![]() |
س و ج | قائمة الأعضاء | الروزناما | العاب و تسالي | مواضيع اليوم | بحبشة و نكوشة |
![]() ![]() |
|
أدوات الموضوع |
![]() |
#1 |
مشرف متقاعد
|
![]() ثانياً: عن أية وحدة نتكلّم؟
أضحت الصلاة من أجل الوحدة اليوم أشدّ ضرورة من السابق للضرورات التاريخية والعالمية التي أشرنا إليها الأسبوع الماضي. ولكن السؤال الثاني الذي يحتاج لتوضيح وتحديد هو "عن أية وحدة نتكلم؟" هل نتكلم عن وحدة "إدارية"، أي أن نخضع جميعنا لرئاسة ادارية واحدة؟ أم نتكلم عن وحدة "طقوس" وأن ينصهر الجميع في بوتقة واحدة من اللغات والألحان والنصوص وكل مظاهر وطقوس العبادة. .. أم نتكلم عن وحدة "إيمانية" أي أن يكون لنا المعتقد ذاته والإيمان عينه والقديسون أنفسهم... الوحدة التي نبتغيها يجب أن تكون تلك التي صلى لأجلها يسوع في صلاته الوداعية "أن يكونوا واحداً". وهي التي عبّر عنها دستور الإيمان بصراحة محدداً صفات الكنيسة الواحدة: جامعة مقدسة رسولية. فالكنيسة الواحدة هي "جامعة"، أي أنها تشمل كل الإيمان المستقيم. كلمة جامعة هنا لا تعني أبداً العدد أو الأمم، كما يظن البعض! ولكن هي عكس كلمة "هرطقة". حيث في الأصل اليوناني للكلمتين، فكلمة "katholiki" هي عكس "airesis". إن كلمة "جامعة" هي عكس كلمة "هرطقة". فالهرطقة هي الإيمان ولكن منقوص، أي مجتزأ منه. بينما كلمة كنيسة "جامعة" تعني أنها تملك: "جميع مبادئ الإيمان ومجمله" الكنيسة الجامعة هي الكنيسة التي لم يُنزع فيها من "الإيمان الجامع" أي جزء. لهذا شدّد الرب يسوع أن وحدتنا لا تعني "اتفاقية تعاون" بيننا. بل بالأصل أن نكون كما هو والآب واحد"! فإذا اتفقت كنيسة مع أخرى ولكن "كما هو والآب " فهؤلاء وإن اجتمعوا لا يشكلون الكنيسة الجامعة. لابد لنا هنا أن نعترف، وبتواضع وبدون مزاودات من الواحد تجاه الآخر، أنه بيننا فروقات عديدة في تفسير الإيمان وتحديد صيغه. لكن من الواضح والأكيد أن بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية خاصة، الأسس الإيمانية ذاتها. وهي العقائد السليمة، ورسولية الكهنوت، وبنية الكنيسة. وهذا ما يجعل إمكانية توحيد التفسيرات اللاهوتية ممكنة وبسهولة. إن الحوارات بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية بحاجة لتطوير وتسريع ونؤمن بذلك من خبرة الحوار هذا ذاته. لقد دلّت السنوات الماضية أن المحاولات السابقة كانت ناجحةً جداً. وعلى سبيل المثال لا التحديد، فإن الخلاف الأساسي والمباشر الذي أدّى إلى الشقاق (1054م) بين الأرثوذكس والكاثوليك، وهو مسألة انبثاق الروح القدس، قد انحل اليوم بفضل الحوارات الكنسية. وصار من المعترف به شرقاً (أرثوذكسياً) وغرباً (كاثوليكياً) أن الروح القدس منبثق من الآب وليس من الآب والابن. ولقد بدأت الكنيسة الكاثوليكية باستخدام هذه العبارة "المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن" في دستور الإيمان. إذن الحوار حول تعابير الإيمان هو أمر ضروري جداً ومجدي. "الوحدة الإيمانية" هي بالنهاية ممكنة ولا يوجد لقاء وحوار غير نافع. لكن هذه الوحدة الإيمانية لا تلغي التعددية الفكرية والثقافية. فلسنا مضطرين على استخدام لغة واحدة مثلاً. فلا اللغة العربية ولا السريانية ولا الأرمنية ولا اللاتينية ولا اليونانية هي لغة الفردوس. لغة الفردوس هي "الصمت" كما يقول القديس اسحق السرياني. الوحدة لا تعني انصهار قومي أو حتى فكري. إن تعدد الثقافات هو غنى للفكر المسيحي وليس خ لافاً. العبادة هي غير الطقس. ولذلك