عرض مشاركة واحدة
قديم 22/07/2009   #7
صبيّة و ست الصبايا bacteria
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ bacteria
bacteria is offline
 
نورنا ب:
Oct 2007
مشاركات:
432

افتراضي


اقتباس:
كاتب النص الأصلي : Maher 4x4 عرض المشاركة
.
دخل من باب المطار مسرعا خوفا من أن تفوته الرحلة . توجّه نحو البوابة ، فرأى الناس وقد اصطفّوا عندها وهم يصعدون إلى الطائرة . وكان من عادته أن يتأخر إلى آخر الوقت ، فهو يختار المجازفة على الانتظار . ونحتاج إلى أن نذكر أنه قد وقع عليه النعاس وخدر الجسم منذ ساعات ، فقد قرب وقت السفر ، ولن يزول عنه ما يجده من الإعياء حتى تنتهي الرحلة . وليفهمَ القارئ فإنا نصرّح بأنه يخاف من ركوب الطائرة . والخوف من ركوب الطائرة شائع في الناس ، فواحد من كل ستة يخاف من ركوب الطائرة . هذا مع أنه كثير السفر ، فقد كان يسافر في كل سنة من الست السنين الماضية عشر مرات ، فنضرب عشرة في ستة ، ليكون عددها ستين مرة .
ونقول على سبيل التذكير إنه حين صعِد إلى الطائرة ، ناول المضيفة التي تقف بالباب تذكرة الصعود ، فاطّلعت فيها وردّتها إليه ، ثم أومأت بيدها نحو الممر الذي في الجانب الآخر . فجاوز المطبخ الصغير ، ومشى على رسله في الممر وهو يكرّر النظر إلى تذكرة الصعود وأرقام المقاعد . ثم وقف منتظرا حتى تنحَّ أحد الركاب عن الطريق ، وجلس على مقعد بقرب النافذة . ثم جاء رجل بعده بيسير ، فسلّم وجلس إلى جنبه .
نظر إلى النافذة فرأى في خارج الطائرة المحرّك ، فاستحضر في نفسه صورة المحرّك وهو يحترق ، كما رأى ذلك مرارا في التلفاز ، وكان ذلك من الأسباب التي يكره لأجلها إحدى قنوات الأخبار ، فقد كانت تكثر من عرض برامج حوادث الطيران . لكنه طرد ذلك الوسواس سريعا ، وصرف وجهه عن النافذة ، فإنه لا يجب أن يُلتفت إلى مثل هذه الخطرات . ولن يفكّر كذلك كيف يعمل لينجو لو جاءت طائرة من حيث لا يدري فاصطدمت بالطائرة التي هو فيها . وأظهر التغافل أيضا عن صبي يجلس وراءه ، حاول كسر زجاج النافذة بأن ضربه بسيارته الصغيرة . لقد كان يشعر دائما أن هذا الزجاج سريع الكسر .
دخل على الركاب الطائرةَ امرأةٌ ، امتدت العيون إليها . وكانت مبالغة في اللباس ، حتى كأنها تحضر زفافا . بعض الناس يتزيّن لركوب الطائرة تزيّنا فوق المعهود ، كأن الأمر مناسبة خاصة جدا . قال في نفسه "لا تهلكينا" . وكان يغيظه إذا قيل دعاء السفر أن يُشغل أحد بشيء غيره أو لا يكترث به . أما يرى في أي موضع هُم . أليس ستطير به الطائرة في الهواء . هذا خطأ ومجانب للسُنّة !
سمِع صوت ملّاح الطائرة غير الواضح "كروس تشيك بليز.. كروس تشيك" . لا شك أنه يقصد بذلك أن يتحقّق مضيفٌ من مزلاج الباب الذي كان أغلقه مضيف آخر . عبقري من وضع هذا النظام ، فبهذه الحيلة لن ينفتح باب من أبواب الطائرة فجأة ويتطاير الركاب ، إذا أغفل إغلاقه مضيف متهاون أو لم يغلقه بإحكام ، ولذلك أيضا كان يربط حزام الأمان طول الرحلة . على أنه علِم فيما بعد أن هذا المزلاج إنما هو للحالات الطارئة ، حتى يُفتحَ الباب سريعا ويخرجَ منه الركاب .
