الموضوع: أسبوع وكاتب - 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 25/07/2008   #242
شب و شيخ الشباب suryoyo
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ suryoyo
suryoyo is offline
 
نورنا ب:
Dec 2005
المطرح:
اطلال المدينة الفاضلة
مشاركات:
5,118

افتراضي


تتراوحان: فللرداء يد وللعبء الثقيل

يد، وأعناق الطيور مرنحات من خطاه

تدمي كأثداء العجائز يوم قطعها الغزاه

خطواته العجلي، وصرخته الطويلة ""يا طيور

هذي الطيور، فمن يقول تعال...""

أفزعها صداه

وتحسسته كأن باصرة تهم ولا تدور

في الراحتين وفي الأنامل وهي تعثر بالطيور،

وتوسلته: ""فدى لعينك - خلني. بيدي أراها"".

ويكاد يهتك ما يغلف ناظريها من عماها

قلب تحرق في المحاجر واشرأب يريد نور!

وتمس أجنحة مرقطة فتنشرها يداها،

وتظل تذكر - وهي تمسحهن - أجنحة سواها

كانت تراها وهي تخفق... ملء عينيها تراها:

سرب من البط المهاجر، يستحث إلى الجنوب

أعناقه الجذلى... تكاد تزيد من صمت الغروب

صيحاته المتقطعات، وتضمحل على السهوب

بين الضباب، ويهمس البريد بالرجع الكئيب

ويرج وشوشة السكون

طلق... فيصمت كل شيء... ثم يلغط في جنون.

هي بطة فلم انتفضت؟ وما عساها أن تكون؟

ولعل صائدها أبوك، فإن يكن فستشبعون.

وتخف راكضة حيال النهر كي تلقى أباها:

هو خلف ذاك التل يحصد. سوف يغضب إن رآها.

مر النهار ولم تعنه... وليس من عون سواها

وتظل ترقى التل وهي تكاد تكفر من أساها.

يا ذكريات علام جئت على العمى وعلى السهاد؟

لا تمهليها فالعذاب بأن تمري في اتئاد.

قصي عليها كيف مات وقد تضرّج بالدماء

هو والسنابل والمساء -

وعيون فلاحين ترتجف المذلّة في كواها

والغمغمات: ""رآه يسرق""... ""واختلاجات الشفاه

يخزين ميتها، فتصرخ يا إلهي، يا إلهي

لو أن غير ""الشيخ""، وانكفأت تشد على القتيل

شفتين تنتقمان منه أسى وحبا والتياعا

وكأن وسوسة السنابل والجداول والنخيل

أصداء موتى يهمسون رآه يسرق في الحقول

حيث البيادر تفصد الموتى فتزداد اتساعا

وتحس بالدم وهو ينزف من مكان في عماها

كالماء من خشب السفينة، والصديد من القبور،

وبأدمع من مقلتيها كالنمال على الصخور

أو مثل حبات الرمال مبعثرات في عماها

يهوين منه إلى قرارة قلبها آها فآها.

ومن الملوم وتلك أقدار كتبن على الجبين؟

حتم عليها أن تعيش بعرضها، وعلى سواها

من هؤلاء البائسات وشاء رب العالمين

ألا يكون سوى أبيها - بين آلاف - أباها

وقضى عليه بأن يجوع

والقمح ينضج في الحقول من الصباح إلى المساء

وبأن يلص فيقتلوه... (وتشرأب إلى السماء

كالمستغيثة وهي تبكي في الظلام بلا دموع)

والله - عز الله - شاء

أن تقذف المدن البعيدة والبحار إلى العراق

آلاف آلاف الجنود ليستبيحوا، في زقاق

دون الأزقة أجمعين

ذاك اسم جارتها الجديد، فليتها كانت تراها

هل تستحق اسما كهذا: ياسمين وياسمين؟

يا ليت حمالا تزوجها يعود مع المساء

لكن بائسة سواها حدثتها منذ حين

عن بيتها وعن ابنتيها، وهي تشهق بالبكاء

كالغيمة السوداء تنذر بالمجاعة والرزايا،

أزراره المتألقات على مغالق كل باب

مقل الذئاب الجائعات ترود غابا بعد غاب

وخطاه مطرقة تسمر، في الظلام، على البغايا

أبوابهن، إلى الصباح - فلا تجاهر بالخطايا

ويظل يخفرهن من شبع وينثر في الرياح

أغنية تصف السنابل والأزاهر والصبايا،

وتظل تنتظر الصباح وساعديه مع الصباح

تصغى - وتحتضن ابنتيها في الظلام - إلى النباح

وإلى الريح تئن كالموتى وتعول كالسبايا

وتجمع الأشباح من حفر الخرائب والكهوف

ومن المقابر والصحاري بالمئات وبالألوف..

