عرض مشاركة واحدة
قديم 22/09/2007   #5
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي كيف الطقس اليوم؟؟ 2


تتمة

بدأنا من الطقس وانتهينا إلى الحكومة. هل يمكن للحكومة أن تخطر على البال إذا كان الحديث يدور عن الطقس؟ أترى من أين وإلى أين؟‏

ـ إن الحكومة عاجزة عن إدارة الأمور، أليس كذلك يا سيدي؟‏

بما أن الأمور وصلت إلى الحكومة، لم أجبه حتى بنعم هذه المرة. الطقس... فهمنا، والماء... فهمنا أيضاً، ولكن ما شأننا بالحكومة؟ التزمت الصمت، لكن الرجل لكز خاصرتي وصرخ قائلاً:‏

ـ أليس كذلك؟‏

ـ نعم.‏

ذلك أنه سيلكزني ثانية إذا لم أرد عليه.‏

ـ الأسعار ترتفع باطراد. ماذا سيحل بهذا الشعب؟‏

كان بوسعي أن أقول له: لا، الأسعار لا ترتفع، بل تنخفض يوماً بعد يوم". لكن ذلك يقتضي طق الحنك مع الرجل. قلت له بهدف التخلص منه:‏

ـ نعم.‏

ـ سوف ننتهي إلى وضع كارثي.‏

إنه يفاقم من خطورة الكلام باطراد. التزمت الصمت بلا مبالاة، فقال:‏

ـ أليس كذلك يا سيدي؟‏

تابعت تجاهلي فلكزني مرة أخرى، فقفزت من مكاني وأنا أطلق أنّة.‏

ـ أليس كذلك يا سيدي؟‏

ـ نعم.‏

إذا لم أرد على سؤاله فسوف يوجه لكمة إلى أنفي ويسألني: "أليس كذلك؟". انتباهي منصرف إلى الخارج من خلال النافذة. لكننا لم نصل بعد إلى محطة حيدر باشا، حتى أنزل من القطار وأتخلص من الرجل.‏

تمادى الرجل وتمادى حتى تجاوز كل الحدود، ومن حين لآخر أردت أن أجيبه بـ"لا"ـ لكن ذلك يعني الدخول معه في جدال بين نعم ولا، في حين أنني لست بوارد جدال من هذا النوع.‏

يحكي ويحكي ويحكي، ثم يسألني:‏

ـ أليس كذلك يا سيدي؟‏

فإذا التزمت الصمت لكزني فأطلقت أنّة وملت جانباً، وقد حشرني الرجل لُصق النافذة فلم يعد بإمكاني أن أهرب وأنجو بجلدي. لم يبق أمامي إلا القفز من النافذة.‏

الرجل يحكي بلا توقف، ثم يضرب بيده على ركبتي ويسألني:‏

ـ أليس كذلك يا سيدي؟‏

فأمسّد مكان الضربة وأجيبه:‏

ـ نعم.‏

ثم يمسكني من كتفي ويهزني:‏

ـ أليس كذلك يا سيدي؟‏

ـ نعم.‏

كنت لأفضل لو بطحني على الأرض وضربني.. قصارى القول أننا وصلنا أخيراً محطة حيدر باشا بين لكز وصفع ولكم وشد ودفع وهز، والحمد لله...‏

عندما ترجلنا من القطار اختفى الرجل في الزحام، أما أنا فلم أرفع رأسي عن الأرض خشية أن أراه من جديد.‏

في اللحظة التي أردت فيها الصعود إلى العبّارة نقرت يدٌ على كتفي ثلاث مرات، التفتَ وإذ به شرطي، قال لي:‏

ـ تفضل معي إلى المخفر لحظة لو سمحت.‏

عندما سمعت كلمة المخفر ارتبط لساني، فأنا لم أدخل قسم شرطة في حياتي، ولا أعرف ما يكون، ولكن ما العمل... ذهبت معه إلى المخفر، وماذا رأيت هناك؟ رأيت الرجل الذي واظب على سؤالي: "أليس كذلك يا سيدي؟" مبتسماً بالإضافة إلى راكبين كانا يقتعدان المقعد المواجه لمقعدنا.‏