حان إقلاع الطائرة ، وهو من أصعب الأشياء عليه ، ربّما لأنه في أول الرحلة . وكذلك أيضا شعر أن الطائرة أثقل من أن تقدر على الطيران ، فلعلّ الربّان أن يكون حاول الارتفاع بالطائرة قبل تمام السرعة . وقد ازداد خوفه بعد قراءته أن حوادث الطيران تكون في الغالب في حال الصعود والهبوط . أخذ طفل رضيع أثناء ذلك في البكاء والعويل ، حتى كأنّ أحدا يعذّبه ، لا يفتر من الصياح ، فزاد ذلك في قلقه واضطرابه . ثم شمّ روائح غير معتادة من فتحات المكيف ، فهجست في صدره خواطر كأنّ تزرقّ وجوه الركاب ويموتوا اختناقا . ثم ارتفعت جلبة وضوضاء . ما هذه الضجة التي يسمع ؟ لا بُدّ أن تكون من الهواء ، ولكن تتابع الأصوات يقلقه . إنه يعرف بطول التجربة أن كل هذا ليس بشيء - في أكثر الأمر - ، ولكنّ انتباهه وتيقظه أكثر مما ينبغي . مثل هذا بعينه يقع إذا سمِع قصة مخيفة أو شاهد فيلما مرعبا ، فمن شدة انتباهه إذا رأى ظل شخصه مثلا خاف منه يظنه شيئا ، وليس هو كذلك ، وأيضا إذا سمِع الخزانة أو التلفاز يقرقعان مع أن مثل هذا يحدث منهما دائما . طمأن ذلك خاطره شيئا .
"تنننن" ، أُطفئت إشارة ربط الأحزمة . أخرج المتحكّم من ذراع الكرسي ، وفتح الشاشة التي أمامه ، ثم وضع قناة البيانات ، من أجل أن يرى على أي ارتفاع تطير الطائرة والوقت الباقي وسرعة الرياح الخلفية . ولا يدري ما معنى سرعة الرياح الخلفية أو الأمامية ، لكنه يشعر أنها تتعلّق بالاضطرابات التي تجري للطائرة ، فكلما كانت شدة هبوبها أقل فهو أفضل .
ارتفع صوت رجل من الركاب بالترنّم ببعض الأصوات . ثم اجتاز به مضيف لم يعبأ به ولا التفت إليه . وكذلك لم يتكلم أحد من الركاب بشيء أو يدعُ المضيف ويطالبه بالتصرف معه . هو يعلم أن مثل هذا الفعل الذميم شائع في وسائل النقل العام ، فقد ركب في طائرة وقطار وحافلة من قبل . ولكن لمَ لم يصنع المضيف شيئا ؟ أليس يحتاج هذا الرجل إلى التأديب والتقريع ؟ أهي سياسة قد اعتمدتها شركة الطيران ، لأن في بلده كثير من الهمج والرعاع ؟ أم أن الشركة لا تعتد بما يجري في الرحلات الداخلية ؟ هَمّ بأن يقول له شيئا مثل "لمَ تنوح ؟" أو أن يبدأه بالشتم .
ولم نجد بُدّا من أن نذكر أن الرجل الذي إلى جنبه جعل يتململ على مقعده ، ومن رآه ظن أنه يجد صداعا أو أنه قد ملّ من الجلوس . تُرى أهو مجهود على الحقيقية أم أنه يظهر التعب والتضجر ليخفيَ شيئا كالقلق والخوف مثلا . فإن كثيرا من الناس إذا ركبوا الطائرة رأيت منهم تغيّرا . وليتفقّد القارئ ما نقوله ، فإنه سيجده فاشيا . ثم إن الرجل سدّ أذنه بإصبعيه ، وجعل يبتلع ريقه ، لتفاوت الضغط . أما هو فما به إلى ذلك حاجة ، لاعتياده ركوب الطائرة ، إنما هو أن يضبط الضغط في أذنيه كلما ارتفعت الطائرة أو انخفضت وقد استقام الأمر . فتح الرجل آخر الأمر المِنْضَدة ، ثم وضع رأسه عليها ونام .
