عرض مشاركة واحدة
قديم 31/10/2008   #16
صبيّة و ست الصبايا personita
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ personita
personita is offline
 
نورنا ب:
Feb 2008
المطرح:
بلاد الغُرب أوطاني
مشاركات:
932

افتراضي


عزيزتي بيرسونيتا علينا أن نميّز بين اللسان وبين العرق ولا تنسي أنّ بعض القبائل العربيّة تكلّمت يوماً الآراميّة وهذا لا يعني أنّها آراميّة وهذا هو حال العالم اليوم الناطق بالإنجليزيّة وهذا لا يعني أنّه إنجليزيّ العرق!

العرق، يا صديقي، هو أكبر كذبة اخترعها الإنسان و كل من يفتخر بأصالة عرقه و مجد نسبه و قحطانيته و عدنانيته، هو إنسان مسكون بالعنصرية، فنحن بالنهاية عرق واحد هو العرق البشري! لذلك، ما يحدد هويتي ليس هو عرقي و لا من أي شجرة أنحدر (لأني و كما سبق و أن قلت، لا أحد يستطيع أن يجزم ، إثنيا على الأقل،بأنه عربي أو آشوري أو بربري مائة بالمائة، لأنه لحسن الحظ، أنه على مر العصور، قد اختلطنا و تزوجنا و أنجبنا ثقافات مختلطة، لكن، نتاج هذا الاختلاط حاليا (ربما حسب رأي البعض نتاج لفرض ثقافة ما على حساب أخريات)، هو ثقافتنا العربية (و أقول عربية نسبة إلى اللغة و ليس العرق).

السريانيّة ليست أمّ العربيّة فكل منهما أختان تنتميان إلى أمّ واحدة!
وإذا كانت السريانيّة عند المختصين الغربيّين ميتة فهذا لا يعني أنّها ميتة، وكم هو مؤسف ألا يطلع البعض على الأدب الآراميّ الذي ما زال حياً حتى اليوم بلهجاته المختلفة! لغة ما زالت مستعملة في مناطق كثيرة كيفَ لنا أن نحكم عليها بالموت؟! قد تكون ضعيفة لكنّها حيّة.


حسنا، أنا أعتقد أن ما يطلق عليه السريانية الآن هو عبارة عن مجموعة من اللهجات المتفرعة عن نموذج للغة أم منقرضة، و يفترض وجودها لوجود بناتها من اللهجات (و هذا هو الحال أيضا بالنسبة للغة البربرية مثلا)، و بذلك تكون العربية و السريانية الحالية أختان لأم واحدة (النموذج المنقرض).
هذه اللهجات، بعضها -و لتظافر ظروف تاريخية و سياسية معينة- استطاع أن يتطور و ينتصر (يطغى إن شئت) على اللهجات الأخرى التي إما انقرضت و إما ظل استعمالها مقصورا على وظيفة لغوية معينة (الوظيفة الدينية مثلا للسريانية عند طائفة مسيحية معينة).
أعتقد أن هذه هي الوضعية باختصار (و أرجو التصحيح إن كان فهمي خاطئا)
حسنا، لكي ننطلق فقط من أرضية مشتركة، هل توافقني التعبير إذا ما قلت أن السريانية هي الآن لغة، ليست منقرضة و لكنها في طور الانقراض، مع كونها مصدرا خصبا لتراث أدبي راق و عريق؟
إذا كانت كذلك، هل من من الحكمة أن أرفض لغتي (التي أتكلمها الآن) لأعود إلى لغة جدي الأول (الذي لا أعرفه)، هل من المعقول أن تتيح لي هذه اللغة (التي هي ليست لغتي الأم) أن أعبر بها عن حياتي اليومية، عن غضبي، عن مزاجي، عن مزاحي؟
ربما أشاطرك الرأي في بعض ما تقول، لأن أحيانا، حياة أو موت لغة يتعلق بقرار سياسي (و العبرية خير مثال)، ولكن العبرية تكاد تكون استثناء للغة ميتة بثت فيها الحياة من جديد (مع الأخذ بعين الاعتبار أننا لا نتحدث عن النموذج الأصلي للعبرية و إنما عن نموذج معياري مصاغ بطريقة حديثة) ومعك أيضا عندما تقول أنه علينا أن نحفظ و نسترجع التراث، لأنه جزء من ذاتنا، لكن، هل نقتل لغتنا الأم لنحيي جدنا الأول؟

هنا مربط الفرس! فكل من يطالب بموت لغة أو شعب أو دين أو عرق آخر هو إنسان عنصريّ متعصّب لا يعرفُ شيئاً عن الإنسانيّة.




ونحن أيضاً نتكلّم من منطلق علميّ بحت! المختصّون أو المستشرقون في القرن العشرين كانوا يدّعون موتَ الآراميّة فأمّا مستشرقو القرن الحادي والعشرين فأثبتوا العكس ومن المؤسف ألا يطّلع المرء على الحركة الفكرية الثقافيّة وتطورها! اليوم لم يعدْ أحد يجرؤ على القول بموت الآراميّة بعد قيام أدبٍ حديث ديني ودنيويّ بهذه اللغة.

تتعدد الآراء حول هذا الموضوع، لكنها ربما سُنة اللغات، فهناك من يجزم بأن اللغة العربية الفصحى، مع نتاجها الأدبي الهائل، و حضورها في الثقافة و الإعلام، و تأقلمها مع تطورات العصر،هي لغة ميتة، لأنها غير حاضرة في حياتنا اليومية، و أن اللغات الحقيقية إنما هي اللهجات المحلية التي نتحدثها في الشارع! فاللغات لا بد لها أن تكمل دورتها
و تتطور و تتبلور إلى أن تصب في لغات أخرى.. و عندما تموت موتتها الطبيعية، ليس بوسعنا إلا أن نستسلم لهذا الواقع.. و نتعامل معها كجزء من التراث.

لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي
إذا لم يكن ديني إلى دينه دان
و قد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان و دير لرهبان
و بيت لأوثان و كعبة طائف
و ألواح توراة و مصحف قرآن
أدين بدين الحب أنَّى توجهت
ركائبه، فالحب ديني و إيماني
ابن عربي
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04576 seconds with 11 queries