عرض مشاركة واحدة
قديم 10/04/2006   #13
شب و شيخ الشباب HashtNasht
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ HashtNasht
HashtNasht is offline
 
نورنا ب:
Oct 2003
المطرح:
قدامك ...مانك شايفني !
مشاركات:
3,438

افتراضي


المفكر السعودي الثائر عبدالله بن علي القصيمي، الذي يُصنف على أنه حامل لواء الليبراليين العرب، وقائدهم في معركة حامية الوطيس، كان طرفها الأول، وقد جاوزت بسنواتها وهو يخوضها حرب البسوس، فما وهن ولا استكان، بل واصل الطريق بين آكام من الردود، تلقاها بدايةً من علماء الأزهر الذين علموه ودرسوه، فتمرد عليهم، وكشف العوار لديهم، ثم جاءته الصفعة من النجف الأشرف، فتلقاها كالبلسم، وكان قد أوجعهم ضرباً، ثم كانت ثالثة الأثافي عندما تلقاها من السلفيين، وهو الذي ولد من رحمهم، ونشأ في معقل من معاقل التعليم الديني المتشدد لديهم، وهو ابنهم الذي أفرحهم، فتوجوه ورجوه لمستقبل الأيام ذخراً، وفاخروا به الأمم، إلا أنه سرعان ما نكص عليهم، فهجوه ورموه بالسباب والسهام، التي تكسرت على جسده الضئيل النحيل، وما أصابت عقله التأملي الحارق، بل عاش مكابراً لا يقول إلا ما يعتقده، حتى وإن خالف الجميع، عاش شموخ المفكر وكبرياء المتأمل الناقد، فكان نقطة انعطاف وعلامة بارزة في فكرنا العربي الحديث، تناول عطاءه الفكري، إن سلباً أو إيجاباً، مدحاً أو قدحاً، علماء ومفكرون ومثقفون، يُشار إليهم بالبنان، على خارطة الفكر العربي الحديث، فكان القصيمي وكانت حصيلة الرحلة الطويلة، التي لا تزال هناك الكثيرُ من الأسرار تلفها، ولربما حفظها معه فواراها الثرى


المولد والنشأة

ولد الشيخ عبدالله القصيمي في عام 1907م تقريباً في " خب الحلوة" الواقع إلى الغرب من مدينة بريدة النجدية في المملكة العربية السعودية.
والخبوب: "جمع خب " وتعني تلك القرى القابعة داخل الرمال والمنتشرة حول مدينة بريدة التي كانت ولا تزال تمثل أهم وأبرز معاقل التعليم الديني المتشدد، إذ لا يزال العديد من أبنائها من طلبة العلم الشرعي من يرفض إلى وقتنا الحاضر كثيراً من النظريات العلمية الفلكية والجغرافية، كما أنه يرفض الأخذ بمظاهر الحضارة والتمدن .
جاء مولد عبدالله القصيمي في " خب الحلوة" ليمثل نقطة انعطاف مهمة في تاريخ تلك القرية الغافية لقرون والتي كانت مجهولة حتى من أبناء المدن المجاورة، شأنها بذلك شأن العشرات من الخبوب والقرى المحيطة بمدينة بريدة والتي لا تزال مجهولة وغير معروفة إلى اليوم هذا، لذلك نقل ميلاد القصيمي تلك القرية لتحتل مكانةً بارزة في كثير من الحوارات الفكرية التي أشعلها القصيمي على امتداد وطننا العربي، كما أنها حظيت بزيارات عدد من المثقفين والمفكرين الذين وقفوا على أطلالها .

والد عبدالله القصيمي هو الشيخ علي الصعيدي، الذي قدم من حائل واستوطن خب الحلوة والذي عرف عنه تشدده الديني الصارم، والذي لم يكفه ما تلقاه من تعاليم دينية في مدينة بريدة لينتقل إلى الشارقة للاستزادة من العلوم الشرعية وللتجارة، أما والدة الشيخ عبدالله القصيمي فهي وفقاً لرواية الدكتور فيصل بن عبدالله القصيمي السيدة موضي الرميح ، التي أنفصل عنها زوجها بعد ميلاد أبنه عبدالله بأربع سنوات تقريباً، ليدعها وطفلها مهاجراً إلى الشارقة، ولكنها سرعان ما ارتبطت برجل آخر من عائلة " الحصيني " المقيمة في قرية "الشقة " المجاورة لخب الحلوة، ويذكر الدكتور فيصل القصيمي أن لديه ثلاثة أعمام من أسرة الحصيني، قدموا إلى مدينة الرياض، واستوطنوها، ولا يوجد منهم أحد اليوم، ولهم أولاد وأحفاد، ويرتبط الشيخ عبدالله القصيمي بروابط أسرية مع عدد من الأسر النجدية كأسرة المزيني والمسلم والحصيني والجميعة،


