الموضوع: أسبوع وكاتب - 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 21/06/2008   #179
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


لقاء تولستوي بصوفيا:

ولعل من المناسب قبل أن نواصل الرحلة مع تولستوي الذي فرّ من عالمه وهو في الثانية والثمانين من عمره، أن نعود نصف قرن إلى الوراء لنقف على الأحداث التي جمعته بصوفيا أندريفنا، تلك الشابة الجميلة العاطفية، وكيف وقعت في غرام ذلك الضابط الثري والكاتب المرموق (ليون تولستوي).

الفرق بينهما 16 عاماً، هي في السابعة عشرة، لم تغادر قط منزل الأسرة ومزرعتها إلا لزيارة جدّها لأمها في مزرعته البعيدة، ولا تعرف شيئاً عن عالم الرجال.
أما هو فصاحب تجارب ومغامرات! إذا نزل موسكو تهافتت عليه راقصات الباليه! فهو فوق قوته الهرقلية، وشبابه المتوثب، وشهرته كروائي، تعترف أوروبا كلها بتفوقه، نجده شديد السخاء مع من يهفو إليها قلبه! لأسبوع أو لأسبوعين، ثم يدخلها غابة النسيان في فكره ويتفرّغ لقلمه.
كانت تانيا شقيقة صوفيا، تخشى عليها من هذا الحب العارم الذي لا تؤمَن عواقبه مع رجل مثل تولستوي، فهو لم يبح لها قط بما في قلبه! فتانيا ترى أن أختها غرّة وساذجة، وتولستوي هذا إلى جانب علاقاته الواسعة بالنساء، فإنه يكبر صوفيا بـ 16 عاماً، حتى أنه ليشاع أن أسرة القيصرة تتحبب إليه، وتدعوه إلى مزارعها الكثيرة، أملاً في أن يطلب يد إحدى الأميرات! وقد عبّرت تانيا عن رعبها من نظرات تولستوي لشقيقتها الكبرى المخطوبة لأحد ضباط الجيش، وتتساءل: «أهو يسعى إلى صوفيا الرقيقة التي قد لا تتردّد في قتل نفسها إذا ما فاتها الزواج به.. أم أنه يريد إقامة علاقة مع ليزا المتكبرة والمغرورة؟!». وتولستوي، لا يفصح عما يريد! أو لعله يقدّم رجلاً ويؤخر أخرى! أكان يفاضل بين ليزا و صوفيا.. أم بينهما وبين الأميرة أولجا بنت أخت القيصرة؟! ذات يوم ذهب تولستوي إلى دار أسرة صوفيا، واستُقبل بما اعتاده من أفراد الأسرة كلها بحفاوة وإشراق ـ باستثناء ليزا ـ التي تعمدّت تحيته ببرود، كأنما هي تختبر حقيقة مشاعره نحوها، ففاجأهم بما لم يتوقعوه بالقول: يسعدني لو تقبلوا دعوتي لزيارة مزرعتي إيزيانا/ بوليانا. فعبّرت صوفيا عن فرحها باندفاع: أحقاً يا كونت؟! لقد سمعت عن مزرعتك الكثير، وطالما تمنيت أن أراها! وقالت الأم: إنها أشهر المزارع القريبة من موسكو يا كونت تولستوي، ويقال إن الدار الكبيرة فيها أكثر من أربعين غرفة، ونشكرك على هذه الدعوة الكريمة، وسيكون من دواعي سعادتنا أن نقضي معك ومع السيدة الكريمة والدتك الكونتيسة (ليوبوفا) وقتاً ممتعاً. وفي الموعد المحدّد كان تولستوي في انتظارهم بالعربات التي ستقلّهم من محطة القطار إلى مزرعة إيزيانا/ بوليانا•

وتكتب تانيا شقيقة صوفيا في دفتر مذكراتها:
«كنا نحن البنات في مقدمة الركب! بينما كانت أمي في عربتها بين أبي وبين الكونت تولستوي! وبعد ساعات من المسيرة التي طوينا خلالها أكثر من 4600 هكتار من الأراضي الزراعية! أمضينا أياماً بين المزارع والحقول التي شهدت صبا تولستوي الباكر وشبابه، وأقمنا في داره الكبيرة التي كانت دائماً تمثّـل قيمة رائعة في فن العمارة، وقد سألت والدتي تولستوي عما إذا كان هناك من يشاركه هذه الأملاك الواسعة، فأجابها بأنه الوريث الوحيد، لكن أمه هي المتصرفة في كل شيء، وفي كل مناسبة كانت تطالبه بأن يرفع عنها هذا العبء لأنها تعبت في إدارتها، خاصةً بعد أن قام تولستوي بتمليك الفلاحين للأراضي فأصبحوا أحراراً، ومن أجمل ما قاله في إجابته على والدتي: «إن والدته كانت سعيدة بسعادة 350 أسرة تحرّرت من أبشع قيد على روح الإنسان.. قيد العبودية..».

أما صوفيا فقد كان هيامها وغرامها بتولستوي قد سربلها حتى باتت لا ترى منه فكاكاً! السعادة الغامرة التي عاشتها في تلك الأيام! أيام زيارتها لمزارع تولستوي. ليو تولستوي! هذا الاسم الجميل! كانت تسرع الدموع إلى عينيها الجميلتين لمجرّد ذكر اسم الحبيب الذي أشرف بنفسه على راحة ضيوفه، وقد كتبت صوفيا هي الأخرى في يومياتها: «كانت الضيافة في قصر المزرعة في غاية الروعة.. وتيسر لنا القيام بزيارات لبساتينها اليانعة، فأكلنا من فواكهها التي جمعها لنا الكونت تولستوي بيديه في سلة كبيرة، كنت أرقب الكونت في كل حركاته، كان مثال القوة والنشاط والحيوية.. تحدوه رغبةٌ صادقة في إسعادنا بلا تكلّف.. في أثناء العودة.. سرتُ معه قليلاً، ولولا أن والدتي وليزا كانتا ترقبانني، لأمسكت بيده! لم يكن هناك من هو أسعد مني وأنا أرمقه وهو يساعد في إعداد فراش أختي تانيا بوضع مزيدٍ من المخدّات، وكم فكرت فيه قبل النوم، وحلمت به أثناء النوم، وفتحت عينيّ عليه بعد أن تيقظت..».


يتبع ..

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05032 seconds with 11 queries