الموضوع: السريان
عرض مشاركة واحدة
قديم 07/08/2008   #52
شب و شيخ الشباب tiger
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ tiger
tiger is offline
 
نورنا ب:
Mar 2006
المطرح:
الجنة
مشاركات:
2,700

افتراضي


يقول طه حسين

" للتوراة أن تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا ، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لاثبات وجودهما التاريخي ، فضلا عن اثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن ابراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها . ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في اثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة ، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى .

وأقدم عصر يمكن أن تكون قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو هذا العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية ويبنون فيه المستعمرات . فنحن نعلم أن حروبا عنيفة شبت بين هؤلاء اليهود المستعمرين وبين العرب الذين كانوا يقيمون في هذه البلاد ، وانتهت بشيء من المسالمة والملاينة ونوع من المحالفة والمهادنة .

فليس يبعد أن يكون هذا الصلح الذي استقر بين المغيرين وأصحاب البلاد منشأ هذه القصة التي تجعل العرب واليهود أبناء أعمام ، لا سيما وقد رأى أولئك وهؤلاء أن بين الفريقين شيئا من التشابه غير قليل ؛ فأولئك وهؤلاء ساميون .

ولكن الشيء الذي لا شك فيه هو أن ظهور الإسلام وما كان من الخصومة العنيفة بينه وبين وثنية العرب من غير أهل الكتاب ، قد اقتضى أن تثبت الصلة الوثيقة بين الدين الجديد وبين الديانتين القديمتين : ديانة النصارى واليهود .

فأما الصلة الدينية فثابتة واضحة ، فبين القرآن والتوراة والأناجيل اشتراك في الموضوع والصورة والغرض ، كلها ترمي إلى التوحيد ، وتعتمد على أساس واحد هو هذا الذي تشترك فيه الديانات السماوية السامية . ولكن هذه الصلة الدينية معنوية وعقلية يحسن أن تؤيدها صلة أخرى مادية ملموسة أو كالملموسة بين العرب وبين أهل الكتاب .

فما الذي يمنع أن تستغل هذه القصة قصة القرابة المادية بين العرب العدنانية واليهود ؟
وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول مثل هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح فقد كانت أول هذا القرن قد انتهت إلى حظ من النهضة السياسية والاقتصادية ضمن لها السيادة في مكة وماحولها وبسط سلطانها المعنوي على جزء غير قليل من العربية الوثنية . وكان مصدر هذه النهضة وهذا السلطان أمرين : التجارة من جهة ، والدين من جهة أخرى .

فأما التجارة فنحن نعلم أن قريشا كانت تصطنعها في الشام ومصر وبلاد الفرس واليمن وبلاد الحبشة .
وأما الدين فهذه الكعبة التي كانت تجتمع حولها قريش ويحج اليها العرب المشركون في كل عام ، والتي أخذت تبسط على نفوس هؤلاء العرب المشركين نوعا من السلطان قويا ، والتي أخذ هؤلاء العرب المشركون يجعلون منها رمزا لدين قوي كأنه كان يريد أن يقف في سبيل انتشار اليهودية والمسيحية من ناحية أخرى .

فنحن نلمح في الأساطير أن شيئا من المنافسة الدينية كان قائما بين مكة ونجران . ونحن نلمح في الأساطير أيضا أن هذه المنافسة الدينية بين مكة وبين الكنيسة التي أنشأها الحبشة في صنعاء هي التي دعت إلى حرب الفيل التي ذكرت في القرآن .

فقريش إذن كانت في هذا العصر ناهضة نهضة مادية تجارية ، ونهضة دينية وثنية . وهي بحكم هاتين النهضتين كانت تحاول أن توجد في البلاد العربية وحدة سياسية وثنية مستقلة تقاوم تدخل الروم والفرس والحبشة ودياناتهم في البلاد العربية .

وإذا كان هذا حقا – ونحن نعتقد أنه حق – فمن المعقول جدا أن تبحث هذه المدينة الجديدة لنفسها عن أصل تاريخي قديم يتصل بالأصول التاريخية الماجدة التي تتحدث عنها الأساطير . وإذن فليس ما يمنع قريشا من أن تقبل هذه الأسطورة التي تفيد أن الكعبة من تأسيس اسماعيل وابراهيم ، كما قبلت روما قبل ذلك ولأسباب مشابهة أسطورة أخرى صنعها لها اليونان تثبت أن روما متصلة باينياس ابن بريام صاحب طروادة .

أمر هذه القصة إذن واضح . فهي حديثة العهد ظهرت قبيل الإسلام واستغلها الإسلام لسبب ديني ، وقبلتها مكة لسبب ديني وسياسي أيضا "

( كتاب فى الشعر الجاهلى , طه حسين , فصل الشعر الجاهلي واللغة )

في البدء لم يكن اول افعال الله انتشارا نحو الخارج , , بل طي , انقباض .....

في البدء لا بد ان الله انسحب , انطوى , ميسرا بذلك ولادة العالم .....

في البدء كان الكلمة .....

مملكتي ليست من هذا العالم .....
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04254 seconds with 11 queries