أصول أسرة القصيمي

نشأ القصيمي فيما بين " خب الحلوة" و " الشقة" في ظروف سيئة للغاية، فإضافةً إلى فقده لحنان والديه، فقد كانت الأحوال المعيشية سيئة جداً، الأمر الذي دعاه أن يغادر قريته إلى الأبد!! وهو في سن العاشرة من عمره، وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن قرار المغادرة قد أتخذه الفتى بنفسه هروباً من تلك الأوضاع الصعبة يرى الدكتور فيصل القصيمي أن أخوال الشيخ عبدالله هم الذين دفعوه إلى الهجرة بحثاً عن الرزق، وأصروا على مغادرته أمام إصرار والدته، وكانت حجتهم أن يبحث عن أبيه ليطعمه ويكسوه بعد أن ضاقت بهم السبل في تلك الظروف المعيشية السيئة! ركب الفتى عبدالله القصيمي المخاطر مع أول قافلة اتجهت إلى الرياض بعد اتخاذه للقرار الخطير، الذي قاده إلى رحلة طويلة تنقل فيها بين العديد من الأقطار العربية، فما بين مولده في " خب الحلوة" إلى مدفنه في مقابر باب الوزير بالقاهرة رحلة من البحث الطويل المعيشي بدايةً ثم الفكري، الذي أصبح واحداً من أبرز فاعليه على مستوى الوطن العربي .


في الرياض حيثُ درس القصيمي على الشيخ سعد بن عتيق، تعرف إلى وفد من الشارقة جاء لزيارة الرياض، وكانت المصادفة أن رئيس الوفد صديق لوالده ويعرفه تمام المعرفة، فلاحت في أفقه بوادر أمل في لقاء أبيه، وهذا ماتم على ساحل خليج عمان، إلا أن الدهشة أصابت الفتى الذي كان يتطلع ليس إلى مقابلة والده فحسب، بل إلى ذلك الحنان الذي حُرم منه عشر سنوات، كانت المفاجأة أن والده الذي كان يعمل تاجراً في اللؤلؤ ومتشدداً في تفسيره لكثير من تعاليم الدين الإسلامي قد قابله بشيء من الجفوة والقسوة وفرض عليه أسلوباً في التربية غاية في القسوة.


هذا اللقاء الجاف لا بد وان يكون له تأثيره اللاحق على حياة القصيمي، يقول القصيمي واصفاً ذلك اللقاء في إحدى رسائله التي بعث بها إلى الأستاذ أحمد السباعي( كانت صدمة قاسية لأكثر وأبعد من حساب، لقد وجدت والدي متديناً متعصباً بلا حدود، لقد حوله الدين والتدين إلى فظاظة أو حول هو الدين والتدين إلى فظاظة .. لقد جاء فظاً بالتفاسير والأسباب التي جاء بها الدين وحاول أن يبدو كذلك ولا يراه رجل دين وداعية صادقاً إلا بقدر ما يجد فيه من العبوس والفظاظة .. ) .


التحق القصيمي في مدرسة الشيخ علي المحمود، ثم توفي والده عام 1922م فتحرر من تلك القيود التي كبل بها وانطلق يواصل تعليمه، فأعجب به التاجر عبدالعزيز الراشد الذي أخذه معه إلى العراق والهند وسوريا، تعلم القصيمي بدايةً في مدرسة الشيخ أمين الشنقيطي في الزبير، ويذكر الأستاذ يعقوب الرشيد أنه التحق بالمدرسة الرحمانية بالزبير، ثم انتقل إلى الهند ومكث بها عامين تعلم في إحدى المدارس هناك اللغة العربية والأحاديث النبوية وأسس الشريعة الإسلامية، ثم عاد إلى العراق والتحق بالمدرسة الكاظمية ثم انصرف عنها إلى دمشق ثم إلى القاهرة التي شهدت الميلاد الحقيقي للقصيمي.

القصيمي في الأزهر

في عام 1927 التحق القصيمي بجامعة الأزهر الشريف، وعلى الرغم مما تحتله الجامعة من مكانة علمية متميزة، كونها أعلى مؤسسة دينية في العالم الإسلامي، إلا أنها خيبت آمال القصيمي، إذ كانت على خلاف ما كان يتصوره القصيمي في فكره عن هذه الجامعة قبل التحاقه بها، وكان الأزهر يواجه آنذاك هجوماً من عدد من المفكرين المصريين وعلى رأسهم الشيخ محمد رشيد رضا، الذي كتب عدة مرات في مجلته المنار عن الأزهر وأن علماءه غير قادرين على تعليم الإسلام الحقيقي ولا على تفسير نصوصه أو فهمها، إضافةً إلى ذلك كان الأزهر كما يقول يورغن فازلا كرة تتقاذفها القوى الوطنية الليبرالية والقوى الملكية المحافظة وذلك حول دور الأزهر في النظام التعليمي المصري، وفي ظل هذه الخصومات أكمل القصيمي دراسته في الأزهر، ثم اتخذ موقفاً في الخلاف الذي نشب حول الوهابية، وكان العالم الأزهري الشيخ يوسف الدجوي قد كتب عدة مقالات يدافع فيها عن شعائر تكريم الأولياء ضمنها حججه تجاه الآراء الوهابية، منها مقالته الشهيرة"التوسل وجهالة الوهابيين" المنشورة في مجلة"نور الإسلام" عام1931، لذلك أصدر القصيمي أول كتاب له وهو" البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية" نقض فيه القصيمي حجج الشيخ الدجوي من خلال استعراض مقولات علماء الحنابلة كابن قدامة والشوكاني وغيرهما.


