الموضوع: أسبوع وكاتب - 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 22/06/2008   #184
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


صوفيا تكتشف فرار تولستوي!

عندما نرجع إلى ذلك اليوم الذي غادر فيه تولستوي مزرعته، نتتبع خطوات زوجته صوفيا التي تيقظت في الحادية عشرة صباحاً، ودخلت غرفة زوجها كالعادة بوجبة الإفطار فلم تجده! فأحست بأن شيئاً ما قد حدث، فاتجهت إلى حيث كانت ابنتها ساشا: أين أبوك؟!
أجابتها بحزم: لقد رحل! حاولت صوفيا السيطرة على نفسها وسألت: رحل؟! رحل إلى أين؟!

قالت ساشا: لا أعرف!
بدأت تباشير الغضب والتوتر تفرض نفسها على ملامح صوفيا، فصرخت في ابنتها: كيف لا تعرفين؟! أهذا معقول؟! أنت الوحيدة التي لا يخفي عنها شيئاً! فأبرزت لها ساشا تلك الرسالة التي تركها لها زوجها! اختطفتها من يد ابنتها خطفاً! وما أن قرأت مضمونها حتى صاحت في حزنٍ وبؤسٍ وغضب.. يا إلهي! ماذا فعلت بي يا ليو..؟!
وفجأةً انطلقت كالقذيفة تعدو نحو البركة العميقة في أقصى حديقة إيزيانا/ بوليانا وهي تصيح: سأُغرق نفسي.. سأموت.. ما معنى الحياة بعدك يا ليو.. سأموت.. وليعلم أينما كان في هذه اللحظات أنه قاتلي! ويسرعون خلفها، وكانت قد سبقتهم إلى البركة، فألقت بنفسها في الماء دون أدنى تردد! وكانت على وشك الموت غرقاً، لولا رئيس الخدم بولجاكوف وساشا اللذان استطاعا إخراجها من الماء وهي تقاومهما! أعادوها بصعوبةٍ بالغة إلى مخدعها! وبعد أن ألبستها ابنتها ثياباً جديدة، صاحت فيها في ثورةٍ وغضب: أبرقي إلى أبيك بأنني ألقيت نفسي في البركة لأغرق.. قولي له إنني سأفعل ذلك من جديد إذا لم يعد..؟!
فتهدئ ساشا من روعها: أعطه وقتاً يا أمي.. فأنت تعرفين أبي خيراً مني! فتصرخ بها: بل سيعود إذا عرف أنني سأقتل نفسي إذا لم يعد.. إنه يحبني! ثم تبكي في توسل كأنما تتحدث إلى نفسها: لمَ فعلت ذلك يا ليو؟ أنت تعلم بأنني أفديك بروحي! وأنت تحبني بأكثر مما تحب أحداً في الكون!! تحبني بأكثر ما تحب أبناءنا وبناتنا! وتجهش متوسلة.. عُد يا حبيبي! عُد يا ليو إلى حبيبتك! أغلقت عليها ابنتها ساشا باب المخدع، وذهبت لتعد لها شراباً ساخناً، فقد كانت ترتجف من البرد!
وبينما كانت في المطبخ، فوجئت ساشا برئيس الخدم بولجاكوف يصيح: أسرعي يا آنسة ساشا، لقد كسرت الباب وانطلقت تعدو نحو البركة مرة أخرى!! أعادوها هذه المرة قبل أن تلقي بنفسها في الماء. ولما وُضعت على سريرها أحيطت بكل من في المنزل، حتى لا تتكرر المحاولة! وعندما جاءها الطبيب، وجد أنها تعاني من نوبة هيستيرية! مما دفع ابنتها ساشا إلى الاعتقاد أن والدتها تعاني مرضاً عقلياً! لأنها كانت تمارس هذه التصرفات الهوجاء مع زوجها! لكن الطبيب يطمئنها أن ما تعانيه أمها ليس إلا نوبة هيستيرية خوفاً على مصير زوجها! وربما إحساسها بالذنب يدفعها إلى مثل هذه التصرفات! وبينما كانت ساشا تتحدث إلى الطبيب صاحت فيها من على سريرها في شدة: فيم تتهامسان؟! أبرقي يا ساشا إلى جميع إخوتك، وأخواتك، ليحضروا جميعاً، ليعرفوا ما فعل بي أبوكم.. أبرقي لهم كلهم.. كلهم. وما أن انتهت أوامرها ونواهيها حتى انخرطت في نوبة من البكاء! فاحتضنتها ساشا، فقامت هي بدورها باحتضانها وقالت: أتوسل إليك يا ابنتي اذكري لي مكانه لألحق به!!.. فأجابتها ابنتها: أماه! لو كنت أعرف إلى أين رحل أبي! لما أخبرتك! لقد وعدته بذلك! فأفلتت نفسها من حضن ابنتها ودفعت بها، وصاحت في وجهها وهي ثائرة: «أتحسبين أنني لن أعرف أين هو الآن؟! سأعرف، سأعرف، وسأفرّ من هذا السجن الذي وضعتموني فيه لألحق به.. سألقي بنفسي من النافذة. ثم تخنقها العبرات وتتشنج في نوبة من البكاء.. ليو.. ليو.. لماذا فعلت ذلك بي يا ليو؟! لماذا يا حبيبي؟!»
وكان أول من علم بفرار تولستوي من أهالي القرى المجاورة لمزرعة إيزيانا/ بوليانا، هو صديقه تشيرتيكوف، وكانت له وسائله في معرفة مكان صديقه الكبير! وما أن تأكد من مكانه حتى أرسل إليه مساعده سيرجينكو بتفاصيل ما حدث في مزرعته منذ رحيله! فعقب تولستوي على ما سمع قائلاً: يا للسماوات! لم أكن أدري أنها على هذه الدرجة من الحماقة! ثم سأل سيرجينكو:
ـ هل عرفت بمكاني؟!
ـ يا كونت! أنت تعرف أنها قادرة على أن تعرف مكانك، ودون شك أنها ستفعل!
واجتمع الإخوة والأخوات أولاد وبنات تولستوي، وانقسموا على أنفسهم في أمر الخلاف بين أمهم وأبيهم، وكانت ساشا أكثرهم شجاعةً، حيث واجهت أمها بصراحة وقالت لها:
«.. إذا شئت أن يعود زوجك إليك! فعليك أن تقنعيه بأنه سيعود إلى الحرية، وليس إلى السجن! إلى الزوجة التي يحبها، وليس إلى الزوجة التي يخشاها على أفكاره ومشروعاته! واذكري يا أماه أنك تتعاملين مع فنان كبير بلغ الثانية والثمانين من العمر!».
أما الباقون من الأشقاء، فقد أيّدوا والدتهم التي اقترحت عليهم أن يرسلوا برقية جماعية إلى الأب الهارب! لكن ساشا قالت لهم إنها لن تخبرهم عن مكانه! إلا أن صوفيا أعلنت جازمةً أنها تعرف مكانه وطلبت من أولادها أن يرسلوا البرقية إلى قرية شاماردينو، فصعقت ساشا.. وسألت أمها: ولماذا شماردينو تحديداً؟!
فأجابتها: حدثني مرة عن رغبته في استئجار بيتٍ ريفي هناك! ثم إنني اطلعت على أختام الرسالة التي بعث بها إليك وفيها كلمة شاماردينو! فأرسلوا إليه البرقية وناشدوه فيها بالعودة وقولوا له: إنني سأموت كمداً إذا لم يعد! وسيدخل هو التاريخ ليس بلقب الكاتب الكبير، بل بلقب قاتل زوجته!


يتبع..

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04915 seconds with 11 queries