عرض مشاركة واحدة
قديم 19/09/2009   #14
شب و شيخ الشباب Nasserm
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nasserm
Nasserm is offline
 
نورنا ب:
Aug 2009
المطرح:
نقطة زرقاء باهتة
مشاركات:
998

افتراضي


أبحث عن ليندا، أنزل الدرجات بسرعة إلى القبو المؤدي إلى عيادة الطبيب قرب المشفى الفرنسي، أفتح الباب في التاسعة صباحاً..
ليندا... إنها تنتظرني..
ـ إمشي..بسرعة
تمسك يدي وتنهض وهي تعلّق حقيبتها على كتفها العارية.

* * *

ـ أعطني سبباً واحداً ...يجعلك غير مهتم بي... سبباً واحداً..
قالت نور ذلك وهي تغلي القهوة، وتحضّر فنجانين من فخار غير مطلي، قالت ذلك وانتظرتْ أن أجيب دون أن تركّز عينيها الذابلتين نحوي، مع أنها لو فعلت لاضطررت للإجابة... ولكنها لا تريدني أن أجيب، تعرف أصلاً أن سؤالها غير مناسب.. من قال أنني غير مهتم بها ؟.. كيف يعني يجب أن تعتبرني مهتماً ؟... ماذا أفعل ؟..
ـ لا أشرب القهوة نور ..
ـ بعرف... والله بعرف.. مو إلك القهوة أصلاً..
ـ لمين ؟
ـ لي أنا... أنا سأشرب فنجانين ورا بعض... منيح ؟.. ارتحت ؟...
أوف.. بدأت المشاكل.. من الرقص تحت المياه حتى القهوة الإلزامية...
ولكنها تترك من يدها الركوة والملعقة، وترمي نفسها إلى صدري... وترتجف كشجيرة كرز وسط عاصفة.

* * *

ـ خذيني إلى بيتك ...
ـ لا ..سنذهب إلى السينما ...
ـ سينما ..!!
ـ فيلم جديد ...يهمّك ..
ـ شو هو ؟
ـ (مملكة السماء ) ..صلاح الدين ..والقدس ...غسان مسعود ...
ـ آآ..ريدلي سكوت ...أفضّل (آلام المسيح) ...
ـ ولكن هذا فيلم قديم الآن ...
ـ لا ليس قديماً .. هل تفهمين ما يقولون دون ترجمة ؟..
ـ لا طبعاً ...يعني قليلاً ..
ـ خلاص.. هذا يعني أننا يجب أن نشاهد الفيلم مرة أخرى.. ومرات ومرات... عندما لا نفهم.. فإن الأمر يعني أن هناك أسراراً يجب أن يكتشفها أحد... لم لا نكتشفها نحن ؟
ـ يا سيدي.. خلاص.. لنكتشف.. أين يعرض الفيلم ؟.. في أي صالة ؟
ـ ولا في أي صالة ..
ـ طيّب !!
ـ عندكِ في البيت ...
ـ يعني مصرّ على البيت...؟... خلاص.. نذهب إلى البيت ..