الهجوم على علماء الأزهر

كان لهذا الكتاب ردة فعل عنيفة لدى علماء الأزهر، الذين قرروا فصل القصيمي من الأزهر، وكان ذلك عام 1931 ، لذلك شن القصيمي هجومه على علماء الأزهر من خلال كتبه التالية لكتابه السابق، وهي " شيوخ الأزهر والزيادة في الإسلام" وكتاب " الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم" ووقف الشيخ رشيد رضا إلى جانب القصيمي من خلال مراجعته لكتاب " البروق" في مجلته المنار وقال: إن القصيمي اكتسح العلماء بمعرفته الواسعة وأخجلهم، هذه المعركة التي خاضها القصيمي مع علماء الأزهر أكسبته شعبية واسعة في أوساط حركات التجديد الإسلامية.
في عام 1936م اعترفت الحكومة المصرية رسمياً بالمملكة العربية السعودية، فأصدر القصيمي كتابه الشهير " الثورة الوهابية" وكان هدفه كما يقول فازلا الدعوة إلى تأييد الدولة السعودية الفتية، وتحسين صورة الحركة الوهابية أمام الرأي العام المصري، وقد ذكر القصيمي في كتابه أن العالم الإسلامي قد وجد في شخص" ابن سعود" رجلاً يمكن أن يساعده على استعادة المكانة التي فقدها خلال القرون الماضية، وعلى العودة إلى الأسس الحقيقة لدينه، وكامتداد آخر للدفاع عن الحركة السلفية في نجد، رد القصيمي على كتاب الكاتب السوري محسن الأمين العاملي المعنون بـ"كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب"، جاء رد القصيمي صاعقاً معززاً مكانته كمجادل ومحاور من الطراز الرفيع، إذ جمع رده في جزأين كبيرين حويا أكثر من 1600 صفحة، وكان عنوان الكتاب" الصراع بين الإسلام والوثنية" يقول عبدالله عبدالجبار في كتابه" التيارات الأدبية" أن أحد علماء نجد قال: أن القصيمي دفع مهر الجنة ولن يضيره ما يعمل بعد ذلك، ولا نجد رأساً يطاول رأسه إلا رأس ابن تيمية!.

هذه هي الاغلال


بعد ذلك انتقل القصيمي بفكره من المدافع المنافح عن الوهابية إلى طور التحرر والشك في الموروثات، وهذه المرحلة يصفها الذين تناولوا القصيمي بالدراسة والتحليل بالطور الثاني للقصيمي أو الطريق إلى الانشقاق، إذ بدا مرحلته هذه بكتابه الشهير" هذه هي الأغلال" الذي صدر عام 1946، وأهداه للملك عبدالعزيز، وهو يتحدث فيه عن القيود والعوائق التي تقف ضد تقدم العالم الإسلامي، حسب رأيه، وهذا الكتاب على ما حواه من آراء وأفكار، جعلت القصيمي يُصنف على انه متمرد على السلفية، التي كان مدافعاً عنها محباً لها، وفي الوقت الذي وجد فيه هذا الكتاب رواجاً كبيراً داخل أوساط التنويريين والمثقفين وتناوله العديد مهم بالدراسة والتقريظ، إذ كتب عنه شيخ الأزهر الشيخ حسن القياتي مقالة في المقتطف، قال فيها( شكل ابن خلدون رائد الاشتراكيين طليعة معسكر الإصلاح في الشرق، وشكل الافغاني وتلميذه محمد عبدة والكواكبي جوانبه، أما القصيمي فهو قلبه! ) كما رأى القياتي أن هذا الكتاب يصلح لأن يكون برنامجاً للتعليم الوطني وخطة ناجحة للإصلاح، كما كتب عنه الأستاذ عباس محمود العقاد في الصفحة الأولى من مجلة الرسالة، وغيرهم كثير، إلا أن هذا الكتاب تعرض للنقد الشديد من قبل علماء نجد، إذ أصدر علامة القصيم الشيخ عبدالرحمن بن سعدي كتاباً اسماه" تنزيه الدين ورجاله مما افتراه القصيمي في اغلاله" ثم أصدر عبدالله بن يابس وهو صديق للقصيمي وصحبه في سفره إلى القاهرة، كتاباً سماه " الرد القويم على ملحد القصيم" وتوالت المقالات والكتب التي تناولت الكتاب، ونتيجة للصدمة التي أحدثها الكتاب داخل الجزيرة العربية، يذكر عبدالله عبدالجبار في كتابه" التيارات الأدبية" أن أحد الوجهاء في السعودية قال بغضب: لن يغفر الله للقصيمي، أما تلامذته فقد يتوب عليهم لأنه مغرر بهم!! .



J.S: Death is the solution to all problems. No man = No problem.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05792 seconds with 11 queries