الموضوع: جي دو موبسان
عرض مشاركة واحدة
قديم 17/01/2009   #5
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


الحلية
لـ جى دو موبسان


كانت من أولئك الفتيات الأنيقات اللاتي يحسبن و لادتهن في أسرة من اسر الموظفين مصيبة ،لم يكن لديها صداق (1) يحقق الزواج السعيد،ولا رجاء يضمن العيش الرغيد،ولا وسيلة تكشفها للناس فتعرف وتفهم وتحب وتتزوج من رجل غني ثري امثل ؛فتركت قيادها للخط ، فزوجها بموظف ضعيف من موظفي وزارة المعارف العمومية.


كانت بسيطة الهندام ،لانها لم تجد زينتها وكانت معذبة النفس لانها لم تعايش طبقتها، والنساء ليس لهن طبقة و لا جنس،و إنما يقوم لهن الجمال والظرف والفتنة مقام الأصل والأسرة ،فلا تري فيهن من تفاوت ، ولا تمايز، الا بالرقة الفطرية، والأناقة الغريزية،والذهن المتصرف المرن فهي التي تجعل من سواسية بنات الشعب سيدات و عقائل.


كان الألم يلح عليها عنيفا كلما شعرت بأنها خلقت للنعيم والترف ،وهي إنما تعيش في هذا المسكن الحقير بين هذه الجدران العاطلة ،والمقاعد الحائلة،والقماش الزري (2) . كانت هذه الأشياء التي لا تفطن إليها امرأة أخري في طبقتها تحرق نفسها بالألم , وتوقد صدرها بالغضب. وكان منظر الخادمة الصغيرة البريوتية (3) التي تقوم على تدبير بيتها المتواضع و توقد في قلبها الحسرات اللاذعة والأحلام الحائرة. كانت تحلم بالاواوين (4) الصامتة تدبجها الطنافس (5) الشرقية, وتضيئها المصابيح البرنزية , وبالخادمين الفارهين في السراويل القصيرة,يرقدان في المقعد الوسيع .

وكانت تحلم بالبهو الفخم يغشية الديباج القديم , وبالاثاث الدقيق. يجمله الرياش الكريم , و بالصالون الانيق العطر يجعل لأحاديث العصر مع اخص الأصدقاء وانبه الكبراء , ممن تشتهي النساء استقبالهم.


ولما جلست إلى العشاء على المائدة المستديرة امام زوجها , وقد رفع غطاء الحساء , وقال في وجه منبسط ولهجة راضية :"الله ! ما أطيب هذا اللحم ! أني لم أشهي منه ولا ألذ , كانت هي تفكر في الأعشية الناعمة الجامعة و وفي الأدوات الفضية الامعة ,
وفي نسائج الوشي تزين الجدار بصور الاعلام البارزة في التاريخ, والاطيار الغريبة في غابة. من غاب عبقر ! كانت تفكرفي الألوان الشهية تقدم في الصحاف العجيبة و وفي الملاطفات الغزلة الهامسة وهي تأكل لحم السمك المورد و او الدراج (6) المسمن.


لم تكن تملك زينة ولا حلية ولا شيئا مما تتزين به المرأة ,وهي لا تريد إلا ذلك, و لا تظن نفسها خلقت لغير ذلك. وطالما ودت أن تكون موضع الإعجاب والغبطة , ومنتجع العيون والافئدة.


وقد كان لها صديقة غنية من رفيقات الدراسة , فكانت تكره ان تزورها , لان الالم الممض كان يرافقها وهي عائدة . وربما ظلت الايام الطوال تسفح الدموع الغزار إجابة لدواعي الأسف واليأس والحزن.


ففي ذات مساء عاد زوحها وعلى وجهه سمة الجلال , وفي يده غلاف عريض و قال : خذي ! هاك شيئا لك. ثم فض الغلاف بقوة وأخرج منه بطاقة مطبوعة كتب فيها :


" وزير المعارف العمومية وعقيلته يرجوان السيد (لوازيل) وعقيلته أن يشرفاهما بحضور الحفلة الساهرة التي ستقام في ديوان الوزارة يوم الاثنين الثامن عشر من كانون الثاني " .


ولكنها بدل أن تنبسط وتغتبط وتدهش كما كان يرجو زوجها رمت البطاقة على المائدة في غضب وسخط وهي تقول :

- ماذا تريد ان اصنع بهذه ؟
- و لكنني ظننت انك تسرين بهذا. إنك لا تخرجين ابدا , وهذه فرصة جميلة , حقا جميلة ! ولقد احتملت في سبيل الحصول على هذه البطاقة مالا تتصورين من الجهد والمشقة . كل الناس يرغبون فيها كل الرغبة , ويسعون لها كل السعي. وهم لا يعطون الموظفين منها إلا بقدر. سترين هناك العام الرسمي كله, فنظرت اليه نظرة الغضب , ثم انفجرت قائلة :

- ماذا تريد ان اضع علي جسمي هذه الحفلة ؟
لم يكن الزوج قد فكر في هذا, ولكنه أجاب في خفوت وغمغمة:
- عندك الثوب الذي تذهبين بت الي المسرح , إنه على ما أرى ملائم كل الملائمة ...

