عرض مشاركة واحدة
قديم 22/09/2007   #12
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي مزحة حمار


مزحة حمار
بقلم عزيز نيسن

عيناه تستندان على عظمتي وجنتيه البارزتين، و حاجباه كثان ملتصقان ببعضهما..
جبهته عريضة مندفعة إلى الأمام قدر إصبعين، و رأسه الكبير الضخم منغرز في صدره، يعني لا عنق له بتاتاً، أسماله الرثة تكشف عن جسده المغطى بالشعر القاسي كما وجهه.
يداه طويلتان، عندما يسبلهما تصل أطراف أصابعه إلى ركبتيه، قصير القامة، ضخم ، عريض المنكبين، مثل الفرس.
جريمته... ما هي ؟.. جرائمه كثيرة، امتص دم السيدة التي خنقها، ذبح زوجين و قطعهما ببلطة و ملحّهما، عمل قاطع طريق.
علق ثلاثة سائقين على الأشجار المغروسة على جانب الطريق.
تعرفك على جرائم و جنايات "جيلو" لا يجلب لك سوى الصداع ، هذا الرجل لم يفعل شيئاً سوى القتل، لم يأكل و لم يشرب، عندما اقترف كل هذه الجنايات لم يرف له جفن، بل حتى أنه لم يكن يشعر أن ما يقوم به هو عملية قتل و إجرام بل مهنة امتهنها ، و بذلك كان يعيش حياته الطبيعية ، كما العامل الذي يعمل و الموظف الذي يؤدي وظيفته، مثل جميع الذين يقومون بأعمالهم الطبيعية كذلك كان "جيلو" يشعر أنه يقوم بعمل عادي ، لذلك لم يع بأي شكل من الأشكال لمَ ألقي القبض عليه وزج في السجن.
حال خروجه من هنا بالسلامة ، سيعود لمزاولة ما اعتاد عليه.
طالت محاكمته و استمرت لمدة أربع سنوات ، و السبب في ذلك هو تكشّف جرائم سبق أن ارتكبها، و في نهاية المطاف حكم عليه بالإعدام.
لم يفهم القرار"جيلو" الذي اتخذته المحكمة، حتى أنه لم يفهم الكلمات التي تضمنتها العبارة الطويلة التي قرأها القاضي، بل طرب لها، إذ ظن أن هذه الكلمات الجميلة المنمقة التي لم يفهمها ما هي إلا قرار خلاصه.
بعد صدور القرار تم ترحيله إلى السجن ، و هناك راح يحدث زملاءه الذين تحلقوا حوله متلهفين لسماع أخباره.
- أخيراً انتهت المشكلة العويصة يا أصدقاء، تحدث القاضي كثيراً لكن أي حديث ؟.. إما أن يكون الحديث بهذا الشكل أو لا.. عقبى عليكم.
قرار حكم "جيلو" غير قابل للطعن ، لذلك فهو ليس بحاجة إلى تحويله إلى محكمة التمييز ،بل يتم تحويله أوتوماتيكياً ليصادق عليه المستشار. كان فرحه و سعادته لا توصفان ، بعدما صادق المستشار على القرار المذكور، حتى أنه رد على كل من أعلمه:
- "جيلو" تم التصديق، تم التصديق.
- نعم كل شيء يسير على ما يرام، ها قد تم التصديق على قرار الحكم، هذا يعني أنني تخلصت تماماً.
عندما صادق المجلس بعد مصادقة المستشار على القرار المذكور،كاد "جيلو" أن يطير من الفرح:
- يا أخي حتى السجناء كانوا يساعدونني في ذلك ليرضى الله عليهم جميعاً، بعد الآن لن يستطيع أحدٌ أن يفسد أمري، أليس كذلك.
يجيبه الأخوة:
- نعم يا "جيلو" لا أحد سيفسد ذلك.
في نهاية المطاف صادق رئيس الجمهورية على القرار، و بهذه المصادقة راح "جيلو" يتباهى من العناية التي حظي بها:
- تخلصت تماماً، نعم تخلصت! الجميع من أنصاري، الحاكم ،و السجان، و رئيس الجمهورية حتى .
ثمة شعور بالقلق بات ينتابه مع مرور الأيام لعدم إطلاق سراحه ، متسائلاً :و هل هناك جهة أخرى يجب أن تصادق على هذا القرار ؟. لا ، لا يوجد . إذاً لمَ لم يطلق سراحه حتى الآن ؟.
هذا القلق بدأ يتعاظم يومياً ، و هو ينتظر إخلاء سبيله .
ذات يوم نقله السجانون من زنزانته إلى منفردة حجرية ، هكذا كانوا يعاملون المحكومين بالإعدام . إلا أن هذه النقلة أسعدت "جيلو" كثيراً حتى أنه قال للحارس الذي أقفل باب المنفردة :
-نعم يا أخي ، هنا مكاني الحقيقي و ليس بين المجرمين و الجناة .
