي سن الخامسة والسبعين خرج إبراهيم ومعه لوط ابن أخيه من حاران إلى أرض كنعان (أعمال الرسل7/1-4).



2- إبراهيم وأبنائه الثمانية وبركة اسحق:‏

وقد أنجب إبراهيم فما بعد ثمانية أبناء، حسب تسلسل مواليدهم، إسماعيل ابن هاجر الجارية المصرية، واسحق ابن زوجته سارة، وزمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا أبناء قطّورة (تكوين25/2) التي تزوجها بعد وفاة سارة. فهل كانت البركة الموعودة فى قوله لإبراهيم تَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ ستتحقق من خلال جميع هؤلاء، كأبناء إبراهيم، أم من خلال واحد منهم فقط؟. والإجابة هي من في خلال واحد منهم فقط. والسؤال من خلال من منهم ستكون هذه البركة؟ ويجبب الكتاب من خلال أبنه اسحق، وليس كل أبناء اسحق، بل من خلال ابنه يعقوب. وهذا ما أكده الكتاب حيث يقول " بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ ‏لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ" (عبرانيين11/9). وجاء في القرآن أيضًا " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ " (العنكبوت27).‏

وقد ظهر الله لإبراهم في رؤيا، قبل أنْ يُولد إسماعيل واسحق، وقطع معه عهدًا على أساس أنَّ هذا الوعد مرتبط بالأرض، أرض كنعان، التي سيذهب إليها إبراهيم ونسله المقصود، والتي ستكون المقر والمصدر الذي سيخرج منه من سيأتي بالبركة. وأنه سيسبق دخوله أرض كنعان البقاء، بقاء هذا النسل، تحت نير العبودية في مصر مدة أربعمائة سنة يقول الكتاب " فَقَالَ ( الله ) لأَبْرَامَ: اعْلَمْ يَقِيناً أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيباً فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ ‏فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ. ثُمَّ الأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا.... وَفِي الْجِيلِ ‏الرَّابِعِ يَرْجِعُونَ إِلَى هَهُنَا لأَنَّ ذَنْبَ الأَمُورِيِّينَ لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلاً..... فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ ‏الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقاً قَائِلاً: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الأَرْضَ مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ ‏الْفُرَاتِ." (تكوين15/13-18).‏

وكان بقاء نسل إبراهيم في أرض كنعان مرتبطًا بمجيء من ستتبارك جميع الأمم بمجيئه وقد تحقق ‏ذلك في مجيء الرب يسوع المسيح الذي طرد اليهود من الأرض‏ بعد صعوده إلى السماء بحوالى 40 سنة.‏



‏3- هل يستحيل على الله شىء؟‏

كان إبراهيم وزوجنه لا يُبنجبان عندما أعطاهما الله هذا الوعد، في أور الكلدانيّين، فانتظرا تحقيق هذا الوعد سنوات طويلة، ولأنَّ إرادة الله شاءت أنْ يحقق وعده لإبراهيم بمعجزة عجيبة وباهرة، فقد تأخّر هذا الوعد أكثر مما توقعا، ووصل سنّ سارة إلى حوالي سن الخامسة والسبعين وظلّت كما هي عاقر، فأشارت على إبراهيم أن يدخل بجاريتها المصرية هاجر، حسب العادات البشرية التي كانت مُتبعة في زمانها، ليُنْجِب منها ابنًا لأنَّها تصوّرت أنَّها لنْ تُنجب في شيخوختها طالما أنَّها لم تُنجب في شبابها " أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ!‏ " (تكوين 18/12)، غير مدركه لوعد الله لإبراهيم. وسمع إبراهبم لكلامها!! فقد يتحقق وعد الله الذي وعد به!! فهل يعجز الله عن تحقيق وعوده حتى يتصوّر بشر ما أنَّه سينجح فيما تصور، الإنسان، أنَّ الله فشل فيه؟!!‏

فأنجب إبراهيم من هاجر اِبنًا دعاه إسماعيل (تكوين6/1-15). ولكنه لم يكن هو ابن الموعد والوعد الذي وعد الله به إبراهيم لأنَّ وقت ميلاده الذي كان مقررًا حسب مشورة الله الأزليّة وعلمه السابق لم يكنْ قد حان بعد. وكان إسماعيل ابن المشورة البشرية وليس ابن الموعد المقصود بحسب إرادة الله ومشورته وعلمه السابق، فلم يشر الله على إبراهيم أن يدخل على هاجر وإنما كانت هذه مشورة سارة والتي لم تكنْ بحسب إرادة الله ولا صلة لها بمواعيده!! سمع إبراهيم لسارة ولم ينتظر وعد الله الذي يحقق مواعيده بحسب إرادته الإلهية!! ولنا هنا سؤال جوهري وهو " هل كان الله عاجزًا عن تحقيق وعوده لإنسان حتى يتصوّر، الإنسان، أنَّه يحقق لله ما تصوّر أنْ عجز عنه؟!! وهل يزعم أحد أنَّه أدرك فكر الله أو طرقه أو أنه فهم ما يدور في مشورته الإهية، يقول الكتاب: ‏" يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الإِسْتِقْصَاءِ!‏ لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ لأنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ " (رومية11/33-36).



كانت مشورة سارة، البشريّة، شيء وإرادة الله شيء آخر. كانت إرادة الله أنْ يُولد اِبن الموعد، الذي ستمتدّ في ذرّيته النبوّة ويأتي منه النسل الموعود الذي ستتبارك به جميع ‏البشريّة، ويأتي بمعجزة، فقد أراد الله أنْ تحبل به العاقر وتلده العجوز المُسِنّة في سن التسعين سنة!!

