عاش كلاهما هذه السنوات على وقع الانتصارات الحربية التي جعلت من سيف الدولة قائدا تعترف بفضله كل بلاد الإسلام وجعلت من المتنبي شاعرا عظيما وقد فهم سيف الدولة قيمة الشعر في زمن الحرب فاستغل صوت المتنبي في تهيئة جيشه ثم أخذه معه في حملاته فألهب صدور جنوده حماسا وحول معاركه إلى ملاحم خالدة. لقد تحول الشعر إلى سلاح ثمين عرف سيف الدولة أن يقدره خير تقدير لذلك ترك للمتنبي مساحة ليتقرب إليه وتغاضى عن كبريائه وأعلنه شريكا في الانتصار.أحس المتنبي أنه رجع إلى نفسه عبر شخصية سيف الدولة وأنه الشخص الذي يتمنى أن يكون وحتى سيف الدولة وجد في شخصية المتنبي الكثير من ذاته فكان تحالفهما في مصلحة الأمة والشعر.
ظن المتنبي أنه تماهى بالأمير وتصور أنه عرف كيف يمحو الفارق بين شاعر البلاط وصاحبه لذلك سرعان ما طمع المتنبي في تحقيق أحلامه الأولى التي حسب سابقا أنها تحولت إلى مستحيل. سرب المتنبي في شعره الكثير من التلميحات بشأن أحقية سيف الدولة بدور سياسي أكبر في خارطة العالم الإسلامي وكانت خطة المتنبي التي رسمها هو أن يسعى سيف الدولة إلى الخلافة فلا أمل في شفاء الدولة العباسية التي صار مصيرها بيد الفرس والأتراك وبذلك تعود السيادة للعرب وكان سيف الدولة يسايره في أحلامه لأنه يزيد من طاقة المتنبي الشعرية التي صارت ركنا رئيسا في تحفيز جنوده لذلك طمع المتنبي في خطوة أخرى في سبيل أحلامه الشخصية القديمة فطلب من سيف الدولة أن يوليه إمارة.ولكن المتنبي لم تكن لديه ذلك الدهاء الذي يمهد أوعر السبل فلم يحسب عامل المتقربين إلى سيف الدولة وعول على حظوته لديه و سيف الدولة نفسه لم يكن أبدا راضيا على أطماع المتنبي وتلك – كما الحال مع كافور لاحقا – من شيم أصحاب السيادة أبدا.
وحين ظن المتنبي أن سيف الدولة قد نصره على أعدائه تقرب من أخته خولة التي طالما أعلنت إعجابها بشعره فيكون بذلك قد لبى رغائبه في الحب والمجد معا غير أنه كان كعادته يطلب المستحيل ورغم أن سيف الدولة لم يرفض طلبات المتنبي فقد عرف كيف يتخلص منه في اللحظة التي انتشى فيها المتنبي بانتصاره على خصومه في مجلس الأمير.
|