عرض مشاركة واحدة
قديم 17/11/2007   #17
شب و شيخ الشباب verocchio
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ verocchio
verocchio is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
مشاركات:
2,795

إرسال خطاب MSN إلى verocchio
افتراضي


اضطهاد النساء، أول شكل واسع للا مساواة الاجتماعية.


بين المجتمع الشيوعي البدائي للجماعة والعشيرة، والأشكال الأولى للمجتمع القائم على سيطرة طبقية على أخرى (كالمجتمع العبودي مثلا)، هنالك مرحلة انتقالية لم تكن قد تطورت خلالها بشكل كامل طبقة مسيطرة مالكة، لكن تأسست إبانها لا مساواة اجتماعية واضحة. يشهد على وجود هذا النموذج من المجتمعات العديد من الآثار والأوصاف الماضية التي ما تزال بارزة على وجه الخصوص في الأساطير والخرافات والديانات « البدائية »، لكن كذلك المجتمع القرابي القائم اليوم في جزء من أرياف إفريقيا السوداء، وإن بشكل أكثر فأكثر تشويها، تبعا لاندماجه بالمجتمع الطبقي المسيطر في كل البلدان التي ما يزال على قيد الحياة فيها.
هذا الشكل الأول المؤسس للا مساواة والاضطهاد الاجتماعيين هو شكل اضطهاد النساء على يد الرجال في المجتمعات البدائية التي بلغت هذا الطور من التقدم. واضطهاد النساء لم يكن موجودا منذ البدء، فهو ليس ناتج جبرية بيولوجية تلقي بثقلها على الجنس النسوي. لا بل ثمة معطيات كثيرة تعود إلى ما قبل التاريخ وإلى مجتمع شيوعية العشيرة وتؤكد أن المساواة بين الجنسين بقيت قائمة زمنا طويلا. ومع أنه تنقصنا المعطيات التي تسمح لنا بتعميم هذه الظاهرة على مجمل البشرية البدائية، فثمة دلائل ساطعة على أن النساء لعبن دورا اجتماعيا مهيمنا في العديد من المجتمعات على الأقل. ويكفي أن نتذكر الظاهرة واسعة الانتشار لـ« الهة الخصب » كسيدة للسماء، لدى فجر الزراعة التي اخترعتها النساء، من أجل الاستنتاج أن الإحلال المعمم للآلهة الذكور (ثم للاله الواحد) محل هذه الالهة، لا يمكن أن يكون عرضيا. إن الثورة في السماء تعكس ثورة حدثت على سطح الأرض، وقلب المفاهيم الدينية ناتج عن قلب الشروط الاجتماعية للعلاقات المتبادلة بين الرجال والنساء.
ويمكن أن يبدو غريبا للوهلة الأولى أن يفتتح شيئا فشيئا عصر استعباد النساء الاجتماعي حين يتكرس دورهن الاقتصادي المهيمن عن طريق وظيفتهن الأساسية في أعمال الحقول (الثورة النيوليتية). إلاّ أنه ليس ثمة أي تناقض حقيقي.
فبمقدار ما تزدهر الزراعة البدائية تصبح النساء المصدر الرئيسي لثورة القبيلة، بشكل مضاعف: من حيث هن المنتجات الرئيسيات للأغذية ومن حيث هن منجبات للأطفال. ذلك أن التطور الديموغرافي لم يعد يستشعر به كتهديد، بل كنعمة محتملة انطلاقا فقط من قاعدة تمون بالأغذية مضمونة إلى هذا الحد أو ذاك، ولقد أصبحت النساء بفعل ذلك موضوعات جشع اقتصادي وهو ما لم يكن ممكنا في عصر الصيد وقطاف الأثمار.
وليمكن إنجاز هذه التبعية، توجب حدوث سلسلة متلازمة من التحولات الاجتماعية. تم نزع سلاح النساء، أي أن مهنة الأسلحة أصبحت حكرا على الذكور. وهذا الواقع لم يكن سائدا منذ البدء، تشهد على ذلك الأساطير العديدة المتعلقة بالأمازونات [28] والتي لم تزل تحيا في أذهان الناس في كل القارات. كما أن وضع المرأة قد تغير بشكل عميق بفعل تعديلات جذرية أدخلت على قواعد الزواج وإضفاء الطابع الاجتماعي على الأطفال، بغية ضمان هيمنة نظام الأبوة.
ومع تطور الملكية الخاصة، ومن ثم توطيدها، اتخذت العائلة البطريركية [29] بالتدريج الشكل النهائي الذي احتفظت به، رغم تعديلات متتالية، على امتداد قسم مهم من تاريخ المجتمعات الطبقية. ولقد أصبحت هي ذاتها واحدة من المؤسسات الرئيسية، التي لا يمكن الاستعاضة عنها، والتي تضمن استمرار الملكية الخاصة عبر الإرث والقمع الاجتماعي بكل صوره (بما فيها البنى الذهنية التي تؤبد الموافقة على السلطة « الآتية من عل » والطاعة العمياء). غدت منطلقا لعمليات تمييز لا تحصى على حساب النساء في كل دوائر الحياة الاجتماعية. والتبريرات الأيديولوجية والمسبقات المنافقة التي تنطوي على هذه التمييزات جزء لا يتجزأ من الأيديولوجية المسيطرة المرتبطة بالطبقات المالكة جمعاء التي تعاقبت في التاريخ. وهي بذلك قد طبعت، جزئيا على الأقل، ذهنية الطبقات المستغَلة، بما فيها ذهنية البروليتاريا الحديثة في النظام الرأسمالي وغداة إطاحته.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03052 seconds with 11 queries