وفي الوقت المعيّن، حسب مشورة الله الأزليّة وعلمه السابق، حقق الله وعده لإبراهيم وأعطاه إسحق من زوجته سارة وهو في سنّ المئة وهو في سنّ التسعين ‏(تكوين16/17). وأكّد له أنَّ عهده سيُقيمه مع اسحق وسيكون عهدًا أبديًا مع نسله من بعده، أمّا إسماعيل فقد وعد الله أنْ يُباركه من جهة العدد وسيكون أمّة عظيمة في العدد لأنَّه ابن إبراهيم. فبعد أنْ وُلد إسماعيل وصار له ثلاث عشرة سنة قال الله لإبراهيم " فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ اِمْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ اِبْناً وَتَدْعُو اِسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ فِي اَلسَّنَةِ اَلآتِيَةِ " (تكوين17/19-21).‏

وعندما أكد الله لإبراهيم على حتميّة ميلاد إسحق في الموعد المعيّن بحسب مشورته الأزليّة ضحك إبراهيم لأنَّه لم يتصوّر أنَّ امرأته ذات التسعين عامًا والعاقر التي لم تلد في شبابها يُمكن أنْ تلد!! وقال لله " وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك!! "، ولكن الله أكّد له أنَّ " غَيْر المُسْتَطَاعِ عِنْدَ اَلنَاسِ مُسْتَطاع عِنْدَ اَلله" (لوقا18/27). وأنَّ ما سبق أنْ وعده به لابد أنء يُحققه هو بنفسه. كما استغربت سارة أيضًا التي لم ثستوعب فكر الله وحتمية تحقيق وعده وضحكت عندما عاد الله ليؤكّد ما سبق أنْ وعد ‏به ويحدّد الموعد، موعد ولادة ابن الموعد " قَالَ: إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ اِِِمْرَأَتِكَ اِبْنٌ. وَكَانَتْ سَارَةُ سَامِعَةً فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَهُوَ وَرَاءَهُ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الأَيَّامِ وَقَدِ اِنْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لِسَارَةَ عَادَةٌ كَالنِّسَاءِ. فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي بَاطِنِهَا قَائِلَةً: أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ! فَقَالَ اَلرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: أَفَبِالْحَقِيقَةِ أَلِدُ وَأَنَا قَدْ شِخْتُ؟ هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى اَلرَّبِّ شَيْءٌ؟ فِي اَلْمِيعَادِ أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ اَلْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ اِبْنٌ " (تكوين18/10-14).



كان إسحق، المولود بمعجزة إلهية، هو اِبن الموعد الإلهي وصاحب العهد مع الله أمّا إسماعيل فكان اِبن العادات والتقاليد والمشورة البشريّة التي أشارت بها سارة على إبراهيم وعانت هي وإبراهيم بل وهاجر أيضًا بسببها.

وعندما أمتحن الله إبراهيم وطلب منه أن يُصْعِد اِبنه اسحق محرقة على جبل المريا وأطاع إبراهيم الله ومدّ يده وأخذ السكين ليذبح اِبنه إسحق ظهر له ملاك الربّ وقال له لا تمد يدك على الغلام وقدّم له كبشًا فدية عن اسحق " نَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ اِبْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ اَلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ اَلَّذِي عَلَى شَاطِئِ اَلْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ اَلأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي"(تكوين22/15-18). وهنا يتكّلم الله عن إسحق باعتباره ابن إبراهيم الوحيد بالرغم من أنَّه أصغر من إسماعيل لأنَّه ابن الموعد يقول الكتاب " بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ ـ قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ الَّذِي قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ." (عبرانيين11/17، 18).



‏4- تأكيد الوعد لإسحاق:‏

وبعد وفاة إبراهيم أكد الله هذا الوعد عينه لإسحق يقول الكتاب " وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ اللهَ بَارَكَ إِسْحَاقَ اِبْنَهُ." (تكوين25/11)، وأعطاه البركة وأكّد له الوعد من جديد: " وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: «لاَ تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ. اسْكُنْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَقُولُ لَكَ. تَغَرَّبْ فِي هَذِهِ الأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ لأَنِّي لَكَ وَلِنَسْلِكَ أُعْطِي جَمِيعَ هَذِهِ الْبِلاَدِ وَأَفِي بِالْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَأُعْطِي نَسْلَكَ جَمِيعَ هَذِهِ الْبِلاَدِ وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ."(تكوين26/2-4).‏



5- تأكيد الوعد ليعقوب:

وأنجب إسحق يعقوب وعيسو من رفقة في بطن واحدة وكان الله في سابق علمه ومشورته الأزليّة قد إختار يعقوب وحدة ليأتي منه النسل الموعود وتمتدّ في ذرّيته النبوّة " يَقُولُ الرَّبُّ وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ"(ملاخي1/2، 3). ومن ثمّ فقد جدّد الله الوعد ليعقوب قائلاً " وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ وَتَمْتَدُّ غَرْباً وَشَرْقاً وَشِمَالاً وَجَنُوباً. وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ." (تكوين28/13، 14)‏‏. وبعد يعقوب بعدة أجيال تنبّأ بلعام بن بعور عن هذا النسل الموعود والفادي المنتظر قائلاً بالروح القدس " أَرَاهُ وَلكِنْ ليْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ ليْسَ قَرِيباً. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيل فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ وَيُهْلِكُ كُل بَنِي الوَغَى." (عدد24/17).



‏6- بركة إبراهيم للأمم في المسيح:‏

وأكد الكتاب المقدّس بعهديه أنَّ بركة للأمم هي في الرب يسوع المسيح، يقول المرنّم بالروح " أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ الْبَرِّيَّةِ وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ التُّرَابَ.مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ.... يَكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ. قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ. وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ." (مزمور27/9-17). وهذا ما تحقّق حرفيًا في الرب يسوع المسيح الذي قدّم له المجوس الهدايا وسجدوا له وانتشر اسمه في كل الأمم سواء بين المسيحيين أو المسلمين أو بعض الأديان الأخرى التي تعترف بأنَّه كلمة الله وروح منه وتعترف بمعجزاته الثي فاقت كل حدود البشر حتى وصلت إلى مقدرته إنزال الطعام من السماء وعلى الخلق وعلم الغيب!!



وقال القدّيس بطرس بالروح لشيوخ وعامّة اليهود " أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الأَنْبِيَاءِ وَالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَ بِهِ اللهُ آبَاءَنَا قَائِلاً لإِبْراهِيمَ: وَبِنَسْلِكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. إِلَيْكُمْ أَوَّلاً إِذْ أَقَامَ اللهُ فَتَاهُ يَسُوعَ أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ" (أعمال الرسل3/25، 26).‏

وقال القديس بولس بالروح " وَالْكِتَابُ إِذْ سَبَقَ فَرَأَى أَنَّ اللهَ بِالإِيمَانِ يُبَرِّرُ الأُمَمَ، سَبَقَ فَبَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ فِيكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ ألأُمَمِ... لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ... وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ... لاَ يَقُولُ وَفِي الأَنْسَالِ كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ. وَفِي نَسْلِكَ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ "(غلاطية3/8، 17)‏.



