عرض مشاركة واحدة
قديم 10/01/2008   #22
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ولكن إذا كان نجيب محفوظ قد عرف هذه التيارات الحديثة في فن القصة في فترة مبكرة من حياته فلماذا لم يبدأ باستخدام أسلوبهم وبدأ بالواقعية؟ والحق أن هذه مسألة شغلت نقاد نجيب محفوظ ومحاوريه منذ عقود طويلة سابقة، فقد طرحها عليه أحمد عباس صالح في حوار نشر بجريدة الجمهورية في 28 أكتوبر 1960 فرد نجيب محفوظ: «عندما بدأت الكتابة كنت أعلم أنني أكتب بأسلوب أقرأ نعيه بقلم فرجينيا وولف. ولكن التجربة التي أقدمها كانت في هذا الأسلوب.. وقد تبينت بعد ذلك أنه إذا كانت لي أصالة في الأسلوب فهي في الاختيار فقط.. لقد اخترت الأسلوب الواقعي وكانت هذه جرأة، وربما جاءت نتيجة تفكير مني. ففي هذا الوقت كانت فرجينيا وولف تهاجم الأسلوب الواقعي وتدعو للأسلوب النفسي والمعروف أن أوروبا كانت مكتظة بالواقعية لحد الاختناق. أما أنا فكنت متلهفا علي الأسلوب الواقعي الذي لم نكن نعرفه حينذاك، الأسلوب الكلاسيكي الذي كتبت به كان هو أحدث الأساليب وأشدها إغراء وتناسبا مع تجربتي وشخصي وزمني، وأحسست بأنني لو كتبت بالأسلوب الحديث سأصبح مجرد مقلد» (9).
وقد كتب نجيب محفوظ بهذا الأسلوب الواقعي رواياته التي جاءت بعد المرحلة التاريخية، وصدرت أول رواية منها وهي «القاهرة الجديدة» عام 1945، و«السراب» (194، و«بداية ونهاية» (1949) ثم كانت «الثلاثية» (بين القصرين ـ قصر الشوق ـ السكرية) التي انتهي من كتابتها عام 1952 لكنها لم تنشر إلا في عامي 56 و 1957، والحق أن نجيب محفوظ لو لم يكتب إلا هذه الروايات فقط لعُد أيضا من كبار الكتاب ولحظي بمكانة رفيعة في الأدب العربي والثقافة العربية، بل إنه بمقاييس الإبداع العالمي كان يستحق بهذا الإنتاج أن يحفر اسمه في سجل الخالدين. كان نجيب محفوظ خلال تلك الفترة يصدر كل عام رواية. وسوف يتوقف كاتبنا الكبير بعد ذلك لمدة خمس سنوات ثم يستأنف الكتابة بقوة ونشاط لا مثيل لهما، حتي ليصدر له كل عام تقريبا رواية أو مجموعة قصصية، حتي تربو أعماله علي الخمسين، وكلها من أفضل ما أنتجته قريحة الإنسان في كل العصور. ولو أن نجيب محفوظ ظهر في بلد غير بلادنا وظروف مختلفة عن الظروف التي شهدها لبلغت شهرته الآفاق خلال هذه المرحلة الواقعية الأولي.
وإذا قارنا بين نجيب محفوظ وكتاب الواقعية الأجانب الذين قرأهم وتأثر بهم فسوف نجد مجموعة كبيرة من النقاط تجمع بينه وبينهم، ومجموعة أخري كبيرة من النقاط تدل علي أن التيارات الحديثة في فن القص قد بدأت تظهر في أعماله منذ أول رواية واقعية، وهي «القاهرة الجديدة» ثم أخذت هذه التيارات تزداد كثافة ونموا حتي بلغت درجة كبيرة في الثلاثية.
