الموضوع: عطالة التاريخ
عرض مشاركة واحدة
قديم 01/09/2008   #2
صبيّة و ست الصبايا sona78
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ sona78
sona78 is offline
 
نورنا ب:
Jun 2008
مشاركات:
1,993

افتراضي تتمة


ومن بين هذه العقد والحسابات المعلقة، الحزازات
الطائفية والمشاكل المرتبطة بالتعامل التاريخي للأغلبيات المذهبية أو القومية مع الأقليات الدينية والإتنية.
ومن ينظر إلى مجتمعاتنا اليوم يعتقد أن تاريخ الحروب الأهلية الإسلامية الأولى، وتاريخ المعاملات التحقيرية للأقليات غير العربية وغير الاسلامية التي عرفتها عهود السلطنة لا يزالان عائشين فينا إلى اليوم، ولا تزال النزاعات التي رافقتهما ورهاناتها المختلفة مستمرة لم تحسم بعد. يظهر هذا عبر النزعة المتنامية للانسحاب من الهوية الوطنية وإعادة بناء الجماعات العصبية، والانكفاء على القيم التقليدية الطائفية والقبلية والعشائرية والعائلية. كما يظهر من خلال عودة الإشكاليات القديمة على صعيد المناظرة العقلية، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة، مثل بناء الدولة الاسلامية أو الخلاقة أو الامبرطورية، أو من خلال تلغيم جميع المناظرات الفكرية والسياسية الحديثة، وتبطينها بحساسيات الماضي ومخلفاته ونزاعاته التي لم يمكن حلها أو تذويبها واستمرت تعيش فينا حياتها السرية.
بل إنني أعتقد اليوم، ونحن في قلب المناظرة العربية التي أثارها انهيار النظام العام، أي المباديء الفكرية والسياسية التي قام عليها الاستقرار المجتمعي في العقود الماضية، أن تلك البطانة التي لا ترى عبر الخطاب الظاهر أو التي لا يسعى هذا الخطاب إلا إلى إخفائها، لا تجعلنا ندور في حلقة مفرغة تمنعنا من التواصل والنقاش الفعلي فحسب، وإنما تعيق، أكثر من ذلك، أي تقدم لنا على طريق حسم الخلافات الفكرية والسياسية. وأننا لن نستطيع الخروج مما ينبغي تسميته بالفعل حوار الطرشان "الوطني" من دون تنكب مهمة الغوص في هذا الباطن، الذي لا يرى ولا يسمع ولكنه هو الذي يتكلم في غالب الأحيان من وراء غلالة اللغة الفكرية والمفاهيم العقلية المستخدمة. ومما يزيد من قوة فعل هذا الباطن وشدته، كونه ليس فكرة ولا مفهوما ولا حجة عقلية وإنما هواجس تكونت بفعل تراكم الحزازات التاريخية، وتحولت إلى كرة من المشاعر الملتهبة التي تسكن الأعماق وتوجه تفكيرنا الباطن، حتى عندما تخفى على الجميع، بما في ذلك على أصحابها أنفسهم، ويصبح من غير الممكن التحكم بها ولا الكشف عنها.
هكذا يبدو للمرء أحيانا أن نقاشاتنا النظرية وحججنا العقلية في الديمقراطية والعلمانية والحداثة والقومية والوطنية والحرية والعدالة والمساواة والاشتراكية والرأسمالية والغرب والعولمة كثيرا ما تبقى ملغمة ببقايا التاريخ الماضي ونزاعاته الدينية والمذهبية والإتنية، وذاكرات أطرافه المليئة بالمخاوف والهواجس والشكاوى غير المسموعة والحسابات غير المسددة. وإذا ظهرت آثار هذه الذاكرة غير المطهرة على مستوى الجمهور العام من خلال الانكفاء على الجماعة الخاصة وتحويلها إلى هوية أساسية، مع ما يعنيه ذلك من بلورة مواقف ومشاعر وعادات وتقاليد ومواقف تعكس التأكيد على هذه الهوية والحفاظ عليها من الذوبان، أي إعاقة أي بناء جديد لوعي وطني جامع، وبالتالي لقانون جامع أيضا، ونزعة قوية للتميز والتقوقع ضمن منطق القوانين والشرائع الخصوصية، فإن آثارها عند المثقفين بارزة في عجز هؤلاء عن الدخول في حوارات جدية منتجة، وبناء لغة مفهومية واحدة. فيكاد يكون لكل فئة، لغتها المزدوجة النابعة من تمحور تفكيرها حول أولويات وقضايا ومفاهيم خاصة، وتجسيدها رهانات ومشاعر وحقائق غير معلنة نابعة من الحرص على تأكيد مواقف أو إعتقادات مسبقة أو تعزيزها. هكذا لم يعد من الممكن بناء أي حياة ثقافية أو كتلة ثقافية حية في البلاد العربية. وبدل أن يتوحد المثقفون الذين تحولوا إلى أقلية مهددة، حول رؤية مشتركة للمستقبل، تدفعهم الشكوك والحساسيات والهواحس الخاصة، المستندة إلى ذاكرة تاريخية غير مفكر فيها، إلى تحطيم بعضهم البعض والتشكيك بخياراتهم واصطناع الحيل المعقولة وغير المعقولة للايقاع بعضهم ببعض والتشهير بمواقفهم ونزع الصدقية عنها.

موقع سورية الان

قلي لي احبك
كي تزيد قناعتي اني امرأة
قلي احبك
كي اصير بلحظة .. شفافة كاللؤلؤة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03208 seconds with 11 queries