‏7- القول بأن البركة من إسماعيل (1):‏

ولكن بعض الكتاب من الأخوة المسلمين أخذوا بعض الآيات من أحاديث الله مع إبراهيم وهاجر واقتلعوها من جذورها وقطعوها عمّا قبلها وما بعدها وأخرجوها عن سياقها وقرينتها وموضوعها الأصلي ليوحوا بأنَّ هناك بركة لإسماعيل وهذه البركة تعني نبوة قادمة في نبي من غير بني إسرائيل!!‏

(1) فقالوا تعليقا على قول الله لإبراهيم في (تكوين12/1-3) أنَّ إبراهيم الذي هو بطريرك التوحيد والأب المشترك لكلٍّ من اليهود والمسيحيّين والمسلمين، أنجب من خلال ابنه الثاني إسحق كل الأنبياء الإسرائيليين مثل يعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان ويسوع. وكان مجيء هؤلاء الأنبياء هو الإتمام الجزئي لوعد الله هذا. ويتضمّن هذا الوعد أيضًا الإسلام الذي يؤمن بهؤلاء الأنبياء ويُقدّرهم.

‏ـــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ

(1) أنظر على سبيل المثال؛ كتاب " الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة في الرد على اليهود ‏والنصارى" للإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، دراسة وتحقيق مجدي محمد الشهاوي، ص 199و220. ‏وكتاب " تحفة الأريب فى الردّ على أهل الصليب" للقس إنسلم تورميدا، تقديم وتحقيق وتعليق دكتور محمود ‏على حماية، ص 133و134. وكتاب " أشهد للمسيح والمسيح يشهد معي ..!" أحمد أبو الخير، ص 214. وكتاب " ‏حقيقة النصرانية من الكتب المقدسة " علي الجوهري، ص 11. وكتاب " محمد نبي الإسلام في التوراة ‏والإنجيل والقرآن" المستشار محمد عزت الطهطاوي، ص 16و17.‏

هذا غير المؤلفات التى وضعت علن شبكة الإنترنت على مواقع مثل " ابن مريم، وللمسيحيين فقط، ‏والمسيحيّة في الميزان، والحوار الإسلامي المسيحي، والأجوبة الجلية في الرد على المسيحية، ومواقع كل من جمال بدوى، وقيس علي، وصابر علي، وسيف الله وغيرهم.‏




‏(2) واستشهدوا بحوار الملاك مع هاجر عندما هربت من سيدتها سارة " فَوَجَدَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ عَلَى عَيْنِ الْمَاءِ فِي الْبَرِّيَّةِ عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي فِي طَرِيقِ شُورَ. وَقَالَ: يَا هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِين؟. فَقَالَتْ: أَنَا هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ مَوْلاَتِي سَارَايَ. فَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: ارْجِعِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَاخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا. وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: تَكْثِيراً أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ. وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: هَا أَنْتِ حُبْلَى فَتَلِدِينَ ابْناً وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ. وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ..... فَوَلَدَتْ هَاجَرُ لأَبْرَامَ ابْناً. وَدَعَا أَبْرَامُ اسْمَ ابْنِهِ الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ." ( تكوين16/7-15) .‏

‏(3) واقتطعوا قول الرب لإبراهيم " وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً " ‏(تكوين17/20). بعد حذف ما جاء قبل هذه الآيات وما بعدها!!‏

‏(4) وقوله " وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ " (تكوين21/13) مع تجاهل بقيّة النصّ.

(5) وقوله لهاجر " قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً " (تكوين21/18)

(6) واستشهدوا بما جاء في تثنية (21/15-17) " إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ إِحْدَاهُمَا مَحْبُوبَةٌ وَالأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ فَوَلدَتَا لهُ بَنِينَ المَحْبُوبَةُ وَالمَكْرُوهَةُ. فَإِنْ كَانَ الاِبْنُ البِكْرُ لِلمَكْرُوهَةِ، فَيَوْمَ يَقْسِمُ لِبَنِيهِ مَا كَانَ لهُ لا يَحِلُّ لهُ أَنْ يُقَدِّمَ ابْنَ المَحْبُوبَةِ بِكْراً عَلى ابْنِ المَكْرُوهَةِ البِكْرِ، بَل يَعْرِفُ ابْنَ المَكْرُوهَةِ بِكْراً لِيُعْطِيَهُ نَصِيبَ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يُوجَدُ عِنْدَهُ لأَنَّهُ هُوَ أَوَّلُ قُدْرَتِهِ. لهُ حَقُّ البَكُورِيَّةِ ". وقالوا أن الحقوق التقليدية والامتيازات الخاصّة بالابن البكر لا تتأثر بموقف أمّه الاجتماعي، سواء كانت حرّة كسارة أمّ إسحق أو هاجر الجارية أمّ إسماعيل. ومن ثمّ فقد كانت لإسماعيل كل الحقوق القانونية الكاملة كابن إبراهيم ونسله، وكل الحقوق القانونية الكاملة لأمه هاجر كزوجة إبراهيم، كما هو واضح في قوله " فَأَخَذَتْ سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةَ جَارِيَتَهَا مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَأَعْطَتْهَا لأَبْرَامَ رَجُلِهَا زَوْجَةً لَهُ "( تكوين16/3)، وأيضا " وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ " (تكوين21/13)



‏8- دراسة هذه الأقوال والتعليق عليها:‏

ومند دراسة أحاديث الله مع إبراهيم ومع هاجر في هذا الشأن كاملة يتّضح الآتي:‏

‏(1) أنَّ الله وعد إبراهيم في (تكوين12/1-3) بأنَّ فيه ستتبارك جميع الأمم مرتبط بشعب وأرض وأنَّ نسله حامل البركة سيكون غريب في أرض غريبة مدّة أربعمائة سنة ‏(تك15) ولم كن إبراهيم قد أنجب أى ابن له.‏

‏(2) وبعد ولادة إسماعيل، بلّ وهو في سنّ الثالثة عشر من عمره وقبل ميلاد إسحق بسنة عاد الله وكرّر هذا الوعد ثانية مؤكدًا أنّض البركة ستكون لا من إسماعيل بل من إسحق، ‏ابن الموعد، الذي ستلده سارة (تكوين 17). أمّا إسماعيل فسيباركه الله من جهة العدد، فهو ليي ابن الموعد، ولم يُعط الله وعدًا بأنْ يُبارك أحد من خلاله، بل الله هو الذي سيباركه من جهة العدد.‏

‏(3) وأكد الله لإبراهيم قائلاً "وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ " (تكوين17/21)، وأنه " بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ "(تكوين21/12)، وقال له بعد نجاة إسحق " وَنَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ اِبْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ اَلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ اَلَّذِي عَلَى شَاطِئِ اَلْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ اَلأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي" (تكوين22/15-18) مؤكدًا أنَّ النسل الذي ستتبارك به جميع أمم الأرض يأتي من خلال إسحق فقط. أمّا إسماعيل فسيباركه الله في العدد فقط.‏

‏(4) ولم تتضمن وعود اته لإبراهم إى إشارة عن نبوة أو نبي يأتي من أبناء إسماعيل، بل على ‏العكس ففي قول الملاك لهاجر تَكْثِيراً أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ. وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: هَا أَنْتِ حُبْلَى فَتَلِدِينَ ابْناً وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ. وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ" لا يوجد ما يدلّ إلا على العكس مما يدّعيه هؤلاء!!

