عرض مشاركة واحدة
قديم 19/09/2009   #5
شب و شيخ الشباب Nasserm
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nasserm
Nasserm is offline
 
نورنا ب:
Aug 2009
المطرح:
نقطة زرقاء باهتة
مشاركات:
998

افتراضي


4.


بعد تخرجي من كلية الشريعة، كان علي أن أنهي خدمتي العسكرية في إحدى ثكنات الأرياف، هناك عوملت معاملة حسنة ولم يطلب مني ضابط الأمن حلاقة ذقني، أو القيام بأية تدريبات مع الجنود، بل على العكس من ذلك كنت شيخ المعسكر، وكانوا يهتمون براحتي ومعرفة كل ما يدور بيني وبين كل من يستفتيني في شؤون دينه ودنياه.
ـ نعم..
ـ نعم ...وهكذا أنهيت السنتين وأنا شبه مدني، بعد ذلك عيّنت إماماً لأحد المساجد في قرية قرب حمص، وكنت أقضي معظم الوقت في إجراء إصلاحات أقوم بها بنفسي لسقف المسجد وجدرانه المهترئة...تفضل ...جرّب الكوردون بلو ....ألا تعجبك ؟...هل نطلب أنواعاً أخرى؟
ـ لا ...شكراً ..أعرف الكوردون بلو من زمان ..أنا مرتاح للطعام ...كمّل كلامك ...
ـ صحة وهنا ...جعله الله شفاء وهناء ...
ـ شكراً ..
ـ إيه يا سيّدنا ...أمضيتُ سنة وشهرين تقريباً في المسجد ...وبدأ العديدون يلتفون حولي ...رأوا شاباً متواضعاً ..لا يعقّد أمور الدين ..وكذلك لم أكن طامعاً في شيء من وسخ الدنيا ...حتى كانت ليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان تلك السنة .
حين صلى خلفي في صلاة التراويح وقيام الليل عدد كبير من المصلين ..كنت الإمام وكنت أقرأ القرآن بصوتي المتهدج، كانوا يجهشون بالبكاء كلما تلفظتُ بلفظ الجلالة، وكلما دعوت بين الركعات وكلما قلت يارب...
ـ نعم ..
ـ بعد أن انتهينا ...والتفت خلفي ...وتصفحت وجوه المصلين ...بينما كنت أعد التسبيحات على أصابع يديّ العشر، اقترب مني رجل مسن يرتدي ثياباً بيضاء بالكامل ، وكأنه قد خرج من سطل حليب ...
ـ من هذا ؟..هل هو أحد الملائكة ؟
ـ ما زلت متهكماً ..وكأنك لا تقتنع بشيء ..دعني أكمل ..وأكمل أنت طعامك ..صحيح ماذا تريد أن تشرب ؟...
ـ بيرة ...
ـ بيرة ؟...طيب ...جرسون

* * *

راحيل تحضر القهوة، وأنا مازلت في عبوري ذلك السديم، الذي يلفّ داخلي حارة اليهود، ضبابٌ غير مرئي، ورائحةُ باردة، وأصواتٌ خافتة، همهماتٌ ...من كل مكان ..من شقوق الجدران ..من النوافذ الصغيرة ...من خلف الأبواب ..من السطوح الخشبية ....
إخاد يقرّب مني كرسيّه الصغير ، الذي يبدو كحجرٍ صغير في حوضِ سمك، نجلس في أرض الدار ...بينما ترفض زينب النزول من الأعلى..تبقى فوق.
ـ هذا المكان ..ليس كما تراه ...هل تذكر بيت العابد؟ هنا ستعثر على أكثر بكثير مما عثرت عليه هناك ...
ـ يبدو البيت مهملاً ..رغم أنكم تعيشون فيه ..لم لا تقومون بترميمه؟ ..أعني ترتيبه قليلاً ...
ـ أنت لا تعرف شيئاً ...هل أنت جاد حقاً ؟...ألا تعرف أننا لا نستطيع المساس بأي شيء هنا؟..ممنوع ....ممنوع يا صديقي ...
ـ ممنوع ؟..من يمنعكم ...
ـ هذا بند من قائمة الممنوعات ، لا مشكلة ...هكذا أفضل ، تخيّل لو أنهم يقررون الإشراف على ترميم دمشق ، ..يااااه ...ستصيب الكارثة المكان كله ...الزلزال أرحم ..
تتكلم راحيل فجأة ..
ـ هل أنت واثق من هذا الرجل يا إخاد ..حتى تفتح له بيتنا ؟...
ـ ولماذا تسألينني أمامه ؟...عيب ..
ـ لا مشكلة يا إخاد ...آنسة راحيل ..لا أريد شيئاً ...ولا داعي لفحوصات الثقة ..أنا هنا فقط للفرجة ...و..
ـ أنا ما حكيت معك ...أنا أكلّم أخي إخاد ...
هممت بالنهوض، ولكن إخاد أمسك بكمّي، وأجلسني معتذراً بابتسامة مريحة.
ـ لا مشكلة إخاد،لا أريد التسبب بإحراجك،يبدو أن الوقت غير مناسب..
ـ لا الوقت مناسب ..وقد لا أتمكن من إقناعك في المرة القادمة بالحضور معي

* * *



ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين. (جبران النبي)
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03413 seconds with 11 queries