عرض مشاركة واحدة
قديم 30/07/2009   #1
صبيّة و ست الصبايا sona78
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ sona78
sona78 is offline
 
نورنا ب:
Jun 2008
مشاركات:
1,993

افتراضي ماذا بقي من صادق جلال العظم؟.. ماذا حلَّ بنا؟


نصري الصايغ

I إنه من فخَّار
في نص لسعد الله ونوس، جوقة الممثلين تتقدم خشبة المسرح، قادمة من ليل بغداد العميق، من ليل الويل والموت والجثث: لتقول: «تقولون: فخار يكسِّر بعضه. ومن يتزوج أمنا نناديه عمنا. لا أحد يستطيع ان يمنعكم من ان تقولوا... هذا رأينا، لكن، إذا التفتم يوماً ووجدتم انفسكم غرباء في بيوتكم... إذا عضكم الجوع ووجدتم أنفسكم بلا بيوت.... إذا تدحرجت الرؤوس، واستقبلكم الموت على عتبة صبح كئيب... إذا هبط عليكم ليل ثقيل ومليء بالويل... لا تنسوا انكم قلتم يوماً: فخار يكسِّر بعضه... ومن يتزوج أمنا نسميه عمنا».
ما كان سعد الله ونوس، يعبر عن نخبة، بل عن عامة متصلة بشدة، بمنظومة سلطة خائرة، وثقافة اشتد انحطاطها، الى درجة جعلت الفضيلة عيباً، والحياة عبئاً، والموت جائزة. وما كان ونوس يشير الى زمن مضى، بقدر ما كان يفضح أزمنة عربية باهظة الكلفة، ثقافياً وانسانياً واجتماعياً وأخلاقياً.
غير اننا عندما نعيد قراءة النص في الراهن من الزمن، نكتشف ان «المثقفين» يروجون للمأساة، ويحرضون على السلامة ـ الاستسلام، ويبهرجون الواقعية، وينخرطون في مقام التنازل، ويبشرون بفضائل الهمجية.
مرعب ونوس، عندما نقرأه ويشير بإصبعه الى «مثقفين» محترمين، يفتون بما يلي: «العالم غابة. الغلبة فيه لمن هو أقوى... والأقوى هو صاحب النفس القوية التي تستطيع، في مواجهة هذا العالم، ان تهضم البشاعة والدناءة وكل اشكال الانحطاط... الخير والشر، المبادئ والقيم، الصور والمدن الفاضلة... كلها أوهام، تزيد ضعاف النفوس ضعفاً... والسر في قوتي ونجاحي هو انني... دائماً كنت أحب ان اتمرغ في وحل هذا العالم».
العالم موحل موحل جداً. البطولة هي في خوض أوساخه، من دون ان تتلطخ سمعتك وتعكر لباقتك، لا بد من استعمال «الحداثة» و«العصرنة» و«ما بعد الحداثة» و«الواقعية الجديدة»، و«معابد التسوق»، وصلوات المؤسسات الدولية ودعاءاتها، الى جانب الدفاع عن الديموقراطية في غير بلدك، واستنكار الاستبداد في غير معسكرك، والتشهير بانتهاكات حقوق الانسان... انما، خارج فلسطين. لأن فلسطين، تحولت الى «قضية مزمنة»، لا حل لها، فيلزم نسيانها. فإذا جاءكم غداً القتل والموت... فقولوا فخار يكسِّر بعضه.
من خارج هذا السرب، رجال داوموا على مشقة الفــكر والنــقد، وعاهــدوا العــقل، ان لا يلينوا، وان لا يقعوا في ارتكاب. من خارج هؤلاء، صادق جلال العـظم، الذي رفض بســلوكه وطريـقة تفكيره، ان يصبح جزءاً من آلة الضوضاء العربية، حيث ساد الخلط والايهام والانتهاز والكلام الملتبس.
في خلال خمسين عاماً، دُمرت مدن عربية كثيرة (بيروت، بغداد، القدس، غزة، رام الله، مقديشو، وسواها) ولم تدمر ارادة الكلمة المستقلة الناقدة، التي انتظم العظم في صراطها الصعب، فاستحق ان يكون ذاته بلا مواربة. كان العظم في مسيرته، لحظة الوعي المضيئة، في أزمنة متعددة: زمن الهزيمة، وزمن الثورة، وزمن الظلاميات المستشري.
II البحث عن سلطة لا عن حقيقة
خرج المثقفون من الحلبة، واستعاضوا عن المغامرة بالحماية. ما كان من زمان، اشتباكاً ونقاشاً وصراعاً ونقداً ومكاشفة وريادة، بات، إلا في القليل النادر، خضوعاً وتمريراً وأدلجة وتهرباً وتستراً واعتماد منطق الكفاف السياسي والفكري، مقابل التخمة في السمعة ومباذل الثروة.
الخمسينيات من القرن الفائت، جسَّدت اللحظة التي انتزع فيها المثقفون والمفكرون، ريادة المواجهة، فانتظموا في مواجهات، تقابلوا فيها مع الجهل والتعصب والتبعية والتجزئة والتسلط، وقادوا حركات النضال في مواجهة الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي. كان المثقفون، بمستوياتهم المختلفة، طليعة بلا مواربة... الى ان انحسر وجودهم، وبات قلة منهم، محافظاً على استقلاله وعناده وحارساً لفضائل النقد والمثابرة على صدقية الفكر والقول والعمل.
خرج المثقفون من الالتزام، بحجة الاستقلال. فالتحقوا التحاقاً، بثقافة السلطات واعلامها وجامعاتها ودورها واستشاراتها، ثم أضحوا مبشرين بفضائل النيوليبرالية، والحكمة الغربية و... منظومة الترهات الدولية. وهكذا، خلت الساحة السياسية من المفكرين، وخلت الاحزاب من كتابها، وخلت الساحة الفكرية من سياسييها. صرنا على وشك ان نعيش عصراً عربياً بلا عروبة، وعصراً تعيش فيه ارواحنا، تبحث عن نظام ما، وليس عن جمال، تلجأ الى سلطة بدلا من ان تتبنى الحرية.
مثقفونا، في أكثريتهم، يبحثون عن مشروعية خارجهم، وعن مرجعية خارج عقلهم. صادق جلال العظم، ظل على خميرته، فأعطانا خبزاً... وهو طيب المذاق، في ليل الهزيمة الطويل، ونفق السقوط المدوي.
لا بد من إعادة اعتبار لحالة الرفض... ان أكبر حزب عربي هو حزب القبول، طوعاً او عنوةً. وان اكبر الكوارث، عندما تتحول السياسة الى صناعة أمنية بحثة. والأمن لا يفكر بالكلمات، بل بالقبضات.



من جريدة السفير

قلي لي احبك
كي تزيد قناعتي اني امرأة
قلي احبك
كي اصير بلحظة .. شفافة كاللؤلؤة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03868 seconds with 11 queries