‏(5) وفي استشهادهم بقوله " وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً " ‏(تكوين17/20).حذفوا الآيات السابقة لها والتالية لها!! والموضوع لا يفهم جيدًا إلا بقراءة هذه الآيات المحذوفة، والنص كامل هو " وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ. وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضاً مِنْهَا ابْناً. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَماً وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ. فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلَّهِ: لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ! فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ اِمْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ اِبْناً وَتَدْعُو اِسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ فِي اَلسَّنَةِ اَلآتِيَةِ" (تكوين17/15-21). وهنا تأكيد بأنَّ ابن الموعد الذي وعد الله به إبراهيم لكي تتبارك جميع الأمم من خلاله هو إسحق، الابن الذي كان هو المقصود والمُعَيّن بحسب مشورة الله الأزلية وعلمه السابق. فهو الذي يقيم الله العهد معه، أما إسماعيل فلأنه ابن إبراهيم أيضًا فقد وعد الله أنْ يُباركه من جهة العدد والمكانة السياسيّة لكنه لم ‏يكن موضوعًا في خطة الله ومشورته الأزليّة لمباركة البشريّة.‏

‏(6) كما أن استشهادهم بقوله " وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ " (تكوين21/13)، لا يُفهم إلا من خلال النص الكامل للحديث والذي يقول " فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا لأَنَّ ابْنَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ. فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدّاً فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ. فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ." (تكوين21/10-13)



فالنسل الموعود الذي تتبارك من خلاله جميع الأمم هو إسحق. أمّا إسماعيل فسجعله الله أمة كبيرة العدد ‏. وهذا ما أكده الله تكرارًا؛ " ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا". و" اثني عشر رئيسًا يلد واجعله أمة كبيرة" و" سأجعله أمة لأنَّه نسلك " و " سأجعله أمة عظيمة ". وهذه الأقوال، جميعها، لا تشير لا إلي أفراد ولا إلى فرد بعينه بل إلى أمّة كثيرة العدد فقط، ولا توحي بأي شكل من الأشكال عن بركة نبوّة، كما أنّ قول الملاك لهاجر عن إسماعيل يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ" لا يوجد ما يدلّ إلا على العكس مما يدّعيه هؤلاء!!



وقد بارك الله إسماعيل بالفعل فقد خرج منه إثنا عشر رئيسًا، أما بركة النبوّة فكانت من خلال نسل إسحق، كما قال الكتاب المقدس " بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ ( أي ابراهيم ) فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ" (عبرانيين11/9)، وكما قال القرآن أيضًا عن إبراهيم " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ"(العنكبوت27). " وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيّاً "(مريم49). " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ " (الأنبياء72). " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " (الأنعام84). "وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ " (هود71).



(7) أما مسألة الحقوق الشرعية وما جاء في تثنية (21/15-17) عن ابن المكروهة فقد جاء في ‏شريعة موسي الذي جاءت بعد إبراهيم بحوالي خمسمائة سنة والتي سنّ فيها الله عشرات الشرائع الجديدة ‏والتي لم تكن موجودة في زمن إبراهيم مثل، تحريم الزواج من الأخوات (لاويين20/17) الذي كان موجودًا وقت إبراهيم وبمقتضاه تزوج من أخته ‏لأبيه سارة (تكوين12/20) ، والاحتفال بالفصح.. إلخ



كما أن هذا التشريع وهذا الناموس يختص بالمواريث ولكن لا يختص بوعد الله من جهة البركة والنبوة. ومن ثمّ فمحاولتهم الربط بين الحقوق التشريعيّة ومواعيد الله وعهوده فهي ‏محاولة غير منطقية ومغالطة واضحة وصريحة لأنَّ مواعيد الله وعهوده للبشريّة هي خارج نطاق المواريث البشريّة، ومن ثمّ فلا تورث ولا تورّث، لأنها ترجع لـ " مَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ " (أعمال الرسل2/23). فقد انجب إبراهيم ستة أبناء من زوجته قطورة ولم يصر الوعد لأحد منهم وقد بارك الله فيهم. لإنهم أبناء إبراهيم، ولكن الموعد والعهود الإلهية كانت لإسحق ومن خلاله، ويقول الكتاب المقدّس " وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ وَفِي الأَنْسَالِ كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ. وَفِي نَسْلِكَ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ. وَإِنَّمَا أَقُولُ هَذَا: إِنَّ النَّامُوسَ الَّذِي صَارَ بَعْدَ أَرْبَعِمِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، لاَ يَنْسَخُ عَهْداً قَدْ سَبَقَ فَتَمَكَّنَ مِنَ اللهِ نَحْوَ الْمَسِيحِ حَتَّى يُبَطِّلَ الْمَوْعِدَ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْوِرَاثَةُ مِنَ النَّامُوسِ فَلَمْ تَكُنْ أَيْضاً مِنْ مَوْعِدٍ. وَلَكِنَّ اللهَ وَهَبَهَا لإِبْرَاهِيمَ بِمَوْعِدٍ." (غلاطية3/16-18).



وكما أختار الله إسحق بناء على مشورته الأزلية المحتومة وعلمه السابق فقد إختار أيضًا يعقوب ورفض أخاه البكرعيسو.يقول الكتاب" أَلّيسَ عِيسُو أخًا ليَعْقُوب يَقُولُ الرَّبُّ وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ"(ملاخي1/2،3)، وأيضًا " وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعاً أَوْلاَدٌ. بَلْ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ.أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلاً. لأَنَّ كَلِمَةَ الْمَوْعِدِ هِيَ هَذِهِ: أَنَا آتِي نَحْوَ هَذَا الْوَقْتِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ. وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ بَلْ رِفْقَةُ أَيْضاً وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا ـ لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ وَلاَ فَعَلاَ خَيْراً أَوْ شَرّاً لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ اللهِ حَسَبَ الاخْتِيَارِ لَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ الَّذِي يَدْعُو قِيلَ لَهَا: إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ. فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ عِنْدَ اللهِ ظُلْماً؟ حَاشَا! " (رومية9/7-14).






