الموضوع: حوارات أدونيس
عرض مشاركة واحدة
قديم 05/11/2007   #5
شب و شيخ الشباب verocchio
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ verocchio
verocchio is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
مشاركات:
2,795

إرسال خطاب MSN إلى verocchio
افتراضي


تكرار أم تحول

عباس : أنا أفهم ذلك، ولكن السؤال إذا كان التاريخ العربي كله متكررا، وعنفا متكررا، وإذا كانت المدن العربية تملك تكرارا مماثلا، فهل هذا يبرر كتابة نص يخـترق التاريخ من أوله إلى آخـره؟ المدن من أولها إلى آخرها؟ ألم يكن ممكنا تقديم أمثلة؟
أدونيس : الأمثلة لا تبين رسوخ هذا الطقس، ولا التفنن في القتل. افترض أن القارئ عندما يقرأ هذه الأشياء يعرف الأمثلة، ضع بغداد خلال عشرين سنة في التاريخ، لماذا ينسى العربي الذي يتكلم في الحرية والشعر والإبداع، ماذا فعلت بغداد أو ماذا حدث فيها، خلال تلك السنوات العشرين؟ ولماذا نتحدث عما فعله العقل والقلم، ولا نتحدث عما فعلته اليد والقنبلة؟ كم عدد القتلى وكم عدد الموتى والمساجين.. أليس لهذا معنى، لماذا ننسى ما يحدث في الجزائر مثلا؟ صرت ميالا إلى القول أن في بنيتنا العميقة ميلا للدفاع عن عبوديتنا، لأن تلك الرؤية التي تقول إن تاريخنا عظيم ومضيء، هذه الرؤية هي في الواقع دفاع عن السلطة، و تماه مع السلطة، وكما نرى الكتاب اليوم يتماهون مع السلطة لسبب أو لآخـر و بشكل أو بآخر، فهم لا يستطيعون رؤية تاريخهم الذي هو تاريخ السلطة. يخافون من أن يواجهوا أنفسهم. يهربون دائما في نوع بائس من امتداح الذات، والقاء الأخطاء على "الآخـر". إن تاريخ السلطة العربية تاريخ أسود وأعمى ويجب فضحه وكشفه، كله قمع وعنف، أما التـاريخ العربي الآخر، تاريخ الكتـاب والمفكرين والشعراء، فله المكان الأكبر في الكتاب. والسؤال هو: لماذا لا يرى القارئ، قارئ "الكتـاب"، إلا ذلك المكان "الأصغر"- مكان العنف والقتل؟ والجواب هو أن السبب عائد إلى أن في ثقافة العربي ارتبـاطا بنيويا بالسلطة، واستعدادا ليكون خـاضعـا وتابعا، إلى درجة التماهي. وهو عائد كذلك إلى أن العربي يخاف من مواجـهة الذات، من مواجهة أخطائه، من مواجهة نفسه.
عباس : هذا الكتاب، الذي هو على مـفرق التاريخ والفكر والشعر، هل تراه فكرا أم تاريخا، أم تراه في الدرجة الأولى شعرا؟
أدونيس : أراه كلا لا يتجزأ، الكتـاب فكر وتاريخ وشـعر معا.

عباس : هو بالدرجة الأولى شعر إذا، أي ليس تاريخا بمعنى كتب التاريخ، وليس فكرا بمعنى الفلسفة.
أدونيس : هو شعر، لكنه شعر يصدرعن مفهوم يرى القصيدة عالما يتداخل فيه التـاريخ، والفكر، والفلسفة، والسياسة، أي هو مزيج من كل شيء، ولذلك يطرح الشعر في الكتاب سؤالا حول مفهوم الشـعر عند العـرب أمس واليوم. تقـرأ متـلا هوميروس وفيرجيل، فترى أن شعرهما سرد كـامل- تقرأ أراغـون، فتـرى فيه سردا ومقاطع تاريخية وقصصا. تقرأ عزرا باوند، الشيء نفسه، مقاطع كاملة من التاريخ... الشعر تعبير كلي وشامل.
عباس : ولكن عندما يكون في النص تاريخ حرفي من الأول للأخر بهذا الشكل، يطرح السؤال عن الفرق بين الشعر والتـاريخ. أين حد الشـعر وأين حـد التاريخ كما يقول العرب،
أدونيس : ليس هناك تاريخ حرفي، وانما هناك وقائع تاريخية بحرفيتها- أحيانا، القصد منها تجاوز التجريد. القصد منها الالحاح على لازمة سياسية، لازمة العنف والقمع والقـتل في تاريخ السلطة العربية. هذه الوقائع تصير شعريا داخل النسيج العام. أختلف معك في هذه النظرة، مجرد ذكرها والإلحاح عليها وتكرارها، شيء مهم وجديد في الكتابة الشعرية العربية.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06115 seconds with 11 queries