* * *

في الليل.. وآخره.. أفكّر في أمور كثيرة.. وأقول يجب أن تكتب.. ولكنني لا اكتبها ليلاً.. اللعنة على الكيبورد... نسيت الكتابة بالقلم... لا أكتب بالقلم سوى المقاطع الشعرية، أما السرد والحكايات والمقالات فأعجز عن تدوينها بأول مخلوقات الرب.
حاولت ولكنني لم أنجح، ولذلك فإن معظم ما أكتبه الآن هو ليس سوى جزء صغير مما فكّرت به أمس.. ليلاً.. وقد لا يكون هو ذاته، يأتيني إخاد في منتصف النهار، ليأخذني معه في رحلته الدمشقية، وهو من في النهاية؟ يهودي أشقر ! ماذا يعني ؟ ليس أنتوني هوبكنز ولا بسام كوسا، والحديث معه ليس ممتعاً، وباعتباري غير معاد للسامية، فإنني لا أجد فرقاً بينه وبين أحد آخر.. وفي الوقت ذاته، أنتبه إلى يهوديته... أردت أن ألتقط لحظة واحدة.. واحدة فقط كان فيها غير متيقظ وغير حذر... ولكنني أيضاً عجزت عن ذلك ..
ـ المرهقُ أن تبقى يقظان طيلة الوقت ...
ـ (تنام عيني ..ويبقى قلبي يقظان) ألم يقل نبيّكم محمد هذا الكلام ؟
ـ يا أخي توقف عن التفكير... لم لا تحب الشرب ؟.. أو الرقص ؟..أو الكتابة ؟... أو الحب ذاته ؟.. لم تحدثني عن أية حبيبة مرّت في حياتك!
ـ حقاً ! لم أحدّثك عن أية حبيبة.. ولماذا أحدّثك عن ذلك ؟..أليس أمراً خاصاً ؟...
ـ مدهش ..أنت الآن وفجأة تضع حواجز بيني وبينك ...
ـ ليست حواجز ...إنها خصوصيات ..
ـ ولماذا حدثتك عن ليندا ونور ...وعن كل شيء ..؟
ـ أنت اخترت.. هل طلبت منك ذلك ؟
ـ لا تتكلم عن أي شي ...أصبحتَ مملاً ...لقد قلبتَ علاقتي معك بطريقة يهودية فعلاً.. أنا من يلاحقكَ الآن.. مع أنك كنت تلاحقني..

* * *

ستنفتح كل تلك الحدود، وتعود البربرية... ربما كان تصوّرهم عن العالم الجديد يلتقي مع التصور القديم عن العالم... في آخر الدائرة.. قبائل وأديان وتماثيل.. كلّ ذلك يتجاور.. هذه هي... (التجاور) هو الحل، وهو الشكل الأعلى والأكثر تفوقاً للحياة، كما تتجاور عناصر اللوحة في شاشة ما بعد الحداثة، وفي النص ما بعد الحديث، كما تتجاور التكوينات الإليكترونية في الرقاقة الذكية..
ما هي المشكلة الآن ؟
إنه الصراع على الميراث.. مَن يرثُ الوعد المقدّس؟... من يرثُ ليندا؟.. ونور..؟.. و الأرض؟.. والمدينة القديمة؟... المال غير مهم.. الأهمّ يكمن في الصورة، من يجلس إلى جوار الرب..وعن يمينه ؟
كان هذا كلامي... و محمد شوق مشغول بتأويله..
ـ أنت نبيّ... هل قال لكَ أحدٌ هذا الكلام من قبل ؟
ـ لا... هه... طبعاً لا.. وخاصةً أحدٌ من طرازك ...
ـ لا.. أتكلّم بجد ..
ـ يا رجل... نحن نثرثر...
ـ وحقّ من منحني هذا النّفَس وهذه النّفْس.. أنتَ نبيّ...
ـ ولكنني لم أبلغ الأربعين بعد... ولم أتلقَ أية رسائل من فوق الغيوم!
ـ لا يهم... ليس ضرورياً أن يصدّقكَ الناس.. ولكنك تستطيع أن تعتبر نفسك كذلك من هذه اللحظة.. لطالما أحسستُ أن جدّك إبراهيم الخليل يتقمّصك ... يسكن في ... وأنت تمشي على خطواته..
ـ يا محمد شوق... (أبو المحجن)... لا تعبث معي بالتخاريف.. لنغيّر الموضوع..
ـ لم لا تفعل شيئاً ؟!
ـ كيف؟.. شيئاً مثل ماذا ؟!
ـ لا أعرف.. دعوة.. أو رسالة... أو أي شيء..
ـ أنا ذاهب... يبدو أنكم تهلوسون في مرحلة من عمركم ولكنني لم أتصوّر أن هلوساتك ستأتي مبكرة هكذا..
ـ يا إبراهيم... لم لا تكون نبياً... صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا نبي بعدي) ولكنه لم ينكرْ أنه سيكون هناك أنبياء كذابون..كنْ نبياً كاذباً ...
ـ نبي كاذب!!! هل شربت شيئاً الليلة.. لم أنصحك بالمخدرات والحشيش.. قلنا غيّرْ هيأتك وسلوكك ولم نقل حلّق في سماوات الخيال.
ـ صدقني سنستفيد من ذلك جميعنا... سأجد موضوعاً جديداً... وستصنع ظاهرة.. يمكنك اللجوء إلى الولايات المتحدة أو إلى بريطانيا مثل سلمان رشدي لعنه الله... وبعدها سنجد حلاً...
ـ أنت مجنون أكثر مني... حلْ عن سمانا ياه... نبي كاذب!! باي..