ولعل أهم ما يجمع بين نجيب محفوظ وكتاب الواقعية هو أنه قد تبني القوالب الغربية في الكتابة، ولم تكن قد ظهرت بعد اتجاهات الدعوة إلي تأصيل فنون الكتابة العربية مثل الحكواتي في المسرح، أو استلهام التراث في القصة والرواية.. إلخ ولهذا سوف نجد نجيب محفوظ بعد ذلك مباشرة يلجأ إلي كتابة رواية علي غير مثال في «أولاد حارتنا» وبذلك يكون سباقا في الدعوة إلي الاتجاهات الأصيلة. وليس معني ذلك أن القوالب التي كتب بها نجيب محفوظ رواياته الأولي تخلو من الأصالة لأنها التزمت بالأشكال الغربية أونسجت علي منوالها، ولكنها أخذت هذه الأشكال وطورتها بما يتناسب مع البيئة العربية والثقافة العربية فجاءت أصيلة في المنظور وفي الزمان والمكان والشخصيات والأحداث، وعكست الفنون والتقاليد والقيم لمجتمع يختلف كل الاختلاف عن المجتمع الغربي، وما نعنيه إذن هنا هو المقارنة بالتيارات التي جاءت بعد ذلك وكان نجيب محفوظ أيضا من روادها وكانت تعني بالبحث عن طرائق جديدة وأشكال مختلفة لفن القص العربي.
كان الجيل السابق مباشرة علي نجيب محفوظ يري أن التراث العربي يخلو من فن القصة، أو لم يعْنَ بها، أو كما قال الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه «ثورة الأدب»: «إن ما كان موجودا في الأدب العربي من التراث الروائي تافه ولا غناء فيه» وكما قال توفيق الحكيم في كتابه «زهرة العمر»: «إن الأدب العربي فن ناقص التكوين، ولم تعاصره فنون أخري، وهو لذلك لا يختال للأنظار إلا في ثوبين معروفين، الرسائل والمقامات. فالأدب العربي الإنشائي قد عني باللفظ أكثر مما يجب، ولم يشأ أن ينزل عن تكلفه الذي يعتبره بلاغة وفصاحة، ليصور ما يجيش في نفس الشعب من إحساس ولا ما يهيجه من خيال» (10).
ووفقا لهذه النظرة تجاه التراث العربي لم يكن أمام تلك الأجيال إلا أن تمتَح من القوالب والأشكال الغربية لتأسيس خطاب روائي جديد في الثقافة العربية، ولكن الوعي بالجانب الروائي في تراثنا لم يبدأ في الظهور بصورة أكبر إلا علي يد نجيب محفوظ وأبناء جيله، وإذا بحثنا في المكونات الثقافية عند هذا الكاتب الكبير سوف نجد أن عناصر كثيرة بدأت تنصهر في بوتقته الإبداعية ومنها الأعمال التي يقول عنها إنها شبه قصصية مثل رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، وحي ابن يقظان لابن طفيل، والسير الشعبية (11)، وعنها كتب يقول إن جيله لم يكن يقرؤها أو يعرف عنها شيئا مثل «الكامل» للمبرد و«الأمالي» لأبي علي القالي (12). وفضلا عن ذلك فقد بدأ يتكون منذ ذلك الحين وعي لدي الأدباء والمثقفين بأن الأدب العربي مليء بالكنوز التي لم يكشف عنها الغطاء بعد، ولهذا سوف نجد نجيب محفوظ في مرحلة السبعينيات يتجه اتجاها قويا نحو التراث العربي ويصدر عددا من الروايات التي تستلهم أول ما تستلهم الموروث التراثي. وقد شاعت خلال العقود الأخيرة أبحاث تدل علي أن العرب قد عرفوا من قديم الزمان ضروبا من فنون القص مثل الملاحم والقصص الشعبي والمقامات، وأن هذه الفنون أثرت تأثيرا كبيرا في ظهور فن الرواية في العالم العربي، وبخاصة عن طريق أسبانيا، التي شهدت خلال القرون السابقة علي عصر النهضة الأوروبي ترجمة عدد من هذه الأعمال العربية في مدرسة طليطلة وفي بلاط الملك ألفونصو العاشر الملقب بالحكيم، ومن بينها كتاب كليلة ودمنة، فضلا عن المقامات التي يقال إنها أثرت في ظهور نوع من القصة تعرف بالقصة البيكاريسيكية او قصص الصعاليك.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04228 seconds with 11 queries