فتقف من فزع وتحجب مقلتيها بالغطاء،

ويعود والغبش الحزين يرش بالطل المضاء

سعف النخيل... يعود من سهر يئن ومن عياء

- كالغيمة اعتصرت قواها في القفار، وترتجيها

عبر التلال قوي تجوع - لكي ينام إلى المساء:

عيش أشقّ من المنيّة، وانتصار كالفناء

وطوى يعب من الدماء وسمّ أفعى في الدماء

وعيون زان يشتهيها، كالجحيم يشعّ فيها

سخر وشوق واحتقار، لاحقتها كالوباء

والمال يهمس أشتريك وأشتريك فيشتريها

يا ليتها إذن انتهى أجل بها فطوى أساها!

لو أستطيع قتلت نفسي.. همسة خنقت صداها

أخرى توسوس: والجحيم؟ أتبصرين على لظاها؟

وإذا اكفهر وضاق لحدك، ثم ضاق، إلى القرار

حتى تفجر من أصابعك الحليب رشاش نار

وتساءل المكان فيم قتلت نفسك يا أثيمه؟

وتخطفاك إلى السعير تكفرين عن الجريمه.

أفتصرخين أبي فينفض راحتيه من الغبار

ويخف نحوك وهو يهتف قد أتيتك يا سليمه؟

حتى اسمها فقدته واستترت بآخر مستعار

هي - منذ أن عميت - ""صباح""...

فأي سخرية مريره!

أين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار

وبلا كواكب أو شموع أو كوى وبدون نار؟

أو بعد ذلك ترهبين لقاء ربك أو سعيره؟

القبر أهون من دجاك دجى وأرفق، يا ضريره

يا مستباحة كالفريسة في عراء يا أسيره

تتلفتين إلى الدروب ولا سبيل إلى الفرار؟

وتحس بالأسف الكظيم لنفسها: لم تستباح؟

ألهر نام على الأريكة قربها... لم تستباح؟

شبعان أغفى، وهي جائعة تلم من الرياح

أصداء قهقهة السكارى في الأزقة، والنباح

وتعد وقع خطى هنا وهناك: ها هو

هو ذا يجيء - وتشرئبّ، وكاد يلمس ... ثم راح

وتدقّ في أحد المنازل ساعة... لم تستباح؟

الوقت آذن بانتهاء والزبائن يرحلون.

كالدرب تذرعه القوافل والكلاب إلى الصباح؟

الجوع ينخر في حشاها، والسكارى يرحلون،

مروا عليها في المساء وفي العشية ينسجون

حلما لها هي والمنون:

عصبات مهجتها سداه وكل عوق في العيون،

والآن عادوا ينقضون -

خيطا فخيطا من قرارة قلبها ومن الجراح -

ما ليس بالحلم الذي نسجوا ما لا يدركون ...

شيئا هو الحلم الذي نسجوا وما لا يعرفون،

هو منه أكثر: كالحفيف من الخمائل والرياح،

والشعر من وزن وقافية ومعنى، والصباح -

من شمسه الوضاء... وانصرفواسكارى يضحكون!

ستعيش للثأر الرهيب

والداء في دمها وفي فمها. ستنفث من رداها

في كل عرق من عروق رجالها شبحا من الدم واللــهيب

شبحا تخطف مقلتيها أمس، من رجل أتاها

سترده هي للرجال، بأنهم قتلوا أباها

وتلقفوها يعبثون بها وما رحموا صباها،

لم يبتغوها للزواج لأنها امرأة فقيره،

واستدرجوها بالوعود لأنها كانت غريره،

وتهامس المتقولون فثار أبناء العشيره

متعطشين - على المفارق والدروب - إلى دماها.

وكأن موجة حقدها ورؤى أساها.

كانت تقرب من بصيرة لبها صورا علاها

صدأ المدينة وهي ترقد في القرارة من عماها:

كل الرجال؟ وأهل قريتها؟ أليسوا طيبين؟

كانوا جياعا - مثلها هي أو أبيها - بائسين،

هم مثلها - وهم الرجال - ومثل آلاف البغايا

بالخبز والأطمار يؤتجرون، والجسد المهين

هو كل ما يتملكون، هم الخطاة بلا خطايا

ليس الذين تغصبوها من سلالة هؤلاء:

كانوا مقطبة الجباه من الصخور

ثمتص من فزع الضحايا زهوها ومن الدماء

متطلعين إلى البرايا كالصواعق من علاء!

