الموضوع: البائس!
عرض مشاركة واحدة
قديم 27/12/2008   #1
شب و شيخ الشباب قرصان الأدرياتيك
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ قرصان الأدرياتيك
قرصان الأدرياتيك is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
1,446

افتراضي البائس!


عليّ أن أكتبَ...
عليّ أن أرسمَ الصّفحات، أن أطعنَ الأقلام وأتركها تنزف على رصيفِ الأوراقِ والزّمن.

هكذا فكّر البائسُ وهو يُحدّق بجمودٍ وكآبة إلى طاولةٍ امتلأتْ بالأوراقِ وأشياءَ أخرى ما عاد يرى منها شيئاً!

حملَ القلمَ وكتبَ:
"أحتاجُ منزلاً بعيداً، بعيداً جداً، يختفي بين أشجار النسيان، في قلبِ جزيرةٍ مهجورةٍ مجهولة... فيه مكتبتي وأشيائي العتيقة وما تبقّى لي من رفات الوجود... فيه مدفأة صغيرة تحرق حطبات جامدة صلبة... ".

توقّفَ قليلاً ونهضَ وغادرَ الطّاولة الخشبيّة، ثمَّ عادَ حاملاً كوباً من الشّاي وأمسكَ القلمَ وكتبَ من جديد:
"أُريدُ أن أكونَ مثلَ تلك الحطبة المتّقدة، حطبة تحيا قليلاً، ولا ترى من الوجود والحياة إلا القليل القليل... تأكلها النيرانُ وتترك عظامها رماداً لا يستحقّ إلا أن يُترك في مهبّ الرّيح".

نخزته الذّاكرة فهبّ متذكّراً المكان وقال في نفسِه: يا لغبائي! ما الذي دفعني إلى أن أكونَ هُنا اليوم... ؟
في مدينة الأدرياتيك والفلاحين الأثرياء يأكلون الـ"بيادينا" ويحسبونها لحماً وهم في فقرِ ذاتهم يعمهون.
برغم كلّ شيء... وبرغم الأثقال والأحمال والكآبة والأحزان ابتسمَ متذكّراً شوايا بلدته المغبرّة الحارّة.

غابت الابتسامة في أفقِ الواقع وتساءَل: متى سأعود؟
لا أعلم! ولا أعلم متى ستكون عودتي الأبديّة!
وإلى أين؟ تساءَل من جديد.
لا أعلم أيضاً!
ماذا تعلم إذاً أيّها الأبله؟ هكذا وبّخ نفسَه مشمئزاً.
أعلم شيئاً واحداً فقط هو أنني أنتظرُ عودةً ما.
سخرَ من نفسِه وقال: أمثل مسيحيّ ينتظرُ مشتاقاً عودة إلهه الموعودة فوق غمام السّحاب؟
أمثله يقوده الإيمان نحو انتظارٍ محمّل برجاءٍ واسع ومحبّة لا تنتهي؟
لا، فعودتي لا ترجو... ليست إلا انتظاراً يائساً لا يخبو أبداً، كمدفأة عجوزٍ تشتعل دوماً وتصرخ في وجه الشّتاء: لا تنتهِ!

Mors ultima ratio
.
www.tuesillevir.blogspot.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07561 seconds with 11 queries