ولن ندّعيَ في هذه القصة أن الطائرة أصابها خلل ، أو أن الطيّار وقع منه خطأ ، أو أن الفضائيين اختطفوها ، على أنهم لا يتراءون إلا في أمريكا . ولكنه يذكر رحلة من رحلاته الستين ، كانت في يوم فيه مطر ، فوقعت صاعقة على الطائرة ، سُمع لها صوت هائل ، فاضطربت الطائرة اضطرابا شديدا حتى خاف الناس أن تسقط ، ووقعت المضيفة أمامه على الأرض ، ووثب الرجل الذي إلى جنبه عن كرسيه ، فنظر هو في النافذة فرآها بيضاء كالثلج من الوميض . جرى كل ذلك في لحظة . لم يسكته الفزع يومه ذاك لكنه ابتسم ، ولا يدري لعلّه أن يكون ما اشتمل عليه ذلك المشهد وكونه صاحبه . ونزول صاعقة على طائرة غير خارج عن العادة ، بل لا تكاد تخلو طائرة من أن تضربها صاعقة مرة في السنة ، فغطاء الطائرة معمول من الألمنيوم ، فمن ثَمّ يجري فيه التيار الكهربائي إذا كان هناك صاعقة ، ثم يخرج في الهواء . وعلت الأصوات بالتسبيح والدعاء ، فأذكره ذلك الآيات العظيمات التي تحكي أمر الناس إذا اشتد الكرب ، مثل الآية "وظنّوا أنهم أُحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين" .
ولعل القارئ يريد أن يسأل عن السبب في تسمية القصة بذلك . والسبب الأول أن رقم هذه الرحلة 1126 . وأما السبب الآخر فهو أنه ما ركب في رحلة أكثر من ركوبه في الرحلة رقم 1126 .
ودعه من أن يأتي فيرى أحدا يجلس في مقعده أو أن يأتيه أحد ويقول له "هذا المقعد لي" . ودعه من تشغيل الجوالات قبل أن تمسّ الأرض عجلات مُقدِّم الطائرة . وإن وضوح معنى الطويلة البيضاء أو الدقيقة السمراء يغني عن الكلام فيه . ودعه من يأتيه أحد رجال الخطوط الصُلْع المحنّكين ويقول له "يا ابني ، ممكن تعمل خير وتروح مقعد تاني" أو نحوا من هذا الكلام ، وإذا جلس إلى جانبه رجل فقد أمِن بذلك الإزعاج وربما المنقصة . ودعه من حبسه بوله ، وأن يأخذه حتى يكاد يأتي على ثيابه ، فلن يُقدِمَ على دخول حمام الطائرة ويعرّضَ نفسه للشفط من قِبَل المرحاض الصغير ، كما حدّثه بعض معارفه المجانين ، وهو يعلم يقينا أن هذا من الكذب الذي يدخل في باب الخرافة ، ولكن يجب الأخذ بالاحتياط .
ومتى صعِدت الطائرة في الجو وسكنت حركتها ، فقد صار كأنه على الأرض ، ورجع إلى نفسه ، إلا إذا عاد الهول فاضطربت الطائرة . غير أنه يجب عليه أن يستعين بأشياء يستهلك بها الوقت ، وتشغله عن المكان الذي هو فيه . ومن أفضل تلك الأشياء مشغّل الأصوات أو الأيبود ، ولا سيّما إذا كانت الرحلة طويلة المدة ، بل هو من الأشياء التي ينبغي للإنسان أن يقتنيها . وعليه أن يأكل إذا حضر الطعام ، ولو لم يكن جائعا ، فالطعام يُقطع به الوقت . ولن يستفيد من مزية النوم ، لأنه ليس ممن ينام في الطائرة ولا السيارة ولا الفصل . مد يده وتناول الجريدة ، وكان أخذها من المضيفة من قبل . تعمّد أن يطيل ويستمتع ببعض المقالات ، ثم أعاد الجريدة إلى موضعها بعد أن فرغ من قراءتها .