الفصل الثالث
من هو شيلوه في نبوّة يعقوب؟


1- شيلوه في الكتاب المقدس وتفاسيره:

سبق الله، كما بيّنا، وأعطى إبراهيم الوعد وقطع معه عهدًا أنْ تتبارك فيه وبنسله جميع قبائل وأمم وشعوب الأرض. وأكّد له الله أنَّ الوعد هو بإسحق، ابن الموعد، وأنَّ عهده سيقيمه مع إسحق، ومن ابني إسحق، عيسو ويعقوب، اختار الله يعقوب ووعده أيضًا أنَّ بنسله تتبارك جميع أمم الأرض، ومن بين أبناء يعقوب الإثني عشر إختار الله يهوذا ليأتي منه هذا النسل الموعود والفادي المنتظر، فتنبّأ يعقوب وهو علي فراش الموت عن مستقبل أولاده الإثنى عشر، ولمّا جاء دور يهوذا قال بالروح " يَهُوذَا إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ. يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ. يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ابْنِي. جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟ لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ" (تكوين49/8-10)

و" شيلوه " حرفيًا هو " שִׁילוה - شيلوه" ومعناها " الذي له "، أي الذي سيكون له الصولجان وخضوع شعوب كقول النبوّة " وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ " وهذا ما أشار إليه الروح القدس فى سفر حزقيال النبيّ قائلاً " مُنْقَلِباً مُنْقَلِباً مُنْقَلِباً أَجْعَلُهُ. هَذَا أَيْضاً لاَ يَكُونُ حَتَّى يَأْتِيَ الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ فَأُعْطِيَهُ إِيَّاهُ " (حزقيال21/27).

ولكي نفهم هذه النبوة جيدًا يجب أنْ نضع في اعتبارنا النقاط التالية:

1- أنَّ النبوّة أصلاً ليهوذا وعن مستقبل يهوذا وأنَّ هذا الآتي هو من سبط يهوذا، وذلك حسب تسلسل النبوّة من إبراهيم إلى إسحق إلى يعقوب إلى يهوذا وبعد ذلك إلى داود، وحسب مضمون النبوّة نفسها، فالحديث كله منصب على يهوذا والبركة الآتية من يهوذا.



2- أن النبوّة لم تقل قط، ولم تشر من قريب أو من بعيد أن شيلوه هذا سيكون من خارج يهوذا أو من خارج بني إسرائيل، بل أنَّ النبوّة عن يهوذا وليهوذا ومن ثمّ فلابدّ أنْ يأتي من يهوذا. وهذا واضح في نبوّة إشعياء النبي الفائل " وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْداً" (أشعيا11/10)، ويسي هو أبو داود النبي (متّي1/6)، فالآتي إذًا من نسل داود الذي هو من سط يهوذا. والذي تنبأ عنه إشعياء النبي أيضًا قائلاً " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ، لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا " (أشعيا9/6،7)، والذي قال عنه الملاك للعذراء القدّيسة مريم عندما بشّرها بميلاده " وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ اِبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَاِبْنَ اَلْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ اَلرَّبُّ اِلإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى اَلأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ " (لوقا1/31-33).



3- أن زوال الصولجان من يهوذا مرتبط بمجيء شيلوه، الذي له الصولجان، فهذا الصولجان لن يزول إلا بعد مجيء شيلوه، أي يأتي شيلوه أولاً، ثمّ بعد ذلك يزول الحكم والصولجان من يهوذا وليس العكس " لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ " ( من له الصولجان ).



4- كما أن كلمة " قضيب " أو " صولجان " كانت تعني في فكر العلماء ( الربّيّون ) اليهود " الهوية السبطية " أو " العصا السبطية "(1) لأسباط إسرائيل الأثنى عشر، وقد ارتبطت الهوية السبطية في أذهانهم بأنّها حقهم في تطبيق وفرض الشريعة الموسوية على الشعب بما في ذلك حق القضاء في الأمور الكبرى وتوقيع العقوبات، أي السلطان القانوني لإصدار الأحكام الكبرى مثل حكم الموت.

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ

(1)Chuck Misster: The Creator beyond Time and Space, Until Shilon Come.



5- كما فهم اليهود في كل عصورهم، قبل المسيح وفي أثناء وجوده على الأرض، بالجسد، وبعد ذلك وسجلوا ذلك في أهم كتبهم، أنَّ " كلمة שִׁילוה – شيلوه" هي مصطلح خاص بالمسيح الآتي والمنتظر( المسيّا). وأنَّ مجيء شيلوه أو المسيا سيكون قبل زوال الحكم من سبط يهوذا مباشرة.

(1) يقول ترجوم أونكيلوس(2) Targum Onkelos أن " انتقال الحكم من يهوذا لن يتوقف من بيت يهوذا ولا الكاتب من أبناء أبنائهم حتّي يأتي المسيّا "(3).

(2) وجاء فى سيودو يوناثان Pseudo Jonathan(4) " الملك والحكام لن يتوقفوا من بيت يهوذا .... حتّي يأتي الملك المسيّا".(5).

(3) ويقول ترجوم Yerushalymi " لن يتوقف الملوك من بيت يهوذا... حتّي مجئ الملك المسيّا... الذي ستخضع له كل سيادات الأرض"(6).

(4) وجاء فى التلمود البابليّ ( Sanhedrin 98b)؛ قال Johanan " لقد خُلق العالم لأجل المسيّا، فما هو اسم المسيّا؟ تقوم مدرسة الرابّي شيلا ( Rabbi Shila ) اسمه شيلوه لأنه مكتوب " حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ "(7).

