عرض مشاركة واحدة
قديم 19/12/2005   #203
شب و شيخ الشباب Tarek007
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ Tarek007
Tarek007 is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
Damascus
مشاركات:
3,584

افتراضي


لا أعرف عن القمح إلا الجانب الشاعري منه و هو الجزء الذي يتحدث عنه الشعراء فيشبهون شعر حبيباتهم بلونه لم اعتقد أن لون القمح هو لون مثالي لشعر جميل و خطر لي أن فتاة تملك شعرا بهذه "الصفرة" يجب أن تكون برصاء.و لكن نجاح الخطة القمحية تتطلب معرفة إضافية عن القمح تتعدى رومنتيكيات الشعراء فأحضرت ما تيسر لي من مراجع علمية تتحدث عن القمح من حيث طريقة الزراعة و اوقاتها و حصاده و أمراضه و اماكن زراعته و انتاجياته و احضرت إحصائيات محلية تسرد أرقاما عن إنتاج الدولة منه و حاجة مواطنينا لهذه المادة الغالية.غرقت بأرقام و تفاصيل كثيرة و قدرت أن هذه المهمة تحتاج لأكثر من رجل واحد لكي تنجح أو انها بحاجة لرجل يتحمل وزرها أن فشلت.لم تكن فكرة رفع الإنتاج خلال فترة قصيرة لا تتعدى العام فكرة ناجحة و لايمكن تطبيقها بنجاح في ربوعنا وقد تأكدت من ذلك بمتابعة الأحصائيات التي أستقيتها من مصادر الدولة و المنظمات الزراعية الدولية التي تعمل داخل أراضينا كان كفائة أستخدام المياه لا تتجاوز أربعين بالمائة بحيث يهدر ستون بالمائة منها بالتبخر أو التسرب و أنتاجية الأرض من القمح تقل عن نصف إنتاجية الدول المجاورة و تكاليف إنتاج الطن الواحد تزيد عن ضعف إنتاجيات ما يماثلنا من دول.كل تلك الأرقام تجعل الرأس يدور و لا يستقر إلا بعد نفض أفكار الإكتفاء الذاتي خلال سنة واحدة لأنه مع هذه الأرقام "فمجنون يحكي و عاقل يسمع".

كان الإتصال يومي بيني و بين السيد رئيس مجلس الوزراء حول البذار المهجن الجديد الذي أعتمد لتتم زراعته في أراضينا بعد أن أكتشفنا أن الأنواع التي أعتاد فلاحنا على زراعتها ذات إنتاجية رديئة جدا و خاصة النوع المسى "حماري",و قررنا أنه يجب إفتتاح مراكز بحثية متخصصة تقوم على إختبار أنواع القمح و أختيار الجيد منها و المقاوم للأملاح و قليل الشهية للماء و عظيم الإنتاجية لنواجه به الأيام السوداء و تم أستقدام خبير أجنبي "فطحل" فاز بجائزة نوبل للكيمياء ليساعدنا في أعمال البحث و التطوير . كانت حصيلة أجتماعاتنا أن الهدف النهائي لإنتاج القمح يجب أن لا يقل عن أربعة ملايين طن من القمح و هي االكمية التي تحتاجنا اسواقنا و التي يستهلكها مواطننا دون أن نحتاج فلان أو علان.ثم عدنا الى أحصائياتنا القديمة و قد وجدنا أن أنتاجية الهكتار الواحد من الأراضي المروية لا تتجاوز الطنين من القمح و جرى على هذا الاساس إحتساب المساحة اللازمة للزارعة و كمية المياه التي يستهلكها القمح خلال فترة نموه.