ثم أردف محدثاً نفسه :
-لا شك أنهم سيمنحوني قسطاً من الراحة، نعم ،قبل إطلاق سراح السجين يهتمون به، و يعتنون به ، ومن ثم يخرجونه.
لذلك أخذ بمضي جل وقته في النوم.
ذات صباح ، و بينما كانت الشمس تنبلج ، فُتح الباب ليدخل الإمام، و معه مدير السجن و المدعي العام، و ثلة من الحراس، و مع دخولهم ثمة بارقة سعادة شعت في بؤبؤي عينيه الصغيرتين، هذا يعني أنهم أتوا ليقولوا له " هيا يا "جيلو" مع السلامة " كم هم أناس رائعون.
"جيلو" الواثق من إطلاق سراحه قال لهم:
- تفضلوا اجلسوا يا سادة.
رد عليه الإمام:
- ليغفر الله خطاياك.
و من ثم طلب من "جيلو" ترديد الأدعية و إعلان التوبة.
راح "جيلو" يحاكي حاله:
- هكذا دعوت إلى الله و تبت ، و بذلك أصبحت نظيفاً طاهرا ً، و لم يبق سوى إطلاق سراحي.
طلب منه رئيس السجانين أن يسامحهم.
كم هم رائعون، ها نحن نتصافح و نتسامح قبل الفراق، حتى أنه خجل من نفسه لأنه ظن سوءاً برئيس السجن.
كاد رئيس السجن أن يذرف الدموع ، بينما ارتسمت أمارات الحزن على وجوه السجانين ، لأن "جيلو"سيخرج من السجن.
أجابهم "جيلو" بصوت حزين.
- مسامح أنت يا أخي، و أنتم أيضاً سامحوني،ومن ثم توجه بالحديث إلى المدعي العام و مدير السجن و الإمام.
- سنلتقي قريباً إن شاء الله.
هذه الكلمات أغضبت المدعي العام .ومدير السجن و الإمام ، حتى أنهم لم يشاطروه أمنيته .
قام سجانان بإمساك "جيلو" من تحت إبطيه، إيه ! إما أن يكون الوداع بهذا الشكل أو لا. من عتبة باب الزنزانة قام رجلان من الدرك باستلامه، فرح "جيلو" كثيراً عندما رأى الدركيين المسلحين ، إذ قال متمتماً
" ليرضى الله عليهما، لقد أتيا كي يحمياني من أعدائي ".
طار "جيلو" من الفرح عندما ألبساه الثياب الخاصة بالإعدام، نعم هكذا يجب أن يكون فأسماله الرثة لا تسر صديقاً و لا عدواً:
- هذا رائع، ألبسوني القفطان الجديد و الآن سيطلقون سراحي.
نعم ألبسوه الملابس البيضاء ، و بجانبه رجال الدرك ليدافعوا عنه، هذا يعني أن كل شيء على ما يرام.
عندما أركبوه في السيارة قال لهم:
- و الله لقد أتعبتكم في ذلك، لا داعي للسيارة.
هذا يعني أنهم لن يحملّوه مشقة السير على قدميه ، بل سينقلونه بالسيارة، أوصدوا باب السيارة المصفحة، لتنطلق.
عندما فتحوا باب السيارة ، اندهش "جيلو" عندما وجد نفسه في ساحة كبيرة، و قال:
- الله، الله كل هؤلاء أتوا لاستقبالي، الآن سيطلقون سراحي وسط هذه الجموع الغفيرة.
دفع رجال الدرك "جيلو" على عامود خشبي منتصب وسط الساحة.رفعوه إلى ذلك المكان ، هذا يعني أنه سينظم له احتفال، لذلك قال "جيلو" بينه و بين نفسه مبتسماً:
- لقد أنفقوا الكثير من أجلي.
قرب العمود الخشبي كرسي يمكن الصعود عليه بوساطة درجتين، رفعوا "جيلو" على الكرسي، هل كان سيلقي كلمة من على الكرسي أمام هذه الجموع، واضح أنه سيقوم بذلك لكن لمَ ربطوا يديه، يبدو أنهم عرفوا أنه مرتعش و قد يتسبب بمكروه، بعد قليل سيقولون له:
- مع السلامة يا "جيلو".
إلا أنهم سألوه ما هو طلبك الأخير.
يبدو أنهم يطلبون منه إلقاء كلمة.
- لا، لن أستطيع التحدث أمام هذا الحشد الكبير.
- أليس لك أي طلب.
- و الله إنكم تحرجونني، و ماذا سأتمنى أكثر مما فعلتم.
لم يفهم "جيلو" لمَ وضعوا الحبل المدهون بالزيت على عنقه.
و بدفعة واحدة من قدم منفذ الحكم للكرسي التصق الحبل تماماً على عنق "جيلو" قال له:
- توقف " ولك " أنا لا أحب المزاح.
كان سيقول له ما هذا المزاح الثقيل، مزاح الحمار عند الصباح ، إلا أن صوته تجمد في حنجرته
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04957 seconds with 11 queries