نحن نفرح بأن يحافظ الأرمن مثلاً على لغتهم كما السريان.. ويمكننا أن نكون واحداً -ويجب -دون اعطاء أهمية للطقوس المختلفة. الطقوس واللغات والآداب المسيحية المتنوعة من كل الحضارات التي تمسحنت، آمنت بالمسيح، سوف تتناغم عندما سندخل في الشركة بالإيمان الواحد. الأمر الآخر الذي يجب ألا نتغاضى عنه، لا بل أن نستفيد منه، هو الفرق في الخلفية الفكرية بين المسيحية الشرقية- الأرثوذكسية والمسيحية الغربية- الكاثوليكية. وهذا الفرق كما يمكنه أن يكون -وكان- سبباً للخلاف يمكنه بالوقت ذاته أن يصير سبباً للوحدة. فما هو بارز وحي في الكنيسة الشرقية من روحانية وتشديد على الحرية الإنسانية والمحبة الإلهية، يمكنه أن يكون هدية الحوار للكنيسة الغربية. وما ينقصنا في كنيستنا من تنظيم وفكر قانوني وترتيب يصير هدية من الكنيسة الغربية لنا في الحوار. لعل الصورة التي تطمح إليها كنيستنا الشرقية الأرثوذكسية تتحقق تماماً عندما نضيف إلى واقعنا الإيماني والإداري بعض الميزات الناجحة في الكنيسة الغربية. فإذا كانت الطريقة الشرقية تختص أكثر في القلب، والطريقة الغربية تميل أكثر إلى العقل، فإننا نؤمن أن جمع الخبرتين يعطي الصورة الأمثل. ما لدينا ليس منا وليس لنا، وما لدى غيرنا ليس له. كل الخبرات البشرية هي عطية إلهية للجميع. لذلك لا فضل لأحد بما لديه، بدءاً من كنيستنا الأرثوذكسية. الفضل هو للتواضع الذي يعطي دون منّة ويأخذ دون خجل. وحدتنا هي "اتحادنا". أي عيشنا مع بعضنا في وحدة إيمانية وأسرارية، في "شركة القديسين" - الكنيسة الواحدة. وهذا الإتحاد ليس "تجمعاً" بل وحدةً في تعدد. ما هو واحد هو إيماننا وأسرارنا وكهنوتنا وما هو متعدد هو لغاتنا وآدابنا وتآليفنا وموسيقانا.. إذن هذه الوحدة التي نصلي، ونصلي من القلب لأجلها، هي وحدة في تعدد، وتعدد في وحدة وهي بذلك تتطلب إذن قبل كل شيء أن نكون الآن واحداً على أمرين. الأول "الرغبة الحقيقية" والثاني هو "الاحترام الحقيقي". أن نرغب فعلاً، لا يعني فقط أن نريد ونحاول من أجل الحوار. بل يعني تماماً أن نشعر بأعمق أن الانقسام خطيئة منا في حق الرب يسوع. خطيئة تستدعينا للقلق والتوبة. وأن نحترم فعلاً لا يعني فقط أن نتقبّل الآخر، بل أن نؤمن أنه هو هو وله الحق أن يوجد، وأن الحوار لا يسلك طرقاً غير شرعية وفيها من السياسة أكثر مما فيها من المحبة. عدم الاحترام، وبالعمق، لن يسمح للواحد أن يسمع الآخر. الحوار لا ينجح دون الاطمئنان. إذن لابد من اللقاء في صراحة الروح، في الكلام والاصغاء، في الأخذ والعطاء. أن نلتقي لا يعني أن نجتمع فقط، أن نلتقي يعني أن "يرى" الواحد منا الآخر. أن يرى فعلاً ماذا يقصد وفعلاً ماذا لديه! أن يحب أن يراه، أن يحب أن يرى غناه. أن نلتقي لا يعني أبداً أن نموّه أو نخلط، هذا لن يجمعنا هذا سيعيدنا إلى الفراق. أن نلتقي يعني أولاً أن يفهم الأول الثاني، ثم أن يتناقشان، بكلام الأخوة و"أبناء العلي" وخدام الجسد الواحد، فيما هو مشترك وما هو متنوع لما فيه بناء جسد المسيح. وماذا إلى أن تتم هذه الوحدة؟ آه وكم من خيبات الأمل أصابتنا؟ وربما سنصاب بغيرها أيضاً! لكننا سنصلي ونرجو ونأمل. إن خطايانا (التي تثبت الشقاق) تستدعي الإلحاح في الصلاة أكثر، ولن تجعلنا نتراجع. نتوقّع أن نتعثّر ولكن لن نتوقف. العثرة هي في طبيعة الطريق، ولكن الروح الذي يعمل فينا هو "روح نجاح وليس روح فشل". آمين. بولــــس متروبوليت حلب والاسكندرون وتوابعهما يتبع |
![]() |
![]() ![]() |
|
|