الموضوع: أسبوع وكاتب - 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 23/06/2008   #185
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


يزعم بعض المؤرّخين أن صوفيا عرفت أن تولستوي سينتهي به المطاف إلى شاماردينو! ويزعمون أن الدكتور سيرجي ماكوفيتسكي طبيبه وصديقه ومرافقه، هو الذي أرسل إليها سراً ببرقية أطلعها فيها على خطط زوجها! لكن ماكوفيتسكي قد كذّب هذه المزاعم في حوارٍ له مع أحد الصحفيين فيما بعد.أما البرقية التي أُرسلت من مزرعة إيزيانا/ بوليانا إلى شاماردينو فلا يزال نصها الأصلي، بخط صديقة الأسرة (فارفارا فيوريتوفا) محفوظة حتى يومنا هذا في متحف آثار تولستوي في مزرعة إيزيانا/ بوليانا، وقد جاء نصّها على لسان ابنه إيليا تولستوي نيابةً عن إخوته وأخواته.
ويقول فيها: «إننا نعرف يا أبي. كم كانت الحياة قاسية عليك هنا في إيزيانا/ بوليانا! ولكن ألا تدرك يا والدي العزيز أنك جعلت من حياتنا بدونك جحيماً لا يرحم؟! فأنت تعرف كم نحبك، ونخشى عليك متابعة الرحيل في شهور الشتاء! كأنك يا أبتي قد نسيت أنك في الثانية والثمانين من عمرك! إن أمي حزينة من أجلك، وكما تعرف، أنها في السابعة والستين من عمرها! وإنه لمن واجبنا أن نحميك من عنادك وإصرارك على متابعة الهرب الذي سيسرع بأمنا العزيزة إلى قبرها! واعلم يا أبتي أنه إذا حدث وماتت أمنا بسبب هذا العناد، فستغدو مسؤولاً أمامنا وأمام التاريخ! وقبل هذا وذاك أمام الله! عن هذا الخطأ•• الذي يصل إلى حد الجريمة! وقد اعترض بعض الإخوة على ما كتب إيليا لأبيه بتحريضٍ من أمه! فتراجع عن بعض السطور خوفاً من حكمٍ قاس بالعقوق يصدره عليه التاريخ...

وكتب: «إنني لا أدينك يا أبي. ولكنني أتوسل إليك أن تكون رحيماً بأمنا، فإن حالتها بعد الذي فعلته! لتدعو إلى الحزن والأسى!
التوقيع: أبناؤك المحبون».

وأصرّت صوفيا أن تكتب، بخطٍ مرتعش وفي صوت باكٍ، وهي تردد الكلمات التي تسطرها على الورق:

حبيبي ليوفوتشكا! على صدر من تضع رأسك الأشيب المحبوب؟! على صدر غير صدر حبيبتك، التي تفتديك بروحها؟ على صدر غير صدر صوفيا؟!
وقد وجدت رسالةٌ ـ في متحف تولستوي ـ كتبتها صوفيا إلى زوجها نكتفي منها بالعبارات التالية:
«ليوفوتشكا.. حبيبي.. عد إلى عشك يا عصفوري الجميل.. أنقذني من الانتحار.. فهذا هو مصيري إذا لم تعد.. لماذا تفرّ مني يا ليوفوتشكا؟!.. تفرُّ من رفيقة العمر كله؟! عُد.. ستجدني دائماً كما كنت.. سأكون طوع بنانك.. سأتنازل عن كل مظاهر الثراء والرفاهية.. أصدقاؤك سيصبحون أصدقائي،
سأكف عن التدخل في عملك وسؤالك عن أفكارك السياسية والدينية.. يا حبيبي ليوفوتشكا.. أعرف أن لك آراءك الخاصة في شأن التقاليد الأرثوذكسية.. ومع هذا فأنت تؤمن مثلي بالأساسيات والثوابت..
ألا يقول الإنجيل إنه لا يجب على الرجل أن يهجر زوجته؟!
عُد يا ليوفوتشكا، فلا حق لأحد غيري في إسبال جفنيك لحظة موتك..
ولا حق لغيرك في إسبال جفني حين يأتي أجلي!! ليوفوتشكا.. أين أنت؟! هل صحتك على ما يرام؟! بحق السماء ابعث لي ولو كلمة تدخل الطمأنينة إلى قلبي.. أبناؤنا كلهم حولي.. ولكنهم أعجز من أن يمنحوني لحظة واحدة من الطمأنينة والأمن وأنت بعيد عني.. أنت وحدك قادر على ذلك.. عُد يا حبيبي..».

