عرض مشاركة واحدة
قديم 27/08/2007   #2
صبيّة و ست الصبايا عاشقة الكلمات
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ عاشقة الكلمات
عاشقة الكلمات is offline
 
نورنا ب:
Aug 2007
المطرح:
مدينة الكلمات
مشاركات:
328

افتراضي


تسلط رسائل «فان غوغ» الضوء على ما تعنيه كلمة «الكدح» في حياته، وظهر ذلك جليا في لوحاته، التي صارت تقليدا للوجود الحيوي لما هو قيد التصوير، اي فعل كينونته، مثلا، عندما يصور الارض المنقوبة في حقل، ادخل الى لوحته، حركة المحراث وهو يشق الاثلام، في الارض، فحيثما التفت كان يرى كدح الوجود، الذي صار هو الواقع بالنسبة اليه.
لقد قاده موقفه هذا من الحياة، الى البحث عن اساليب جديدة في الرسم والتلوين، تمكنه من التعبير عن عواطفه الجياشة نحو الناس وعناصر الطبيعة المختلفة. عن موقفه هذا كتب «فان غوغ»: «كان بودي رسم بورتريت لصديق فنان، اشقر الشعر، رجل ذي احلام كبيرة، يعمل مثلما يغني العندليب.. اردت نقل اعجابي به الى اللوحة، لذلك رسمته كما هو على اعلى درجة من الصدق. للبدء بالرسم: اللوحة لم تكتمل بعد، سألوّنها بشكل عشوائي. بالغت في شقرة الشعر للحصول على درجات عديدة من اللون البرتقالي، والكروم، والاصفر الليموني الشاحب، بالنسبة الى خلفية اللوحة، بدلا من طلي الجدار بلون الغرفة العادي، سأستخدم اللون الازرق العميق تعبيرا عن الازلية. بهذه الطريقة البسيطة، سيخلق الرأس المتألق على الخلفية الزرقاء تأثيرا غامضا، مثل نجمة في السماء اللازوردية».
كانت السنوات الثلاث التي قضاها «فان غوغ» في «آرل» جنوب فرنسا، حاسمة في حياته، اذ مضى في الرسم المتواصل، ليل نهار، مطاردا مواسم الربيع في البساتين، حيث تتوهج الاشجار بأزهار النّوار الوردي والابيض. كان يرسم في الايام الهادئة والعاصفة، محاولا تصحيح تجاربه الفاشلة مئات المرات، وفي مرسمه احاط نفسه برسوم يابانية وصور مطبوعة لكبار الرسامين، لغرض تقليدها، بدأب متواصل. يكتب عن ذلك لأخيه: «انا اغبط اليابانيين على الوضوح الشديد الذي يتحلى به عملهم، اذ انه ليس مملا، ولا يبدو كأنه انجز على عجل. عملهم بسيط كالتنفس، يرسمون مختلف الاشكال بعدة ضربات فرشاة واثقة، بنفس السهولة التي تغلق بها ازرار معطفك».
في حالة انتشائه تلك، عاش «فان غوغ» مهرجان الطبيعة حوله، بقدرته على رؤية ما يدور خلف سطح الاشياء، بقدرته على رؤية النسغ الطالع من الاسفل الى اعلى، الى كيف تتفاعل شجرة السرو مع الريح والشمس في حركتها وتشكلها.
لقد تهدم الخط الفاصل بين الذات والعالم الخارجي، واصبحت الطبيعة بمختلف مظاهرها قادرة على التعبير عن اغوار النفس، فالأمل يعبر عنه ببضعة نجوم، وتلهف الروح للانعتاق باشعاع الغروب.
لذلك جاءت لوحتا ازهار عبّاد الشمس تتويجا لذلك الكدح الجنوني وتراكم خبرات هائلة في زمن قصير جدا. «سترى ان هاتين اللوحتين تشدان بصرك اليهما. انهما نوع من الرسوم التي تتغير صفاتها كلما ازددت امعانا بها، فتصبح اكثر ثراء». كتب ذلك الى اخيه بعد فترة قصيرة من اتمام رسمهما، من المستشفى الذي حُجر عليه فيه، لكنه اضاف في الرسالة نفسها «انا دائما ممتلئ بالندم الى حد كبير، عندما افكر في عملي لأنه لم يكن مماثلا لما كنت احب انجازه، آمل على المدى البعيد، ان انجز اشياء افضل». رسائل «فان غوغ» تجعلنا نتلمس مدى اقترابه من الواقع الى النقطة التي لم يصلها رسام قبله، والتي اتاحت له ان يمس ذلك السحر والبهاء المخفي عن الابصار، وكان عليه، في نهاية المطاف، ان يدفع ثمن تلك الهبة السماوية النادرة. يقول «فان غوغ» في رسالة اخرى: «الموت ليس أسوأ ما يمكن ان يواجهه الفنان في حياته»، اذ قد تكون متطلبات العيش، او الجنون او الاسرة او الوظيفة او غيرها عناصر اكثر تهديدا من الموت على مواصلة الفنان في تحقيق ذاته كفنان، ولعل «فان غوغ» عبـّر عن تلك القوى المعيقة له بالغربان السوداء التي اكتظ حقل القمح الذهبي بها.

انا الانتظار...
انا الاحتراق ...
انا الفراشةيغريها العناق توحدا بالنار
انا من جناه عشق عاصف
ايجني عشق عاصف غير الدمار
و انا جنيت الدمع انهارا
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04517 seconds with 11 queries