* * *

كان يجب أن أغيّر في أسماء أشخاصي، وكان عليّ أن ألاحق تنفسّهم ونبضاتهم، بعضهم تركته، كما هو.. بانكسار حنجرته، وبعضهم وتّرتُه..وعقّدتُ تكوينه، آخرون كان تدخّلي في حياتهم، مدمّراً.. وكثيرون دفعتُ بهم نحو هاويتهم.

* * *

وماذا تريد مني الآن؟ بعد أن فعلتَ ما فعلتَ.. بكل هيأتك.. وبمقاديرك.. وبأوزان الحديد التي تحمل في كفّتك.
ماذا بعد؟ أنتَ الآن في مدار آخر... والقابالاه تقولُ لك إنّك عائدٌ إلى الحركة، هل الحروف تعرف عنك ما تعرفه الأرقام؟ تعرف جيداً ..أنا متأكد من ذلك... لستَ جوّالاً تعبر على الأحداث والأمكنة...
لكن الطير الأزرق الذي يخفي أجنحته الكبيرة خلف ظهرك، سيفعل ما تأخرتَ في فعله، مثخناً بجراحه، مبلّلٌ ريشه بالماء القديم الراكد، وصيحاته العميقة شهقاتٌ تتكرر بين الثانية والثانية.

* * *

تعود إلى دمشق، كشهابٍ يعبر ليلَها، دون أن يشعر به الآخرون، تعود إلى الظنّ والحركة، وتعود معك الأشياء إلى دورانها في صورة ماكرة، حاملاً سبب التحوّل الدائم، دون أن يتحوّل فيك ما يتحوّل في الآخرين.
أمطرت هذه الليلة... ومحمد شوق الذي بدأ يتحدث عنه الناس في كل مكان، وكأنه مخلوقٌ جديد من مخلوقاتك، يسير على الرسمة التي وضعتها له، إخاد يتكسّر كتمثالٍ من شمع يابس..يتفتّت بين أصابعك..هربتْ أخته بنطاف الراهب.. والأخرى عثر عليها الجيران متكوّمة خلف الجدار المتهاوي في زاوية بيتهم.. والرغوة البيضاء تتفاور من فمها.. سمّمتْ نفسها بسمّ الجرذان الكبيرة التي تحمل طاعون القاع في مدينة الانتظار.
ليندا تضيع بين التشكيل المديني لدمشق، ليستْ يهودية الآن.. وليست أي شيء آخر.. تتوهج في قبو الطبيب.. قرب المشفى الفرنسي في القصاع،تتقمص شخصية الـلاتينا... كأنها قادمة من هناك هذه المرة.. من ريو دي جانيرو... أو من كراكاس..شهيّة ونابضة... وعيناها تتوهجان كل يوم أكثر من ذي قبل.
نور لا تأتي الآن ولا ترقص في الماء... ولا تقلّد لي حركات الشخوص المرسومة على جدران الكنيس في دورا أوروبوس.. لم أبحث عنها.. يكفي أن أعرف أنها في بازلت المدينة... في القطع الصغيرة التي تتجمع وتتفرق لتصنع المتاهات.

* * *



ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين. (جبران النبي)
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07064 seconds with 11 queries