هي الحياة ...

أدونيس · 04/09/2005

قبل أن يبدأ الزمن وتعلن الحياة أنها ستسير ...جاء أبناء الكينونة والحياة ...واجتمعوا في الارض...
وكانوا ثمانية ....(الحب-الكره-الغدر-الخيانة-الجنون-الحقد-البراءة-العنفوان ..) وكان الحب أصغرهم..
كانوا قد ملوا من حياتهم المملة ...فقرروا أن يلعبوا لعبة الطميمة ....واختاروا الجنون ليغمض عينيه ...وهم يختبؤون ...فقبل الجنون وأغمض عينيه ...وكان شرط اللعبة أن يبتعدوا عن مكان الجنون ويختبؤوا بعيدا عنه....
وبدؤوا يختبؤون..اختبأ الكره في وكر صغير بين الأشواك والحطام المتكسر....
واختبأ الغدر تحت مياه المستنقع الراكدة...
والحقد اختبأ وراء الجدران البعيدة في عيون البوم والخفافيش....
والبراءة ..اختبأت في قطرة ندى داخل وردة بيضاء ...
والعنفوان اختار قمة الجبل ..وذهب واختبأ هناك ....
والخيانة اختبأت خلف الجنون قريبة منه بحيث لا يراها ..
أما الحب فاحتار أين يختبىء فجميع الأمكنة يكشف فيها ..فالحب يرى في كل مكان ....ولكن الجنون بدأ ينتهي من العد ..والحب لم يجد مكانا يختبىء فيه ...وما أن انتهى الجنون من العد حتى أسرع الحب واختبأ بين مجموعة من الورود والأغصان الجميلة الملونة....
وبدأ الجنون بالبحث عنهم بسرعة جنونية ..وبكل طيش ولا وعي ..وبالصدفة رأى الخيانة ..تركض مسرعة لتصل قبله وتفوز مع أنها خالفت القانون إلا أن الجنون وصل قبلها ..وقال لها ..ابتعدي عن أي شيء في حياتي ...
ثم تابع البحث...فرأى حركة بطيئة ..تحت المياه الراكدة ...فغاص ..وصعد مع الغدر ..وكشفه ..
ومع هبات الصباح الأولى سقطت قطرة الندى من الوردة البيضاء وكسرت وأمسك الجنون بالبراءة ...
وإذ بالجنون يصعد قمة الجبل وقد رأى اثار أقدام واثقة فصعد ليمسك بالعنفوان ويفوز عليه....
وبدأ الحقد يدنو شيئا فشيئا من مكان الجنون الذي بدأ فيه العد ...والجنون منهمك بالبحث عن الحب .....حتى كاد يفقد الأمل ....وقد وصل الحقد وأعلن نفسه فائزا...
لكن الجنون ..قد جن جنونه فلم يرى بعد الحب وأقسم أنه لو راه ليضربه ويؤلمه _ولم يكن يعني ذلك فقد كان كلام طيش وحسب_وما أن سمعت الخيانة أنه سيؤذيه اقتربت شيئا فشيئا من أذن الجنون وهمست له بمكان الحب ...وطار الجنون فرحا ..وانطلق نحو مكان الحب فاقترب من الأزهار وقال :اخرج أيها الحب فأنا أعرف أنك هنا ...اخرج هيا فقد كشفتك ..لكن الحب كان نائما تحت زهرة كاردينيا بيضاء ..ولم يسمع شيئا ......فأتى الحقد وأعطى الجنون شوكتين كبيرتين وقال له أدخل هاتين الشوكتين بين الأزهار كي يخاف الحب ويخرج ...وفعل ذلك الجنون ....
لكن أي مصيبة حلت ..قد دخلت الشوكتان في عيني الحب وصرخ الحب باكيا متألما وهنا انحنت الأزهار حزنا ..وظهر الحب يصرخ ويبكي ...ولكن الجنون أشفق عليه ..وقال له قل لي ماذا أفعل وأنا سأنفذ ....فجاءت البراءة ..وطببت جروح الحب ..وقال الحب للجنون ....:أنت كنت السبب في فقدان بصري ...في عماي ....أنا الان أعمى أنا الحب أعمى وعليك أنت أيها الجنون أن تقودني في طريقي مدى الحياة ...فقبل الجنون ...وقاد الحب مدى الحياة حيث شاء الجنون ......وحتى الان ....
الجنون هو قائد الحب وهو ألعوبة بيد الخيانة....