عرض مشاركة واحدة
قديم 19/09/2009   #2
شب و شيخ الشباب Nasserm
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nasserm
Nasserm is offline
 
نورنا ب:
Aug 2009
المطرح:
نقطة زرقاء باهتة
مشاركات:
998

افتراضي



2.



أنت ـ كما توقعت ـ لا تفهمني ،وكل ما أقوله لك هو عن بيت في حارة اليهود في دمشق، تصوّر أنني اكتشفت أشياء مثيرة جداً في بيتنا ..
هل تعرف كيف ؟!

لا تعرف ...أقول لك ، قرأت كتاباً عن مقتل أحد الرهبان المسيحيين في القرن التاسع عشر في الحارات القديمة وقد جاء في الكتاب أن ثمانية عشر يهودياً قاموا بتنفيذ العملية، لم تكن قتلاً فقط بل كانت طقساً دينياً أو ما شابه ، غير مهم ..المهم أن الأماكن الذي يتحدث عنها الكتاب ما تزال موجودة، وقد ورد فيه أن الجثة تم تقطيعها ورميها في فجوة في الأرض تقع فوق أحد فروع النهر..هذه الفجوة في بيتنا....عثرت عليها...وتتبعت التفاصيل وتمكنت من مطابقة الكلام عن مقتل توما الكبوشي مع المكان...هل هذا يثيرك ؟...أعرف أنك تهتم ولكنك لا تريد أن تظهر لي ذلك..أنتم تتحفظون في العلاقة معنا، لكنني لست تماماً من هؤلاء الذين لا تريدون التعامل معهم، وأيضاً لست منكم، هل تريد أن أتابع ؟...اليوم يقولون لي أنت عظيم لأنك رفضت السفر إلى هناك....ليس لدي وقت للتفكير في ما إذا كان قراري صحيحاً أم لا..أريد أن أتوقف عن التفكير بصوت عال معك...لا يمكنني أن أبقى هكذا أثرثر كممثل مسرحي عجوز. قرأت ما كتبته عن العبور وعن جدنا الكبير جد يعقوب وموسى. كيف لا تهتم وأنت تحفر في ثقافتي ؟..تقول ليست ثقافتي وحدي ولكنها ثقافتنا معاً ؟..أوافقك..ثقافتنا معاً ولكن عليك الانتباه إلى التفاصيل..التفاصيل أهم من النتائج ، لأن العالم مكون منها وليس مبنياً على القواعد الكبرى .مثلاً عندما جاءت إلي راحيل لتخبرني أن أبي مات في غرفته وهو يرتب أوراقه كي يرحل إلى هناك لم تكن تعرف كيف تنقل لي ما حصل ..كانت بكماء، وكان وجهها قد تحول إلى اللون الأزرق مما زادها قبحاً.كانت راحيل جميلة في صباها ولكنها الآن ليست كذلك.عندما وصلت إلي لتخبرني أن أباها قد وقع عن الكرسي ميتاً منذ دقائق، كانت وكأنها تعيد مشهداً قديماً.وكأنها ستقول انهار الهيكل، وجاء نبوخذ نصّر ليسبينا...لا أعرف لماذا تلبّسني هذا الإحساس ...لم أكن حاضراً وقتها ..قبل الميلاد بخمسمائة سنة ...ولكنها الجينات يا صديقي ....الشيفرة تنقل لي ما حصل ..لماذا لا تقرأ كمال الصليبي...التوراة جاءت من جزيرة العرب ؟..والبحث عن يسوع ...اسمع..أتذكّر ما كتب الصليبي: في العام 568 ق.م تقريباً، قضى الملك نبوخذنصّر البابلي على مملكة يهوذا(وفي يقيني أن مركزها كان في سراة عسير،إلى الجنوب من الحجاز)،فقبض على آخر ملوكها،وهو المدعو صدقيا،وأمر بقتل جميع أبنائه أمامه،ثم قلعت عيناه،وقيّد بالسلاسل،واقتيد أسيراً إلى بابل حيث مات في أرض (لا يراها) كما ورد في سفر الملوك وسفر حزقيال . ودرجت العادة لدى شعبي بعد ذلك مذ بداية الملك عندهم بأن يكرّس كل واحد من ملوكهم لخدمة الله عند تبوّئه العرش عن طريق مسح الرأس بالدهن، بحيث يصبح(مسيحاً للرب) ولذلك اصبح لقب (مسيح) يطلق على ملوك بني إسرائيل،وخاصة ملوك يهوذا من سلالة داود،وبعد زوال مملكة يهوذا، أصبح كل واحد من المطالبين بعرش داود، في نظر أتباعه في الأقل، مسيحاً منتظراً تعقد حوله الآمال لإحياء الملك الإسرائيلي الضائع.
هل تعرف شيئاً ؟...لا أظن أنني هو ...لست ذلك الذي ينتظرونه.ولذلك لا أريد الذهاب إلى هناك...مملكتي في كل مكان.