طبعا بما أنني وزير امتلك ذراعا سحرية كالسنجري عرفت بأن هذه الأرقام و اعتمادها كما وردت ستقضي على زراعات أخرى قضاءا مبرما و ستدمر مشاريع ري كاملة اقيمت لتخديم اهدافا أخرى لأن أنتاجا بهذه الكمية و هذه الإنتاجية يتطلب مساحات شاسعة واسعة و مياها كثيرة جدا و قد يكون خيار رفع الإنتاجية خلال فترة زمنية أكثر جدوى, و عندما عرضت هذا الأمر على السيد رئيس مجلس الوزراء كان مصرا على تطبيق الخطة كاملة و استخدام كل الأرض للزراعة و كل المياه اللازمة للري, و قد كنت أوحي له بأن أوامر السيد سومر يجب أن تنفذ بالحرف كان يستمع الى كلامي و يزداد تمسكا بخطته فأعود الى تنبيهه بأن في هذا خطر كبير على الأراض و المياه فيزدرد لعابه و يقول ان الإكتفاء الذاتي من القمح تحد كبير و قد أخذ على عاتقه هذا الهدف. كان الأمر منوطا بي في البداية و قد كلمني الأستاذ سومر شخصيا و لكن حماس رئيس الوزراء للأمر و رغبته في "إجتراح معجزه" تبقيه في منصبه جعلة يتبناها و يضع كل جهوده فيها لم اكن منزعجا لأنني أعرف أن هذا المشروع "خازوقا" سياتي بآخرة هذا الغبي .لم يغيب عن بال السنجري تسجيل محاضر الإجتماعات بالدقه التي يرغب و كان أكثر حرصا على توقيع السيد رئيس مجلس الوزراء على جميع تلك المحاضر.و مثل هذه المحاضر كالقرش الأبيض الذي سنحتاجه حتما في اليوم الأسود الذي ينتظر رئيس الوزراء.

تقصدت أن أجعل موضوع القمح يخرج من يدي ليستقر بيد السيد رئيس مجلس الوزراء و ذلك لأن رفع إنتاج القمح ليزداد مائة بالمائة خلال عام واحد أمر مستحيل في ظل جهاز حكومي و زراعي من هذه العينة لأني أنا أعرف عن قرب صعوبة تأمين كل تلك الأراضي الزراعية للإنتاج المطلوب و هناك جزء كبير من المساحات غير مستصلحة اصلا و غير صالحة لزراعة اي شيء ناهيك عن القمح, كما أن مستويات تخزين السدود و غزارات الأنهار و الينابيع التي دخلت كمياتها في الحسابات اقل بيكثير من السجلات,و ذلك ان عددا كبيرا من الأبار الخاصة قد تم حفرها في كل أرجاء الدولة لتغذية مزارع "ترفيهية" جمالية يستنزف الكثير من الموارد المائية و قد وقعت شخصيا عددا كبيرا من طلبات حفر الابار لأعضاء من مجلس الشعب و قادة عسكريون و قادة سياسيون و بعض صغار الكسبة الموظفون دون أن تسجل هذه الموافقات و دون أن يعرف أحد كم تستجر من مياه جوفية.و بناء على هذه النتيجة وضعت الملف "اللغم" بيد السيد رئيس مجلس الوزراء و اكتفيت بدور إستشاري مكمل ووجهت كتبا رسمية بهذا الخصوص الى هيئة الرقابة في الدولة كما طلبت مقابلة السيد سومر و أعلمته بالأمر و كان رأيه ان القمح ضروري و استراتيجي و يجب أن نمضي بهذه الخطة قدما و ضحت للسيد سومر مخاطر القفز بالإنتاج خلال عام واحد و مدى إنهاك المخزن المائي الجوفي و إنهاك التربه .تفهم سومر وجهة نظري و شكرني على إخلاصي و لكنه كان يرغب أكثر في مشاهدة صوامعنا مليئة بالقمح المحلي, لذلك أصر على المضي الى الأمام في خطته و كلفني بأن أكون بجانب رئيس الوزراء لمساعدته في تنفيذ الخطط اللازمة, فقلت له و نحن ورائك يا سيدي و سنبذل كل مانستطيع حتى الوصول الى ما نريد.

