![]() |
س و ج | قائمة الأعضاء | الروزناما | العاب و تسالي | مواضيع اليوم | بحبشة و نكوشة |
|
أدوات الموضوع |
![]() |
#1 | ||||||
مشرف متقاعد
|
![]() التعتيم والتشويه الديني التاريخي لمفهوم الإلحاد جعل منه شراً و"بعبعاً" في الذاكرة الجماعيّة الشعبية، حتّى في ذهن الكثير من اللادينيين. لذلك وجدت أنه من المفيد تقديم دراسة تاريخية اجتماعيّة موجزة ومبسّطة عن هذا التيار الإنساني الفكري.
القواميس العربية المتأثرة جداً بالنظرة الإسلامية لا تعطي معنى حيادياً للإلحاد : فالإلحاد حسب المحيط هو" البعدُ عن الحقِّ والجنوح إلى الباطل والظلم". والملحد حسب محيط المحيط هو " الطاعن في الدِين أو المماري المجادل". الإلحاد atheism هي كلمة من أصل يوناني ومعناها "بدون إله" ( a = بدون و theos = إله ). وهي نظرية قائمة في أصلها على نفي ما يسمّى (الوجود الإلهي). الإلحاد ظهر على الأرجح، منذ بدء الوعي الإنساني. وأولى النظرات الإلحادية المكتوبة اكتشفت في الهند ومن ثم في اليونان : - حوالي 1000 ق.م. في إحدى الكتابات المقدسة للـ Rig-Veda الهندية نجد أولى النصوص التشكيكية التي جاء فيها : "من يعرف بالتأكيد ومن سيقول لنا من أين جاء هذا الخلق؟ ولدت الآلهة بعد وجود هذا الكون. إذاً من يستطيع معرفة من أين نشأ هذا الأخير؟ لا أحد يعرف من أين نشأ الكون ولا أحد يعرف من خلقه. وحده القابع في السماء يعرف أو لحسن الحظ، فقد لا يعرف." - حوالي 420 ق.م. ظهور النظرية المادية التي اعتمدت الذرّة كوحدة أساسية في تكوين المادّة. وذلك على يد اليوناني ديمقريطس الذي يعدّ أب الكثير من العلوم كالرياضيات والفلسفة ونظرية المعرفة epistemology. - إبيقور 341-270 ق.م. أول فيلسوف ملحد نفى الوجود الإلهي استناداً لوجود الشرّ حيث قال : " هل يرغب الإله بمنع الشرّ ولا يستطيع ؟ إذا فقدراته غير مطلقة. هل هو قادر على ذلك ولكنه غير راغب به ؟ إذا فهو سيئ النية. هل هو قادر على ذلك وراغب به ؟ إذاً ما مصدر الشرّ. هل هو غير قادر على ذلك وغير راغب به ؟ إذا لماذا نسميه رباً." - مفهوم الإلحاد استخدم قديماً لوصف كلّ من لا يؤمن بدين الأغلبية. فالمسيحيون الأوائل كانوا يعدون ملحدين لكونهم لا يؤمنون بدين الأغلبية المحيطة بهم. الفكر الإلحادي ككل الأفكار الإنسانية يمكن أن يُؤدلج ويُستخدم من قبل المتعصبين له كأداة قمع لفرض فكر معيّن على الجميع. كما حصل في النظم الشيوعية التي تحوّلت إلى نظم متحجّرة شبه دينية لا مكان فيها للحرية ولا للتعددية الفكرية ولا للنقد. الفكر الإلحادي يرفض التقديس أو الطاعة العمياء لأيّ كان. فليس عند الملحدين أنبياء ولا باباوات ولا شيوخ أو أئمة يملون عليهم فهمهم والتزاماتهم ويقيدون فكرهم ولباسهم وطعامهم ورجالهم ونسائهم بحجج دينيّة قمعيّة جامدة وغير قابلة للتطوّر، تجرّد الإنسان من حقّه في اتخاذ القرارات والخيارات المتعلقة بحياته وحرياته. لكن الإنسان عبر التاريخ حوّل بعض الأفكار الإلحاديّة وأصحابها إلى مقدسات وقديسين كما هو الحال في الديانات البوذية والجينية Jainism. حتّى الشيوعيّة التي نشدت في نصوصها اللادينية والعدل والمساواة التامين بين البشر، صارت شبه دين وتحوّل واضعيها إلى شبه أنبياء وقديسين لدى الكثير من أتباعها. الفكر الإلحادي يجد أن الفكر الديني هو فكر ميتافيزيقي