* *

ـ مرحبا
ـ أهلاً .....
ـ أنا إخاد ...هل تسمح بقليل من وقتك ...؟
ـ إخاد!! ..نعرف بعضنا ..؟
ـ لا...ولكن أريد التحدث معك قليلاً...قرأت كتابك (لغة محمد) منذ عشرة شهور تقريباً، وأريد أن أكلمك بخصوصه...إذا لم يكن لديك مانع.
ـ لا ..تفضل....
ـ أعجبني الكتاب...هو بحث سريع وعميق...
ـ ولكن كيف حصلت عليه ؟...تعرف أنه ممنوع ؟
ـ أعرف ولكنني حصلت عليه عن طريق الأصدقاء...استعرت النسخة ولم أعدها لصاحبها وهو نسي الأمر..
ـ وكيف عرفتني الآن ؟
ـ سألت النادل ...فقال هذا هو الذي يجلس هناك ...
كانت هذه الكلمات هي الأولى التي دارت بيننا أنا وإخاد صاحب الاسم الغريب،الذي اقترب مني في المقهى وهو يبتسم ...الأشقر المريب ...
والآن ...كيف سأتمكن من محاورته وأنا عالق في الهم والمشاكل ..ولكنه يهتم لأمر كتابي ، ويجب أن أحترم رغبته واهتمامه، لا يعرف إخاد طبعاً أنني مفلس وأنني لن أتمكن حتى من دعوته على كاسة شاي أو فنجان قهوة ، حسناً (حكم) أكبر ندلاء المقهى لن يخجلني هذه المرة ، سيترك لي حساب القهوة التي سأطلبها للضيف إلى الغد.
ـ ماذا أطلب لك ؟
ـ لا داع ...أفضل لو نغيّر المكان إذا كان لديك وقت ولست مرتبطاً بموعد.
ـ كم الساعة الآن ؟...آآ...الساعة الآن الثالثة ...في الظهيرة الشتائية.. من يمكن أن يواعدك في مثل هذا الوقت ؟
ـ امرأة مثلاً ..
ـ لا ..
ـ إذاً لنذهب من هنا ...
ـ لنذهب .

* * *

كان مساءاً غريباً، في الطريق إلى غرفتي في باب توما...قرب مدرسة الكتاب المقدس...لم يخطر ببالي وأنا أمشي وحيداً في ليل المدينة القديمة أن ليندا ستفتح باب بيتها فجأة، وتدخلني وكأنني طرد بريدي، كنت أعرف أنها ستنهار يوماً ما ولكن ليس بهذه السرعة، تقول إنني أسحرها، على الرغم من إحساسي بأنني غالباً مرتبك ولا أعرف كيف أقوم بدور الرجل الذي يسحر الفتيات، أبدو حاداً وشرساً، ولكنني لست بأية حال آل باتشينو..أو حتى محمد عطية نجم الستار أكاديمي...حين اترك لحيتي أصبح أكثراً شبهاً بالمسيح...أو غيفارا...وحين أحلقها أصبح مثل توم كروز أو عمرو دياب...

لم تكن ليندا تسكن وحدها..هناك والدها وأمها وأخوتها الشباب جميعهم..وأنا ماذا أفعل هنا في المدخل الضيق لبيتهم القديم ...لم أره من الداخل من قبل ...في شارع الكنيستين...بعد كنيسة الأرمن..على زاوية تمثال العذراء...بيت عمره خمسة آلاف عام...ولكنه من الداخل أكثر من ذلك..كل ما فيه على حاله...يبدو أن والدها بخيل ولم يرمم شيئاً ولم يكلف نفسه عناء إصلاح الحيطان التي ملأتها الشقوق...حيطان الحجر التي لا دهان عليها في مدخل البيت...

