عرض مشاركة واحدة
قديم 19/09/2009   #7
شب و شيخ الشباب Nasserm
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nasserm
Nasserm is offline
 
نورنا ب:
Aug 2009
المطرح:
نقطة زرقاء باهتة
مشاركات:
998

افتراضي




6.



ـ هذا هو المكان السري ...الذي دلّني عليه والدي المرحوم ...عادةً لا أقول مرحوم...هذا مكان الصلاة الخاص ...والقراءة الخاصة...وهو المكان الذي نُحِـرَ فيه توما الكبوشي ...وصُفّي دمُه ...طبعاً نحن أبرياء من ذلك ..لا علاقة لوالدي، أو لي، بأي خرافاتٍ من هذا النوع ...كان الحاخام موسى هو المسؤول عن كل العملية ....
ـ موسى أبو العافية ..
ـ نعم هو ..موسى أبو العافية ..أو ..محمد المسلماني كما سمّى نفسه فيما بعد أمام القاضي العثماني ...حين أعلن اعتناقه للإسلام...
ـ وخلع الرداء الأسود ولبس محلّه جبّة بيضاء ...
ـ كل هذه القصة غير مهمة ...المهم أن المكان ما يزال موجوداً...أردت أن أعرف لماذا اختار الرجال السبعة عشر هذه الباحة المخفية لتنفيذ طقسهم...ماذا يوجد هنا ؟! قرأتُ كل الكتب ...والمخطوطات ...ودرستُ كل الإشارات ..وعلامات الجدران والأرضية ..
ـ كان يوجد في بيت العابد مكان مثل هذا المكان..لم أكتب عنه في أوراقي...
ـ حقاً ...؟ وكيف كان ؟!
ـ قاعة في الطابق الثالث ...جدرانها من خشبٍ ملبّس بالعجمي ...وعليه حفرت أسماء الأنبياء والخلفاء الراشدين ...وأحاديث نبوية هنا وهناك...كتب ومناضد من خشب مزخرف ...حتى أن زاوية منها كانت تضم الفاترينا التي أُهديتْ للرئيس العابد وكُتب عليها (تقدمة لدولة الرئيس محمد علي بك العابد).
ـ بالمناسبة ..من هم آل العابد؟!
ـ آل العابد انحدروا من عشيرة الموالي المشارفة. و قد استوطن جدّهم محمد بن الأمير قانص في حي الميدان بدمشق عام 1700. حيث عمل أفراد الأسرة بتجارة الحبوب و المواشي و أصبح لهم نفوذ واسع في حي الميدان.
كان أول من برز في دمشق من رجال هذا البيت عمر آغا العابد الذي أجار مسيحيي حي باب مصلّى، و أوقف بفضل نفوذه سكان الميدان من مهاجمة حي باب توما و المشاركة بأعمال الشغب في صيف العام1860..
أعاد هولو باشا تشييد هذه الدار التي عرفت باسمه في سوق ساروجة،وهي دار واسعة تمتد بين حارتي القولي و المفتي، و لما تولى محمد علي العابد ـ حفيده ـ رئاسة الدولة السورية عام 1932 م جعل قسماً منها مقراً مؤقتاً للرئاسة لعدة أشهر، انتقل بعدها إلى قصر مصطفى باشا العابد في حي المهاجرين. و في مطلع خمسينات القرن العشرين قام سليم اليازجي بشراء هذا المبنى و أنشأ فيه المدرسة الثانوية الأهلية،بعد أن كان اسمها المدرسة الأميركية.