ثم أخذه الدهش و والتوى عليه الكلام حين رأى زوجته تبكي و أبصر دمعتين غليظتين تنحدران من زاويتي عينيها إلى زاويتي فمها , وقال في تمتمة :


- ماذا بك ؟! ماذا بك ؟!


فتحاملت على نفسها بالجهد العنيف , وأجابتة بصوت هادئ وهي تمسح الدمع علي خديها:
- لا شئ غير انني لا أملك ما أتزين به , ولذلك لا أستطيع الذهاب الى الحفلة , فأعط هذه البطاقة زميلا من زملائك تكون امرأته أحسن مني جهازا, وأتم أهبة. فابتأس الزوج وقال : لننظر في الأمر يا ماتيلدة ! كم تكلفنا الزينة البسيطة الملاءمة التي تغنيك في مثل هذه المناسبة؟ ففكرت بضع ثوان تحرر الحساب , وتتحرى المبلغ الذي اذا طلبته لا يثير دهش الموظف الصغير , ولا يوجب رفض الزوج المقتصد, ثم أجابت جواب المتردد :

- لا أعرف ذلك على وحه الدقة, وأظن اربعمئة فرنك تبلغ بي الى هذه الغاية!

اصفر وجه الزوج قليلا, لانه كان ادخر هذه المبلغ بتمامه ليشتري به بندقية يصطاد بها في الصيف مع بعض الاصدقاء في سهل (ننتير), ومع ذلك قال لامرأته:

ليكن! سأعطيك أربعمئة فرنك. فاجتهدي أن يكون لك منها ثوب جميل.
دنا يوم الحفل, وهيئت زينة السيدة لوازيل ,ولكنها لا تزال كما يظهر حزينة مهمومة قلقة. فقال لها زوجها ذات ليلية :


- ماذا تجدين؟ إنك منذ ثلاثة أيام في حال غريبة.


فأجابته:أني ليحزنني ألا تكون لي حلية. فلا أملك مما تتحلي به النساء شيئا من معدن أو حجر , وسأكون أسوأ من في الحفل زيا وهيئة , وأرى من الخير ألا أذهب في هذه الأمسية
فعقب علي قولها بقوله:


تتحلين بالزهور الطبيعية. ذلك أجمل شئ وأطرفه في هذا الفصل. وبعشرة فرنكات تبتاعين وردتين او ثلاث من اندر انواع الورد. فلم يند هذا الكلام على كبدها القريحة وقالت :كلا, فإن أشد الأشياء هوانا وضراعة أن نظهر في محضر الأغنياء بمظهر الفقراء.

ولكن زوجها صاح بها قائلا: ما أشد غباءك! اذهبي إلى صديقتك السيدة فورستييه فاستعيري منها بعض الحلي, فإن بينكما من قديم الصداقة ووثيق العلاقة ما يتسع لمثل ذلك, فصاحت صيحة فرح وقالت: هذا صحيح! ومن العجب انه لم يجر على بالي.

وفي صبيحة الغد ذهبت إلى صديقتها ,فقصت عليها ما همها وغمها. فلم تكد تسمع شكوتها حتى أسرعت الى خزانتها فأخرجت منها صندوقا عريضا وفتحته, وقدمتة الى السيدة لوازيل وهي تقول .. اختاري يا عزيزتي.

فوقع بصرها أول ما وقع على الأساور , ثم على عقد من اللؤلؤ, ثم على صليب بندقي من الذهب قد رصعته بالحجارة يد صناع. فجربت على نفسها الحلي في المرأة , ثم أخذتها حيرة فلم تقطع العزم على ما تأخذ وما تدع و فقالت لصديقتها: ألم يعد لديكي شئ آخر؟

فأجابتها : بلى! ابحثي. فإني لا أعرف ماذا يعجبك؟ وعلى حين بغتة وجدت في علبة من الديباج الاسود قلادة فاخرة من الماس, فخفق قلبها خفوق الرغبة الملحة, ثم تناواتها بيد مضطربة,
وتقلدتها على ثوبها المجهز فإذا هي على ما صورت في الخيال وما قدرت في الامل . فسألت صديقتها غي تردد وقلق: اتستطيعين أن تعيريني هذه القلادة! لا شئ إلا هذه القلادة فاجابتها صديقتها: نعم ولا شك. فأهوت على نحرها تقبله في حمية وطرب, ثم ولت مسرعة بهذا الكنز.

***

آخر تعديل achelious يوم 18/01/2009 في 22:26.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06501 seconds with 11 queries