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ

(2) ترجوم كلمة آرامية من الأصل الفارسي " تورجمان" وهي تعنى " ترجم". ويُطلق هذا المصطلح علي الترجمات الآرامية للكتا المقدّس. وقد وُضعت هذه الترجمات في الفترة الواقعة بين أوائل القرن الثاني وأواخر القرن الخامس قبل الميلاد. وقد أصبحت مثل هذه الترجمات أمرًا مهمًا وحيويًا بالنسبة إلي اليهود، نظرًا لأن الآرامية حلّت محل العبرية بعد التهجير ( السبي ) البابلي. فمنذ أيام عزرا، كانت تُضاف ترجمة آرامية بعد قراءه أجزاء من العهد القديم، وقد صار هذا تقليدًا ثابتًا. ومن أشهر الترجمات الآرامية للكتاب المقدّس: ترجوم أونكيلوس لاأسفار موسى الخمسة وحدها، وترجوم يوناثان لبقية أسفار العهد القديم" ( اليهود و اليهودية والصهيونية د .عبد الوهاب المسيري ج5).

(3) Chuck Missler, The Creator Beyond Time and Space, Until Shiloh Come.

سيودوإبيجرفيا اليونانية، وتعنى المنسوبة خطأ لغير مؤلفه. (Pseudepigrapha) (4) كلمة سودو من

(5) Chuck Missler, The Creator Beyond Time and Space, Until Shiloh Come.

(6) Ibid.

(7) Ibid. & Jerusalem Talmud, Sanhedrin, filoi 24,





(5) ويقول رابّي راشي RaShi إلى أن يأتي المسيا، الذي سيُعْطَى له كل الملك، فأنَّ كلّ الشعوب ستترجّي قدومه (8).

(6) ويقول مدراش(9) راباه 97 Midrash Rabbah في تعليقه علي هذه النبوّة [ المسيا الملك سيأتي من سبط يهوذا كما هو مكتوب في إشعياء 11/10: " وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْداً ". وكما جاء سليمان من سبط يهوذا، الذي بنى الهيكل الأول، وزربابل الذي بني الهيكل الثاني، هكذا سيجئ المسيّا الملك من سبط يهوذا ليُعيد بناء الهيكل، هذا المسيّا كُتب عنه في (مزمور89/34-37) "لاَ أَنْقُضُ عَهْدِي وَلاَ أُغَيِّرُ مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيَّ. مَرَّةً حَلَفْتُ بِقُدْسِي أَنِّي لاَ أَكْذِبُ لِدَاوُدَ. نَسْلُهُ إِلَى الدَّهْرِ يَكُونُ وَكُرْسِيُّهُ كَالشَّمْسِ أَمَامِي. مِثْلَ الْقَمَرِ يُثَبَّتُ إِلَى الدَّهْرِ. وَالشَّاهِدُ فِي السَّمَاءِ أَمِين" ](10).

(7) ويقول مدراش راباه Midrash Rabbah 98 [ التلميح بالملك المسيا، فى قوله " وستخضع الشعوب له ". فالمسيا سيأتي ويجلس ليحاكم شعوب العالم ](11).

معنى هذا فإنَّ الهويَّة السبطية وصولجان سبط يهوذا لن يزولا من يهوذا إلا بعد مجيء المسيح المنتظر، شيلوه، أي يأتي المسيا، شيلوه، أولاً ثمّ يلي مجيئه زوال الحكم من يهوذا. ولم يكن سبط يهوذا مجرّد سبط من الأسباط الإثني عشر فحسب إنما صار اسمًا للمملكة الجنوبية، مملكة يهوذا، عند انقسام إسرائيل إلي مملكتين بعد وفاة سليمان الحكيم والملك، والتي إتخذ اليهود، كلّ بني إسرائيل، منها أسمهم "يهود" من "يهوذا"(12).

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ

(8) عن كتاب " أما إسرائيل فلا يعـرف " للقمص روفائيل البراموسي ص 54 و55.

(9) مدراش من الكلمة العـبرية درش، أي استطلع أو بحث أو درس أو فحص أو محص. والكلمة تُستخدم للإشارة إلى تفسير العهد القـديم.

(10)" أما إسرائيل فلا يعـرف " ص55.

(11) المرجع السابق .

(12) أنظر ( 2ملوك 16/6؛ 25/25؛ عزرا 4/12؛ 4/23؛ 5/5....إلخ ).





ولذا فالتفسير الدقيق للنبوة هو؛ أنَّ الهوية القومية ليهوذا كسبط وكمملكة والتي تتضمن الحق في تطبيق الشريعة الموسويه وتوقيع العقوبات الكبرى، ومنها حكم الموت، على الشعب، كما هو مكتوب في شريعة موسى، لن تزول من مملكة يهوذا، اليهود، ولا المشرع من بين رجليه إلا بعد أن يأتي شيلوه أي المسيح ( المسيا ) وله يكون خضوع شعوب.

كما تؤكّد هذه النبوّة على أن شيلوه أو المسيا سيأتي قبل أن يُحصر الحق في تطبيق الشريعة الموسوية بما فيها توقيع العقوبات الكبري القومية ليهوذا مباشرة.

ويسجل لنا التاريخ الكتابي أنَّ مملكة يهوذا فقدت سلطانها القومي لمدة 70 سنة أثناء السبي البابلي ( من سنة 606 إلى 537 ق م )، ولكنها احتفظت بالعصا السبطية أو الهويّة القوميّة، ولم يزول القضيب من يهوذا أثناء السبي في بابل. فقد ظلّ اليهود يحتفظون بقضائهم وسلطانهم القضائي وتطبيق شريعتهم على شعبهم حتّى وهم في السبي.(13)

وفي خلال القرون الخمسة السابقة للميلاد وقع اليهود تحت نير الإمبراطوريات الفارسية واليونانية والرومانية، مثلهم مثل بقية بلاد الشرق الأوسط، ولكنهم ظلّوا محتفظين بهويّتهم السبطيّة وحقهم في تطبيق شريعتهم، بما فيها توقيع عقوبة الموت حتى سنة 6/7ميلادية، كما يسجّل المؤرخ والكاهن والعلامة اليهوديّ يوسيفوس المعاصر لتلاميذ المسيح ( 36-100 م) في كتاباته، فبعد موت هيرودس الكبير سنة 4 ق م ملك عرش اليهودية بدلاً عنه أبنه أرخيلاوس من قبل أغسطس قيصر، ولكن اليهود لم يقبلوه مطلقًا فعُزل من وظيفته سنة 6 أو7 ميلادية ونُفي إلى فيّنا بالغال ولم يحل محله أي ملك يهودي بل تحوّلت اليهوديّة في هذا التاريخ إلى ولاية رومانيّة وحكمها أول والى رومانى اسمه Coponius من قبل الإمبراطور الروماني أغسطس قيصر "وانحصرت منطقة أرخيلاوس إلى ولاية رومانية وأُرْسل كابينوس كوالي روماني وقد وضع الإمبراطور في يديه سلطان الحياة والموت" (14)

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ

(13) Chuck Missler, The Creator Beyond Time and Space, Until Shiloh Come.