من أولاد هولو أحمد عزت باشا الذي مات سنة 1924، الذي درس في المكاتب الإسلامية في الميدان, ثم تابع تحصيله العلمي في مدرسة البطريركية في بيروت. عين كاتباً في مجلس إدارة الولاية, و ما لبث أن تولى رئاسة محكمة التجارة في دمشق. و في سبعينات القرن التاسع عشر عمل رئيساً لتحرير مجلة سورية الرسمية و في العام 1878 أصدر جريدة دمشق، ثم تولى تفتيش العدلية في دمشق ثم في سالونيك, و نقل منها إلى رئاسة المحاكم التجارية المختلطة في استانبول، و من ثم أصبح واحداً من أقرب المقربين إلى السلطان عبد الحميد الثاني حيث عُيّن عضواً في مجلس شورى الدولة و أصبح ثاني أمناء السر للسلطان.
كان لأحمد عزت باشا الفضل في تحقيق عدد من المشاريع في بلاد الشام. وأهم هذه المشاريع, بلا شك, هو مدُّ الخط الحديدي الحجازي حيث أقنع السلطان بأهمية هذا المشروع، و أنفق عليه من ماله الخاص. و كذلك مشروع إنشاء خط الترام في دمشق و إنارة مدينة دمشق بالكهرباء. كما أنه قام بشراء دار الحكومة القديمة في ساحة المرجة و هدمها و أقام مكانها بناء على الطراز الأوروبي ليكون فندقاً، وما زال هذا البناء يحمل اسمه إلى اليوم.
أما ولده محمد علي العابد الذي ولد في العام 1867 ورحل في سنة 1939 فقد تلقى تعليمه في استانبول و درس الحقوق في باريس ثم عُين سفيراً للدولة العثمانية في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1905-1908. وبعد الحرب العامة الأولى، و وقوع سورية تحت الانتداب الفرنسي، عين وزيراً للمالية فيها، ثم انتخب أول رئيس للدولة السورية بين الأعوام 1932-1936.
أما نازك العابد فقد أتقنت العربية و التركية وشاركت في الحياة السياسية و طالبت و عملت على تحرير المرأة من الأمية والجهل والتقاليد المتخلفة. و أنشأت أول جمعية نسائية عام 1914 دعتها (نور الفيحاء) ثم تعاونت مع عدد من سيدات دمشق وفتياتها و أسّسن مدرسة (بنات الشهداء العربيات). وعملت في الصحافة أيضاً، فكانت لها مجلتها التي أصدرتها في العام 1920 باسم (نور الفيحاء) أيضاً وكانت المجلة نسائية أخلاقية أدبية, صدر منها تسعة أعداد. ومن جانب آخر فقد شاركت في إقامة فرع للصليب الأحمر الدولي في سورية، وكانت أول رئيسة له، و قد تندهش إذا عرفت أنها شاركت بمعركة ميسلون و حاولت إنقاذ حياة يوسف العظمة، قائد الجيش السوري المستقيل...هل سمعت عنه؟
ـ من؟...يوسف العظمة؟
ـ نعم
ـ طبعاً...أكمل كلامك عن تلك السيدة...
ـ منحها الملك فيصل ملك سوريا،مرتبة فخرية، كنقيب في الجيش السوري.. و بعد انتقالها للعيش في بيروت مع زوجها قامت بتأسيس عصبة المرأة العاملة هناك.
ـ حسناً ...يبدو أنك لم تنس شيئاً عن هذه العائلة ...
ـ لا ..ولن أنسى أيضاً بقية تفاصيل القاعة العجمية في البيت الكبير ..
ـ هل هناك تفاصيل أخرى ؟
ـ نعم والأكثر إثارة ...
ـ كيف؟
ـ اكتشفتُ أن المكان عبارة عن مسجدٍ صغير في الطابق الثالث ...مسجد للصلاة ...وفيه محراب ...وكل شيء طبيعي ..
ـ طيّب ..؟
ـ لا ...حين تنتبه جيداً ستكتشف أن محراب المسجد لا يتجه إلى القبلة..إلى مكة والجنوب ...والكعبة ...
ـ نعم ؟
ـ نعم ..المحراب يتجه إلى الشمال ... إلى استانبول !!

