الموضوع: مناوشات زوجية
عرض مشاركة واحدة
قديم 08/12/2009   #1
صبيّة و ست الصبايا sandra
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ sandra
sandra is offline
 
نورنا ب:
Dec 2007
مشاركات:
3,859

افتراضي مناوشات زوجية


مناوشات زوجية

بقلم: د. هيفا بيطار




كانا جالسان في تلك الأمسية وهما يرقبان شاشة التلفاز ويرشفان المتة –رفيقة دربهم العتيدة- استرق النظر إليها وهو يشعر بسطوة نظراتٍ ترسلها صوبه. كم يخاف صمتها في وقتٍ اعتاد فيه لسانها أن يسابق الضوء في سرعته وهو يسرد أحداث نهارها . "أرجوك أطلقي كلماتك الحبيسة وأوقفي سهام عينيك المؤلمة"، حدّث نفسه وهو ينظر إليها راسماً على وجهه ابتسامة. لكنها رفضت كسر حاجز الصمت.
بدأت الأفكار والشكوك تغزو عقله المنهك بضجيج حياته الروتيني.
ربما هي الأخرى منهكة من واجباتها المنزلية وتدريس الأولاد وصراعها المديد مع حلفهم الصامد مع ما يدعى بالحاسوب.
لكن كل ذلك لم يكن يحول بينها وبين الاسترخاء على الأريكة، متابعة مسلسلها اليومي وموافاتي بتفاصيل يومها.
أما اليوم فقد أبعدت جسدها عن الأريكة ووضعته على كرسي يفصلني عنه منضدة صغيرة وانشغلت عن مسلسلها بالنظر إلي.
سألها: "عزيزتي، هل تحضرين لي قليلاً من الموالح" ، أجابته باقتضاب: "لم يعد لدينا المزيد".. و تابعت حربها الباردة.
بدأ يسأل نفسه: ما بها؟ هل يصادف هذا اليوم تاريخاً هاماً؟.. ذكرى زواجنا أو يوم ميلادها؟ لكنها لم تكن تهتم يوماً بهذه التواريخ. ربما دنوها من سن الخمسين بدّل اهتماماتها وزاد من حساسيتها واضطراب عواطفها. أخذ يبحث في ذاكرته المغبرة عن هذه التواقيت لكنه ما لبث أن اكتشف أن تاريخ اليوم قد أتاهَ طريقه في غمرة أيامه المتلاحقة المستنسخة.
ربما استيقظ شعورها الكامن بالندم والنقمة عليه كونه السبب بدفعها للتخلي عن عملها والتفرغ لواجباتها الزوجية. لا، استبعدَ احتمالاً كهذا كونهُ سيكون مبرراً لها لإغداق سيلٍ من كلمات الملامة بدل التزامها ذلك الهدوء المريب.
هل تراها غيرت تسريحة شعرها أو لونه وغضبتها لامبالاتي؟..
شعر برغبة في الضحك حين نظر إلى رأسها وهو يحاول أن يتذكر لون شعرها قبل أن يغزوه الشيب و تقع في دوامة التلوين.
طرد كلُّ ذلك من رأسه، و بدأت تساوره شكوكٌ من نوعٍ آخر. أيعقلُ أن تكون قد علمت بقصة "ميس" تلك الموظفة الجديدة في البنك الذي يعمل به والتي كلَّفه مديره بمهمة تدريبها لممارسة مهامها الجديدة ما جعله يمضي معها بضع ساعاتٍ من وقتِ عملهِ.
لا ينكر جمال وجهها، صفاوة عينيها وعذوبة صوتها، لكنّه بالنهاية ينفِّذ ما طُلب منه.
ولم يجد من الضرورة أن يحدِّث زوجته عنها منذ البدء... لماذا؟ أسكت صوت الحقيقة داخله متجاهلاً الإجابة.
أطلقَ صوتهُ علَّهُ يكشف ما تضمرهُ: "تمَّ تعيين موظفات جديدات مؤخراً" ..
أجابته: " وما المميّز في ذلك؟"
- "لا شيء مميز، لكن طُلبَ منا أن نشرف على تدريبهن و ذلك يرهقني كونهنّ مبتدئات"..
لم تُعلِّق بشيء بل اعتكفت السكوت. طمأنه ردّها اللامبالي، لكنًّ حيرته لم تبرح مكانها.
صوتٌ داخليٌّ خسيسٌ سأله: "لماذا تتذمر؟ ألم تكن تنتظر منذ زمنٍ ذلك المساء الهادئ الذي ترتاح فيه أذناك من ذبذبات صوتها وتتابع فيه ما تريد من برامج الحوار السياسية. ها قد تحقق رجاؤك فاستمتع بلحظاتك واعتق زوجتك من غلِّ أفكارك".
لم يفلح شيءٌ في انتشالِه من بحرِ أفكاره الهائجة، شعرَ بضيقِ أنفاسِه و هو يغرق في أمواج انزعاجاته المتلاطمة.
"تصبح على خيرٍ عزيزي".. أعادته كلماتها إلى غرفتهم الصغيرة، رآها تغادر الغرفة قبل أن تسمع تمنياته لها بليلة سعيدة .
لا..لا يريدها أن تخلد للنوم قبل أن تنهي له حرب شكوكٍ قد تحول بينه وبين دخول عالم الأحلام هذه الليلة.
لا يريدها أن تتركه وحيداً في مواجهة كلِّ ذلك.
جابَت مقلتاه القلقتان أرجاء تلك الغرفة و إذ بها تجد شيئاً احتلَّ حيّزاً من المنضدة التي فصلت بين كرسيهما.
التقطه وعلَت وجههُ دهشةٌ وابتسامةٌ صفراوية تصف سخافةَ أفكاره...
كان كتاباً عن "ممارسة اليوغا" ابتاعته زوجته مؤخراً ويبدو أنها قد بدأت بتطبيق الفصول الأولى منهُ دون أن تتخلى عن "المتّة" رفيقة أمسياتها الوفيَّة!....

// وأنّ حضورك في دمي مسكُ الختام //
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04195 seconds with 11 queries