عرض مشاركة واحدة
قديم 18/08/2008   #6
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


قرضاي« صفة ومنصب، لا اسم


»قرضاي« صفة لا اسم علم. مرتبة أيضاً أو منصب. يتهم فلان فلاناً أنه »قرضاي«. أو ينفي أحد هذه الوصمة عن نفسه. ولا يمنع أن يعبّر سياسي عن تمنياته لبلدة بأن يحكمه شخص سمته الأولى »قرضاي«.
ميزة هذه الصفة أن الاتفاق على معناها لم يتم. ويمكن القول، إجمالاً، إنها تحتمل تفسيرين.
قرضاي (1): إنها صفة شخص موال للأجانب. يرتضي ترقيته بواسطتهم ولو أنه معدوم القاعدة الاجتماعية. مدين لهم وممثل لمصالحهم وموصول بها. يكرر، بلهجة محلية، آراء أسياده الفعليين. يقبل وضع بلاده في الخدمة. يوافق على صيغة حكم هي الأكثر تناسباً مع القوى العالمية النافذة. حلت هذه الصفة محل »عميل« أو »خائن«.
قرضاي (2): إنها صفة لشخص يرفض الظلامية والديكتاتورية. يريد إنقاذ بلده من قبضة موتورين يفرضون نظاماً قمعياً. يهتم بفتح الوطن على الخارج. يسعى إلى استعارة مؤسسات حديثة من أجل تطوير المجتمع. يشيع ثقافة متنورة ومتسامحة. يدرك استحالة الانغلاق وضرورة الاندراج في مزاج اللحظة. لا يحمل ضغينة للأجنبي لأنه، بالنسبة إليه، صديق ومنقذ وشريك.
يبدو أصحاب التفسير الأول سائرين في الاتجاه الحالي للرياح. إنهم عصريون. حديثون. وهم أشد تصلباً في الدفاع عن رأيهم بقدر ما كانوا، في زمن مضى، على الضفة الأخرى. إنهم المستقبل. دعاة التفسير الثاني متهمون بأنهم لا يريدون الاعتراف بأنهم ينتمون إلى عالم ينقضي، يندثر. يردون على ذلك بأنهم قابضون على الجمر. ولكن يجب الاعتراف، بحسرة، بأن المطلوب أحياناً إزالة رماد كثيف قبل الوصول إلى الجمر.
واشنطن، هذه الأيام، هي مصنع تفريخ »القرضايات«. وهي فخورة بذلك وعدائية حيال كل من لا يشاركها التقويم الإيجابي لهذه السلعة. ولقد عاشت العاصمة الأميركية ازدحاماً عربياً من نوع خاص في الأيام الماضية. استقبلت وفداً من »السلطة« الفلسطينية ووفداً من المعارضة العراقية.
يحاذر الفلسطينيون، حتى الآن، فخ »قرضاي«. يعتبرونه تهمة. يطمح المعارضون العراقيون إلى »قرضاي«، الصفة والمنصب. يعتبرونه ترقية.
ومع أن الفلسطينيين يحاذرون الفخ فإن ذلك لا يمنع أن المشهد الخرافي حقيقة: مصير الثورة الفلسطينية
المعاصرة يُبحث مع المخابرات المركزية الأميركية. وما كان أقل منه يمكنه أن يكون أمراً جللاً وخطيراً، بات يبدو شبه عادي. لقد انكسر المحرّم.ومن دون تبرئة القيادة الفلسطينية يجب القول إن الوضع العربي الرسمي هو الذي بادر إلى الكسر. فالمناخ المسيطر عليه اليوم يمنع النظر إلى الولايات المتحدة كما تقدم نفسها: العدو والخصم. وهكذا فإن وزير خارجية عربي يعتبر »سخيفاً« كل كلام أميركي عن إشكال ما مع بلاده. ويرد بشرح مستفيض لحسن هذه العلاقات متصرفاً كمن يدفع عن نفسه شائنة. ويذهب رئيس وزراء إلى تعريف المؤامرة الإسرائيلية بأنها محاولة للإيقاع بين العرب والولايات المتحدة. وهكذا يصبح التقدير العلمي والموضوعي لواقع العلاقات العربية الأميركية، كما تريده واشنطن وتدفع إليه، يصبح هذا التقدير ضلوعاً في مؤامرة إسرائيلية!
إذا كان هذا هو »الإجماع« العربي الرسمي لا يعود غريباً أن تسود نظرية وضع البيض في سلة واحدة، أميركية، طالما أن 99 في المئة من الأوراق هناك. ومع ذلك يقف الوضع الفلسطيني عند حافة »قرضاي« ويمانع، حتى الآن، وأكثر من غيره، الوقوع فيه.