ولم تنس صوفيا تهديدها له بالبحث عنه، إذ اختتمت رسالتها بالقول:

«إلى اللقاء يا حبيبي! فلن أكف أبداً عن البحث عنك وإعادتك إلى إيزيانا/ بوليانا».
حبٌ عجيب! حب الأنانية المفرطة! حب الاستحواذ المريض! بعد أن أخذت ساشا عهداً من أمها، بعدم اللحاق بها فيما لو ذهبت إلى مدينة شاماردينو للوقوف على أحوال أبيها، فوجدت صوفي أن في ذلك خطوة أولى تمهد لها الاتصال بعزيزها ليو.. وفي شاماردينو التقت ساشا بوالدها الذي كان تسلّم برقية ابنه إيليا، وكذلك قرأ خطاب زوجته••

ولأول مرة في تاريخ علاقتها بأبيها، تتحدث إليه في شيءٍ من التأنيب إذ قالت له: ـ أبتي، كلهم يجمعون على أنك ترتكب خطأً كبيراً في حق أُمنا، أيسعدك أن يحدث لها مكروه بسبب ما تفعل؟!»
ـ بل يتعسني كثيراً يا ساشا! ويتعسني أكثر أنك غيّرتِ من وجهة نظرك تجاهي! ألم تكوني تباركين مشروعي هذا؟!
ـ بلى يا أبي، ولكن لم أتصور أن يكون رد فعل والدتي بهذا الشكل المأساوي!
ـ كيفما كان الأمر يا ابنتي، فلم يعد في مقدوري أن أفعل غير ما فعلت! وسأحزن كثيراً إذا أصاب صوفيا أي مكروه بسببي!
ـ أبتي•• لو اتخذت القرار من تلقاء نفسك، وتعود إلى مزرعتك•• فتقارير الأطباء كلها تؤكد حاجتك إلى رعاية صحية مكثفة في إيزيانا/ بوليانا وقد تكون عودتك مصدر سعادةٍ للجميع، بعد أن تعلّمت والدتي الدرس وأدركت حجم الكارثة فيما لو ظللت في الوضع الذي أنت عليه الآن..!!
ـ «لعلك على حق في هذا يا ساشا! ولكن مجرّد عودتي على أي وضع سيقتلني الإحساس القاسي بالهزيمة النفسية!
ـ كلا يا ساشا، لن أعود حتى لو أجمع كل أطباء الدنيا على حاجتي إلى العودة إلى إيزيانا/ بوليانا! وقبل أن يخلد إلى النوم وجد نفسه مدفوعاً إلى كتابة الخطاب التالي:
«صوفيا حبيبتي، لن أعود! ولن أخبرك بالمكان الذي سأذهب إليه! وعليك يا رفيقة العمر أن تتعايشي مع الحقيقة الجديدة، وهي أن ليو تولستوي قد خرج من إيزيانا/ بوليانا إلى الأبد! لا تظني أبداً أنني فعلت ذلك لنقصٍ في حبي إليك! كلا! يعلم الله أن زهرة حبك في قلبي لا تزال نضارتها منذ رأيتك لأول مرة! إنني لم أغادر إيزيانا/ بوليانا إلا للإبقاء على نضارة زهرة حبنا! بحق السماء ألا تفهمين هذا يا صوفيا؟! وداعاً يا حبيبتي! وليرعاك الله، وليكن في عونك!••».

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05397 seconds with 11 queries