عرض مشاركة واحدة
قديم 14/11/2007   #18
شب و شيخ الشباب فاوست
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ فاوست
فاوست is offline
 
نورنا ب:
Jul 2006
المطرح:
في وطني السليب
مشاركات:
655

افتراضي


فلننقل هنا رواية السجين السابق في صيغة المتكلم:
" ساد ما يشبه الإجماع بيننا، نحن نزلاء غرفة السجن، على أن هذا الرجل ليس سوى مخبر هدفه الإيقاع بنا وامتحان نوايانا، فقررنا التزام الصمت ازاء كل ما يصدر عنه. فالذين خبروا تجربة السجن في سوريا يعرفون مثل هذه الحيل التي تستخدمها الاستخبارات عبر دس المخبرين بين المساجين بهدف الإيقاع بهم. ظللنا على هذه الحال من الشك في هوية الرجل حتى جاءنا الخبر اليقين من إخوان لنا أصحاب ثقة، ومما عرفته انا وزملائي في الزنزانة عن هذا الرجل، انه شيخ جليل من مشايخ الدعوة المشهود لهم بالاخلاص والورع والتقوى.
بددت المعلومات الجديدة عن شيخنا شكوكنا من غير ان يحضّنا ذلك على الأقلاع عن تحفظنا حيال ما يقوله، فقررنا التزام الصمت وعدم التعليق سلبا أو إيجاباً. فاذا كان صحيحا ان شيخنا لا يرمي من حديثه الإيقاع بنا، فان هذا لا يمنع ضرراً مؤكداً سوف يلحق بنا جراء ما يتلوه على مسامعنا. فما يرتكبه سجين في غرفة تحوي أربعين غيره لا يرتد عليه وحده، بل على الجميع، لاسيما حين يكون الخطأ بالحجم الذي يرتكبه شيخنا.
لكننا عزمنا اخيراً على تحذير الشيخ من خطورة ما يدعو اليه وعواقبه الوخيمة عليه وعلينا نحن نزلاء الغرفة نفسها، فأذهلنا تشبثه بدعوته وعدم اكتراثه بالعواقب. ولا انكر ان موقفه هذا أثر فينا جميعاً نحن اسلاميو الغرفة، فامتلأنا في سرنا احتراماً له على شجاعته التي بدت لنا أسطورية مقارنة بضعفنا وخوفنا القاتل من تجاوز أدنى ممنوعات السجن شأناً، فكيف بالتجرؤ على الحديث في كبائر محرمات السجن، ألا وهو الحديث عن واجب الجهاد؟ قابل الشيخ كل تهويلاتنا عن العواقب المحتملة بالقول "أن من يخشى الله لا يخشى عباده". ومما قاله أيضاً ان دلائل تسديد الله دعوته تظهر في صونه من هؤلاء (يقصد الاستخبارات ) وإغشاء أبصارهم وأسماعهم عما يقوم به.
لم يحل إعجابنا بالشيخ دون التعاطي مع ما يقوم به على انه أشبه بأفعال التهور التي لا طائل منها. حتى ان بعضنا رجح ان يكون الرجل قد فقد عقله واصابه خلل ذهني جراء أعوام السجن الطويلة وقسوة التعذيب، شأن كثيرين من السجناء الذين لم يخرجوا من السجن إلا حاملين عاهة نفسية أو بدنية أو العاهتين معاً.
لم تنفع كل محاولاتنا في ردع الشيخ عن مواصلة دعواه. ولما كنا سجناء لا أمل في خروجنا قريباً من سجننا، بدت لنا دعوة الشيخ عبثية لا طائل منها سوى التسبب ببعض المضايقات الإضافية لنا من السجانين الذين يتحينون الفرصة لتأديب واحدنا وإذلاله والحاق الألم بجسده.
أكثر ما لفتنا وقتها هو ان شيئاً من الذي خفنا منه لم يحصل. فلا الشيخ استدعي الى التحقيق بسبب ما يقول، وما من احد من نزلاء الغرفة تلقى عقوبة على ذلك، وهذا أمر كان بديهياً حصوله قبل أشهر قليلة. إزاء ذلك راح بعض من في الغرفة يبدي تجاوباً مع كلام الشيخ ولا سيما ان معظم نزلاء الغرفة كانوا من الإسلاميين الذين يلقى الكلام على الجهاد في نفوسهم صدى كبيراً. لم تمر أيام طويلة حتى رحت أشهد حصول حقائق جاءت وكأنها مصداق لنبوءة شيخنا عن تسديد الله خطاه وحمايته من الاستخبارات وبطشهم. مرة صودف مرور أحد السجانين امام الغرفة في اثناء كلام شيخنا من غير ان يترتب على هذا أي إجراء تأديبي. لا أزال أذكر يومها كيف أصابني الذهول من هذا المشهد وظللت أشكك في صحة ما رأيت إلى ان تكرر الأمر أمامي أكثر من مرة وتأكدت من صحة تغاضي السجانين عن ما يسمعونه من الشيخ. حينها أدركت ان اموراً كبيرة تبدلت في السجن من غير أن أتمكن من معرفة سببها.
يومها لم يعنيني كثيراً سبب هذا التبدل، فما كان يعنيني هو سقوط واحد من محظورات السجن وأخطرها، وهذا ليس بالشيء القليل لسجين محاصر على مدار الساعة بالمئات من أصناف المحظورات. وأذكر أنني كلما سألت نفسي وقتها عن السبب (سبب تساهل السجانيين وتغاضيهم عن كلام الشيخ) كانت تتردد في مسامعي كلمات الشيخ عن تسديد الله خطاه في دعواه هذه، فكان أسهل علي يومها أن أصدق كلام الشيخ على أن أفكر بأسباب هذا التبدل وأهدافه الخفية"

الحرية لسوريا من الإحتلال الأسدي
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05028 seconds with 11 queries