* * *

وصلنا إلى معادلة معقدة ، ليندا وأنا، فهي لا تستطيع أن تتجاهل أنها يهودية محترفة، وفي الوقت نفسه تعتبر أنني مسلم، فائق، ومتطور، وأنا أظن أنها لم تكن يهودية كفاية، بل كانت مزيجاً من صبايا الأندلس المخلّطات بمذاهب عدّة وثقافاتٍ مختلفة.
تعرفُ أنني سأبقى في المدار ذاته..أحب وأشرب وأكتب وأرسم ما أكتبه، وتعرف أيضاً كل ما أفكر فيه، ولكن دهاءها الفطري لم يساعدها على الإمساك بمفتاح الذهب الذي يعمل على جميع انفعالاتي.
صارت تحلم بزواجٍ عاصف، وبحياة مميزة وفاتنة، كما كنا نعيش فوق في تلك الغرفة عند أبو غازي، وكنت أبحث عن المزيد من ذلك الذي يحدث فوق، في آخر أدراج غرفة أبو غازي،المزيد من الكتابة الجديدة وقصيدة النثر التي لم يكتب مثلها في البلاد.
تهديدها بتركي جعلني أفزع، وأتصرف على عكس ما كانت تتوقع..فقد ظنّتْ أنني سأزداد التصاقاً بها ...بينما كنت أتصرف كفارسٍ بلا فرس، ماذا يفعل ...؟ ليس له سوى الركض إلى البعيد ....ولم أبحثْ عنها ...
أخبرني إخاد بأنها صارت هناك ....في كريات شمونه.