وتحس، في دمها، كآبة كل أمطار الشتاء

من خفق أقدام السكارى، كالأسير وراء سور

يصغي إلى قرع الطبول يموت في الشفق المضاء.

هي والبغايا خلف سور، والسكارى خلف سور،

دميت أصابعهن: تحفر والحجارة لا تلين،

والسور يمضغهن ثم يقيئهن ركام طين:

وطلول مقبرة تضم رفات ""هابيل"" الجنين!

سور كهذان حدثوها عنه في قصص الطفوله:

""يأجوج"" يغرز فيه، من حنق أظافره الطويله

ويعض جندله الأصم، وكف ""مأجوج"" الثقيله

تهوي، كأعنف ما تكون على جلامده الضخام.

والسور باق لا يثل... وسوف يبقي ألف عام،

الطفل شاب وسورها هي ما يزال كما رآه

من قبل يأجوج البرايا توأم هو للسعير!

لص الحجارة من منازل في السهول وفي الجبال

يتواثب الأطفال في غرفاتها ويكركرون...

والأمهات يلدن والآباء للغد يبسمون،

لم يبق من حجر عليها فهي ريح أو خيال.

وأدار من خطم البلاد رحى، وساط من البطون

ما ترتعيه رحاه من لحم الأجنة والعظام،

وكشاطئين من النجوم على خليج من ظلام

يتحرقان ولا لقاء ويخمدان سوى ركام -

شق الرجال عن النساء سلالتين من الأنام

تتلاقيان مع الظلام وتفصلان مع الشروق:

لو يقطعون الليل بحثا والنهار - على سواها

في حسنها هي؟ في غضارة ناهديها أو صباها

وبسعرها هي ؟ أي شيء غير هذا يبتغون؟

عمياء أنت وحظك المنكود أعمى يا سليمه.

وتلوب أغنية قديمه

في نفسها وصدى يوشوش: يا سليمه، سليمه

نامت عيون الناس. آه... فمن لقلبي كي ينيمه؟

ويل الرجال الأغبياء، وويلها هي، من عماها!

لم أصبحوا يتجنبون لقاءها؟

عيونها، فيخلفوها وحدها إذ يعلمون

بأنها عمياء؟ فيم يكابرون ومقلتاها

أدري وتعرف أي شيء في البغايا يشتهون

بنظرة قمراء تغصبها من الروح الكسيره

لترش أفئدة الرجال بها، وكانوا يلهثون

في وجهها المأجور، أبخرة الخمور، ويصرخون

كالرعد في ليل الشتاء

ولعل غيره ""ياسمين"" وحقدها سبب البلاء

فهي التي تضع الطلاء لها وتمسح بالذرور

وجها تطفأت النواظر فيه....

كيف هو الطلاء؟

وكيف أبدو؟

- وردة ... قمر... ضياء!

زور.. وكل الخلق زور،

والكون مين وافتراء

لو تبصر المرآة - لمحة مقلتيها - لو تراها

- لمح النيازك - ثم تغرق من جديد في عماها!

برق ويطفأ... ثم تحكم فرقها بيد، وفاها

بيد، وترسم بالطلاء على الشفاه لها شفاها

شفتاك عارية وخدك ليس خدك يا سليمه،

ماذا تخلف منك فيك سوى الجراحات القديمه؟

وتضم زهرة قلبها العطشى على ذكرى أليمه:

تلك المعابثة اللعوب... كأنها امرأة سواها!

كالجدولين تخوض ماءهما الكواكب - مقلتاها،

والشعر يلهث بالرغائب والطراوة والعبير

وبمثل أضواء الطريق نعسن في ليل مطير،

تقتات بالعسل النقي وترتدي كسل الحرير.

ليت النجوم تخر كالفحم المطفأ والسماء

ركام قار أو رماد، والعواصف والسيول

تدك راسية الجبال ولا تخلف في المدينة من بناء!


أدعى الناس الى الشفقة ذلك الي يحول أحلامه الى الفضىة و الذهب.. جبران خليل جبران

اذا كان العالم اشتراكيا بالفطرة و رأسماليا بالفطرة و ربما قوميا بالفطرة ... فهل يا ترى كان رجعيا بالفطرة ؟

لن نبق اسرى الماضي ...
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.09931 seconds with 11 queries