(14) Jos. Jewish Wars2:8.




ومنذ ذلك التاريخ " كان الوالي ( الروماني ) هو الممثل المباشر لقيصر ومسئولاً عن حكم الولاية... وكان هو أيضًا الحاكم المحليّ والقاضي. وكان رئيس الكهنة تابعًا له ومسئولاً أمامه عن سلوك اليهود. وكان للوالي حق تعيين رئيس الكهنة كما كان يحق له عزله. وخلال عصر الولاة استمرّ اليهود خاضعين لقادتهم كما استمرّت المحاكم اليهوديّة المسماه بالسنهدرين تؤدّي أعمالها. ولكن دائمًا تحت سيطرة الوالي الذي جرّد هذه المحاكم من سلطة الحكم علي شخص بالإعدام" (15)

فقد زال الحكم وزالت الهوية السبطية من اليهود على أيدي الوالي الروماني. ويُسجل الكاهن والمؤرخ اليهودي يوسيفوس هذه الحادثة التي تؤكّد أنَّ السنهدرين لم يكن له، في وجود الوالي الروماني، سلطة أنْ يحكم على أحد بالموت؛ " والآن عند سماع قيصر بموت فستوس أرسل البينوس (Albinus) إلى اليهودية واليًا ...وكان حنان رئيمن الكهنة مندفعا في سلوكه وظنّ أنَّ أمامه الفرصة الآن مواتية لممارسة سلطانه. فقد صار فستوس الآن ميتا وكان ألبينوس لا يزال في الطريق. ولذلك فأنّضه استدعي مجلس قضاة السنهدرين وأحضر أمامهم أخا يسوع الذي يدعى المسيح والذي اسمه يعقوب وبعض الآخرين. وعندما قدم اتهاما عليهم كخارجين عن القانون أسلمهم ليُرجموا. أمَّا الذين بدت عليهم العدالة بين المواطنين وغير المرتاحين للتعدّي على القانون فقد اعتبروا هذا عملاً كريهًا. ولذلك أرسلوا إلى الملك أغريباس مجندين له أنْ يُرسل إلى حنانيا يعزله لأنَّ ما فعله مؤخرًا لايمكن تبريره، بل أنَّ بعضهم ذهب لمقابلة ألبينوس عندما كان في رحلته من الإسكندرية وأبلغوه أنه لم يكن مخول لحنان قانونًا أنْ يعقد السنهدرين بدون موافقته.

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ

(15) عن كتاب " محاكمة يسوع المسيح" للفقيه الإنجليزي فرنك ج باول ترجمة إبراهيم سلامة. ص33.



وقد إقتنع ألبينوس بما ذكروه وكتب إلى حنان في غضب متوعدًا، أنْ يستدعيه لمعاقبنه على ما فعل، ولنفس ذلك السبب خلعه الملك أغريباس من رآسة الكهنة بالرغم من أنَّه لم يحكمْ أكثر من ثلاثة شهور وجعل يشوع بن دايميوس رئيسًا للكهنة (16).

كما سجّل التلمود ردّ فعل اليهود وحزنهم لتأكّدهم من زوال الهويّة السبطيّة من يهوذا واعتقادهم أنَّ المسيّا لم يأتِ بعد، يقول Augustin Leman في كتابه " يسوع أمام السنهدرين مسجّلاً قول الرّابّيّ راشمان Rabbi Rashman " عندما وجد أعضاء السنهدرين أنفسهم محرومين من حقهم على الحياة والموت تملّكهم رعب عام وغطوا رؤوسهم بالمسوح صائحين: ويل لنا لأن القضيب ( الصولجان ) زال من يهوذا ولم يأتِ المسيّا" (17). كانوا يصيحون في يأس وحزن في أورشليم يبنما كان المسيّا، شيلوه، الذي له القضيب والصولجان ينموا في مدينة الناصرة، يسوع الناصري، وكان يُظن أنه ابن يوسف النجار (لوقا3/23). فقد جاء شيلوه وزال الصولجان من يهوذا بعد ميلاده بالجسد بسبع سنوات.

وقد زال الحكم والصولجان من يهوذا نهائيّا بل وزالت اليهودية نفسها سنة 70م عندما دمّر الرومان أورشليم وطردوا اليهود عن الأرض فتشتتوا في العالم، وأكمل الرومان هذا الدمار والشتات سنة 132م وتغيّر اسم أورشليم إلى إيلياء.



2- الإدعاء بأن شيلوه ليس هو المسيح!!

وبرغم من هذا التفسير الواضح والجليّ وإيمان كلٍّ من اليهود والمسيحيّين بأنَّ شيلوه هو المسيح ( المسيا ) المنتظر والآتي فقد قام بعض الكتاب من الأخوة المسلمين بمحاولات كثيرة وجهود جبارة لتطبيق هذه النبوة على نبي المسلمين (18).

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ

(16) Antiq. 23:9.

(17) Chuck Misster, Until Shiloh Come & Jerusalem Talmode, Sanhedrie, filio 24.

(18) أنظر علي سبيل المثال، غير الكتب التي سنذكرها في حينها؛ كتاب " تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب " للقس إنسلم تورميدا، تقديم وتحقيق ونعليق دكنور محمود على حماية، وكتاب " أشهد للمسيح والمسيح يشهد معي...!" لأحمد أبو الخير، وكتاب حقيقة النصرانية من الكتب المقدسة لعلى الجوهري، وكتاب " محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن" المستثمار محمد عزت الطهطاوى. وذلك إلي جانب الملفات التي وضعت على شبكة الإنترنت على مواقع مثل " ابن مريم، وللمسيحيين فقط، والمسيحية في الميزان، والحوار الإسلامي المسيحي، والأجوبة الجلية في الرد على المسيحية، وAnswering Christianity، ومواقع كل من: جمال بدوي، وقيس علي، وصابر علي، وسيف الله وغيرهم!!.



· فقال الإمام شهاب الدين القرافي ( 626-684هـ) " لا يُعدم سبط يهوذا ملك مُسلط وأفخاذه بنو إسرائيل، حتى يأتي الذي له الكل "، ولم يأت من بعد الكل إلا محمد رسول الله... فيكون المراد صونا لكلام يعقوب - عليه السلام – عن الخلل" (19)!!