* * *

إنسان الشرق الأوسط الجديد، يجب أن يكون يهودياً ، ربما تبدو هذه الفكرة عنصرية، ولكن ببعض التفكير المتأني، ستقودك الملاحظات إلى إسحق لوريا و الحلولية الكمونية الواحدية وهي رؤيتنا للواقع، نحن نرى أن الإله قد حل في العالم وتوحد معه حتى أصبح غير متجاوز له، ومن ثم أصبح الإله والإنسان والطبيعة شيئاً واحدا، وتم إلغاء ثنائيات(الخالق والمخلوق، الإنسان والطبيعة، الكل والجزء، العام والخاص) لتظهر الواحدية الكونية المادية، واحدية تؤمن بذاتها أي بما هو كامن فيها ولا تؤمن بشيء خارج عنها متجاوز لها.
و هذا النموذج في مقابل نموذج (التوحيد والتجاوز)، وتصبح العقائد الوثنية محاولة إنزالٍ للآلهة من السماء إلى الأرض (وإدخالها في نطاق المرجعية المادية الكامنة)، بحيث تخضع لقوانين الأرض الطبيعية المادية. ومن ثم يخضع الإنسانُ هو الآخر لهذه القوانين، إذ كيف يمكنه تجاوزها إذا كانت الآلهة ذاتها خاضعة لها، مستوعبة تماماً في الواحدية المادية الكونية؟
لسنا وثنيين، ولكن النـزعة الوثنية لا تختلف في هذا عن النزعة العلمانية المادية الطبيعية التي تُرجع كلّ شيء إلى الطبيعة ـ المادة، وتُنكر أي إمكانية للتجاوز الإنساني.
أما الديانات التوحيدية، فهي نوعٌ من محاولة الصعود بالإنسان إلى الإله في السماء (وإدخاله في نطاق المرجعية المتجاوزة). فالإنسان بما فيه من رغبة التجاوز له قانونٌ خاص، ووجود مستقل عن المادة وعن الطبيعة.
كان ذلك يتطوّر بسرعة حتى سيطرتْ (القبّالاه). أي الاتجاه الصوفي اليهودي اللورياني خصوصاً، نسبة إلى الحاخام إسحق لوريا. ونموذج (الحلولية الكمونية الواحدية) مكمّلٌ ومتداخلٌ مع النموذج الأول، فيمكن القول بأن (العلمانية الشاملة) هي وحدة الوجود المادية التي لا تختلف عن وحدة الوجود الروحية إلا في تسمية المبدأ الواحد الكامن.
فبينما نسمي هذا المبدأ (الإله) في وحدة الوجود الروحية، فهو يُسمّى (الطبيعة ـ المادة) في (وحدة الوجود المادية).
هل انتبهتَ يا إبراهيم ؟...نحن لا نميّز كثيراً بين أن تكون من سلالة أو لا..الصوفية اليهودية انفتحت الآن كدعوةٍ كبرى...هل تعرف مَن آخرُ من اعتنق مذهبنا؟..إنها مادونا ..المغنية الأميركية ..الأيقونة ...وقد غنّت منذ فترة قصيدة للوريا ...
تبقى مشكلتنا نحن يهود الشرق الأوسط...اليهود العرب كما يسموننا هناك، ألم تقرأ ما كتبه بن درور يميني السنة الماضية؟...قال بالحرف الواحد ،وهو يصفنا( إنهم يعلمون أن العالم العربي غارق في تخلف فظيع ورهيب، خاصة بسبب المشاكل المتعلقة بالقمع الداخلي، وبالتحريض المحلي، وبفساد السلطة، وبقهر المرأة وما إلى ذلك).
سامي شالوم شطريت وحده يقبل أن يصف نفسه بأنه يهودي عربي، وهو يكتب ضد الثورة الأشكنازية البشعة، لعله يشعر بذلك لأنه من المغرب، أبعد قليلاً عن الشرق الأوسط وهو ما يزال يتمتع بثقافة أندلسية بشكل أو بآخر ..
أعرف كل ما يدور هناك دون أن أذهب، هذه الأرض مقدسة عندي أيضاً كما قلت لك سابقاً، وعمّا قريب سيصبح الكوكب كله أرضَ الرب الكبرى، قرأت لمائير بوزجلو وهو مشرقي أيضاً، يتساءل بوزجلو...هل العربي الذي يهتم بالموسيقى الكلاسيكية الغربية ويفضّل شكسبير على عمر الخيام،أقل عروبة من غيره؟ وعلى نفس المنوال، فالشرقي الذي يعتبر نفسه عربياً، سواء أخطأ في هذا أم لا، لا يمكن أن يعتبر نفسه غير عربي لمجرد تبنّيه لقيم متحضرة... ولن يحدث ذلك إلا إذا أصبح التخلف مرادفاً للعروبة. هذه نظرة عنصرية بكل ما تعنيه الكلمة.
لا حلّ لذلك يا إبراهيم ...سوى في أن يتبنّى العرب قيماً متحضرة،مثل حريّة التعبير وما شابه ذلك، وألا يتركوا الهُوية العربية حكراً على المتعصّبين.
هذا يثبت نظريتي حول وجود ثقافة يهودية عربية مشتركة، تضم في طياتها أفضل الشعراء، من الحاخام يهودا هاليفي الذي يعرف باسم أبو الحسن اللاوي وهو شاعر يهودي عاش في الأندلس، وقد كتب في مختلف أغراض الشعر...ألست مولعاً بالأندلس؟...على الأقل تذكّرك بليندا..بالمناسبة سمعت بأنها بعد استقرارها هناك اعتادت على قضاء عدة شهور في غرناطة وقرطبة، حاول أن تتصل بها..وإذا أردتَ أستطيع العثور لك على عناوينها ..إيميل أو أي شيء ..لنعد إلى حديثنا هناك أيضاً، الحاخام شالوم شبازي، الذي يعدّ من كبار شعراء يهود اليمن، عاش في القرن السابع عشر، و معظم أشعاره أصبحت ضمن كتب الصلوات الخاصة بيهود اليمن، ويحظى حتى اليوم بالاستحسان.. ناهيك عن أن معظم الديانة اليهودية مكتوبة بالآرامية والعربية، وليس باللاتينية أو الألمانية،واليهودية نفسها عربية أكثر من كونها غربية.
ومع ذلك فإن بن درور يعود دائماً ويختم كلامه بالعبارة التالية في معاريف:
(إذا كانت العروبة هي التيار الذي ضاق بخداع الذات، وبالقهر..فإن عبدكم المخلص يعلن أنه يفخر بأنه عربي)...

* * *



ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين. (جبران النبي)
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06763 seconds with 11 queries