ليست هذه حالة المعارضة العراقية. فإذا ما وصف أحد أحمد الجلبي ب»قرضاي« رد المعني شاكراً ودغدغته آمال لا حدود لها. فالصفة محببة لديه والمنصب غاية طموحه. هذه هي »الجلبية«. إنها سعي دائم نحو »قرضاي«. غير أن المشكلة التي برزت في الزيارة الأخيرة هي انضمام »المجلس الأعلى للثورة الإسلامية« إلى هذا التيار. دخل، طبعاً، من زاوية بشاعة النظام التي تصل إلى حد أنها تُسقط محاذير تسليم المقادير إلى الولايات المتحدة. ليس الانضمام تفصيلاً من تنظيم مقيم في طهران.
أمام هذه اللوحة يبدو تحفظ »الحركة الدستورية الإسلامية« في الكويت مضحكاً. فهي تدعو، عملياً، إلى عدم مخالفة أميركا في ضرب العراق ولكنها تحذر من أن »ينجح العدو الإسرائيلي ومؤسسات نفوذه في الولايات المتحدة في هندسة العمل العسكري ضد النظام على نحو يحقق أهدافه الإقليمية«. أمام هذا الهذيان لا يمكن سوى
الترحم على ناجي العلي. فلقد كان الأقدر على كشف ما هو مضحك ومبك في هذا التحفظ الذي يستر عورة الانضواء الكبير بورقة العداء اللفظي للوكيل الصغير.
ولا يشذ الحاكم السوداني عن هذا السياق. فهو ماض في التأقلم مع إملاءات ما بعد 11 أيلول إلى حد ارتضاء المجازفة بوحدة بلاده. ومن يقل له »لقد أضعت الوطن« يلقَ جواباً: »كان هذا شرطاً لإنقاذ تطبيق الشريعة«. فإسلام الرجل لا يكتمل إلا بسودان ناقص. واللعب بالنسيج الاجتماعي جائز لتطبيق شريعة العسكر على من يتبقى من مواطنين. أما التناغم بين الحل والمطالب الأميركية المزمنة فمصادفة!
أمام هذه اللوحة لا يعود اللبنانيون الطامحون الى »قرضاي« شديدي الاستثنائية. يرتضون الصفة ولكن واشنطن تتأخر في منحهم المنصب. مشاكلهم مع نظامهم معروفة. تظاهروا أنهم مع حلول وطنية لها. غير أنهم باتوا يمعنون
في إشهار الرهان على حاجة أميركية إليهم في حال اتخذ القرار بالعلاج الجذري للمنطقة وهو علاج مفتوح، خلافاً لعقد التسعينيات، على تحمّل قدر لا بأس به من الفوضى.
لا خصوصية لبنانية لجهة الاستعداد. ولكن الأخطر من ذلك ان لا خصوصية لبنانية لجهة توظيف هذا الاستعداد ومآله.
لنعد إلى قرضاي الأصلي. إلى حميد. إن الحالة الأفغانية الحالية هي، في العمق، حالة فدرالية. السلطة في كابول راجحة ل»تحالف الشمال« وأمراء الحرب يمسكون البلاد. وحتى المركز نفسه فهو توليفة لا يمكنها أن تنتج استقراراً.
الحل المقترح في السودان حل يمثل التقسيم أفقه المحتمل. وكل حديث عن تغيير في العراق يشير إلى ان التعددية الفدرالية هي »الحل«. إنها رشوة الأميركيين لجماعات من أجل اجتذابها (إلا بقدر ما تمارس تركيا ضغطاً
في الحالة الكردية) وتعبير عن توازنات مجتمعية لا يعود يجمعها جامع بعد انكسار العمود الفقري. ويمكن الزعم، في لبنان، نتيجة لاعتبارات كثيرة، ان المشروع المسمى »قرضاي« هو مشروع تقسيمي يطل برأسه مجدداً بديلاً عن »وحدة« لم نحسن إنشاءها ودليلاً على انبعاث شياطين الماضي القريب لدى فئة لا ترفض إلا التدخل الخارجي الذي لم تختره هي. لن تُنتج هذه الفئة »قرضاي« لبنانياً. ستُنتج، في الحالة القصوى، أمراء حرب يطلقون، لحظة اقتتالهم الحتمي، الحشرجة الأخيرة وبعدها سيكون هناك، جدياً، غالب ومغلوب.
08/13/2002

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03529 seconds with 11 queries