عرض مشاركة واحدة
قديم 08/09/2008   #1
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي قصص ضائعة- غابريل غارسيا مركيز


هذه هي القصة, كما رووها لي

لم يكن كارلو دي لوكا -وريث امبراطورية صناعية واسعة ورئيسها- واحدا من أكثر الرجال نفوذا في ايطاليا وهو في السادسة ةالثلاثين من عمره وحسب, بل ربما كان أكثرهم أناقة وكياسة كذلك فلم يكن للحفلات في روما أو ميلانو أي طعم دون مشاركتة وفضلا عن كونه محدثا لامعا بخمس لغات يتقنها تماما , كان يعزف البيانو , والجيتار , والساكسفون مثل محترف في العزف , ويغني ويرقص وكان الغناء والرقص مهنته , وكان طيارا مجربا, ورياضيا متعدد الرياضات, وحاويا مذهلا, ومقلدا باهرا للشخصيات المشهورة.
وعلى الرغم من المهمات الكثيرة التي كانت تحاصره, سواء في عمله أو في الحياة الاجتماعية, فقد كانت حياته الزوجية منسجمة ومستقرة وكانت زوجته الجميلة والرشيقة تبدو سعيدة وكان له ابن وحيد, اسمه بيرو , عمره ثمان سنوات.
لقد أثارت شخصية ذلك الرجل الأخاذ, قلقا غامضا في قلب سيلفيو بينالبير, وهو مهاجر أمريكي لاتنيني, خجول وكفؤ جدا , كان قد توصل خلال سنوات قليلة إلى موقع جيد في إحدى شركات كارلو دي لوكا الصغرى كان رب العمل في نظر بينيالبير هو نموذج الرجل السعيد , وقد بدا له ذلك اليقين أمرا لا يطاق , لأسباب من النوع الأخلاقي , لم يستطع هو نفسه تفسيرها.
عند الغروب,وصل بينيالبير إلى شقتة في باريولي, ومعه بيرو الصغير الذي كان يبدو غير متعب لفرط سعادته.كانت زوجته وابنه ينتظرانه لتناول العشاء, بعد أن أمضيا يوم أحد ممتعا كذلك.فسر بينيالبير وجود بير بأبسط طريقة ممكنة : لقد رغب الطفل في أن ينام معهم, لأن أبويه لن يكونا في روما تلك الليلة, وقد ألح الصغير كثيرا حتى أن كارلو دي لوكا نفسه منحة الإذن قبل أن يسافر إلى نيو يورك.
كان عشاء ممتعا, وقد تفاهم ابن بينيالبير وبيرو المحظوظ على أحسن مايرام, وتمكن هذا الأخير, لأول مرة, من أن يأكل ما يشاء ويرفض ما لا يرغب فيه, وأن يخرق جميع قواعد اللياقة دون أن يؤنبه أحد على ذلك.وقد هدأ بينيالبير من روع زوجته:
الأمر كله مجرد مزاح, فهو يرى أنه من غير الأخلاقي أن يكون كارلو دي لوكا سعيدا كل تلك السعادة, ويريد أن يقدم له ولو يوم أحد واحدا من الغم على الأقل, ولفتت زوجته انجيلا نظره إلى أن تلك المداعبة الثقيلة قد تكلفه الطرد من عمله, كان بينيالبير معتمدا على تواطؤ بيرو في عدم اكتشاف أمره, لكنه كان مستعدا مع ذلك للعودة إلى بلاده, حيث بدأت تتبدل الظروف السياسية التي اضطرته إلى الهجرة. وأدركت انجيلا, التي كانت جدية وملهمة, أنه ليس أمامها من طريق آخر, بعد أن وصلت الأمور غلى ذلك المستوى, سوى مشاركة زوجها المصير. ثم طمأنتها نشرة أخبار التلفزيون حين لم ترد كلمة واحدة عن القضية. وانتهت إلى الاتفاق مع زوجها على أن يعيد الطفل إلى بيته سالما ومعافى, وفي صباح اليوم التالي الباكر
لم ينم كارلو دي لوكا لحظة واحدة. كان الجدال مع شركائه طويلا ومضنيا,و لكنهم كانوا على وشك الوصول إلى اتفاق عند الفجر بدأت حقائب المال القادم من مصادر متنوعة تتجمع في المكتب,وكان يجري إعداد الخمسين مليونا لتسليمها. وفي الساعة السابعة صباحا, حين كانوا بانتظار المكالمة الأخيرة لإقرار تفاصيل تسليم الفدية, فوجئ الجميع بالخبر الذي يقول إن بيرو قد رجع.
فعلا, لقد حمله بينيالبير على دراجته النارية حتى الحديقة المجاورة, وودعه هناك بعد أن زوده بتعليمات مفصلة للوصول إلى بيته دون لف ولا دوران. ابتعد الطفل عنه دون حماس, وكان حزينا إلى حد ما, لأن مغامرة حياته الكبرى قد انتهت. لم ينتبه هو, ولا خاطفه اللطيف إلى أن اثنين من رجال الشرطة الكثيرين الذين كانوا يرصدون المنطقة -أحدهما متنكر بزي بائع الحليب والآخر بزي كناس عام- قد اكتشفاهما.
خرج كارلو دي لوكا, المهوك من التوتر والسهر, راكضا لاستقبال ابنه. وفي تلك اللحظة بالذات, توقفت أمامهما سيارة الشرطة التي كانت تحمل بينيالبير سجينا. حينئذ أدرك كارلو دي لوكا الحقيقة, وأفرغ على مستخدمه كل شحنته من الغضب المتراكم خلال نحو عشرين ساعة من الجزع. أما الطفل الذي كان مايزال بين يدي أبيه, فقد مر بلحظة من التشوش. ولكن ما إنطلقت سيارة الدورية بانوارها وصفاراتها, حتى أفلت نفسه من يدي أبيه, وركض وراء السيارة الشرطية, باكيا بصوت عال, ليمنعهم من أن يأخذوا إلى السجن أباه المزيف, الذي منحه يوم الأحد السعيد الوحيد.

غابرييل غارسيا ماركيز

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات

آخر تعديل achelious يوم 09/09/2008 في 00:35.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04812 seconds with 11 queries