* *

منذ يومين كتبت هذه القصيدة، وتركت أوراقها في حقيبتي، ليس لدي بيت الآن، أشعر أنها تصلح للإلقاء في أمسية في بار أو بوب..بأضواء خافتة..وموسيقى صاخبة...وصبايا جميلات يجلسن قرب البار وحولي وأنا أقرأ..كتبت القصيدة كي تذهب إلى هناك، المكان الذي أصفه، ولا أعرفه:
تفصيل من حنانيا
في الحي الشرقي خلف باب الشمس حيث تضع الكرة الملتهبة بيضها على سطوح البيوت الحجر في حنانيا، وحيث ينتهي قوس الكواكب في آخر أبواب المدينة، شيءٌ ما يدفع الكائنات إلى المشي في طريق مرصوفة ومتعرجة ....
في الزيتون ...
وعند مار جرجس...
في الزاوية السريانية...
تمر الظلال ...
والأجنبية تلمس الحجر القديم .................
تقفز في المشي كفرس الجندي ...
شعرها مربوط كذيل الفرس ....
ستذهب نحو حنانيا ....
ولكنها لن تدخل القبو ..
ستمر باتجاه اليسار حيث تقف العذراء في طرف الطريق ..
تشعل شمعاً للسيدة ، وتصافحها ...
وتكمل طريقها نحو الغرب ...
ستدخل حي دار الكتاب المقدس ...
ولكن شيئاً يدفعها أكثر إلى بار قريب ...
تشرب البيرة ....
بلا أحد ...
لا يهم ..
اشترت بالأمس تعويذة قديمة من تحت سور القلعة ...
كان اليهودي على مسافة ...
ماذا يفعل في حنانيا ؟.....يطرّز قماشاً ؟...يحفر على النحاس ...؟...بيده خنجره المعقوف ، وعلى كتفه وشم لم يعرف أحد كيف يمكن أن يقرأه ....ليس بأحرف عبرانية .. وليس رسماً ....كان يفكر في أمر ما . لم ير الأجنبية ...ولم يمش خلفها ..وهو لا يتوقف أصلاً عند العذراء ...ولا يشعل الشمع ...
مع أنه سيدخل إلى القبو عند حنانيا ....لا للصلاة ...ولكن لتعبّد سحر الاسم العبراني ..... وليعرف أن الوشم على كتفه ليس لغة ولا رسماً ...يهودي يدلّ يهودياً على الطريق ...على الحجر القديم خلف باب الشمس ...
هل للنبيذ هنا طعم تفاح الجنوب ؟...أم أن العنب الآشوري سيبقي في أسفل الزجاجة كي يبدأ الشاربون في تأويله ؟...وفي التفكير ...هل آشور هنا أم هناك ....؟...في الزجاجة الطويلة ذات العنق أم في البلاد خلف النهر ؟....
أين ذهب الجالسون من حولي ؟...قالت الأجنبية ...
يمر اليهودي أمام باب البار ...لا تنظر إليه ..ولم تنتبه إلى خطواته الخفيفة ...وهو بلا ظل ....ولم يلتفت ....
تترك النبيذ ...لنعد إلى البيرة ..(ميشيل) صاحب البار يحضر لها ما تطلب ..ولا يتكلم ..ولا يضايقها بنظراته .....هو لا يهتم أيضاً بفرس الجندي ...ولا بربطة ذيل الحصان ...ولا حتى بالتعويذة ...
عبرت طيورٌ لا يراها أحد ....وعبرت غيوم لم يرفع رأسها إليها أحد...وعبرت الشمس دون أن يستوقفها أحد ...عبر اليهودي ....
وعبرت سماءٌ لا يراها أحد .....
في دمشق يمر الإله ولا يشعر به أحد .....
أجلس عند الأدراج الواطئة ....في باب توما ...وفي الحرّاث ....قرب الكنيس والقشلة ...وفي شارع الألم ....يجلس إلى جانبي اليهودي ....وبجانبه تجلس الأجنبية ...النهر يفكر في نهاية أفضل ...وشجر التين الذي يقتلعونه يثرثر مع الجرافات ...
تصعد المدينة القديمة إلى غيمها ...
لماذا لا تسكنين معي في المدينة القديمة ...؟....لم لا يثيرك الضوء الأسود في الحجر الأموي ؟....وكيف تقولين كلاماً عن غير المكان الساحر ؟...
أنت هنا في صحرائي وفردوسي ...في الغيب السماوي ....وفي أقصى اللون الأزرق ....في التعويذة ...والكلمات ...وفي مخطوط العجوز العائد من أرض ميعاده ....
ولكن أين أنت الآن ؟....
هل ذهبت إلى البحر ؟...
هل فتحت السفينة المخبأة في حقيبتك الصغيرة ...؟
هل غبت في قصيدة حب لشاعر كردي ؟
هل أخذك الحرف في لوحة بالفارسية ؟
هل تعلقت بالنون ؟
الألف إشارة إليك والراء سريرك ...
رأسي يعصف ...بعجينة ألوانٍ ....
من أراكِ المئذنة ؟
ومن وضع كفّكِ عند رأس الحسين في قلب معبد "حدد" ؟
ومن جعلك تجلسين في حوض المعمودية قرب يحيى بن زكريا ...؟
لم أكن أنا ....
ولم تكوني أنت من فعل ذلك ...
كانت المدينة تصوّر كل شيء...كعدسة هائلة...كشاشة تعرض فيما بعدُ ما تفعلين ....ولكن أنت لا تفعلين ...تقولين أعود إليك في خريفٍ هادئ ....وتعودين ..أكون في الصحراء...وتحملني إليك التعويذة...ولكن لا أن أعثر عليكِ ؟....

سأكتب لعنات على شياطينك وعلى المدينة ....
في المسكيّة ....أشتري لك البخور...وأقول إنك لن تعرفي كيف تشعلينه في جسمكِ...أضع لك خشباً أحمر ونحاساً في علبة البخور....
لن تفهمي ....
لستِ من مملكتي...
ولستِ الأجنبية...واليهودي يراقبني...يجلس عند بركة الماء المطفأة....

* *

ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين. (جبران النبي)
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.25043 seconds with 11 queries