ولمّا كان وقت الوجبة الخفيفة ، قربت منه المضيفة فقالت "تشيكن أور.. " . ظنّها تكلّم أحدا غيره ، فلم يسمع الخيار الآخر ، فسألها "تشيكن أور وت ؟ " . فنظرت إليه كالمستنكرة وأجابت "فيجتبلز" . أما كفاها أن تكرّر ذلك في كل صف مرتين حتى تكرّره في الصف ثلاث مرات . وهو يرى أن المضيفات في الجملة يغضبن سريعا ، ربما لأنه قد عيل صبرهن مما يشاهدن ، فهن إذا لم يعجبهن شيء مثلا حددن النظر ، وقد شاهد غير مرة مضيفة وهي تتشاجر وتثور على راكب . وعلى خلاف ذلك المضيفون ، فهو يرى أنهم في الجملة يتحلَّوْن باللباقة ويحسنون التصرف ، وإن كان في بعضهم أو أكثر شيء من الزهو ، ولا يدري علامَ هو . ولعلّ معترضا أن يعترض على هذا القول ، ولكن هذا ما دل عليه ظاهر الحال في العشر أو العشرين الرحلة الأخيرة ، وعلى أن الأمر لا يبلغ أن يكون قضية ، فهو لا يشاهد مثل هذه الأمور كثيرا . اختار شطيرة الدجاج ، وقد كانت طيبة الطعم جدا . وبينما هو يأكل إذ اضطربت الطائرة ، فوضع الشطيرة من يده ، وسبّح وقرأ شيئا من القرآن إلى أن سكنت نفسه .
وهنا نورد فائدة لُغوية ، لعلّها خطرت بباله مرةً أو قرأها ، فهو شاب معنيٌّ باللغة ، أو ربما لتكون القصة شاملة على الأسلوب الجاحظي . الطائرة والطيّارة كلاهما صحيح ، فالأولى اسم فاعل ، والأخرى مبالغة منه على وزن فعّالة ، ويستخدمان جميعا لاسم الآلة .
وقد أمكنته الرحلات الداخلية من أن يلقى بعض المشاهير ، لأنه ليس للتنقّل في المدن طريقٌ غيرَها . وقد حُظي بأن يجلس إلى جنب بعض كبار المفكّرين والعلماء ، وكانت فرصا لم تصادف كاتب القصة نفسه . وينبغي انتهاز مثل هذه الفرص إذا أمكنت ، سواء كان الرجل من المعدودين المتقدمين فيتعرّف عليه أو يسأله سؤالا ، أو كان من أغثاث الكتّاب فيأخذه بحلقه مثلا .
لعلنا أسهبنا في الكلام ، وخرجنا عن غرض القصة كثيرا . دارت الطائرة ، على كل حال ، مرات في سماء المدينة على العادة ، ربّما ليتفرّج الركاب على المدينة من فوقها أو ليخيفهم الربّان . بدأ الارتفاع في النقصان ، ثم سمع فتاة صغيرة جبانة وهي في جنب أبيها تقول "بابا الطيّارة عم بتميل" . وهو لا يخاف الهبوط كما يخاف الصعود ، فالطائرة وإن كانت لا تزال في الهواء فإنها تدنو من الأرض ، وكذلك هو يرى في الشاشة كيف ينقص الارتفاع نقصانا يبهجه . لن يرتاع بعد قليل من صوت العجلات حين ينزلها الطيّار كما يقع لكثير من الركاب . ويجب عليه أيضا أن يتمثّل أمر المضيفين عند هبوط الطائرة إلى الأرض ، بأن يرفع المنضدة وينتصب في جلسته . فقد كادت عنقه تُكسر مرةً ، حين اصطدمت بالأرض إطارات الطائرة بشدة ، حتى أن بعض الركاب شتم الربّان المتهور .
وقفت الطائرة بعد أن انتظر الملّاح حتى خرجت إحدى الطائرات . ولم يلبث هو أن ذهب عنه الإعياء ، وقام من مقعده بنشاط ..

منقول


ما رح نلحق نضحك ازا بدنا نقرا كل هاد رخ يخلص عمرنا وما وصلنا لنهاية النكته

SAY CHEESE
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.08644 seconds with 11 queries