· وكان أول من بدأ هذه المحاولات هو أحد علماء اليهود الذين اسلموا ويُدعى عبد السلام ( في عهد السلطان بايزيد الثاني ( 886-918هـ )، وكانت ترجمته للنص هي: " لا يزول الحاكم من يهوذا ولا راسم من يين رجليه، حتى يحئ الذي له، وإليه تجتمع الشعوب ". وقال في كتابه ( الرسالة الهادية )؛ " وفي هذه الآية دلال على أن يجئ سيدنا محمد ( ص ) بعد تمام حكم موسى وعيسى، لأنَّ المراد من ( الحاكم ) هو موسى، لأنه بعد يعقوب ما جاء صاحب شريعة إلى زمان موسى إلا موسى، والمراد ( بالراسم ) هو عيسي لأنه بعد موسى إلى زمان عيسى ما جاء صاحب شريعة إلا محمد، فعُلم أنَّ المراد من قول يعقوب ( في آخر الأيام ) هو نبينا محمد عليه السلام لأنَّه في آخر الزمان بعد مضي حكم ( الحاكم ) و( الراسم ) ما جاء إلا سيدنا محمد عليه السلام "(20)!!

· وشايعه في ذلك الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه إظهار الحق (21) " لا يزول الحاكم من يهوذا ولا راسم من بين رجليه حتى يجئ الذي له وإليه تجتمع الشعوب".

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ

(19) كتاب " الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة في الرد على اليهود والنصارى" الإمام شهاب الدين القرافي دراسة وتحقيق مجدي محمد الشهاوي، ص 200.

(20) كتاب " إظهار الحق " ج 2ص 213، والبشارات، بحوث في بشارات الكتب المقدسة بالنبي محمد (ص)؛ بشارة يعقوب عليه السلام بالنبي محمد arabic.islamicweb.com/christianity/-

(21) كتاب " إظهار الحق " للشيخ رحمة الله الهندي ج 2، ص 211-214.



وقال إنما أراد بالحاكم موسى ( ع ) لأن شريعته جبرية انتقامية ومن الراسم عيسي ( ع ) لأن شريعته غبر جبرية ولا انتقامية والمراد بشيلون هو محمد ( ص )"!!

· وكانت المحاولة الثانية التي قام بها البروفيسور عبد الأحد داود ( مواليد 1867 بفارس ) وهو قسّ كلداني سابق، " الذي فسر النبوّة هكذا " أنَّ الطابع الملكي المُتنبئ لن ينقطع من يهوذا إلى أن يجيء الشخص الذي يخصُّه هذا الطابع، ويكون له خضوع شعوب ". ثم أكّد على حقيقة إيمان كلٍّ من اليهود والمسيحيّين بأنَّ شيلوه هو المسيح فقال " وبالطبع لا جدال في أنَّ كلٍّ من اليهود والنصارى يؤمنون بأنَّ هذه البركة إحدي أبرز التنبوءات المسيحانية ". ولكنه إتّخذ من عدم اعتراف اليهود بالمسيح حجّة على أنَّه ليس هو المقصود في النبوّة!! وقال " أن هذه النبوءة القديمة جدًا قد تحققت عمليًا وحرفيًا في " محمد "، فالتعابير المجازيّة مثل، الصولجان، والمشرّع هناك إجماع ببن المعلقين أو الشرّاح أنَّ ذلك معناه السلطة الملكيّة والنبوءة على التوالي"!! وأضاف زاعمًا: " ومن الواضح أنَّه ليس عيسي؛ لأنه هو نفسه رفض الفكره القائلة أنَّ المسيح الذي كان تنتظره إسرائيل كان أحد أبناء داود "!!(22) ( أنظر تعليقنا على الفقرة الأخيرة في الفصل الثامن ).

· ومن أكثر الكتاب الذين كتبوا في هذا الموضوع وصار بالنسبة له عقيده ثابتة د.أحمد حجازي السقا الذى ثأثّر بما كتبه البروفيسور عبد الأحد داود، وأخذ ما جاء في الكتاب المزّيف المدعو زورًا بإنجيل برنابا كحقيقة ثابتة برغم كل ما كتبه الكتاب المسيحيّين والمسلمين في إثبات زيف هذا الكتاب المزور والمليء بالخرافات التي تفوق خرافات ألف ليلة وليلة!!.

§ فقال في تعليقه على كتاب " الكنز المرصود في قواعد التلمود" في التوراه يقول يعقوب - عليه السلام – لبنيه: إن المُلك لن يزول منكم، وأنَّ الشريعة لن تزول منكم إلا إذا أتي " شيلون" فإنَّه إذا أتى يتسلّم الملك ويتسلّم الشريعة وتدين له أمم الأرض بالطاعة والولاء.... ومعلوم أنَّ المُلك لم يزل من اليهود إلاَّ علي يدّ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لمّا تسلّم القدس ( أورشليم ) من البطريرك " صفرنيوس " ومعلوم أنَّ النصاري شيعة من اليهود وطائفة. وعيسي – عليه السلام – هو آخر نبيّ فى إسرائيل" (23)!!

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

(22) كتاب " محمد فى الكتاب المقدّس " للبروفيسور عبد الأحد داود – ترجمة فهمي شمّا ص 79-85.





§ ونقل في كتابه " معركة هرمجدون ونزول عيسى والمهدي المنتظر بين النفي والإثبات في التوراة والإنجيل والقرآن " جملة ما كتبه عبد الأحد داود (24)!!



§ وقال في تعليقه على إحدى طبعات كتاب " إظهار الحق "؛ " أنَّ أمّة بني إسرائيل كانت ظاهرة في الأرض بملك وسلطان ولها كتاب موسى إمامًا ورحمة وقد حدث لهذه الأمة ما يحدث لسائر الأ

jesus i trust in u

فإذا يأس الإنسان من الله ...سقط في بحر الإلحاد
و إذا يأس الإنسان من الناس ..سقط في بحر العداوة و البغضة..
و إذا يأس الإنسان من نفسه ..انتهت المعركة بالاستسلام
 
قديم 06/08/2005   #2
شب و شيخ الشباب الأسمر
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ الأسمر
الأسمر is offline
 
نورنا ب:
Apr 2005
المطرح:
حمص العدية
مشاركات:
995

إرسال خطاب MSN إلى الأسمر
افتراضي


لـــــــــــــــــــــع

ما مهم
 
 


أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 08:16 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.07735 seconds with 13 queries