عرض مشاركة واحدة
قديم 18/08/2008   #23
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


فرادة المحرقة، فرادة البرجين



ما هو الحدث التاريخي الأكثر مركزية في الوجدان الأميركي العام؟ العبودية؟ الحرب الأهلية؟ بيرل هاربور؟ إنزال النورماندي؟ كوريا؟ فيتنام؟ اغتيال كيندي؟ حركة الحقوق المدنية؟ لا. إن الحدث الأكثر مركزية هو المحرقة. المحرقة النازية بحق اليهود. الأمر غريب ولكن هذا هو الواقع. جريمة حصلت قبل عقود فوق قارة أخرى ومع ذلك فإنها أول ما يتبادر إلى ذهن الأميركي العادي عندما يُطلب منه أن يسمي واقعة تاريخية. ليس في ما تقدم تجاوز. هذه خلاصة أبحاث كثيرة أهمها على الإطلاق كتاب بيتر نوفيتش »المحرقة في الحياة الأميركية« الذي استفاد منه نورمان فنكلشتاين في وضع كتابه »صناعة المحرقة«.
العنوان الثاني دقيق. لقد صُنع وعي المحرقة في الولايات المتحدة من قبل 2 إلى 3 في المئة من السكان الذين نجحوا في تعميمه برغم كونهم في موقع لا علاقة له بوضعية الضحية. ويجمع المؤرخون على أن حرب حزيران 67 هي الموعد الفاصل في هذه العملية. قبل ذلك لم يكن الموضوع مطروحاً في أميركا. بعد ذلك أصبح مهيمناً بفضل الاكتشاف الأميركي لأهمية الموقع الاستراتيجي لإسرائيل واندفاع القسم الأكبر من اليهود الأميركيين إلى الاستفادة من ذلك وتوظيفه، عبر أدب المحرقة، في الحصول على امتيازات معنوية تصب، في النهاية، في خدمة السياسات الإسرائيلية.
* * *
أحداث 11 أيلول هزت الولايات المتحدة هزاً. تغيّرت وتغيّر العالم من حولها. المسافة بين 10 أيلول و12 أيلول لا تُقاس بالساعات.
انبعثت العزة القومية. وُضعت قوانين كان يستحيل وضعها. تعالت النزعة الحربية على قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا. انقسم العالم إلى »فسطاطين«. وصبت روافد دينية وسياسية ووطنية ومصلحية في مجرى واحد. ثمة، كما يقال، ما قبل وما بعد.
كان يمكن لهذا الحدث الجلل أن يحتل الموقع الأول في الوجدان الأميركي وأن يزيح المحرقة من الصدارة. هل حصل ذلك؟ من المبكر الإجابة. ولكن في الإمكان القول إن عناصر دفعت نحو إنتاج تسوية من نوع آخر. تسوية تعايش.
1 كانت نيويورك مسرحاً للضربة الأكثر مأساوية. ونيويورك هي المدينة اليهودية الأولى في العالم. ويقود ذلك إلى مشاركة في المشكلة وليس إلى تمايز.
2 لعب رودولف جولياني دوراً خاصاً. فالرجل يكاد يكون الأكثر صهيونية بين السياسيين الأميركيين. وإذا كان تحوّل إلى بطل قومي، وإلى رجل العام، فلقد قنن هذا التوظيف العاطفي كله من أجل أن يأخذه معه في رحلته إلى إسرائيل، هذه الرحلة التي خاطب مضيفيه خلالها انطلاقاً من وحدة حال مفترضة.
3 حصل نجاح في تصوير ما يدور فوق أرض فلسطين وكأنه اعتداء من أقران أسامة بن لادن على شعب شقيق لا بل على بشر تتداخل حياتهم بحياة الأميركيين.
4 وفرت متانة العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل قاعدة لازدهار العواطف المشتركة. ووفر أدب المحرقة مخزوناً ثرياً لأدب تفجيرات 11 أيلول بحيث استعيدت، حرفياً، التفسيرات (اللاتفسيرات بالأحرى) المعطاة للأمرين وهي ذات طابع غير عقلاني لأنها، تعريفاً، وكما يُزعم، »عصيّة على الفهم«.
وهكذا تجاورت التفجيرات مع المحرقة في سياق عملية تماهٍ تضع أميركا وإسرائيل في موقع الضحية لعدو يتناسل: النازية بالأمس والفاشية الإسلامية اليوم.
* * *
هذا الحرث الثقافي، المستند إلى صلابة في العلاقات الاستراتيجية، لعب دوراً مؤكداً في تعزيز الانحياز الأميركي إلى إسرائيل. ويكفي المرء
أن يقارن حتى يستنتج أن الأميركيين يكادون ينسخون الخلاصات التي قادت إليها »صناعة المحرقة«.
لم تعد المقارنة جائزة بين 11 أيلول وأي إرهاب آخر في العالم. كل ما سوى ذلك حوادث أما هذا فهو الحدث. ولم يعد جائزاً أي استدراك عند إبداء الأسف على ضحايا التفجيرات. فلما حاول الوليد بن طلال أن يقول »ولكن« أسكته جولياني نفسه. ولم تعد آلام الآخرين إلا نسبية حيال الألم المطلق والفريد الذي أصاب الأميركيين.
وهكذا يجد كولن باول أن الإتيان على ذكر بيوت رفح المجروفة »كلام هستيري«. وباول نفسه لم يقل الكلام نفسه عندما قورنت تفجيرات القدس بما حصل في نيويورك.
إن فرادة »البرجين« هي استمرار لفرادة المحرقة. كل قول آخر تحريفي، وكل تحريف تعاقبه واشنطن.
... عودة إلى كتاب نوفيتش، وعلى خلفية الموقف الأميركي من الفلسطينيين: »إن خطاب المحرقة (كما خطاب البرجين) يقود، على عكس المفترض، وعبر التركيز على الفرادة، إلى الانسحاب من الواجبات الأخلاقية.

01/22/2002

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04001 seconds with 11 queries