ظننت أن الراكبين قد أشفقا عليّ بعد رؤيتهما لذلك الرجل وهو يلكزني ويلكمني طوال الرحلة فقدما شكوى ضده، والله أعلم. قلت للمفوض:‏

ـ أولاً أنا لست مدعياً على أحد.‏

فقال المفوض:‏

ـ ولكن ثمة من هو مدع عليك، هذا الرجل قدم شكوى ضدك.‏

يا سلام! أنت تجيب بنعم على كل ما يقوله الرجل، فيقوم هو بتقديم شكوى ضدك! هل سمعت بما يشبه هذا؟‏

قال الرجل:‏

ـ نعم، لقد شتم الحكومة بكل ما يخطر على البال من شتائم، وهذا السيدان شاهدان على ما أقول.‏

ثم حكى كل ما قاله لي أثناء الرحلة ناقلاً إياه على لساني، قلت:‏

ـ أنا لم أقل هذا الكلام، بل هو الذي قاله.‏

وقال الشاهدان:‏

ـ نعم هو الذي قال الكلام، أما هذا الرجل فقد وافق على كل الكلام بنعم ونعم ونعم.‏

قال الرجل:‏

ـ لقد تحدثت بتلك الطريقة بقصد اختبار نواياه.‏

إذن فسوف أهلك بين الأرجل فقط لأنني قلت نعم.‏

أمسك سعدي بيك بكيس الورق المملوء بالسمك في حضنه وقال:‏

ـ السمكات تكاد تسقط فقد انفتح أسفل كيس الورق.‏

كان يمسك أسفل كيس الورق في راحتيه. سألته:‏

ـ ماذا حدث بعد ذلك يا سعدي بيك؟‏

ـ سجلوا إفاداتنا، والآن سنذهب إلى المحكمة.‏

ـ ولكن لماذا قدّم ذلك الرجل شكوى ضدك؟‏

لقد ثار فضولي مثلك لمعرفة ذلك، فسألته السؤال نفسه عندما خرجنا من المخفر.‏

فأجابني قائلاً:‏

ـ حينما كنت تجيبني بنعم لم تكن تفعل ذلك عن طيب خاطر، فخفت أن تشي بي، فسبقتك إلى المخفر بمجرّد نزولي من القطار.‏

فقلت له:‏

ـ حسناً يا أخي ما دمت خائفاً إلى هذه الدرجة، لماذا إذن تتمادى في الكلام وتضرب يميناً وشمالاً؟‏

ـ وماذا أفعل، فأنا غير قادر على ضبط لساني، يحدث هذا رغماً عني.‏

إذن، إياك ثم إياك! لا أحد قادر على تمالك نفسه في هذه الأيام. كل واحد يبحث عن أحد يشكو له همّه، وليس من المعقول أن يقف وسط الناس ويخطب فيهم بصورة مباشرة. لذلك فهو يبدأ بالحديث عن الطقس مع أي شخص قربه.‏

الطقس ثم الماء... ثم تنتهي الأمور بهذه الطريقة. هل فهمت؟ إذا حدث وذكر لك أحدهم كلمة الطقس، فاهرب منه فوراً ولا تدعه يكمل كلامه، وإلا وجدت نفسك في ورطة مثلي.‏

ضحكت، ثم لم أتمالك نفسي عن سؤاله:‏

ـ كيف الطقس اليوم يا سعدي بيك؟

لم أكد أكمل جملتي حتى ضرب سعدي بيك على رأسي بكيس الورق المملوء بالسمك. في الوقت الذي ألقيت فيه بالسمك من فوق رأسي وثيابي، كان سعدي بيك قد اختفى عن الأنظار
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03863 seconds with 11 queries