لم اكن في حاجة الى تدبير اي خطة معاكسة تحبط السيد رئيس الوزراء, لأن السيد رئيس مجلس الوزراء و الجيش الذي كرسة لمحصول قمح يوفر الخبز و الكعك و الكاتو سيفشل حتما بطريقته "الإنكشارية" في تسيير الأمور و خاصة أنه لم يظهر أكثر من "الحماس" و الكثير من اللجان و الكثير من الإجتماعات لتنفيذ الخطة و خلف هذا كله كان الحفاظ على رأسه بين كتفيه دافعه الأول, و لكن يجب أن أجعل هذا الفشل ذريعا و مدويا ليكون المسمار الأخير الذي يدق في نعش هذا التعس. أغرقت الخبير الفائز بجائزة نوبل في الكيمياء بجوقة من الموظفين الحمير و المهندسين عديمي الخبرة و التأهيل و تحول بعد اسابيع قليلة الى مدخن شره للسجائر الوطنية بعد أن كان يقتصر فقط كجميع النابهين على تدخين "البايب" بعد حشوه بتبغ خاص مستورد كان الخبير يطلب اجهزة قياس و أجهزة فحص كثيرة, نوعية الأجهزة كانت تثير الريبة في طريقة عملها لأن اللجنة التي شكلتها لدراسة متطلبات الخبير قالت أن الأجهزة ذات قدرة تشويش عالي قد يؤثر على موجات الراديو و التلفزيون المجاورة لذلك منعت استراد و الأجهزة ووجهت الى ضرورة تأمينها من الأسواق المحلية,كانت تقارير حول هذا السلوك الإستعماري المشين تصل الى الأستاذ سومر عن طريق ابو مكنى و قد عبرت في إحدى تقاريري اليه عن خشيتي ان يكون هذا الخبير "دسيسة" من الصهيونية و قد تكون الإمبريالية العالمية قد دسته بين صفوفنا للحد من طموحنا في التحرر و الإعتماد على الذات و لكن رئيس مجلس الوزراء كان يدافع عنه و يكيل له المديح في إجتماعات لجنة القمح و تطوير الموارد الزراعية التي شكلت لهذا الخصوص و بدا موقفي اكثر وضوحا شيئا فشيئا من خطط رئيس الوزراء و طفا الى السطح عدائي القديم له و لم أخف شيئا هذه المرة من سلوكياته التي ستعيد بلدنا الى الوراء عشرات السنين كان المسكين يحمر و يخضر كالحرباء و يبتلع كلماته مبتهلا الى الله بموسم مطري غزير.

كلما تقدم الموسم الزراعي كلما إزداد توتر السيد رئيس مجلس الوزراء كانت الأرقام الواردة عن المساحات المزروعة تصيب "بالجلطة" و الأرقام الواردة عن أحتياطيات المياه في السدود و الأقنية تصيب بالذبحة فكان يتأمل هذه الأرقام و يرمقني بنظرات نارية و يعود ليدفن راسه في الصفحات الملئية بالأرقام يستجديها ان تكبر.حاول أن يلقي على مسئولية صغر الأراضي الزراعية و كان يصرخ اين المساحات الزراعية المستصلحة التي صرعتنا بها و ارقامها مثبتة هنا و اين المياه المخزونة و مشروعات السدود و الأقنية,كانت أتهاماته تزيد بإقتراب موعد الحصاد و كنت لا أعطيه اجابات مفيده لأنني أعلم انه لم يكن يبحث عن إجابات بقدر ما كان يريد أن يخرج ما بداخله من غيظ و قهر على شكل صراخ و لكني لم لم اعطه اي فرصة ليتفوق علي فأتهمته بإهدار المياه و استخدام طرق ري قديمة مما أفرخ السدود و جفف مصادرنا المائية و زاد من ملوحة التربة ووجهت له سهما أردت أن يكون الأخير عندما قلت له في أجتماع حاشد لتقييم الإنتاج الذي بدأت بشائره المخزيه تهل علينا قلت له وقد وقفت على قدمي و سبابتي تشير مباشرة الى القب من صدره:

-لقد كنت عارا علينا يا سيدي بإهدار مواردنا ولا يشرفني أن اكون تحت قيادتك..و خرجت من الأجتماع.

يتبع.....

عـــــــــــــــــــــــــــــبـــــــــــــــايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة






زورو موقع الدومري :
http://aldomari.blogspot.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04440 seconds with 11 queries