نابع من جهل الإنسان وخوفه من عدم معرفته الإجابة عن أسئلته الوجودية الأزلية المقلقة كتلك التي تستفسر عن أصل الحياة ومعنى الوجود وما بعده. وهو يجد أن الفكر الديني قائم على الإيمان البحت بأساطير و"قيل وقال" تاريخي جماعي لا أساس موضوعي له. وأن الفكر الديني يجعل من الشعور والإحساس أدوات المعرفة الحقيقية على حساب العقل الذي يصفه بالقصور، غاضاً النظر عن كون الأحاسيس والمشاعر، التي يعتمد عليها في إيمانه، أكثر قصوراً وأسهل خداعاً. الفكر الإلحادي هو فكر إنساني شجاع لأنه يرفض ما لا يقنعه حتّى ولو كلفه هذا الرفض فقدان شعور السكينة والأمان التي يجدها المؤمن في إيمانه. وهو فكر شجاع لأنه يقبل مواجهة الخوف من الموت والخوف من واقع الفناء الإنساني بعده بدون أن يسعى لخداع النفس وطمأنتها بقبول أوهام حياة أخرى. الفكر الإلحادي هو فكر نزيه يرفض ادعاء معرفة ما لا يعرف. ويرفض افتراض ميتافيزيقيات لا أساس موضوعي لها ليبني عليها مبادئه وحياته. وهو فكر يقول أن ما لا نعرفه هو ما نجهله حتّى نستطيع معرفته. فلا يجب الخوف من جهلنا بل يجب البحث فيه بموضوعية وحيادية وأمانة حتّى نجد له تفسيراً علمياً معقولاً. وإذا لم نستطع معرفة هذا التفسير في حياتنا فلنعترف بكلّ تواضع وصدق بجهلنا بدلاً من خداع النفس وجرّها للإيمان بما لا يقبله العقل. الفكر الإلحادي هو فكر إنساني في مبادئه وأخلاقه لأنه يساوي بين جميع الناس في الحقوق ولا يفرّق بينهم على أساس الدين أو العرق كما تميّز الأديان بين المنتسبين لها وغيرهم. انطلاقاً من هذه المساواة بين البشر فالإلحاد يسعى لإعطاء أهمية أكبر للانتماء الإنساني وللتعايش السلمي بين البشر ولاحترام حقوق الإنسان. التوجّه الإنساني للإلحاد قائم عن قناعة واحترام راسخين للبشر أياً كانوا. و الملحد لا ينتظر مقابله أجراً ماديّاً أو سماوياً. بل أنه يعتبر أن من ينتظر أجراً لقاء أعماله ( الخيّرة) هو ليس بالضرورة إنساناً خيّراً لأنه يمكن أن يفعل ذلك لنيل الأجر السماوي وحسب، بغض النظر عن حاجة الناس له ولمساعدته. بالتأكيد ليس كلّ الملحدين جيدين وطيبين ولا كلّ المؤمنين سيئين. فالناس (الجيدين والسيئين) موجودون في كلّ الأديان والتيارات الفكرية الإنسانية. ولا يستطيع أحدها إدّعاء كياسة وحسن أخلاق كلّ المنسبين له. لذلك فلا وجود لدين أو فكر واحد يجعل المنتمين له طيّبين. بل الناس الطيبين هم من يجعلون دينهم أو فكرهم طيّباً وخيّراً ومتسامحاً. وأخيراً، الفكر الإلحادي هو فكر إنساني لأنه برفضه للميتافيزيقيات اللاعقلانية، يسعى لتحرير الإنسان من أفكار تخويف وترهيب ( إلهية) نفسية لا وجود لها إلا في عقول من يؤمن بها. وكما قال جان بول سارتر "بما أن الإله غير موجود، فمحكوم على الإنسان بالحرية". ولكن هذا الفكر لا يجبر من لا يريد هذه الحرية على إرادتها. فللإنسان مطلق الحق في اختيار معتقداته. فمن يجد ضالته وسعادته في عبودية الإله فهو حرّ ( بعبوديته) كما أن من يرفض هذه العبودية هو حرّ بحريته. ولا يحقّ لأحد فرض معتقداته على غيره. وهذا هو التسامح الذي من مصلحة جميع البشر أياً كانت معتقداتهم العمل لأجله لتوطيد الاحترام والسلام فيما بينهم. منقول بتقنية كوبي بيست ![]()
J.S: Death is the solution to all problems. No man = No problem.
|
||||||
|
|